نحن اليوم في العربية السعودية نحتاج إلى "التطوير الذاتي "الذي يمثل الجانب الإرادي .جانب التغيير الواعي المقصود الذي يقوم به إنسان هذا الوطن لتحقيق أهداف معينة أهمها النهوض بالمجتمع عن طريق طرح نموذج جديد يكون بديلا للسلطة الحاكمة القائمة على النظام الملكي الوراثي المتمثل في بقاء السلطة واحتكارها في يد عائلة واحدة .
هذا الجانب الإرادي يتمثل في وجود إرادة سياسية تفهم الواقع فهما مدروسا وتتخذ بناءا عليه قرارها الشجاع بقبول نتائجه نحو التحول إلى الملكية الدستورية التي تعد عنصرا رئيسيا من عناصر الاستراتجية العامة التي من الممكن أن تحدث الاستقرار ،وتعيد للوطن أمنه الذي فقدت جزءا منه بفعل الارهاب و أصحاب الفكر التكفيري الملتوي والمتشدد ،كما ان من شأنها أن تضع حدا لمعاناة الفئات المهمشة في ظل النظام الملكي الوراثي الحالي .وذلك بهدف التقاء كافة الاتجهات والقوى السياسية والتحامها عند نقطة رئيسية واحدة .كي ينعم ابناء المملكة بنظام نيابي تمثيلي حقيقي وصادق .وان المنافسة بين مختلف التيارات والقوى السياسية ستكون فيما بينهم عن طريق صندوق الاقتراع .
ويرى الذين اقترحوا الحكومة الملكية الدستورية كبديل للحكومة الملكية الوراثية أنها ستكون الحكم العادل بين جميع هذه القوى والاتجاهات ،كما انها لن تعمد إلى دعم فريق ضد آخر في الملعب السياسي .
ونرى انه على حكومتنا الحالية ان تتخذ قرار التطوير الذاتي الشجاع الذي يجعل من الملك الحامي للدستور والمؤتمن على مراقبة وتنفيذ أحكامه ،رمزا للمملكة الدستورية باعتباره مدافعا عن حقوق جميع أبناء الشعب السعودي .وباعتباره الملك الشرعي الذي عرفته المملكة منذ توحيدها وحتى اليوم .وذلك وفقا لإرادتها السياسية واستعدادا لخوض غمار التطوير والتهيؤ لدفع الثمن المطلوب ..خصوصا إذا ما علمنا ان التأخر في اتخاذ هذا القرار الجرئ له ثمنا باهضا وكذلك التطوير له ثمنا يجب أن يدفع باختيار الحكومة الحالية وبقرار من الشعب ،وذلك لأن من لم يبادر باتخاذ خطوة التطوير الذاتي طوعا سيضطر إلى ولوجه مكرها وعندها سيدفع الثمن – كرع بصري ، كما يقول المثل ، اي ضعف الثمن لنفس البضاعة .
قد يظن المغرضون والذين يقفون في وجه التغيير أو التطوير الذاتي ان ثمة نوايا مغرضة للذين ينادون بالتحول صوب الملكية الدستورية ممن يطالبون بالاصلاح في مملكتنا الغالية ،وقد تطالهم الاتهامات التي تشكك في سلامة نواياهم تجاه الحكومة الحالية ،وتجاه أمن الوطن واستقراره ..فيعدونهم مشبوهون في نواياهم تجاه هذا النوع الجديد من الحكم ،ولكن إذا ما علم الشعب السعودي ان الحكومة الدستورية تحقق لكل مواطن صفة المشاركة السياسية فإنه سيكون وبلا شك مؤيدا لإقرارها كنظام جديد لتثبيت دعائم الديمقراطية في المملكة الدستورية والتي تتم عن طريق المنافسة عبر صندوق الاقتراع لممثلي الشعب في البرلمان .
والمهم في هذه المرحلة هو دراسة الفكرة المطروحة والتي تتمثل في تحويل المملكة من النظام الملكي الوراثي المتمركز في يد أسرة واحدة إلى حكومة ملكية دستورية تستمد شرعيتها من جميع شرائح الشعب وبرضاهم .
كما نتمنى ان تعي الحكومة الملكية الوراثية الحالية ان التغيير حتمي وقادم بقوة وعليها أن تتخذ هذا القرار بخيار منها وذلك بالالتفاف حول من يدركون أهمية الفكرة بدلا من ان تجد نفسها مجبرة على هذا التحول من قبل قوى خارجية ،وان عليها الآن ان تعلم الشباب روح الدستور الجديد للمملكة الدستورية الجديدة (بمعنى :ان تعرفهم بأساسيات نظام الحكم الملكي الدستوري في دولتهم ومزاياه ،إضافة إلى حشد وتوجيه الراي العام السعودي نحوه .
