|
مَناسكً نرجسيّة 5
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 2218 - 2008 / 3 / 12 - 09:59
المحور:
الادب والفن
كأنما تخاطبُ نفسها ، شرَعتْ أمّي بالكلام عما دعته " قلة عقل فتاتنا " . فطوال أسبوع ، تتابعُ القولَ ، رافقتْ من مزار إلى آخر ، " مريمَ " المتوسلة بعطاياها لأولياء الله في حيّنا والأحياء المجاورة : " إلا وتريدني الآن الطلبَ من عمّنا الكبير أن يحاول ، بنفسه ، حثّ عقلاء آل " زينكيْ " ، كيما ينصاعوا لعرض الصلح " . ـ " ولمَ لمْ يُبادر كبيرُكم ، قبلاً ، بهذا الأمر ؟ " ، تتساءلُ " صافية " . هزة رأس الأمّ ، المألوفة ، المُسددة نحوي ، كأنما كانت إشارة توحي بجهل إمرأة الأخ ، الغريبة ، طبْعَ " قادريكيْ " . بيْدَ أنها ، كعادتها أيضاً ، أرادت تبريرَ موقفه بالقول : ـ " لقد أوقعنا لهمُ قتيلين ، وأضحى صوتُ العقل بينهم مغيّباً " ـ " ولكنك ، على كلّ حال ، ستذهبين معها لمقابلته ؟ " ، أتوجّه لوالدتي بالكلام أخيراً . ثمّ تناهضتُ على الأثر ، للذهاب إلى مقرّ عملي ، الليليّ . حييتُ مودّعاً إمرأتيْ منزلنا ، مُودِعاً قلقهما لأنس المسلسل المصريّ ، الدراميّ .
فجراً ، في أوبتي من العمل ، رأيتني أضربُ خطوي على أرضيّة الجادّة ، الرئيسة ، مع إيقاع المآذن الداعية مريديها للصلاة . عندئذٍ ، كانت صورة " فريدة " ماثلة أمامي ثمة ؛ هيَ التي هامتْ تلك الليلة ، المشؤومة ، عبرَ دروب هذه الجادّة نفسها ، طريدة ً ومحبطة ويائسة . الغريب ، أنّ رجلها قد فقدَ أثره أيضاً . في بحثي الدائب عنه ، في جوانب الحديقة الكبرى ؛ في مكانه المُعتاد ذاكَ ، كنتُ في الواقع أبحثُ عمن يرشدني إليها . بدونها ، صرتُ ضائعاً . أدركتُ الآن ، في غيابها ، أنها كانت بمثابة كنف أمان لروحي الهائمة . " أضحى لجميع الأشياء طعم الرحيل ، المرّ " ، أرددُ في نفسي مهموماً . أتنبّه ، فجأة ً ، إلى أنّ هذه الجملة ، إن هيَ إلا من واردات مطالعتي ، شبه اليوميّة ، ليوميات زوج الأمّ الأول ؛ العقيد . بين أوراق المرحوم ، عثرتُ كذلك على مخطوطٍ قديم ، من وضع مدوّن مجهول ؛ وهوَ المخطوط ، الذي كان يردُ أحياناً في اليوميات بإسم " الكتاب السريّ " . مرة ً تلوَ الاخرى ، حاولتُ قراءة مفتتح المدوّنة ، دونما جدوى . ذبول أوراقها وتهافت خطوطها ، كان لا بدّ أن تثبط محاولاتي ، المتكررة . إلا أنّ تقليبي عبرَ صفحاتها ، أوحى لي أنّ أكثرَ من مؤلف ربما إشتركَ في التدوين ، بما أنّ المدوّنة محتوية على عديد من الحكايات .
