صلاح سرميني
الحوار المتمدن-العدد: 2222 - 2008 / 3 / 16 - 08:34
المحور:
الادب والفن
هناك إشكاليةٌ عامّة, ومُشتركة في المهرجانات السينمائية العربية(والعالمية), فهي لا تُفرّق بين (الصحفيّ), و(الناقد السينمائيّ), وتنتظر منهما معاً تغطيةً دعائية لنشاطاتها, واحتفالياتها,...مهمةٌ إعلاميةٌ يُتقنها (الصحفي) أكثر من (الناقد السينمائي) المهموم بالأفلام, والجانب السينمائي في تلك الأحداث, ومع رغبة المهرجانات بالكتابة (عنها), تحوّل (الناقد السينمائي) تدريجياً إلى (صحفيّ) .
أعرف نقاداً محترمين يدافعون بشراسةٍ عن تخصصهم عندما يُوجه أحدٌ ما إليهم سؤالاً بريئاً :
ـ هل أنتَ صحفيّ ؟
أسئلةٌ مألوفةٌ أواجهها بالتجاهل غالباً, وبتأففٍ أحياناً, وذلك بالضبط ما حدث معي خلال متابعتي للدورة الأولى للمهرجان الدولي للسينما العربية في وهران, إذّ حالما وصلناها, وزع المنظمون الضيوف في حافلتيّن, وفهمنا بأننا سوف نُقيم في فندقيّن مختلفيّن, كان من نصيب (الإعلام) فندقاً في وسط المدينة, وصلناه منهكين, وعلى الرغم من التأخير في الوصول من الجزائر العاصمة إلى وهران, أراد المنظمون احترام مواعيد النشاطات المُدرجة مُسبقاً في المهرجان, ومنها مؤتمراً صحفياً للفنان حسين فهمي (رئيس لجنة التحكيم), وفي نفس الفترة التي كنا ننتظر غرفنا, وحقائبنا التي لم تصل بعد(أُرسلت كلها إلى الفندق الآخر, وطبعاً أسماء الضيوف غير مُسجلة عليها), كان بعض المنظمين, وببراءة شديدة, يدعونا لمُتابعة ذاك المؤتمر.
وعندما زاد الإلحاح, أظهرتُ براءتي في الدفاع عن مهنتي, وكان عليّ الاعتراف بأنني, وحتى لو كنتُ مرتاحاً على الآخر من أيّ مجهود, وليس لديّ مشاغل أخرى, فلن أحضر مؤتمراً ل(حسين فهمي) في بداية مهرجانٍ لم يشاهد فيه أيّ فيلم بعد, ولا يعرف عنه أيّ تفاصيل, وأتوقع مُسبقاً نوعية الأسئلة التي سوف تُطرح عليه, وأجوبتها, والمنطقيّ بأن يكون المؤتمر مخصصاً للصحافة المحلية يتحدث فيه فريق المهرجان, ورئيسه السيد (حمراوي حبيب شوقي) عن الدورة الأولى, وأفلامها, وذلك بهدف نشر أخبار قبل انعقاده بأسابيع, وهي معلومات يعرفها الضيوف مسبقاً عن ظهر قلب.
وكان عليّ التأكيد أيضاً, بأن حضور مؤتمراً كهذا لا يدخل في اختصاصي كناقدٍ سينمائي درس في أكاديميةٍ فنية في القاهرة, وكان (حسين فهمي) نفسه أستاذاً لإحدى المواد الدراسية, ولم أستفد منه بأيّ معلومة, وذلك بسبب تغيّبه الدائم عن المحاضرات, وأن حضور مؤتمراً كهذا من مهمة صحفي سوف يُسجل أقواله معدلة, أو حرفية, وينشرها.
ويحاذر هؤلاء عادةً الحديث مع المخرجين, لأنهم لا يعرفون عنهم شيئاً, كما يمتنع المخرجون عن إجراء حواراتٍ مع صحفيين لم يشاهدوا أفلامهم.
هناك صحفيون لا يشاهدون أفلاماً أصلا,ً ويكتبون تقاريرهم بجمع معلوماتهم من الصحف المحلية, والعربية التي يعثرون عليها في مكتبات المدينة.
ولهذا, فإن الحلّ الأمثل لهم هو اللقاء مع الممثلين المتواجدين, وهي عادةً حوارات لا علاقة لها بالمهرجان, ويمكن أن تُقال في أيّ مناسبة.
