|
الحمالة والحطب والتاريخ
أحمد الخمسي
الحوار المتمدن-العدد: 2221 - 2008 / 3 / 15 - 10:01
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
1 عندما التمست من حسن الدردابي أن يراجع محاور الأعمدة الصحفية الصادرة لي سابقا، قصد إعدادها للنشر كما رغب في ذلك أكثر من صديق وصديقة، أنجز ذلك من خلال كتابة عناوين التبويبات المقترحة من طرفه. لكنني أعدت على مسامعه رغبتي الأكيدة للحصول على كتابته المفيدة للتقديم المرتقب. فرفض كما سبق أن أعلن من قبل.
وهو لم يعلم برغبتي الشخصية في رؤية مجددة لكتابته. وقد سبق أن اطلع القراء على كتابة بعض مذكراته السجنية، بخيال جميل يصلح مسودة لسيناريهات سينمائية. وهو الذي يعتبر السينما من أقدر الأشكال الفنية على التعبير عن الآمال والآلام دون غيرها. عبرت عن ذلك بكيفية ثنائية مع الصديق أحمد محفوظ. إذ أعطيت الأولوية لجر حسن للعودة للكتابة كأولوية سابقة عن صدور كتاب الأعمدة.
رفضه في صيغته الأخيرة بقدر ما آلمني بقدر ما ردني للتمعن في أسباب إصراره على الرفض. مما جرني للتفكير في العلاقة الطاردة أو الجاذبة ما بين السياسة الاقتصادية الجارية في الشمال (الميناء المتوسطي) وما بين ترك العنصر البشري لنفسه، أو بصيغة أخرى عجز سياسة الدولة في خلق دينامية الإقناع لدوائر وجموع المثقفين العضويين المرتبطين بمحيطهم الاجتماعي، عبر العلاقات العائلية ومن خلال المعيش اليومي جنبا إلى جنب مع المسحوقين، حد الصمت الحزين المزمن.
والسؤال هو: إذا عجزت الجولة عن إدماج ثلة من المواطنين لهم فاعلية وتأثير معنوي ورمزي في محيطهم، ولهم ثبات على المفهوم الحداثي الديمقراطي التقدمي كمشروع للمجتمع، فما عساها تستطيع فعله قصد وضع المجتمع المغربي في رأس قاطرة التقدم الاجتماعي والاقتصادي من لهم رؤية مغايرة تماما ومتشككة في أهلية حضارة الغرب لقيادتنا وهم ينطلقون من الصراع ضد حضارتنا.
قادني السؤال إلى بؤس الجواب المطروح في الساحة بوجهه الأمني والتنظيمي. لكنني رغم ذلك نظرت إلى النصف الأسفل من الكأس، فوجدت فيه ما يدعو إلى الكتابة بدل الكآبة. إذ لمحت بذاكرتي طوابير النساء في مركز شفشاون وكذا الأطفال رفقة ثريا وفاطمة وجميلة وآسيا وبشرى وعائشة ومسؤولو الصحة العمومية في شفشاون والعرائش. كما دبجت مريم كلمة المضيق كما درجت على ذلك لقراءة العواطف الجميلة جملة، المزروعة بالتقسيط، جملة جملة من طرف حفيظة ولبنى، بما يلخص مثابرة كنز كنزة الحثيث، على طرز الأمل بالعمل اليومي الدؤوب، بمودة واعتبار.
قلبت أوراق الذاكرة وتركت الأمل في عناية النيابة العامة قصد حل تعقيدات السجل العدلي، فقد انبثقت مساطر وعلائق التفهم، مهما جارت الإرادات التحكمية الأخرى. وقد قررت أخيرا إيقاف هذا التداعي، بوضع نقطة والعودة إلى السطر. لأعود للعمل في العرض حول الصحافة الجهوية ليوم السبت، وكيفية الحضور في الجمع العام الحزبي في غده الأحد.
II
هناك شباب يقتلع اليوم الصخر بالأظافر ليستكمل خطواته نحو المكان الذي يرنو إلى تبوئه. أتخيل الظروف العائلية. التغذية والحق في التلفزة والحلم بالأنترنت اللامنتهي داخل المنزل وخارجه، والنقاش على هامش الأخبار ومهاوي الخلاصات المعنوية والرمزية. وأتخيل فيض الأحلام وضيق المقاييس الاجتماعية وما بين القارتين من احتكاك نفسي حد الاكتئاب أوسلوك السوريالية عبر التنكيت.
