تنطلق من مؤتمر هرتسليا "الاستراتيجي" الذي بدأ اعماله يوم الثلاثاء دلائل ومؤشرات تؤكد معطياتها أن ما يجري طرحه من خلال مداخلات المسؤولين من وزراء ورجال أمن مختصين وغيرهم هو بلورة أهداف استراتيجية جوهرها ومدلولها السياسي العداء الصارخ والتنكر الشديد للحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية وللحقوق القومية والمدنية للمواطنين العرب الفلسطينيين، للأقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل ولحقها بالمواطنة الكاملة في وطنها الذي لا وطن لها غيره.
في مقالة سابقة نشرت الاربعاء الماضي في "الاتحاد"، تطرقت الى الرؤية الاستراتيجية لرئيس المخابرات العامة (الشاباك) آفي ديختر، المعادية لحق الشعب الفلسطيني بالتحرر والسيادة الوطنية ونظرته التشكيكية للمواطنين العرب في اسرائيل وتأكيده "بأن وجود عرب اسرائيل بيننا يعتبر مركبًا جديًا هامًا جدًا في مناعة الدولة"!! وهو يقصد بذلك ان المواطنين العرب اذا ما دجنوا سياسيًا يمكن استغلالهم كورقة تين لاخفاء عورة الدمقراطية الاسرائيلية المشوهة وللتضليل عالميًا بالترويج لطابع النظام القائم في اسرائيل على ممارسة سياسة القهر القومي والتمييز العنصري. انه يقدم هذه النصيحة الاستراتيجية بعد أن يضع السم في الدسم ويؤكد انخفاض عدد العرب الذين شاركوا في اعمال ارهابية في السنة الاخيرة مقابل زيادة تجند العرب في خدمة حزب الله اللبناني وزيادة تأثير ايران على العرب.
ومن خلال "ضربة على المسمار وضربة على الحافر" فإنّ ديختر عكس عمليًا من خلال رؤيته للعرب المواطنين في اسرائيل ولو بشكل حذر ومبطن نظرة الريبة الرسمية الى العرب باعتبارهم خطرًا امنيًا وطابورًا خامسًا "معاديًا للدولة". واذا كان ديختر، رجل المخابرات العامة، قد حدد الموقف من المواطنين العرب بصورة دبلوماسية حذرة تخفي في طياتها المدلول العدائي للعرب، فإن وزير المالية ورئيس الحكومة الأسبق، بنيامين نتنياهو، لم يترك للدبلوماسية مجالاً، وعبّر بصراحة تامة وبوقاحة سافرة منفلتة العقال عن رؤيته الاستراتيجية العنصرية المعادية للشعب الفلسطيني وللجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل. فأمس الاول، الاربعاء، قدّم مداخلة في مؤتمر هرتسليا "أدهشت" الكثيرين. فبصفته وزيرًا للمالية في حكومة الكوارث اليمينية توقع الجميع ان يركز في مداخلته على الناحية الاقتصادية الاجتماعية عارضًا وجهة نظره ورؤيته الاستراتيجية لمواجهة التردي الاقتصادي - الاجتماعي في ظل أعمق ازمة ركود اقتصادي تواجهها اسرائيل، وما هي رؤيته الاستراتيجية لمحاربة الفقر والمجاعة التي يعاني من مآسيهما اكثر من مليون واربعمائة الف مواطن يهودي وعربي، ولمحاربة البطالة التي تعج سوقها بأكثر من ثلاثمائة الف عاطل عن العمل. لم يكن الموضوع الاقتصادي - الاجتماعي الشيء الاساسي والمركزي في كلمته المطوّلة، بل عرّج عنه للتركيز على الموضوع السياسي، وقد سكت نتنياهو دهرًا ونطق كفرًا، كما يقول المثل، فمنذ استلامه حقيبة المالية انزوى في الركن الاقتصادي ولم "يتدخل" كعادته بابداء رأيه في القضايا السياسية الحساسة والملحة. والظاهر انه في الظروف السياسية المصيرية التي نمر بها في منطقتنا وعلى ساحة الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني أصبح التنافس بين قادة الليكود واليمين حول تحديد الموقف من حقوق الشعب الفلسطيني ومن الاقلية القومية العربية في اسرائيل جواز المرور لغزو واستمالة اوساط اليمين وغيرهم ولتعزيز مكانة هذا القائد او الوزير اليميني او ذاك، خاصة وان المنافسة لوراثة شارون على رئاسة الحزب اصبحت قريبة وعلى الأبواب. وخطاب نتنياهو في مؤتمر هرتسليا يندرج في هذا السياق.
ففي المجال السياسي من خطابه ركز نتنياهو على ثلاث قضايا أساسية تعكس عمليًا طابع هوية موقفه كفنان في التضليل الديماغوغي وكعنصري معادٍ للشعب الفلسطيني وللمواطنين العرب في اسرائيل.
