|
تأسيس علم أصول جديد – ح4
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2221 - 2008 / 3 / 15 - 09:41
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أردنا في الحلقة الماضية من بحثنا التأكيد على أهمية فك الأرتباط المفاهيمي والبنيوي بين منطق أرسطو الكلاسيكي ومباحث الأصول الإسلامية السائدة الشرعية منها والعقدية . مع تأكيد منا بان مباحث وموضوعات كل منهما مختلفة عن الأخرى من حيث النشأة ومن حيث التكوين ، وكنا قد ألمحنا إلى نزوع البعض عن قصد لتعقيد مباني الأصول الطبيعية من خلال أستخدام المنطق الأرسطي ، وحجتهم مجموعة أفتراضات وهمية تنشأ لدى الباحث الأصولي في العادة من خلال هيمنة مخيال الكلامية الفلسفية والسياسية . وهذا المنهج الطوباوي هو نمط من التفكير نشاهد تجلياته في كتاب - فرائد الأصول للشيخ مرتضى الأنصاري - ، والحق أقول إني أكن للرجل احتراماً خاصاً لأني أجد فيه نوعية متميزة من رجال الدين التراثيين ، فهو مختلف عن أقرانه في الكيفية والطريقية التي ينتج فيها معارفه العامة ، مما يوحي لأول وهلة بانه في إستدلاله غير [ الذين سبقوه والذين عاصروه وحتى من جاء بعده إلى يومنا الحاضر ] ، وتلك شهادة لابد من ذكرها في معرض تحليل الأفكار بتجرد وشفافية ، وهذا لا يمنع من كون الرجل كان إيضاً سجين معلومات عامة جاءته نقلاً وتمسك بها تقليداً ضمن تمسكه بحجية الإجماع ، وهذه واحدة من مخالفاته التي يجب ان ينظر إليها من جهة علمية تحليلية خالصة . طبعاً لايفوتنا التنبيه بان تلك المرحلة من الناحية المعرفية ، هي التي ساهمت عن عمد في تعقيد مباحث الأصول ، حتى أسترسل البعض في الوهم من خلال تبني وصياغة نوع من المباني الفكرية التي لاتمت لمسائل الشريعة بصلة : 1 - لا من حيث واقعيتها ولامن حيث مفرادتها البيانية . 2 – ولا من حيث رصدها لقواعد التشريع ومادته الرئيسية في الكتاب المجيد . * وفي هذا المسار لم تسعف محاولات بعض دعاة التجديد من إيجاد - أصول ميسرة - تمكن الطالب والباحث على حد سواء في التعريف بطبيعة المادة التي يعتمد عليها في أستنباط الأحكام الشرعية . ولابد من الإشارة هنا إلى إن - الأصول الشرعية - لا تحتاج لا إلى إعادة بناء ولا لتجديد في محتواها الداخلي ، لأن هذه العملية إستغراقية وصارفة عن الهدف الذي هو المراد من كل هذه العملية البيداغوجية ، فالإعادة والتجديد هما توكيد غير مباشر على صحة عمل الفقية في تتبعه للحكم الشرعي على نحوه القديم ، أعني إن التجديد والإعادة هو أعتراف بصحة قواعد الأستنباط التي وضعها الفقية والأصولي التاريخي المضطرب . مع علمنا بان مواد وعناصر إنتاج الفقية التاريخي هي في المجمل عناصر هيئها الحاكم السياسي من أجل إعطاء صفته الصبغة المقدسة ، وهذا يجري في جميع شقوق المدرسة الإسلامية ، التي أضفت عليه هذا التابو تحت مظلة أخبار نبوية جاءت بلسان أهل البيت أو صحابة النبي . ولهذا يتخذ رفضنا صفة الوجوب لمجمل السلة التي قدمها لنا فقهاء التراث ، والتي هي عبارة عن وهم خبري وسفسطة أرسطية مثالية في الغالب ، من هنا نعتبر نحن اليوم عصر فقهاء التاريخ هو عصر - التخلف وإنسداد طرق المعرفة - مما سهل لهم تمييع قدرة العقل المجرد وتسييد النقل الطوباوي ، تحت مظلة عصمة النبي وأهل بيته في جزء من دمج ميثيولوجي خطير . هذا النزوع عندهم صير الخبر المظنون أهم من نصوص الكتاب ، بل زعم البعض منهم إن هذه الأخبار المُدعات هي ناسخة للكتاب المجيد !! وكل ذلك كان بفعل غياب دور التحليل الذاتي للكتاب في طبيعته الحضورية ، كما كان ذلك مدعاة لهيمنة وشياع الفكر الماورائي في كل تباعيض الكتاب وفصوله ، وقد أستفاد من هذا الزعم الحاكم السياسي أو الحاكم الديني الذي صار خليفة لله ولرسوله وهو الولي الحاكم على الأعراض والأموال والأنفس . نعم تعد عملية الخروج العلمي من عباءة الوهم والسفسطة الأرسطية المدمجة مع هرطقة رجال التراث ، تعد تلك العملية إيئذآناً ببدء مرحلة جديدة من البناء الحضاري الذي يجعل التعليل الفقهي مرتبط بآليات الزمان والمكان من حيث هما قيم معرفية مستقلة في تحرير النص وتحريكه ، والتي نؤمن بانها تتحكم في معظم مناحي التعليل الفقهي . ولهذا أقول : بإن الأخوند الخراساني في كفايته أبتعد كثيراً عن مقاصد الفقة الطبيعي ولم تفد ترميمات من جاء بعده لوضع موضوعته في المسار الممكن ، مع كثرة المحشين والشروح التي تناولت فهم عبائره !! مما يُعد ذلك أفساد للعقل دونما طائل في قضية بيّنة ، بل وحتى ساحة المباح هي كذلك أصابها التقزيم لصالح الممنوع والمحرم ، مع إن مقاصد الشريعة مُغيئه بتحقيق المصلحة ودفع المفسدة ، وهذا إجراء عقلي عملي بدرجة أولى ، حتى الأمر والنهي في الكتاب يتحرك في سياق الغاية الكلية من ذلك ، أعني من باب حماية الإنسان التي هي غاية الشريعة ومقصدها الأول . لكن المسألة الأصولية لم تتخذ هذا الطابع البسيط بل غدت وكأنها مبارزة في من هو الأقدر على تعقيد القواعد عبر خوض في مباني أفتراضية ، حتى مباحث الألفاظ التي يجب ان يتكأ في فهمها على قواعد اللغة في الكتاب دخلت في نمطية تفكير السبزواري ومنظومته المتداخلة التي تعمم مقولات أرسطو بدل من دعم مشروع الكتاب في الهداية كما لوح بذلك هو نفسه بقوله : [ هُدى للناس ] وهذه لا تتم من دون وعي مبادئ الهداية من حيث هي مسار وليس هي شعارات وأقوال في الرد والبدل كما يُعمد لذلك باحثي المرحلة المعاصرة ..
وللحديث بقية
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأسيس علم أصول جديد – ح3-
-
تأسيس علم أصول جديد – ح2 -
-
تأسيس علم أصول جديد
-
( لازلتُ أبحثُ عن الإسلام )
-
الليبرالية حوار بين الله والإنسان
-
الرسوم المسيئة للرسول محمد
-
شاء الله ان يراك قتيلا .. !!
-
الجزء الرابع : من كتاب إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية ل
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|