أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المجيد راشد - نقاط مضيئة فى تاريخ التنمية : (ج1)















المزيد.....

نقاط مضيئة فى تاريخ التنمية : (ج1)


عبد المجيد راشد

الحوار المتمدن-العدد: 2226 - 2008 / 3 / 20 - 00:11
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


حظيت التنمية باهتمام كثير من المفكرين و الفقهاء المسلمين ، الذين اظهروا انها ليست عملية انتاج فحسب ، و إنما هى عملية كفاية فى الانتاج مصحوبة بعدالة فى التوزيع ، و أنها ليست عملية مادية فقط ، و انما هى عملية انسانية تهدف الى تنمية الفرد و تقدمه فى المجالين المادى و الروحى . ان النصوص الشرعية التى تقرر هده الحقائق و ما يتعلق بها كثيرة نذكر منها :

" هو أنشأكم فى الأرض و استعمركم فيها "[1] أى جعلكم سكانها و عمارها .

" و لقد مكناكم فى الأرض و جعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون "[2]

" هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور "[3]

" وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه "[4]

و ينظر الاسلام الى الحياة الانسانية على اساس ان المجتمع يتكون من افراد لهم صفاتهم الفردية ، و علاقاتهم الاجتماعية ، فكانت عنايته بكل من المصالح الفردية و الجماعية ، وفق نسق خاص يجمع بينهما و يحرص عليهما ما دام ذلك ممكنا ، إلا إذا تعارضتا فتقدم المصالح الجماعية أو العامة لأنها أولى بالإهتمام و الرعاية .

و المصالح سواء كانت فردية ام جماعية تتحقق بإشباع الحاجات و تلبية المتطلبات اللازمة لإقامة مجتمع انسانى راشد تتمثل فيه عمارة الأرض .

و هذه الحاجات على نوعين :ـ

1ـ حاجات فردية : هى التى تضمن للإنسان حياته و كرامته و قدرته على الاستمرار فى عمارة الأرض و هى الطعام و الشراب و اللباس و السكن و الأمن .

2ـ حاجات عامة : هى التى تسهم فى قيام مجتمع قوى من جميع النواحى الصحية و الثقافية و التربوية و الاجتماعية و الإقتصادية و العسكرية ليؤدى دوره فى هذه الحياة .[5]

و الاسلام إذ يعترف بالحاجات الفردية و العامة و يضع من القواعد ما يحقق إشباعها ، فإنه لا يترك هذه الحاجات دون توجيه و تهذيب يكفل خير الانسان و تقدم المجتمع ، بحيث تتم العملية وفق معايير اخلاقية انسانية تبعدها عن كل مظاهر الجشع و التكالب المادى ، و تصونها من مظاهر التبذير و الإسراف ، و يتحقق ذلك بتصنيف هذه المصالح و ترتيبها و تحديد أولوياتها ، و رسم الخطط التنموية عن فهم ووعى لمتطلبات الفرد و المجتمع [6].

و تطبيقا لذلك فقد جاء فى كتاب على بن أبى طالب رضى الله عنه الى واليه فى مصر قوله :

" و ليكن نظرك فى عمارة الأرض أبلغ من نظرك فى إستجلاب الخراج ، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة و من طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد و أهلك العباد "[7]

و تجسيدا لهذا الفهم ، فقد وصف أحدهم حالة الرعية فى أيام الخليفة عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه فقال :

" تركت المدينة و الظالم فيها مقهور ، و المظلوم منصور ، و الغنى موفور، و العائل مجبور ".

و كتب عمر بن عبد العزيز إلى أحد ولاته يقول :

" و انظر الخراب فإن أطاق شيئا فخذ منه ما أطاق ، و أصلحه حتى يعمر " .

و يقول عمر بن عبد العزيز : " لا بد للمرءمن مسكن يسكنه ، و خادم يكفيه مهنته ، و فرس يجاهد عليه عدوه ، و من أن يكون له الأثاث فى بيته "[8]

لقد قرر الفقهاء المسلمون أن سد حاجات الناس هى من فروض الكفاية التى يجب على مجموع المسلمين القيام بها . فإذا قام بها بعضهم سقطت عن الباقى ، و إلا فيأثم جميع القادرين على آدائها .

