آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 2222 - 2008 / 3 / 16 - 11:23
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
النظام الدولي كظاهرة تأريخية حديثة, متعدد الأهداف والممارسات, يتأرجح في حركته بين مد وجزر. حركة تأريخ رأس المال, بنية, وحدة, حركة متعدد الأغراض والمرامي, في آلية حركية مستمرة, أشبه بالبيت الزجاجي, متداخل المصالح, قائم على الفوضى والتعارض, على الانتظام, على التصادم, على توسع رأس المال, توسيعه من أجل إعادة إنتاجه وفق قوانين السوق. أكاد أقول إنه لا يوجد أحد خارجه سواء كانت دول أو أنظمة سياسية أو حكومات أوقوى سياسية أوفئات سياسية أو أجتماعية نافذة, أو مهمشة, سواء كانت في المعارضة أو في السلطة, كل حسب وزنه, ثقله النوعي والكمي, موقعه في الخارطة السياسية المحلية أو العالمية, قوة شده, رخيه, تأثيره, تأثره وإمكانياته في التأثير على مجريات الأحداث, وكل حسب موقعه وقدراته على فرض شروطه على هذا النظام لتحسين موقعه وموقع القوى التي يمثلها.
ليس لأي دولة أو قوى سياسية أو فئات اجتماعية أو قوى اجتماعية أو أحزاب سياسية الخيار أوالقدرة على الخروج من النظام أو عدم الأنخراط في شؤونه وشجونه واغراضه واعراضه وخاصة بعد الثورة العلمية والتقنية الذي أدى إلى تسريع عملية التداخل والتشابك في المصالح بين الأطراف النافذة فيه مما شكل طبقة من المتنفذين: الفئات الحاكمة في البلدان المتقدمة, الممثلة لأصحاب رؤوس الأموال, البنوك, المؤسسات الكبرى, الشركات العملاقة العابرة للقارات, الفئات الحاكمة في البلدان الفقيرة بالإضافة إلى المفكرين الانتهازيين والسياسيين الممثلين للفئات المسيطرة مما شكل شكل من أشكال البناء الفوقي القائم على إدارة مصالح القوى الداخلة فيه كل حسب قدراته.
لكنه نظام قلق, نشط, غير مقيد بحدود أوحواجزتحد من آلية حركته ونشاطه, لأعب ماهر,عاهر, لصوصي, مجرم, بلا أخلاق, بلا قيم أو مبادئ, مقاتل , أناني, انتهازي, مجرم, متحرك, متبدل متغير المواقع ولا فرق بين الدول المشاركة فيه سواء كانت تحت يافطات دولة دينية أو ماركسية او علمانية أواستبدادية, وما يحكم هذا النظام هي مصالح متنفذيه والداخلين فيه التي هي هي في الجذرمتناقضة مع مصالح الفئات الفقيرة.
لذا فإن مصالحه بالمجمل في حالة تفارق سياسي واقتصادي واجتماعي مع مصالح الفئات الاجتماعية المهمشة كالعمال والفلاحين وسائر الشرائح الاجتماعية الكادحة.
إذا النظام بنية, يعمل البناء الفوقي منه, الدول والحكومات والاحزاب السياسية المشاركة والقوى المنخرطة فيه بالإضافة إلى الشركات العملاقة واصحاب رؤوس المال على ترتيب وتحسين شروط بقاءهم ضمن التراتبية القائمة على القوة والسيطرة والمصلحة.
وهو نظام قائم على مستويين متناقضين حادين ويزداد شراسة وتعقيداً: المستوى الأول هي الشعوب التي لا تملك والمستوى الثاني هي القوى والفئات المالكة لوسائل الأنتاج ولاعبيه الكبار, سواء كانت داخل كل دولة أوعلى الصعيد العالمي.
كما أن هذا النظام نفسه يدخل في نزاعات حادة وصراعات وتعارضات قاسية ومستمرة, فيما بينه, خفي حيناً وصريح وواضح حيناً أخر, وبين منطقين أيضاً: منطق مصالح الفئات الاجتماعية المهمشة التي لا تملك أي شيئ ومنطق الفئات الحائزة على الثروة والمال والسلطة والنفوذ على المحيط العالمي, وهو صراع بين التحديات التي تواجهها الحركات الاجتماعية الرافضة لهذا الانقسام الرأسي وبين منطق التكيف لشروط رأس المال.
كما إنه ليس معنياً بمصالح الشرائح الاجتماعية المهمشة وليس من مهامه الإلتفات إلى المشاكل العالقة في المجتمعات كالفقر والبطالة والجوع والحرمان والضياع والتهميش بالإضافة إلى عدم الاكتراث للخراب الذي حدث ويحدث للبيئة والأرض والماء وتلوث الهواء.