في حفل ختام مهرجان وهران, أتذكر بأنني كنت أجلس بجانب صحفية مصرية, وكانت ترسل أخبارها عن طريق التلفون, وعلى الرغم من الإعلان باللغة العربية عن الأفلام الفائزة, كانت تُمطرني بأسئلةٍ من نوع : ما هي الجائزة, أيّ فيلم, من هو هذا, أو تلك,.. وعندما صعد المخرج الجزائري (محمد الأخضر حامينا) إلى المنصة لتسليم إحدى الجوائز إلى أحد المخرجين, سألتني عن الجائزة التي حصل عليها (الأخضر حامينا) نفسه .
كانت فرصة عظيمة لهؤلاء الصحفيين إجراء حواراتٍ مع كاظم الساهر, والشاب خالد, ودائماً يجب أن يكون هناك حواراً مع مدير المهرجان, للتعرّف به شخصياً, والبرهنة المباشرة بأنهم ينفذون المهمة التي جاءوا من أجلها.
إنه وباءٌ عامٌ, وخطيرٌ يطال كلّ المهرجانات العربية, وحتى الأكثر دقةً, وتنظيما.ً
في اليوم التالي من ختام فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان دبيّ السينمائي عام2006, مازلتُ أتذكر ذلك اللقاء المُفاجئ في المطار مع سيدةٍ تونسية(ذكرتني بأنها صحفية), واعتقدت بأنها في زيارةٍ عائلية, ولكنها فاجأتني بأنها كانت ضيفة في المهرجان.
ضيفة, ولم ألتقٍ بها أبداً في أيّ مكانٍ خلال فترة انعقاد المهرجان ؟!
وشرحت لي بأنها وصلت إلى دبيّ منذ ساعاتٍ فقط, وسوف تغادرها الآن.
أكرر, منذ ساعاتٍ فقط, ونحن في اليوم التالي لختام فعاليات المهرجان, وهي تغادر دبيّ الآن ؟
لغزٌ محيرٌ, طرفةٌ, نكتةٌ,....أيّ شئٍ إلاّ ما قالته لي.
في الطائرة, حكت لي حكايةً غريبةً, عجيبةً, مستفزةً, يختلط فيها الصدق بالكذب, ولتقريب الفكرة للقارئ بدون الدخول في تفاصيل رحلتها(التي لم أستوعبها أصلاً لغرابتها), أقول بأن تفسيراتها أشبه بفيلمٍ مصريّ رديء جداً, منقولٌ عن فيلمٍ هنديّ, مقتبسٌ بدوره عن فيلمٍ أمريكي بوليسي, مع قليلٍِ من (الهريسة التونسية) الحارقة.
ولم أتمالك نفسي عن سؤالها : كيف سوف تكتبين عن المهرجان, وأنتِ لم تحضريه أصلاً.
وبدون ترددٍ, أظهرت مجموعةً من الصحف, والمجلات المحلية التي اشترتها من المطار, وجمعت بعضها من الطائرة, وبدون أيّ وجلٍ, شرحت لي بأنها سوف تجمع من هذه المجلات تقريرها, وتنشره في الصحيفة التي تعمل فيها(إن كانت فعلاً تعمل في صحيفة), لم أستغرب منها تلك الطريقة, فأنا شخصياً أعرف الكثير من الصحفيين المُخضرمين الذين يستخدمون أسلوب القصّ, واللصق لتغطية كلّ المهرجانات العربية التي يتابعونها, وإدارة المكاتب الصحفية لهذه المهرجانات, إما أنهم (ولا داريّين بحاجة), أو يغضّون الطرف عن هذه التجاوزات.
ترددتُ إظهار استفزازي, ولكنني لم أتوانَ عن سؤالها : لماذا لم تعتذري عن الحضور بسبب الموانع, والظروف, والعقبات التي صادفتكِ, ألا تعتقدي بأنّ مجيئك بهذه الطريقة سوف يتحول ضدك ؟
وبدون أيّ رادعٍ أخلاقي, أو مهنيّ, كان ردّها مُبهراً :
ـ لقد وصلتني الدعوة بعد مراسلاتٍ مع شركة العلاقات العامة للمهرجان, وكنتُ أرغب الحضور مهما كان الثمن, على الأقل لمُتابعة حفل الختام.
يا سلام...نجمةٌ عالميةٌ ترغب بأن تقضي ليلةً على الأقلّ في المدينة.
ـ وما الهدف من ذلك ؟
ـ كيّ أثبت حضوري, وأضمن دعوتي للدورات القادمة, لأنّ الإمارات, ودبيّ بالتحديد, تهمّني للبحث عن عملٍ فيها ؟
وللقارئ المُحترف, الغيّور على مهنته, أطمئنه بأنني لم ألتقِِِ بتلك السيدة في الدورة الرابعة للمهرجان2007.