ما هو الزقاق المتبقي في المدينة الملتهبة بالغلاء الفاحش؟ هل يكفي اتساعه، لتمر أنفاس المحتاجين بين صخبها؟ أم يقتضي الأمر الجهر بالسكاكين وكوابيس التخويف لفتح الطريق وسط غابة النهب وفق منطق الحرب؟
ما هي الأسرار المرموزة الكامنة وراء آهات وتأوهات الأمهات والآباء؟ ما هو حظ الإناث والذكور الشباب وسط هذا الحجز الاقتصادي الاجتماعي؟
الحال بخير فيما يتعلق بالشلة المعنية بالحديث. مصطفى ومنير وفخر الدين وعماد. للدروس العناية الكافية. بل للأنشطة الثقافية ما يكفي من الاعتبار، حد السفر إلى المعرض السنوي للكتاب، عندما يقتضي الأمر الحضور فيما قد يفيد لمستقبل الماستر المتخصص في علم اجتماع الأديان، يمكن الذهاب إلى بركان وفاس لحضور المناسبات السنوية الصوفية.
لكل واحد من الشباب عنوانه الالكتروني وحصته اليومية من الإبحار عبر الانترنت. ولكل منهم همومه مع المواقع والعناوين والأسماء المشخصة والرمزية التي يحن إلى تفقد عالمها.
هناك جيل الهموم المحلية التي تنقش في الوعي الارتباط بالمكان. بحيث يبقى الثابت الوعي بالمسؤولية تجاه المحيط الاجتماعي والترابي الإقليمي كممارسة للمدنية والتحضر. فينظر إلى لوحات إشهار المشاريع السياحية بارتياب بصفتها أولا وقبل كل "تعمار الشهارج" سطو على العقار المحلي للمضاربة وجمع المال مقابل رمي السكان الملاك الأصليين في مزبلة الأحياء الهامشية.
وهناك من حملوا على كاهلهم التاريخي عبء المساهمة في الثورة الشاملة: ضد الانظمة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، بل ضد نمط العيش الرأسمالي الذي يؤذي الناس المعتمدين على قيمة العمل لكسب الحياة.
وهذا الثلاثي من فئة النخب المثقفة العضوية البسيطة التي لم تحصل على نياشين من أحد، تعيش لحظات انقلاباتها وقطائعها الشخصية دون علم أحد من المحيط الاجتماعي المباشر، يعيش بمحاذاة المجتمع الأهلي الخام، المطوع من طرف الذاكرة والسلطة والظروف الاقتصادية والاجتماعية. فئة شابة تلتمس العذر للتناقضات الحادة لتمر بجانبها، علها تتمكن من التقاط أنفاسها فتنتبه للألغام التي تتربص بأقدامها وبإقدامها.
عند النظر في خريطة طريق تفكيرها. باستثناء الثلث الأكثر شبابا، تجد الجزء المختص بالأحلام من الدماغ لدى الثلثين المتبقيين من فئة النخبة المتحدث عنها، قد أغلق نوافد الأحلام الشخصية المستقبلية لديه، سوى ما علق بدرجة الوجودية الفلسفية مطابقا للنبض الحي في كل فرد منهم. أما التجارب الشخصية المحيطة بكل واحد مهنم، فقد قسمت أمامهم الأحلام نوعين: الأحلام الانتهازية المباشرة للوصول عبر القمامة وفوق الجثث وحتى بلا أية فلسفة في الحياة، أو الأحلام الاعتبارية المرتبطة بنموذج من الحياة الكريمة بعزة نفس وسؤدد. ورفضا لكل شكل من أشكال "عيشة الدبانة فالبطانة"، فقد رفضوا أي شكل من أشكال الحيوانية بلا معنى مسبق للوجود.
عنيت بهذا الحديث حسن الدردابي ومحمد الزواق. كيف أدمج الزبير وأحمد وعزوز؟ وهم جميعا ضمن الكوكبة المنتشرة على الساحل الجميل، في أقصى الساحل الغربي المتوسطي؟ هناك الفنيدق والمضيق وبعد الزاوية الفاصلة بين ساحل البحر الأبيض المتوسط وساحل البوغاز، حيث سبتة، بدأت ماكينة التغيير تدور حول محور الميناء المتوسطي.
وبسبب الحركية الشاملة في البنيات التحتية المكونة من الطرق والكورنيش الساحلي والمشاريع السياحية المعلن عنها تحت عناوين أوربية، متجاورة مع أشكال الضيم والسحق الإداري، فلا ديوانة سيادة أو كرامة! ولا فرق المراقبة الجمركية والأمنية قد قطعت مع الخلط بين هيبة الدولة وبين النزوع الفردي نحو جمع المال عبر الشطط في السلطة!