قررتُ مواصلة السهر ، طالما نيّتي إتجهتْ لعدم حضور محاضرات الجامعة . على الشرفة ، كانت السماء السوداء تنذر بصباح ربيعيّ ، متجهّم . لم أعبأ بالنذير ؛ أنا غيرَ المُحتفي ، منذ دهر ، بالصباحات جميعاً ، رائقة أو نحسة . على الرغم من لسعة الهواء ، أنحنيتُ على المغسلة لأبلل وجهي قليلاً ، علني أستمدّ بعضاً من الصحو . ثمة ، على الطرف الآخر من موقفي ، كان البرج ثابتاً في مكانه ، المألوف ـ كخرافةٍ مُقيمة . بين نافذة البرج الوحيدة وبابه ، راحَ بصري يتنقلُ كليلاُ متناعساً . وقلتُ أنّ أقداراُ ما ، غابرة ، قد ربطتني بساكني هذا البرج ؛ أنّ عينين غريقتين هناك ، تحاولان عبثاً الخلاصَ من أخطبوط ذي أطرافٍ سامّة ، مُهلكة . مشفقة ، أو لا مبالية ربما ، مررَتْ الظلمة على نعاسي نسمة ً أقلّ وطأةٍ . أبصرتني أهمد على كرسيّ الخيزران ، المحاذي حافة الشرفة ، الواطئة ، والمتناسق عليها أصص الفلّ والغاردينيا ، المُقاومة للبرد والأطياف . مُنوّماً نوعاً ، طالعني مشهد إطلالتها ثمة ، على شرفة البرج . ما لبثَ صوتها الشجيّ ، الآسر ، أن همسَ بي : " تقدّم إليّ ولا تتذمّر " . هادئاُ وحالماً ـ كطفولتي ، كنتُ في اللحظة التالية أخطو نحوها ، غيرَ مهتمّ بكنه الدعوة ، شاعراً بالفراغ تحت قدميّ ، الحافيتين ، كما لو أنه رملٌ من هيولى . لم تزل كما تركتها بالأمس ؛ بجاكتة خمريّة وأثر دمع ، أخضر ، في عينيها الساحرتين . ـ " هاكَ ، بُنيّ ! " ، قالت لي ، فيما ثديها يبرز من ثنية الجاكتة ، طافحاُ أكثرَ مما قدّر لبصري مباغتة عريه ، مرة ً . بشفة مرجفة ، إنثنيتُ أهمّ تلقف الحلمة ، النافرة ، الغامزة جوعي وجزعي ، وإذا بصوتٍ طاريء ، أصمّ ، يبعثر المشهد . كأنما رشقة ما ، ناريّة ، ملأتْ رأسي بالدخان . درتُ من ثمّ في أرجاء المكان ، باحثاً عنها بعينين ضريرتين ، قبل أن أهتدي إلى موقفها هناك ؛ خلف نافذة البرج : خيّل إليّ حينئذٍ ، أنّ سترتها مخضبة بالنجيع الورديّ ؛ أنّ أثرَ العبرات في مقلتيها حالَ خيوطاً لعنكبوت ؛ وأنّ الصورة المرعبة ، المتجسّدة خلفها ، تضافرُ حبسَ همسي وأنفاسي .
*** يقع منزلُ " قادريكيْ " في منتصف الزقاق ، تقريباً . كبره وإتساعه ، جعلاهُ يحدّ معظم بيوت أقاربنا . أول شيء يُصادف الزائر في المنزل هذا ، الأثريّ ، لا بدّ أن يوحي له بصورة صاحبه ، المرهوب الإسم . فالباب الخارجيّ ، المقوّس ، والمُصفح بالمعدن ذي المسامير الدقيقة ، كان في مركزه دقارة ، نحاسيّة ، على شكل رأس تنين . من هنا ، يمكن الوصول إلى أرض الديار ، عبرَ دهليز طويل ، فسيح وغير مسقوف ، ذي أرضيّة إسمنتيّة . لدى عبور المرء لممر الجنينة ، يمكنه ملاحظة وجود التنور العتيق ، الهامد بلا نأمة حياة في الجانب المتطرف ، والمركون تحت سقالة خشبية ، متيبّسة ومسودّة من أثر الهبوب ، الغابر . أمّا مصطبة العجن ، المتخلخل قرميدها ، فأضحتْ منملة كبرى ، عاجّة بطوابير كادحين ، يشغلون المسافة الفاصلة بين مملكتهم هذه وشجرة التين ، الحارسة لها . وكما هوَ حالُ أموره جميعاً ، الغريبة ، كان على كبير آلنا أن يتخذ له مسكناً أكثرَ حجرات الدار عزلة ً وطيْرة ؛ وأعني بها غرفة إبنه الراحل ، العقيد ، الكائنة إلى يسار الباب الخارجيّ مباشرة ً.