و من زاوية أخرى ، فإن شرط إقامة الحد أو تطبيق القوانين على الناس فى المفهوم الإسلامى ، هو تحقيق الكفاية لهم ، فإن لم توجد تتوقف الحدود ، و تتعطل القوانين حتى تكتفى الحاجات و ذلك بإيجاد الإستثمارات و تأمين العمل .

و تجسيدا لذلك المفهوم فقد سأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه أحد ولاته : " ماذا تفعل لو جاءك سارق ، فقال الوالى : أقطع يده . قال عمر : و إذن فإن جاءنى منهم جائع أو متعطل ، فسوف أقطع يدك . إن الله سبحانه و تعالى استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم ، و نستر عورتهم ، و نوفر لهم حرفتهم ، فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها ، يا هذا !!! إن الله خلق الأيدى لتعمل ، فإن لم تجد فى الطاعة عملا إلتمست فى المعصية أعمالا ، فأشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية " .[9]

و إذا كان مفهوم التنمية الإقتصادية يعنى ـ ضمن ما يعنيه ـ توفير الفائض و استخدامه فى زيادة قدرات المجتمع الإنتاجية ،بعيدا عن الترف و التبذير ، فإن الشريعة الاسلامية نبهت الى عدم الإسراف ، و دعت إلى صرف الفضل أو ما زاد عن الحاجة أو الكفاية فى مصالح المجتمع و تنميته .. " و آت ذا القربى حقه و المسكين و ابن السبيل و لا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفورا " [10]

و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم :

" ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له ". [11]

و إذا لم يكن للمحتاج قريب غنى تجب نفقته فإن إشباع حاجاته تقوم بها الدولة . يقول الرسول صلى الله عليه و سلم : " من ترك مالا فلورثته ، و من ترك كلاّ فإلينا " .[12]

و يقول أيضا : " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفى المؤمنين و ترك دينا فعلىّ قضاؤه و من ترك مالا فلورثته " .[13]

لقد شملت عدالة الإسلام تأمين الكفاية للمسلمين و لغير المسلمين من أهل الذمة وممن يقيم فى دار الهجرة و فى دار الإسلام . و تطبيقا لذلك فقد كتب عمر بن عبد العزيز الى عامله على البصرة :" و انظر من قبلك من أهل الذمة ، قد كبرت سنه ، و ضعفت قوته ، وولت عنه المكاسب ، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه .. و ذلك أنه بلغنى أن أمير المؤمنين عمر مرّ بشيخ من أهل الذمة يسأل على ابواب الناس فقال ك ما انصفناك إن كنا قد اخذنا منك الجزية فى شبيبتك و ضيعناك فى كبرك ، قال : ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه " . [14]

وجاء فى كتاب خالد بن الوليد لأهل الحيرة : أيّما شيخ ضعف عن العمل ، أو أصابته آفه من الآفات ، أو كان غنيا فأفتقر ، و صار أهل دينه يتصدقون عليه ، طرحت جزيته و عيل من بيت مال المسلمين ما أقام بدار الهجرة و دار الإسلام " . [15]

و يعتبر الإمام الغزالى أن تلبية حاجات الإنسان و تنمية قدراته هى شرط لإنتظام أمور دينه و دنياه ، حيث يقول :

" إن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا ... فنظام الدين بالمعرفة و العبادة لا يتوصل إليهما إلا بمعرفة البدن ، و بقاء الحياة ، و سلامة قدر الحاجات من الكسوة و المسكن و الأقوات و الأمن ... فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية .. و إلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقا بحراسة نفسه من سيوف الظلمة ، و طلب قوته من وجوه الغلبة ، متى يتفرغ للعلم و العمل ،و هما وسيلتان إلى سعادة الآخرة ؟ فإذن إن نظام الدنيا ، أعنى مقادير الحاجة شرط لنظام الدين ". [16]