وإذا ما علمنا ان الحكم الدستوري ،كما أكد ذلك ارسطو، يمتاز بأنه حكم يستهدف الصالح العام أي لا يستهدف صالح القائمين بالحكم .كما أنه حكم قانوني حيث تقوم الحكومة بمهامها وفقا لقواعد عامة لا بموجب أوامر تحكمية ،وتراعي الحكومة العادات المرعية والعرف الدستوري ، كما انه حكم يعني حكومة المواطنين الراضين عن الحكم لا المرغمين عليه –كما هي الحال – في الحكم الاستبدادي .وهذه النقطة الأخيرة تؤكد أهمية الرضا الشعبي في الحكم .حيث يتتمع المواطن بحق المشاركة السياسية .
ومن المزيا الأخرى للنظام الدستوري الملكي منح الخيار للشعب ،لاختيار نوع النظام الذي يريده ويرغب فيه ،ومن يحكمه عن طريق صندوق الاقتراع،ويحقق بذلك الشعب طموحاته وآماله ،كما أنه تنشأ في ظل المملكة الدستورية، الديمقراطية والحرية والالتزام بالقوانين الدستورية ـ كماان الملكية الدستورية يمكنها أن تكون وعاءا لكل القوى السعودية بعيدا عن التنافس المذهبي والتناحر على السلطة حيث تتمكن كل القوى من المساهمة في كل الفعاليات السياسية كماانها من الممكن أن تصبح ضمان لوحدة البلاد .
كذلك فانها ايضا تكفل حق المنافسة الشريفة بين جميع القوى السياسية ضمن إطار التنافس على رئاسة السلطة التنفيذية (الحكومة)،عبر الانتخابات البرلمانية الحرة التي تحقق الاستمرار ويكون فيها الملك حاميا للدستور والمؤتمن على مراقبة وتنفيذ احكامه والمدافع عن حقوق جميع ابناء الشعب .كما ان البرلمان فيها منتخب ديمقراطيا وفي هذه الحالة لا تتأثر مسيرة الدولة ومصالح أفراد الشعب واستقرار البلاد في كل فترة انتخابية رئاسية .كما ان الملكية الدستورية ستكون الحكم العادل بين جميع فئات الشعب والاتجاهات المختلفة ،كما أن الحالة الدستورية هي الطريق الافضل لإنصاف كل شرائح المجتمع دون تمييز ،وان عدم وجودها يرهن البلد بيد شخص ،أو عائلة قد تورث الحكم لشخص لا يمكنه توجيه دفة السفينة نحو بر الامان في ظل الاوضاع المرحلية المتسارعة الإيقاع .كما ان الملك في الحكومة الدستورية لا يميل إلى فئة أو طائفة دون سواها أو يوليها اهتمامه دون غيرها ،وإنما هو يمثل الشعب بأكمله . وان الملكية لا تتأثر بأية ايديولجية سياسية لمممثلي الشعب الذين يمثلون التنافس الحر الشريف على السلطة لأن الدور الرئيسي المناط بها هو ان تكون حكما بين الجميع والحافظة ايضا على الدستور .
ومن هذا المنطلق يصبح لزاما على الحكومة السعودية الحالية أن تعرض فكرة الملكية الدستورية على الشعب السعودي والتي تعد موافقته شرط مسبق لتبني الفكرة وإدراجها ضمن العناصر الرئيسية للنظام السياسي الجديد للسعودية ..والمقترح الذي قدمته نخبة جديدة تؤمن بالاصلاح والتطوير الذاتي ينص على جعل الملك الدستوري رمزاً.إذ يُترك الحكم الحقيقي لممثلي الشعب المنتخبين ،وبالتالي فإن السلطة التنفيذية تتخذ قراراتها وتمارس أنشطتها ضمن الشرعية الدستورية ووفق ضوابط قانونية تناط بالقضاء مهمة تفسيرها.
لذا نتمنى على الحكومة السعودية الحالية ان تنظر للملكية الدستورية نظرة جادة باعتبارها خيارا واقعيا يمكن اعتماده كنظام للحكم المقبل في السعودية مع وجود الفئات المتبيانة في المجتمع السعودي من دون تخوف ،أو تعصب ،أو إصدار أحكام مسبقة تلفق ضد أصحابها ..خصوصا وانه يمكن في ظل الحكم الملكي الدستوري ان يحدث التعايش السلمي بين الفئات المختلفة التي يتضمنها المجتمع السعودي .ولا سيما بعد وضوح مظاهر العنف والإرهاب من بعض هذه الفئات المكونة لنسيج المجتمع السعودي وتصاعد نويا التشكيك والمخاوف ضد المطالبين بالاصلاح وغيرهم ممن ينتهجون أسلوب الجهاد المسلح كلغة لنيل مطالبهم لدى الحكومة الحالية إضافة إلى احتمالية تأثيرها على بقية الأطراف المسالمة .
صحافية سعودية
سيهات / محافظة القطيف المنطقة الشرقية