يعمل النظام موضوعياً وفق آليات متعددة, متنوعة, وذلك فق مصالح الاطراف المنخرطة فيه: أي أن آلياته الداخلية تفرض عليه دوماً دوراً ما, وذلك بسبب شروط تأريخية محددة تضعه في علاقة تحالف أحياناً وفي حالة تصادم أحياناً أخرى وفق علاقة موضوعية متفاوتة, أي أن ألياته الداخلية, حركته, أهتزازاته متداخلة في جوهرها.
ليس من مهام هذا النظام أو على جدول أعماله العمل على نشرالاستقرارعلى الصعيد العالمي أو السلام أو السلم في ربوع العالم بل هو يسعى على نشرالحروب والاضطرابات السياسية والفوضى /الغير خلاقة/ والخراب والصراعات البينية في العالم الثالث أو غيرها من الدول سواء كان ذلك في داخل كل دولة أو بين دول الجواروذلك حسب الضرورة وما يفيد استمرارية النظام وديمومته.
كما لم تعد هناك حدود دولية مصانة بقانون دولي فالحدود /الوطنية/ لم تكن مصانة ولن تكون مصانة في هذه الظروف او في المستقبل القريب مما يعني هذا أن الداخل أضحى مكشوفاً وعارياً وأن رياح الخراب ستهب عليه من كل الجهات ويسهل عملية الدخول العسكري من الدول القوية والمتمكنة في النظام إلى الدول الضعيفة منه وفق حسابات استراتيجية من قيادة النظام, لتعميق التداخل فيه. كما تغيرت مفاهيم الاستقلالات الهشة التي كان متعارفاً عليه موقتاً واسثنائياً في ظروف وفترة الحرب الباردة, التي كانت فترة قصيرة نسبياً. كما راحت تتأكل مفاهيم كثيرة كانت سائدة:
كالسيادة الوطنية والتحررالوطني, والاستقلال السياسي والاقتصادي وأضحى الداخل /الوطني/ الوهمي في العالم الثالث مكشوفاً وعارياً ويمكن بسهولة دخوله واختراقه تحت حجج وذرائع مختلفة كما حدث في بنما /1989/ وأفغانستان/2001/ ويوغوسلافيا/1999/ والعراق/2003/ والصومال/1993/ ومرشحة دول كثيرة للاحتلال, ومهددة دول أخرى كالصين والهند وروسيا وتركيا للانقسامات الحادة والحروب الأهلية والمجازروالدمارداخل بلدانها, كما لااستثني أوروبا أيضاً من صراعات ونزاعات داخلية فيها في المستقبل.
كما إنه يسعى اليوم على نشر الفوضى التي تجتاح دول أفريقيا وأسيا وتغذية الصراعات الداخلية داخل بلدنها أوعلى حدود الجوارمن قبل النظام من أجل أحداث تغييرات بنيوية في بنية هذه الدول وإعادة بلورتها ودفع تموضعاتها بما يتلاءم مع التطورات التي يرتئيها رأس المال في العالم ووفق حاجة النظام إلى إعادة ترتيب أولويات حاجاته لإدارة العالم. لهذا نقول:
ليس لأية دولة القدرة أو الأمكانيات المادية أن تكون خارجه وأكبر من قدرة القوى الداخلة فيه على فرض شروطها بقواها الذاتية أو للضغط من أجل تحسين موقعها بمفردها.
كما لم يعد للخيارات /الوطنية/ والانعزال عن النظام دوركما كان سابقاً كالاشتغال على التنمية والنهوض, وغابت من الادبيات السياسية مفاهيم التحمورعلى الذات والعمل من أجل السيطرة على التراكم وبناء الثورة الوطنية الديمقراطية, وتقاسم المصالح, والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الاجتماعية والاشتراكية وتوزان القوى كما حدث للصين والاتحاد السوفييتي السابق.
إن الفئات الحاكمة والمتنفذة في البلدان الفقيرة تعمل مع النظام وفق مصالحها الضيقة والرخيصة بشكل حثيث وبالدعم الكامل والتعاون الدائم معه على لجم حركات الرفض والمقاومة أوالعصيان المدني أوالمطالبات السياسية المشروعة كالمشاركة في الشؤون السياسية لبلدانهم من خلال تداول السلطة والتعددية السياسية والحزبية تحت يافطات محاربة الارهاب والارهابيين.
ان التناقضات والنزاعات والتعارضات في بنية النظام ليست إلا ظاهرة تأريخية مستمرة كصخرة سيزيف في إعادة تموضع الدول والقوى والفئات الاجتماعية النافذة في التراتبية المستندة على القوة بأشكالها المختلفة الاقتصادية والعسكرية والمالية والتقنية وكأن الوضع في تناقض ونزاع مستمرفي حدود دولة داخل دولة ولكن على الصعيد الكوني العام.
وهو يعوم يوماً بعد يوم في ظروف بالغة القسوة, لعدم قدراته على ضبط تناقضاته الداخلية سواء كان ضمن الحدود الوطنية أو خارجه لعدم قدرته على السيطرة عليه نتيجة المستويات العالية من التدميروالتمزق والتفاوت بين القوى التي لم يسبق لها مثيل في التأريخ
وهو نظام موضوعي قائم وسيبقى:
لأنه خاضع ويخضع للشروط الفلسفية والفكرية القائمة على الملكية الخاصة وتقديسها.