فالقضية الاولى التي طرحها اراد خلق الوهم، وبشكل ديماغوغي سافر، وكأن قضية الصراع مع الشعب الفلسطيني قد حلّت واخمدت انفاسها!! يقول نتنياهو في خطابه امام المشاركين في مؤتمر هرتسليا "لقد تحررت وتخلصت اسرائيل من كل الجماهير الفلسطينية، وعمليًا في كل اتفاق مستقبلي، لا تنوي اسرائيل استمرار التسلط على الفلسطينيين والتحكم بهم، وانا لا ارى تسوية، يريد في اطارها اي انسان عاقل التمسك بالفلسطينيين كمواطني اسرائيل"!! ولا يعني المدلول السياسي لتخرصات نتنياهو هذه انه يرفع لواء الانسحاب الاسرائيلي من جميع المناطق المحتلة في العام 67 واقامة دولة مستقلة للشعب الفلسطيني عليها، لا يعني ذلك أبدًا، خاصة وانه من حيث الموقف من الد الاعداء المعارضين لاقامة دولة فلسطينية مستقلة تزيل الاحتلال ودنسه الاستيطاني، ولكن ما يقصده يتمحور في امرين اساسيين، الاول، التخلص من الجماهير الفلسطينية مع التمسك بالارض الفلسطينية المحتلة، انتهاج سياسة مع فلسطينيي المناطق المحتلة عام 67 كما انتهج مع الفلسطينيين الذين تشبثوا بأظفارهم بتراب الوطن بعد نكبة 1948، اي تجميع اكبر عدد من السكان العرب على اقل مساحة من الارض وذلك من خلال مخططات وبرامج مصادرة ونهب الاراضي العربية وتهويدها استيطانيًا. فنتنياهو يؤيد اقامة الجدار العنصري الفاصل، ففي خطابه أكد نتنياهو انه خصص 700 مليون شاقل لمواصلة بناء الجدار العنصري وانه انفق ملياري شاقل خلال هذه السنة لتمويل بناء الجدار وبقاء المستوطنات اليهودية الكولونيالية جاثمة على صدر الارض الفلسطينية والتخلص من الفلسطينيين بحشرهم في جزر وكنتونات معزولة عن بعضها البعض من حيث التواصل الاقليمي. والثاني - اراد نتنياهو ان يؤكد ان التخلص من الشعب الفلسطيني وعدم بقائه تحت السيادة الاسرائيلية او اعطائه حق المواطنة يحصّن اسرائيل ويحميها من تغيّر في الموازنة الديموغرافية يهدد طابع الدولة اليهودية والاكثرية اليهودية في الدولة. وبهذا التوجه الديماغوغي الكولونيالي العنصري اراد نتنياهو ان يوجه ويركز الانظار بأن الخطر الاساسي الذي يتهدد الدولة اليهودية من حيث بنيتها الديموغرافية ليس ابدًا الفلسطينيين من المناطق المحتلة الذين سنتخلص منهم، بل من داخل اسرائيل، من المواطنين العرب، من الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل! يقول العنصري نتنياهو في خطابه المذكور ما يلي "ان المشكلة الديموغرافية ليست هناك في المناطق (الفلسطينية المحتلة - أ.س) واذا كانت موجودة، فهي هنا، المشكلة الديموغرافية عرب اسرائيل"!! ومن هذا المنطلق العنصري يدعو نتنياهو الى بلورة سياسة استراتيجية تضمن بقاء اكثرية يهودية في الدولة، ولتحقيق هذا الهدف يؤكد المذكور "إذا كان الهدف هو دولة يهودية دمقراطية، فعلينا واجب الحفاظ على وجود اغلبية يهودية، وهناك مسألة علاقتنا مع الاقلية العربية. ودمج الاقلية العربية في المجتمع هو مسألة رقمية وعددية، وإذا وصل عددهم الى 40% من السكان، فهذا يعني الغاء الدولة اليهودية، وإذا كانت نسبتهم (20%) وعلاقات تحد ومواجهة، فعندها هناك حاجة لسياسة تضمن الاغلبية اليهودية في اسرائيل"!!! انه توجه عنصري شديد الخطورة من حيث مدلوله السياسي، خاصة وانه يأتي من قبل وزير مركزي يعد البدلة لوراثة شارون في رئاسة الحزب والتكتل اليميني. انه توجه عنصري فاشي، فأولاً لا يمكن ان تكون اسرائيل دولة دمقراطية في وقت تمارس فيه مخططًا عنصريًا وسياسة عنصرية ضد جزء من مواطنيها. وثانيًا، ومن منطلقه العنصري فان نتنياهو يعتبر مسألة علاقة النظام والدولة بالأقلية القومية العربية ودمجها مسألة رقمية وعددية، وليست مسالة حق المواطنة والمساواة القومية والمدنية كحقوق ومبادئ اولية للدمقراطية وحق المواطن. نتنياهو ينظر الى المواطنين العرب كخطر امني يجب تحجيمه في اطار نسبة معينة وعدد معين واذا ما تخطوا هذه النسبة وهذا العدد فعندها، كما يعوي ذئب العنصرية، هناك حاجة لسياسة تضمن الاغلبية اليهودية، اي اللجوء الى سياسة ممارسة الترانسفير للعرب، اخراج الاشكال "المناسبة" من برامج الترانسفير والترحيل للتخلص من "العدد الفائض" المحدد للعرب.
ما نود تأكيده انه لو كان الحكم دمقراطيًا لقذف بالعنصري نتنياهو لكي يتعفن وراء القضبان، ولكن ردنا على داعية العنصرية والترانسفير ان جذورنا في ارض وطننا، في هذا الوطن الذي أصبح مشتركًا للشعبين اعمق من ان يستطيع من حملته الطائرة قبل سنوات من امريكا وحطته في ارض هذا الوطن مهاجرًا جديدًا ان يقلعها، وبوحدتنا الكفاحية وبتضامن القوى الدمقراطية اليهودية نستطيع دحر المخططات العنصرية والترانسفير والتدهور السريع نحو الفاشية العنصرية التي تعدت عتبة الدار في بلادنا.
وبتوجهه العنصري العدائي للشعب الفلسطيني وللجماهير العربية في اسرائيل اراد نتنياهو أن يتزود بهما على ساحة المنافسة مع غيره من الوزراء في حكومة اليمين الشارونية، مع ايهود اولمرت وغيره، اذ انطلق بنتقد بشدة الوزراء الذين يقترحون برامج سياسية. هزلت! ألم يقترح جنابه برنامجًا عنصريًا ترانسفيريًا ضد العرب!
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/