لذلك، يحق لكل من يشك أن يمعن في الشك! خصوصا والوجه الوحيد في سيرورة التنمية هو نزع الملكية باسم التنمية والمضاربة في الأراضي وتحويل أفراد الطبقة الوسطى إلى مجرد ملاكمين وملاكين. بل يدور الشك في الأدمغة ليرسخ العلاقة المباشرة بين إرادة الدولة في الإبقاء على طبيعة الرحى الطاحنة لحقوق الناس في اليومي. في تجاور غريب مع المصالحة ودولة القانون، بل وتجاوز لهما. فكأن الدولة معنية بأن يستخلص عموم المواطنين فكرة الاهتمام بفك العزلة وإرساء الطرق والموانئ، فقط لصالح طبقة المضاربين والمتسلطين في مراكز القرار الإداري والمالي.
فتتقزم السياسة وتلوث صورة السياسيين، بحيث لا أمل في المشاركة السياسية، إذا كانت تعني الموقف المسؤول المؤدي إلى اختيار نخبة مميزة ومقبلة على اقتلاع رموز الفساد من مواقعها. بحيث لم يعد للسياسة دور التقويم وترقية المعايير القانونية إلى درجة التطبيق. بل عادت وسائل الإعلام الرسمية إلى ترسيخ فكرة تفرد الملك ببطولة المنقذ من الضلال الإداري والسياسي.
ورغم ذلك، فالضلال الاقتصادي مازال عاتيا وقاهرا وممانعا ضد كل البطولات. فلا السياسة قادرة على تقويم توحشاته ولا السيادة في عصر العولمة طامحة لاستعادة مركزها باسم الاستقلال الوطني المرحوم.
بل باسم العولمة، تتكيف السيادة والسياسة مع التعليمات الاقتصادية التي تقترحها الكيانات المهيمنة على العالم. علما أن تلك التعليمات تتجمع لتضمن مصالح شعوب مكونة من 60 مليون نسمة لها رصيد الريادة السياسية والعسكرية (فرنسا) أو الاقتصادية بما لا يزيد عن 80 مليون نسمة (ألمانيا) أو 150 مليون نسمة (اليابان) وفي أحسن الأحوال 300 مليون نسمة، لكن مع الاستفراد بقيادة بشرية بكاملها (الولايات المتحدة الامريكية) يصل عددها سبعة ملايير نسمة. مع حالات من الحروب واتساع الفقر وادعاء الخوف على الأمن القومي الخصوصي، بل الغوص نحو آليات التخويف والكراهية باسم صراع الحضارات.
إن تكييف الاقتصاد المسمى وطنيا تحت مظلة التهديد الاستعماري الدائم، يقتضي الارتقاء بالساسة والسيادة نحو العصر. فالشعب الذي يستطيع أن يحتفظ لنفسه بالتربة العالمية ضمن العشرة الأوائل وهو لا يزيد عن 60 مليون مثل الشعب الفرنسي، يتحمل الضغط الاداري والاقتصادي والاجتماعي، عبر ما يسمى "الستريس"، لأن دوره في السيادة والسياسة لا منازع له فيهما. فالفرد منه يحترم القوانين وقواعد العمل الديمقراطي ولا يحتاج التفكير في استعمال العنف لحل التناقضات السياسية، ما دام نفس الفرد في استطاعته أن يكون حرا في عدم مد يده للرئيس ساركوزي ، دون ان يخاف من انتقام لا باسم السيادة (والرئيس رمزها) ولا باسم السياسة (والرئيس صعد بميكانزماتها).
#أحمد_الخمسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما تمسح أوساخ العالم على وجه -الشمال- المغربي
-
خمس نقط لتفسير حل البديل الحضاري في المغرب
-
تأمل في تمثال عبد الكريم الخطابي
-
(II)أحلام من الخيال العلمي تأمل في تمثال الزعيم
-
قراءتين في -كتاب الأمير-
-
سطحية السياسة المغربية في الصحراء وفي السياحة سواء
-
حديث الروح
-
هل يدشن التقرير الإصلاح الشامل في الاتحاد الاشتراكي؟
-
شروط الانتقال من الزوبعة في الفنجان إلى التغيير
-
حتى لا نصب الغاز على نار زيارة خوان كارلوس للمدن المغربية ال
...
-
موقع النقد الذاتي في بنية العقل السياسي المغربي
-
الدرس من مكناس أو العقد الاجتماعي المرتقب
-
مسؤولية المفكرين في ثقب طبقة الأوزون الإيديولوجي
-
عندما سحقت الدولة المعنى النبيل للسياسة
-
تشكيل الحكومة وزيت العزوف المسمومة
-
وداعا أيتها السنونو
-
من المسؤول عن ملوحة الماء في النهر الانتخابي
-
حسب توقيت الرماد
-
-غير بالتاويل- مع نتائج الانتخابات
-
لموت الصري وموعد الانتخابات هل دقت ساعة القطيعة مع سياسوية ا
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|