دلفنا خلل ممرّ الجنينة ، الذي أبلط بحجارة بيض ، يُزيدها نصاعة ً وهجُ هذا النهار الجميل ، الربيعيّ . الأمّ ، تطلبُ منا الهدوء ؛ هيَ المتجذر فيها تجاه عمّها شعورٌ ، عريقٌ ، من الرهبة والتهيّب ، وكأنما لم تقض في كنفه شطراً مهماً من صباها . وهيَ ذي " مريم " ، بدورها ، تبتده إحتفائها ، المألوف ، بطقس نذر تينة السبيل . تقتربُ من أدنى الفروع ، مُقبّلة إياه ، ثمّ لا تلبث أن تخرج من حقيبة يدها رقعة من قماش ، نهديّة اللون ، فتربطها بأحد أغصانه المُزهرة . عندئذٍ ، ما كان لي إلا أن أتساءل في سرّي بخبث ، فيما لو أنّ هذه الرقعة ، المُخرّمة ، مُقتطعة من سروال عتيق ، مُبتليَ البهاء ! أمّي تلتفتُ ناحيتي ، لتردد بصوت خفيض ، متأسّ : ـ " حسرَتي على الروح البريئة " ـ " ومع ذلك ، فإننا ندعوها " زيارة " .. ؟ " ـ " صَه ! " ، تندّ عنها بحذر وتأنيب ، فيما بصرها يتناهى إلى النافذة القريبة لحجرة كبير الدار ؛ هذه المُسدلة الستائر ، والمُتسلق قضبانها لبلابٌ جريء ، مزهوّ بخضرته الخالدة . آيستُ من مناقشة والدتي ، بهذا الشأن . إذ لم يتسنّ لي ، أبداً ، أن سمعتها تتطرق لمأساة إبنة عمّها ؛ " فردوس " . إنها لحكاية قديمة ، رمَتْ مع ذلك ظلها على جيلنا ، الأحدث عهداً ؛ حكاية تقليديّة ، عن المرأة المقتولة جهلاً ، بعدما إتهمتْ ظلماً بشرفها . التينة هذه ، كانت الشاهدَ الوحيد على الجريمة . ولهذا صارتْ ، ولا غرو ، سبيلاً تلوّح على أفنانه شرائط ُ النذور ، المُسترحِمَة ، دفعاً لأذىً محتمل من لدن الروح البريئة ، التائهة . وأذكرُ ، لما كنا صغاراً ، إنصاتنا لأم " نورو " وهيَ تتحدث لقريباتها ، مُقسمة ً على رؤيتها " الزيارة " ليلاً ، المُتنقلة بملبسها الأبيض بين نافذة حجرة " قادريكيْ " وبابها . من جهته ، كان إبنها يذهب في الخرافة إلى حدّها ، الأقصى ، زاعماً خروج كبيرنا تحت إلحاف طرقات الطيف ، الضارعة ، وإنصاته للشكوى الأبديّة صامتاً ، مُطرقاً . وها هوَ الرجلُ ، يطلّ من الباب ذاته ، ليدعونا للدخول . هممنا بلثم يده ، ولكنه سحبها ببطء ، مقبّلاً كلّ منا في رأسه . مُتلعثماً ، خاطبتُ أمّي برغبتي التوجّه إلى " آموْجني " ( إمرأة العمّ ) ، بغيّة السلام عليها . رمقني هوَ بنظرةٍ عابرة ، إلا أنها مُعبّرة ربما عن مُراده في الُتهكم من جيلنا : مسائل الشرف والدم ، صارتْ في زمنكم هذا ، التعس ، من إختصاص النساء !