لقد وضع الإسلام حكام البلاد و فقهاءهاعلى الطريق الصحيح لتحقيق الذات و بلوغ التنمية ، و حفلت كتابات المفكرين و الباحثين الإسلاميين بمؤلفات إقتصادية فى مجال التنمية سبقوا بها الكتاب الغربيين بعدة قرون ،. فهذا القاضى أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم المتوفى سنة 182 هـ فى كتابه " الخراج " ، و هذا يحيى بن آدم القرشى فى كتابه " الخراج " أيضا و هذا الإمام الحافظ أبى الفرج رجب الحنبلى فى كتابه " الاستخرج لأحكام الخراج " وضعوا المبادىء العامة لتنظيم الخراج التى شملت الجباية ، العشور ، و الصدقات ، و الجوالى [17]، و القطائع ، و إحياء الأرض ، و حكم مال الخراج و مصارفه ، و غير ذلك من البحوث التنموية ، . و هذا الفقيه الدلجى فى كتابه " الفلاكة و المفلكون " ، أى الفقر و الفقراء يعرض لقضية الفقر و مشاكله بتفصيل و إحاطة ، و عمق نادر فى مقياس زمانه .[18]

http://rashd-karama.maktoobblog.com/

[1] - هود 61

[2] - الأعراف 10

[3] - الملك 15

[4] - الحديد 7

[5] - د. إبراهيم العسل : التنمية فى الاسلام : مفاهيم ، مناهج تطبيقات ، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ، بيروت ، ط1 ، 1996 ، صـ 65

[6] - السابق ، نفس الصفحة

[7] - الشريف محمد الرضى : نهج البلاغة للإمام على بن أبى طالب ، شرح الشيخ محمد عبده ، و تحقيق عبد العزيز سيد الأهل ، مكتبة الأندلس ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1954 ، صـ 18

[8] - أبو عبيد ، القاسم بن سلام ،كتاب الأموال :، تحقيق محمد هرّاس ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1986 ، صـ 552

[9] - د. إبراهيم العسل ، مرجع سابق ذكره ، ص 66 / 67

[10] - الإسراء 17

[11] - رواه مسلم و أبو داود و أحمد بن حنبل

[12] - رواه البخارى بشرح فتح البارى ج 11 ، ص 441 ، و رواه مسلم بشرح النووى ، ج 11 ، ص 61

[13] - رواه البخارى و مسلم بشرح اللؤلؤ المرجان ، ج2 ، صـ 160

[14] - أبو عبيد القاسم بن سلام ، مرجع سابق ذكره ، صــ 50

[15] - أبو يوسف ، يعقوب بن إبراهيم ، كتاب الخراج ، دار المعرفة ، بيروت ، ط1 ، صـ 144

[16] - أبو حامد الغزالى : الإقتصاد فى الإعتقاد ، القاهرة ، مطبعة حجازى ، دون تاريخ ، صــ 105

[17] - جمع جالية و أصلها الجماعة التى تفارق وطنها و تنزل وطنا آخر

[18] - د. إبراهيم عسل : مصدر سابق ذكره ، صــ 69



#عبد_المجيد_راشد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق إلى العصيان المدنى
- فى مفهوم التنمية الإنسانية
- مشروع أمريكا الإمبراطورى فى غرفة الإنعاش
- بينظير بوتو : العودة على الحصان الأمريكى
- مخطط تفتيت الأمة
- معضلات الاقتصاد المصرى
- عاش الفلاح المصرى
- دماء الشعب تنتظر القصاص من مجرمى الشرطة
- شرطة الموت السريع
- الولايات المنتحرة الأمريكية
- التنظيم حق .. التنظيم واجب .. التنظيم ضرورة
- مشهد أمة فى مفترق طرق
- حتى أنت يا أسامه
- قراءة فى أوراق مصر 2020
- أول الغيث قطرات
- ما تيسر من سورة الغضب
- من مطروح إلى أسوان .. لنرفع راية العصيان
- المجد لمحمد خلف
- جوزيف سماحه : العابر من اليومى إلى التاريخى
- الخروج من النسق المغلق


المزيد.....




- روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة. ...
- مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
- مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ ...
- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد المجيد راشد - نقاط مضيئة فى تاريخ التنمية : (ج1)