|
سمندل فؤاد الحلو
غريب عسقلاني
الحوار المتمدن-العدد: 2222 - 2008 / 3 / 16 - 08:34
المحور:
الادب والفن
سمندل فؤاد الحلووخروج الوسنان نومه من عميق عندما تصبح الأسئلة مؤرقة والإجابات جارحة دامية. يكون الحال ما بين السؤال والجواب معاناة واستبصار رؤية، فيأتي العمل الأدبي وعاءً للتداعيات، يتساوق مع عميق السؤال، وجراحات الأجوبة. ولأن الرواية الوعاء الأكثر استجابة وتطوراً، يأخذ الشكل والمضمون شكل ضفيرة تعرف مقومات انسجامها، طيعة تمضي بين أنامل المبدع. تأتي في نهاية الأمر مشروع رؤية وأداة بحث مستمر في دروب السؤال القائم. كيف حدث الانهيار وما زال يحدث، والتاريخ يمضي إلى الأمام، وبذور الأمس ما زالت على أوهامها، ترتع في تربة تقدم نباتات شوهاء أوراقها الإبر؟ هذا بعض ما تقوله رواية السمندل للروائي الفنان فؤاد الحلو، الذي ما زال يبحث عن زمن يصحو فيه الوسنان العربي من عميق نومه. الرواية تأتي على سيرة الأمير العربي زيدان الحسيني "ابن الملك أحمد المنصور".الذي يغادر الأندلس، لا يحمل في مخلاته غير كتاب السحر الأول أقراص الزمرد الذي تطرز نبوءته أول صفحاته، وهي أن الكتاب يفقد سره إذا تمت طباعته في زمن لاحق، إلا إذا نسخه قارئه بيده، على ورق وبحبر وريشة من صنع يده، وأن يكون النسخ بين أفقر الناس وأرذلهم، ولأن الأمير الحسيني لا يملك مفاتيح الدخول إلى الكتاب، يقع منكفئاً في الغيبوبة، ويدخل المغارة، ينشد الرجوع فهل يرجع، وكيف تكون العودة؟ والمفتاح عند السمندل المنفية بقرار الإقامة الجبرية، الصادر من كل حكام مراكش، تنتظر منذ أزمان أن يأتي أحد في طلبها. لذلك يدفعها الشوق فتعود مع الجفري صاحب الأمير وكاتم سره. والذي بدوره يشهد تبدل حالاتها من عجوز عتيقة " مقرحة لحم الوجه على عفن مدمم " إلى حورية حسناء، لا يشوه خلقتها غير سيقانها المشعرة، وأظلافها التي أخذت صورة حوافر بغلتها العيدهور. تنجح السمندل في اخراج الأمير من غيبوبته، وتخرج هي أيضاً من أوهامها إلى دنيا الحقائق، تخرج من عالم السحر إلى آدميتها، وتقع في هوى الأمير وتدرك أن سحر الحياة فوق سحر الخيال فتدخل معه في المجادلة، لتنكشف لها الحقيقة المنفية التي لا تنكشف للأمير الذي نشأ بعيداً غريباً عن دنيا البشر، وعندما يعود إلى كتابه أقراص الزمرد يخير، فيختار العودة إلى مصر لأن الخصب فيها والذل فيها أيضاً. فتمضي به السمندل خارج المكان والزمان إلى كوبري التاريخ عند منطقة القباري في الإسكندرية وليس محض صدفة أن تكون أول العتبات في الوطن الجديد هي بناية الكارنتينا، بوابة عزل الوافدين المرجومين بالأمراض المعدية، حتى يشفون من أمراضهم قبل الدخول إلى المدينة, وهنا يبدأ الاشتباك مع الأسئلة من جديد. من المريض الأمير الحسيني أم الفقراء الأرذال من سكان الموقع حيث يقدم الفقر والفاقة تجلياتهما التي تفوق السحر مع عوالم سمية الدكر التي هي الوجه الآخر للسمندل. سمية المنفية تبحث عن نصيبها في خيرات مصر، وعلى طريقتها الخاصة، يساعدها على اجتياز عتبة الشقاء المهندس، الأفاق المحتال، الذي تفتح وعيه على افتراس أخته وفي فراشها، وتطورت معه الحالة حتى أصبح مرشحاً منافساً في انتخابات القمة. عالم سكان الكارنتينا خلف كوبري التاريخ، يتعامل مع الواقع في أقسى بشاعته وينفذ من ثقب الإبرة مدفوعاً بطاقة حبه للحياة، يمارس انتصاراته وانكساراته بعفوية تصعد فوق المقبول والمعقول والمتخيل، لتصبح واقعية الواقع أكثر غرابة من قوة السحر لأن طاقات الإنسان لا تحد، ولأن فجيعته أيضاً تضرب القدرة عن الاحتمال. فأي احتمال أن تخرج بهيرة بنت سمية الدكر من علب الصفيح لتحضر أطروحتها الجامعية عن سقوط دولة الأندلس، فيما ابنها مشعل مشغول بفحولته الفائرة يمضي إلى امتطاء النساء ويسجل أرقاماً قياسية في اختبارات الشبق, حتى يصبح شريط فيديو يتناقله البحارة، ورواد الموانئ والبواخر، وعاملات المطابخ في السفن، لدرجة أن تظهر إحداهن مع طفلها غير الشرعي من مشعل. هذا الشقي تتفجر الرغبة المشتعلة في بدنه، يغيب عن وعيه إلى الخارج، يحمل في أجندته عناوين وأرقام هواتف، ويسمع في غفوته لهاث صبايا اللحم الأبيض.