الممشى المُفضي للإيوان ، يُقسم الجنينة إلى حوضين مستطيلين ، رئيسين ، غاية في الإتساع ، تتناسق فيهما الورود والرياحين ، المُختلفة ، تتوسّطها وتحيطها الخمائل المُزهرة والأشجار المُثمرة . أما سقيفة الممشى ، فتتسلق دقرانها كرمة ٌ وارفة ، تكاد مهيمنة عليه جميعاً . الدرجات القليلة ، العريضة ، تأخذ المرءَ إلى الباحة العلويّة ، المُرخمة ، والتي يتصدّرها حجرتان ، كبيرتان ، يفصل بينهما الإيوانُ ذو السقف العالي ، المُزخرف بإتقان ـ كسجادةٍ عجميّة . ها هنا ، كانت " عايدة " مُستلقية ً في رخاء الجوّ الربيعيّ ، المعتدل ، متكئة ً إلى وسائد صغيرة ، مُظهّرة بالبروكار . إستقبلتني بلطف ومودّة ، ثمّ راحتْ تمطرني بالأسئلة عن دراستي وعملي . وكما هيَ عادتها في أحوال كهذه ، فقد أنشأت تثني على مسلكي ، المُستقيم ، فيما هيَ ترثي حالَ والدتي وكنتها ، الغريبة . كنتُ لا أشكّ بعواطف هذه المرأة ، تجاه الأمّ ؛ وهيَ التي خصتها بالرعاية منذ صغرها ، فضلاً عما لعبته من دور في مسألة زواجها ، الأول ، من المرحوم العقيد . يوميات هذا الأخير ، التي أطالعها كل يوم تقريباً ، فيها تفاصيل عديدة ، مثيرة ، عن تلك الأيام ، البعيدة ، الشاهدة على صِبا أمّي . فيما كنتُ منصتاً لإمرأة العمّ ، كانت عيناي تتأملان بإعجاب ملامحها ، البهيّة ، الناجية من غدر الزمن . رشاقة بدنها ، ذي اللون الرائق ، القمحيّ ، ما كانت إلا لتضافر عجب المرء ؛ خصوصاً ذلك العارف بأمور حياتها اليوميّة ، المُسترخية . فإنها لتكاد لا تمارس عملاً ، في الدار الكبيرة ، مع وجود ربيبتها " قمَر " ؛ الفتاة شبه المعتوهة ، المتجاوزة سنّ الزواج ، والقائمة بهمّة ونشاط على الخدمة . ـ " يا للتعسة .. ! " ، تقول " عايدة " مومئة ً ناحية الفتاة ، التي كانت قد طالعتنا للتوّ بعينين مشدوهتين ووديعتين في آن ، وهيَ في موقفها خلف نافذة تلك الحجرة ، المُحاذية للإيوان . ثمّ تستطرد إمرأة العمّ ، باللهجة المتأسية نفسها : " في صباها ، كانت مضرب المثل بالجمال ، كحال شقيقتها ، المرحومة " فردوس " . ولكن إختلاط عقلها ، أفسَدَ ذلك الجمال . في زمننا ذاكَ ، بُنيّ ، كان ثمة قدر كبير من الظلم ، وياما راحتْ أرواحٌ بريئة ، لمجرّد شبهة أو دسيسة . كأنما نفس الإنسان ، التي حرّمها الله وقدّسها ، أرخص من حياة البهيمة " . ثمّ عادتْ تلتفتُ ناحيَة " قمر " ، لتشير إليها بحركة مُداعبة كيما تأتي إلينا . ولكنّ الفتاة ، في موقفها وراء نافذة حجرتها ، الكابوسيّة ، واصلتْ التحديق في نقطة ما ، مُعيّنة ، دونما أن توحي بأنها شاعرة ٌ بوجودنا . برهة اخرى ، وصوت الأمّ ، الواجف ، يتناهى إلينا فيما هيَ تدعو لعمّها ، الكبير ، بالعافية وطول العمر . بدوري ، تناهضتُ مستأذناً إمرأة العمّ ، مُتجهاً نحوَ المرأتين ، اللتين شرعتا بالخوض في الممشى ، المؤدي للإيوان . " يا كسولة ! لو أنك بمحل خالتكِ " قمر " ، لعمّ الخرابُ هذا البيت العامر " ، تقول الأمّ ، مازحة ً ، فيما هيَ تلفتُ " مريمَ " لما حولهما من أناقة وترتيب ونظافة : كانت هذه هيَ طريقتها ، المألوفة ، في صرف الآخرين عن همومهم ؛ فتيقنتُ إذاكَ أنّ المسعى المأمول ، لدى العمّ ، قد باءَ بالخيبة .