لهذا يعمل الموضوعي والذاتي على العمل بلا كلل ولا ملل وبآلية متحركة وفي حالة حركية سريعة في توزيع إرادات القوى والمال والسلطة والنفوذ. فهو متداخل المصالح, متناقض, متعارض, متقاطع, متصالح, متخاصم وفي حالة صراع تأريخي طويل لا ينتهي بنهاية امبراطورية أو مجيئ امبرطورية أخرى. هو في حالة دوران دائم يعمل على نقل مواقع القيادة فيه من مكان لأخرفي ظل التراتبية القائمة على امتلاك القوة العسكرية والاقتصادية والطغمة المالية الهائلة, وهو لا يعترف بجنس أوعرق أوقومية أوطائفة أو دين أو أصل أو فصل. هو خاضع ويخضع لمن يملك أدوات الهيمنة أوالسيطرة وقدرتها على الاستمرار في أداء مهامها على أكمل وجه والعمل على ترتيب التوازنات داخله والتحكم في مسارأضطراباته سواء كان في الداخل أو الخارج.
وهو قائم ومتموضع على واقع شديد القسوة فيه حدة من التناقضات في بنية النظام وفي بنية بنيات أنظمته القائمة على أخضاع الحلقات الصغيرة فيه والضعيفة في مواقعه الأخيرة لشروط النظام.
إذاً حدة التناقضات فيه شديدة القسوة وتشتد يوماً بعد يوم.
ويدخل مع بعضه في صراع من أجل تملك تراتبية القوة القائمة على تراتبية السلطة والمال والنفوذ وتملك القوة من اجل الهيمنة والسيطرة على النظام.. بهذه الشكل تكون كل الدول تدخل بشكل أو أخر في إعادة ترتيب وضعها من أجل تحسين بقاءها وتحسين شروط موقعها في هذه التراتبية التأريخانية.
بهذا المعنى نقول أن جميع القوى السياسية منخرطة في هذا التقسيم وفي إعادة ترتيب تراتبية القوى والمصالح على الصعيد العالمي هي أشبه بعملية غربلة.. تحرير قوى وإعادة إنتاج قوى أكثر إدراكاً وقدرة وإمكانية على الدخول فيه والإندماج في مشاريعه ومصالحه وحساباته.
فالنظام الدولي فاعل رئيسي والعامل الأكثر فاعيلة في إنتاج قوى أجتماعية نافذة وحائزة على الثروة والمال والنفوذ والسلطة.
كلنا يعرف كيف استطاع هذا النظام العمل بلا كلل على إعادة تغييروتبديل تموضع القوى الاجتماعية على الصعيد الكوني في مرحلة ما بعد الحرب الكونية الثانية.
ففي محاولته إزالة القوى القديمة من تجاروكمبرادور, سماسرة وأحزاب سياسية تقليدية, قوى أجتماعية مدنية, الذين كانوا مرتبطين موضوعياً بتحالفات عميقة مع النظام السابق للحرب وإزالتهم من الخارطة السياسية واستبدالهم بفئات فلاحية مسحوقة, مغيبة, بعيدة عن الانتاج والاستهلاك ودفعهم إلى المدن كالطوفان مما أدى إلى ترييف المدن وتدميرالريف وخلق الفوضى داخل كل دولة.
لقد عمل النظام على تسريع آليات الحركة في داخل البلدان الفقيرة عبرالدعم السياسي والعسكري والمادي والمعنوي للانقلابات العسكرية في هذه البلدان ودفع قوى جديدة على السطح, قوى هامشية ذات اصول فلاحية فقيرة, معدمة, لا تملك شيئاً. لقد مكنها النظام من خلال الحكم على حيازة السلطة والمال والنفوذ والثروة من أجل سرعة التحكم فيه وفي مساراته ليس على مستوى العالم الثالث وإنما على مستوى العالم لإعادة تموضع القوى وإنشاء قوى مشاركة دون تذمر في عملية الانخراط في اللعبة الدولية.
كل الدول والحكومات والأنظمة السياسية محشورة في التأريخ القائم على هذه التراتبية في صراعاتها ونزاعاتها أو تداخل مصالحها. الجميع يسعى حثيثاً على ترتيب مصالحه الخاصة ضمن هذه المنظمومة التأريخانية المغرقة في التخريب.
إن آليات النظام الدولي سواء كانت في الماضي أو الحاضر, ترتكزعلى تقاسم المصالح بين الفئات المسيطرة على مستوى العالم, بين قوة مهيمنة أقتصادياً وتكنولوجياً والتلويح بالسيطرة عسكرياً وبين قوى تملك القدرة على إدارة اللعب وفق ما يرتئيه الطرف الأخر. يدخل في هذه العملية صراع ونزاع وتعاون وتقاطع على حساب الشعوب المكبلة بقانون السوق وفلسفته.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