|
تأسيس علم أصول جديد – ح3-
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 2218 - 2008 / 3 / 12 - 01:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
* نقول ربما سيرافقنا في هذه الحلقة سؤال مفهومي عن العلاقة التي تربط مابين علم الأصول الدارج والمنطق الأرسطي الذي أثر بشكل بنيوي ومنهاجي في آليات عمل الأصولي ، والسؤال المفترض هو : لماذا تداخلت موضوعات علم المنطق الأرسطي لتشكل عناوين ومباحث علم الأصول الإسلامي ؟ . طبعاً نحن سنحاول تبيان العلاقة تلك وأثرها المعرفي في تفكيك وعينا التاريخي عن الدين وعن الله وعن الحياة وعن مجموعة القوانين التي تنظمها ، وهذا الأرباك تسلط حتى في الدمج القسري بين قواعد المنطق الأرسطي ومباحث الإعتقاد وعلم الكلام . * فالفقية الكلاسيكي وظف قوانين العلة والمعلول - قوانين العليّة - الفلسفية التي محلها في الطبيعيات من المباحث ، جعل منها الفقيه التاريخي من دون سابق عهد مقدمات حكمه على الموضوعات المظنونة في علم الشريعة ومباحثه ، وهذا الإجراء الرومانطيقي أربك الهدف الأبتدائي الذي من أجله جاءت الشريعة . ونُشير هنا إلى الإستغراق الديماغوجي في فوضى المصطلحات الأرسطية التي تعتمدها المدرسة الدينية في تأسيس قواعدها الأصولية التشريعية والعقدية ، وتعميم معاني هذه المصطلحات في مباحث فقهية مفترضة ، وهذا التعميم من الوجهة العلمية أثقل القواعد الأصولية نفسها وجعلها غير قادرة بالفعل على الحركة والإنتقال من القبض إلى البسط إلاّ على نحو نظري محظ ، يعني غياب مفهومي ودلالي لألفاظ كتاب الله وغياب للحركة والتموضع الصح أو الذي يجب ان تكون عليه ، وطبعاً نحن نريد من تلك الحركة : 1 - صفتها الطبيعية المتمثلة في قوله تعالى : - هذا بيان للناس - . 2 - ودلالة هذه الصفة في تعميم لفظ - بيان - بإعتباره لفظاً عاماً يجري في الكلي والمطلق من المواد ، وأما دلالة النسبي في هذا اللفظ فبخصوص من هم غير أهل اللسان من رأس . * فدلالة اللفظ في الكتاب دائماً متعينة في كون المُراد منه – بيّن - وواضح ، ولايحتاج لإضافة شيء من عندنا : 1 - لا من أجل تسهيل مهمته التعريفية في التبليغ . 2 - ولا في طي مسائله وموضوعاته بحيث تكون أحكامها غامضة ومبهمة ومعقدة . وكما أشرنا في الحلقة الأولى من بحثنا هذا فان الذي سبب إنفصال معاني كتاب الله عن الناس ، وجعل كتاب الله مجرد كتاب تعازي على الأموات هو هذا الفصل في وعينا المعرفي بين دلالة اللفظ في الكتاب وتبعثر معاني ومصطلحات وتعميمات من هم شغوفين بالأرسطية ومبادئها الجامدة ، سواء في الكبريات أو حتى في البرهان الفلسفي والأستقراء الجدلي ، فمجال الإعتقاد الذي دُعينا إليه هو الإيمان - بلا إله إلاّ الله - على نحو معلوم في العقل وفي الضمير . صحيح ان وعي المفردة في كتاب الله معرفياً تحتاج لفهم طبيعة الدلالة في الواقع ، أي في فهم نشاط فعل المفردة سواء في التعليل أو التحليل من داخل حدود النص ومن مستوى خطابه العام . وقد يقول قائل : إن هذا يلزمه معرفة دقيقة في لغة النص ومعرفة بدلالة النص وفي سياقاته وسباقاته ، ونقول : نعم هذا صحيح ولكن العلم باللفظ وبالدلالة لا يعني التكلس في لغة النص المعجمية التي تخرج النص في الغالب من موضوعيته . أي لا يجوز أفتراض موضوع من خارج دائرة الممكن في محاولة لفهم النص على أنساق مستحدثة غريبة عن طبيعة النص ، كما يفعل دارسي أصول الفقة المحدثين الذين يُكثرون من شروح لا طائل منها غير العبث والترف الفكري المصنوع والمفتعل ، لهذا ترآنا نشمئز منهم ومن كثرة شروحهم وحواشيهم التي لا تمت للواقع بصلة ، ولا تخدم الفقة ولاتؤدي الغرض المطلوب منها إلاّ في حالات هي في الأصل مقدمات علمية مُتسالم عليها وقد تلتقي مع المنطق الأرسطي لا عن قصد مسبق كما قد يظن البعض . فقواعد المنطق الأرسطي وضعت في الأساس لشيء آخر هو ليس قواعد أصول الإستنباط الفقهية المعتمدة أو الواجبة لدى أتباع محمد من الجماعة المؤمنة . ولأن ذلك كذلك فنجد الكلفة والتصنع في مباحث الأصول الدارجة اليوم ، بل ونجد محاولة البعض إظهار نفسه كمتفلسف في غير بابه وفي غير موضوعه ، هذه المنهجية اللاعقلانية وضعت من حيث تدري أو لا تدري الحواجز أمام وعينا الفطري لكتاب الله وماذا يُراد منه ومنا ؟ . ولهذا يعجز كثير من المتفقهة المعاصرين عن الإجابة ، عن الدور السيء الذي ساهم في وضع أخبار ونسبتها للنبي وأهل بيته وإعتبار تلك الأخبار بدلاً عن الكتاب المجيد ، في كونها مُشرعة للحلال والحرام وقائمة على الأمر والنهي عوضاً عنه ، وإذا قيل لهم : لماذا يكون ذلك كذلك ؟ قالوا : إن الله قال – وماآتاكم الرسول فخذوه ... - من دون فهم لدلالة لفظ الرسول وإين يتموضع هذا اللفظ ويتجلى !! فالرسول ليس رسولاً خارج كتاب الله ، وما يُنسب إليه من أقوال ، إنما هي توهين للكتاب من دون تصريح بذلك !! . وهذا بحد ذاته عجز معرفي تسلل للعقول من خلال الإبتعاد المُمنهج عن كتاب الله ، وكأنه أي الكتاب غير قادر على الوفاء بالواجبات المطلوبة منه ، ولم نجد غير الشواذ من الفقهاء من يعلن على أستحياء وجود صلة ربط بين الفروع مع الكبريات في كتاب الله ، ويقال عن هذا الرأي بإنه خروج عن الإجماع !! فالإجماع عندهم قائم على الأخبار المزعومة والمنسوبة للنبي وأهل بيته - وفق رؤية مقررة ومُعدة سلفاً - . وأكثر ما يحاجج فيه إن الكتاب فيه محكم ومُتشابه ، وبأن المُتشابه منه لا يعلمة سوى نفر من البشر هم - أهل البيت - خاصة ، ولهذا فقولهم حجة بإعتبارهم المُشار إليهم في هذا المعنى في تخيل وأفتراض ثم تعليل وبرهان وإثبات مطلوب داخل هذه الدائرة !! ، مع إن المُراد غير ذلك تماماً إذ إن المراد بمن يعلم المُتشابه من الكتاب : هم عموم مجموع العلماء في كل صنف من العلوم ، وليس منهم - رجال الدين - أي إنهم ليسوا ممن تنطبق عليه صفة العلم ، ولهذا فهم غير معنيين بهذا الوصف ، ثم إن التأويل الوارد في لسان النص عبارة عن معرفة مآلاآت المفاهيم والأشياء في الحياة والكون ، ورجال الدين أكثر همهم في معرفة أحكام يدورن في فلكها منذ قديم الزمان عن الطهارة والنجاسة وأحكام الوضوء والصلاة وغيرها ، ومستند هذه الأحكام بيّن واضح لا يحتاج إلى تقعيد وصرف الجهد والوقت فيه ، والكتب الموجودة تؤدي الغرض وزيادة . نعم إن الحاجة الحقيقية هو بالتعرف على لسان العرب و كيفية أستعمال المفردة لديه ، مع توكيد منا بعدم إصطحاب الترادف اللفظي والمعنوي الذي يميل إليه في الغالب الشعراء ومن على شاكلتهم [ حتى نسبوا قولاً كاذباً لعلي بن أبي طالب قوله : إن كتاب الله حمال أوجه تقول ويقولون !! ] ، فالقائلين بالترادف تستهويهم السباحة في المعاني من دون ضابط وتحقيق في نتائج تلك المعاني على صعيد الوعي وتشكيل ثقافة المعرفة وكذا العلاقة مع الله . التي يظنون إنها قواعد في تدريب المتلقي على الكيفية التي تساعده في فهم الصغريات وتماهيها في الكبريات ،نعم المطلوب الفصل بين علوم الكتاب وقواعده من علوم منطق أرسطو وما أنتجه ، وهذا الفصل يجري في الإطلاق والتقييد والعموم والخصوص وفي النسخ والتشابه والإحكام ، كما إنه تتجلى ضرورة الفصل في قضايا العلة والمعلول في الإيمان البدوي والإيمان الثانوي ، من خلال التركيز على دلالة اللفظ وتعميق منهج البحث العلمي فيما هو نبوة وفيما هي رسالة ، والتقليل من كُلفة وتبعات مقولات الفلاسفة الغنوصيين والمثاليين القدامى ، فالقياس والبرهان والأستقراء قواعد أرسطية يجب النظر إليها والتعاطي معها خارج دائرة الرسالة من حيث هي أمر ونهي ... وللحديث بقية
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأسيس علم أصول جديد – ح2 -
-
تأسيس علم أصول جديد
-
( لازلتُ أبحثُ عن الإسلام )
-
الليبرالية حوار بين الله والإنسان
-
الرسوم المسيئة للرسول محمد
-
شاء الله ان يراك قتيلا .. !!
-
الجزء الرابع : من كتاب إشكالية الخطاب في القراءة التاريخية ل
...
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|