*** كما كان متوقعاً ، أطلقَ " عيسى " من محبسه ، إثرَ العفو ، العام ، الصادر بمناسبة تجديد بيعة عاهلنا ، المُباركة . طلعة الفتى ، البهيّة ، هلتْ بمقدم الزقاق ، مُكتسية شحوباً ، حيياً ، في غمرة المُستقبلين . زغاريد النسوة ، تماهت بلإطلاقات الناريّة ، المُحتفية . " مريم " كانت هنا ، أمام باب منزلنا ، وقد أكبّت على عنق شقيقها لثماً وإستعباراً ، قبل أن يتخلص منها بلطف ويلج مع الآخرين إلى أرض الديار . كان يوماً ، مُعيّداً ، إحتفلت به الطبيعة ، أيضاً ؛ بما نثرته من الدفء والنسيم الصباحيّ ، المؤرّج بعبق جنينة " قادريكيْ " ، المُجاورة . خاضَ المجتمعون بأحاديث شتى . بيْدَ أنهم ، وكما يقضي الذوق السليم ، تجنبوا الإشارة لمسألة الثأر ، المُستفحِلة . حتى إذا حضرَتْ العجوز " عابدة " ، بظهرها المحنيّ ووقع عصاها ، فقد شاءَ الصمتُ أن يهيمن على المكان . ـ " الغائبُ لكم ، والهديّة لنا " ، قالت العجوزُ وهيَ توميء نحوي عينيها ، الكليلتين . عندئذٍ ، نقلت " مريم " ، باسمة ً ، لحظها بيني وبين شقيقها ، الغائب ، قبل أن تتناهض نحوَ المرأة ، الخرفة ، لتمنحها الإكراميّة ، المطلوبة . ولكنّ هذه الأخيرة ، عادتْ لتقذفنا بخرافة اخرى ، فيما هيَ تدسّ ورقة الصدَقة طيّ ثوبها ، الخلِق : " لتفرّ به أمّه ، قبل أن يعثر عليه اليهودُ ! " .
كانت أمّي قد توجّهتْ للفتى ، مذكرة ً إياه بضرورة زيارة العمّ الكبير ، حينما فرّت من الدهليز صيحة ٌ طفوليّة بإسم " قادريكيْ " . ثمّ ما عتمَ الرجلُ أن أقبلَ بمشيته ، الوئيدة ، مُتحاملاً على شيخوخته ـ كما " أطلس " ، غابر ، أحنى هامته عبءُ السلالة ، الصخريّة . لبثَ مُطرقاً برهة ً، عند مصطبة الحوش ، قبل أن يرفع رأسه ليجول بعينيه ، العميقتين ، بحثاً عن فتاه ، الباسل . أسرع " عيسى " إليه ، وإنحنى على يده . تأمله عمّنا بنظرة ما ، غامضة ، أكثرَ منها فخورة ، قبل أن يقبله بين عينيه ويتأبط ساعده . الصمتُ ، أطبق وقتئذٍ على الدار جميعاً ، وما عاد يتناهى حتى تغريد طيور الحديقة ، المجاورة ؛ هذه التي خرستْ كأنما على رؤوسها الطيرُ ! ـ " إحم آلكَ ، يا سيّدنا ! " ، خرق السكون صوتُ " عابدة " ؛ الصوتُ ، المُفعمُ بضراعة أمومة ، مُفتقدة . كانت مثبتة نظرتها بعينيّ الرجل الكبير ، ودونما تهيّب أو رهبَة ؛ هيَ العالمة ربّما بدالة خرفها . إطراقة " قادريكيْ " ، إشتدتْ توغلاً في أرضيّة الديار ، وكأنما تتراءى له أطياف سردابها . ثمّ ما لبثَ فمه ، الراعش ، ان تمتمَ : " وهوَ ذلك . سيقيمُ " عيسى " ، مذ اللحظة هذه ، في منزلي " . صوته القويّ ، الجاف ، إستعادَ خلوده فيما كان يشمل الحضورَ بنظرةٍ متأنية : ـ " ما دمتُ حيّاً ، فما من مخلوق بقادر على مسّ شعرة من رأس هذا الرجل ! " .
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القبلة المنقذة في فيلم للأطفال
-
مَناسكٌ نرجسيّة 4
-
من جسر ثورا إلى عين الخضرة
-
مَناسكٌ نرجسيّة 3
-
مَناسكٌ نرجسيّة 2
-
مَناسكٌ نرجسيّة *
-
دعاء الكروان : تحفة الفن السابع
-
ميرَاثٌ مَلعون 5
-
ميرَاثٌ مَلعون 4
-
ذهبٌ لأبوابها
-
ميرَاثٌ مَلعون 3
-
ميرَاثٌ مَلعون 2
-
ميرَاثٌ مَلعون *
-
كيف نستعيد أسيرنا السوري ؟
-
أختنا الباكستانية ، الجسورة
-
جنس وأجناس 4 : تصحير السينما المصرية
-
زهْرُ الصَبّار : عوضاً عن النهاية
-
زهْرُ الصَبّار 13 : المقام ، الغرماء
-
الإتجار المعاكس : حلقة عن الحقيقة
-
زهْرُ الصَبّار 12 : الغار ، الغرباء
المزيد.....
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|