بدوره, انتهج مهرجان القاهرة السينمائي الدولي خطةً بدعوة الصحفيين, والنقاد لمدة أربعة ليالٍ فقط, المُبررات متوقعة طبعاً, (الميزانية) دائماً, شخصياً, لستُ ضدّ نظام شدّ الأحزمة كثيراً إلى درجة الاختناق, ولكنّ حالةً اقتصاديةً كهذه تتطلب تدقيقاً شديداً في نوعية الضيوف من أيّ مهنةٍ كانت, أعداد المُدّعين(وأنا واحدٌ منهم كي لا يغضبَ هؤلاء), ومنتحلي صفاتٍ مختلفة أكثر مما تتصوره إدارة أيّ مهرجانٍ عربيّ.
يمكن التغاضي مثلاً عن صحفيّ لا علاقة له بالسينما, وأكثر من ذلك, لن يكتب عن المهرجان حرفاً واحداً, لأنه عانى من فوضى تنظيمية(لن أذكر أسماء).
ويمكن التساهل مع آخرٍ يعمل (موظفاً) في قناة تلفزيونية(ولستُ متأكداً من هذه المعلومة), ويحصل على الدعوة كصحفيّ(لن أذكر أسماء أيضاً) .
ولكن, أن يلتقي بي أحدهم, ويُعرّفني بنفسه(منسقاً) لمهرجان دبيّ السينمائي,..يا إلهي..
(منسقٌ), تعني مهمةٌ وظيفيةٌ موازيةٌ لمدير المهرجان نفسه, وأدّعي بأنني أعرف عن ظهر قلب الهيكيلية التنظيمية لمهرجان دبيّ؟!
مرةً أخرى, لغزٌ محيرٌ, طرفةٌ, نكتةٌ,....أيّ شئ إلاّ ما قاله لي.
هذا يعني, بأنه قريبٌ جداً من عبد الحميد جمعة, مسعود أمر الله, محمد رضا, وسَيمون فيلد, أتذكر بأنني التقيتُ بهذا(المُنسق) في الدورات السابقة لمهرجان دبيّ, وربما تسلّم مهمّته هذه قبل أيامٍ من مجيئه إلى القاهرة,.. ربما.
كان هذا (المُنسق) حريصاً على تحيتي, والدردشة معي في كلّ مرةٍ يُصادفني في بهوّ فندق (غراند حياة), ولكن بعد أيامٍ, عندما التقيتُ به في الدورة الرابعة لمهرجان دبيّ, وهذه المرة في بهوّ (قصر مدينة جميرة), كان اللقاء فاتراً لا يشبه أبداً حرارة الحوار معه في القاهرة.
في الأيام التالية, اكتشفتُ بأنه (يُنسّق) مع عمال الضيافة في الفندق لتأمين سياراتٍ للضيوف تقلهم إلى (مُجمّع الإمارات) التجاري, حيث صالات العروض.
وفهمتُ وقتذاك معنى كلمة (مُنسّق), ومازلتُ حتى اليوم أتساءل كيف استضاف مهرجان القاهرة هذا (المُنسّق) ؟
هذه الصفة المهنية اللعينة التي بدأنا نسمعها, ونعتاد عليها, ونصدقها.. استوحاها البعض (ربما) من المهمّة التي توليّتها في (مُسابقة أفلامٍ من الإمارات) خلال دوراتها السابقة (حتى عام 2007), وكنت مسؤولاً عن التيمة الرئيسية للمهرجان, والمُشاركة في برمجة القسم الأجنبيّ, وحتى السينما العربية(ويمكن العودة إلى الموقع الرسمي للمُسابقة للتحقق من طبيعة تلك المهمّة), وكانت تتلخص بالاتفاق على التيمة مع مدير المسابقة, السينمائي (مسعود أمر الله), مناقشتها, البحث عن الأفلام من جميع أنحاء العالم, مشاهدتها, الاتصال, الانتقاء, جمع المادة الإعلامية للكتالوغ, والنقدية لكتاب مُصاحبٍ للتظاهرة, وترشيح بعض الضيوف .
ومع استسهال استخدام هذه الصفة إلى حدّ غموض معناها, محتواها, ووظيفتها كان عليّ تذيّيل اسمي بواحدةٍ أخرى تجمع ما يلي :
(رئيس, ومدير التيمة الرئيسية لمُسابقة أفلام من الإمارات, ومستشار, ومبرمج, ومشارك في القسم العربي, والأجنبي).
والله, نحن متساهلون, وكرماء.
#صلاح_سرميني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