ما يجعله يتسلل إلى حاوية بضائع ستغادر الميناء على ظهر سفينة محطتها أسبانيا. أي مفارقة تلك والأمير زيدان الحسيني قادم من هناك ينشد العودة على جناح الخيال أو على جناح طائر السحر. السؤال مطرقة تهوي على قشرة الدماغ. والدماغ مدمي يسقط في غيبوبة الألم. والألم يأخذ السمندل إلى آدميتها، فتتشقق أظلافها/ أظلاف بغلتها، لتبقى على أرض الواقع امرأة عاشقة لأمير مازال سادراً في أحلامه، وقبل أن تدخل فيض الحب الذي انتظرته طويلاً، تكون نهايتها، على يد من أحبته حيث يقوم الأمير بطعنها بأسنان قصبات أعدها لنسخ الكتاب، بنسل لحمها، ويشق صدرها، يصعد من قلبها طائر يغيب في الأفق غياب دولة الأندلس، وكل أندلس لحقت بها فيما تلا من عصور من أندلس فلسطين إلى أندلس بغداد والآتي في انتظار. لماذا السمندل، ولماذا السحر؟ ولماذا سميه الدكر، وكائنات عالم الهامش. وماذا عن أندلس الأمس، أو أندلسات اليوم. ما يؤرق كاتبنا, هو بنية العقل العربي الذي يخلبه الظاهر ويعميه عن الباطن، تأخذه العمائر والقصور وأسراب القيان والغلمان فيتوه عن قيمة وعلمه وميراثه ويكون الحصاد مراً علقماً، فيستسهل الركون إلى الوهم حتى لا يطأ الواقع. كيف صار الأمر إبداعاً؟ والمنجز رواية ربانها فؤاد الحلو الذي تمكن من الابحار بثقة واقتدار مؤسس على جهد كبير، وتقنين سردي محسوب، وثراء في المعلومات، على لغة اثيرية أخذت من ديباجة الماضي عبقها، ومن سلاسة الحاضر انسيابها، تتعامل مع وجد الصوفية بقدر ما تأخذ من هذر العوام وسفاسف خطابهم. تلعب لعبتها بين الوهم والواقع على امتداد الرحلة/الرواية لتقف عند مفترق الطرق. فكيف الخروج من غيبوبة الماضي إلى آفاق المستقبل والوقت يمضي إلى الأمام يختزل الأمكنة في شاشة تلفزيون، وكيف يصبح الماضي عتبة خضراء للمستقبل لأن الحاضر أقصر من رفة رمش. فهل قدمت الرواية الإجابات؟ يهتف فؤاد الحلو وبيقين العارف، أن الرواية تقدم العالم كما نراه، أو نشتهيه، وربما تنشر خمائر تشحذ العقل وتأخذه إلى سبل جديدة. والسؤال إلى الصديق المبدع فؤاد الحلو. كيف قبضت على سر البؤس في الكارنتينا/ القباري. فجاءت معك فوق الفنتازيا، وهل على الكاتب أن يتخيل عوالم خارج الواقع لتفسير الواقع أم أن الواقع يحمل قدراً من مفردات فوق الواقع فإذا تجاورت الموروثات مع التاريخ والواقع وتداخلت وامتزجت ضمن رؤية الكاتب فإن الرواية قادرة على حملها دون خلل أو تصدع. ربما يأخذك الحياء يا صديقي، فترسل بصرك نحو أمواج البحر ترصد الصيادين على صدر ماء الاسكندرية، وربما تسحبك المنارة من جديد فترى سمية الدكر تبكي على صدر ابنتها بهيرة بانتظار عودة مشعل الذي قضى خنقاً في حاوية بضائع متجهة إلى أسبانيا. أراك تهمس يا فؤاد على لوعة ما زالت تلازمك. "أخذت السمندل مني جهد أيام وليالٍ حتى طوعتها رؤية" وأنت الصادق في تجلياتك لأنك شهدت مع الجفري كيف تشققت اظلاف قدمي السمندل، لتخرج من حوافر بغلتها المسحورة العيدهور فتعود إلى آدميتها امرأة بهية يقتلها زيدان الأمير الذي أحبته ليبكيها الجفري الذي أحبها. أما أنت فشأنك شأن المؤرقين مازلت تلهث وراء ذات الأسئلة...
#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسائل الزاجل الأسير إلى سهيلة بورزق
-
هواجس ما بعد الليلة الأخيرة
-
مساحات على لوح اسود
-
العري عند الحقائق الأولى
-
المخيم والعزف على وجع قديم
-
الواقعي والمتخيل في قصص القاص الفلسطيني عمر حمش
-
البحث عن أزمنة بيضاء - 11 -
-
البحث عن أزمنة بيضاء -10 -
-
البحث عن أزمنة بيضاء - 9 -
-
البحث عن أزمنة بيضاء - 8 -
-
البحث عن أزمنة لبضاء -7 -
-
البحث عن أزمنة بيضاء - 6 -
-
البحث عن أزمنة بيضاء -5 -
-
البحث عن أزمنة بيضاء -4 -
-
البحث عن أزمنة بيضاء -3 -
-
البحث عن أزمنة بيضاء - 2 -
-
البحث عن أزمنة بيضاء - 1 -
-
عطش الندى - قصة فصيرة
-
شهادات في زمن الحصار
-
أعواد ثقاب في ليل حالك
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|