|
قصيدة لمحمود درويش
فوزي بالحاج
الحوار المتمدن-العدد: 2218 - 2008 / 3 / 12 - 09:59
المحور:
الادب والفن
صمت من أجل غزة! محمود درویش الجمعة مارس 7 2008
تحیط خاصرتها بالألغام .. وتنفجر .. لا هو موت .. ولا هو انتحار انه أسلوب غـزة فی إعلان جدارتها بالحیاة منذ أربع سنوات ولحم غـزة یتطایر شظایا قذائف لا هو سحر ولا هو أعجوبة ، انه سلاح غـزة فی الدفاع عن بقائها وفی استنزاف العدو ومنذ أربع سنوات والعدو مبتهج بأحلامه .. مفتون بمغازلة الزمن .. إلا فی غـزة لأن غـزة بعیدة عن أقاربها ولصیقة بالأعداء .. لأن غـزة جزیرة کلما انفجرت، وهی لا تکف عن الإنفجار ، خدشت وجه العدو وکسرت أحلامه وصدته عن الرضا بالزمن . لأن الزمن فی غـزة شيء آخر .. لأن الزمن فی غـزة لیس عنصراً محایداً انه لا یدفع الناس إلى برودة التأمل . ولکنه یدفعهم إلى الإنفجار والارتطام بالحقیقة . الزمن هناک لا یأخذ الأطفال من الطفولة إلى الشیخوخة ولکنه یجعلهم رجالاً فی أول لقاء مع العدو
لیس الزمن فی غـزة استرخاء ولکنه اقتحام الظهیرة المشتعلة
لأن القیم فی غـزة تختلف .. تختلف .. تختلف
القیمة الوحیدة للانسان المحتل هی مدى مقاومته للإحتلال... هذه هی المنافسة الوحیدة هناک .
وغـزة أدمنت معرفة هذه القیمة النبیلة القاسیة .. لم تتعلمها من الکتب ولا من الدورات الدراسیة العاجلة
ولا من أبواق الدعایة العالیة الصوت ولا من الأناشید . لقد تعلمتها بالتجربة وحدها وبالعمل الذی لا یکون
إلا من أجل الاعلان والصورة
ان غـزة لا تباهى بأسلحتها وثوریتها ومیزانیتها. انها تقدم لحمها المر وتتصرف بإرادتها وتسکب دمها
وغزة لا تتقن الخطابة .. لیس لغزة حنجرة ..مسام جلدها هی التی تتکلم عرقاً ودماً وحرائق .
من هنا یکرهها العدو حتى القتل . ویخافها حتى الجریمة . ویسعى إلى إغراقها فی البحر او فی الصحراء او فی الدم
من هنا یحبها أقاربها وأصدقاؤها على استحیاء یصل إلى الغیرة والخوف أحیاناً . لأن غزة هی الدرس الوحشي والنموذج المشرق للاعداء والاصدقاء على السواء .
لیست غزة أجمل المدن ..
لیس شاطئها أشد زرقة من شؤاطئ المدن العربیة
ولیس برتقالها أجمل برتقال على حوض البحر الأبیض .
ولیست غزة أغنى المدن ..
ولیست أرقى المدن ولیست أکبر المدن . ولکنها تعادل تاریخ أمة . لأنها أشد قبحاً فی عیون الأعداء ، وفقراً وبؤساً وشراسة . لأنها أشدنا قدرة على تعکیر مزاج العدو وراحته ، لأنها کابوسه ، لأنها برتقال ملغوم ، وأطفال بلا طفولة وشیوخ بلا شیخوخة ، ونساء بلا رغبات ، لأنها کذلک فهی أجملنا وأصفانا وأغنانا وأکثرنا جدارة بالحب
نظلمها حین نبحث عن أشعارها فلا نشوهن جمال غزة ، أجمل ما فیها انها خالیة من الشعر ، فی وقت حاولنا أن ننتصر فیه على العدو بالقصائد فصدقنا أنفسنا وابتهجنا حین رأینا العدو یترکنا نغنی .. وترکناه ینتصر ثم جفننا القصائد عن شفاهنا ، فرأینا العدو وقد أتم بناء المدن والحصون والشوارع .
ونظلم غزة حین نحولها إلى أسطورة لأننا سنکرهها حین نکتشف أنها لیست أکثر من مدینة فقیرة صغیرة تقاوم
وحین نتساءل : ما الذی جعلها أسطورة ؟
سنحطم کل مرایانا ونبکی لو کانت فینا کرامة أو نلعنها لو رفضنا أن نثور على أنفسنا
ونظلم غزة لو مجدناها لأن الافتتان بها سیأخذنا إلى حد الانتظار ، وغزة لا تجیء الینا غزة لا تحررنا لیست لغزة خیول ولا طائرات ولا عصى سحریة ولا مکاتب فی العواصم ، ان غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ومن غزاتها فی وقت واحد وحین نلتقی بها – ذات حلم – ربما لن تعرفنا ، لأن غزة من موالید النار ونحن من موالید الانتظار والبکاء على الدیار
صحیح ان لغزة ظروفاً خاصة وتقالید ثوریة خاصة
ولکن سرها لیس لغزا : مقاومتها شعبیة متلاحمة تعرف ماذا ترید (ترید طرد العدو من ثیابها )
وعلاقة المقاومة فیها بالجماهیر هی علاقة الجلد بالعظم . ولیست علاقة المدرس بالطلبة .
لم تتحول المقاومة فی غزة إلى وظیفة و لم تتحول المقاومة فی غزة إلى مؤسسة
لم تقبل وصایة أحد ولم تعلق مصیرها على توقیع أحد أو بصمة أحد
ولا یهمها کثیراً أن نعرف اسمها وصورتها وفصاحتها لم تصدق أنها مادة أعلامیة ، لم تتأهب لعدسات التصویر ولم تضع معجون الابتسام على وجهها .
لا هی ترید .. ولا نحن نرید
من هنا تکون غزة تجارة خاسرة للسماسرة ومن هنا تکون کنزاً معنویاً واخلاقیاً لا یقدر لکل العرب
ومن جمال غزة أن أصواتنا لا تصل إلیها لا شيء یشغلها ، لا شیئ یدیر قبضتها عن وجه العدو، لأشکال الحکم فی الدولة الفلسطینیة التی سننشئها على الجانب الشرقی من القمر ، أو على الجانب الغربی من المریخ حین یتم اکتشافه ،انها منکبة على الرفض .. الجوع والرفض والعطش والرفض التشرد والرفض التعذیب والرفض الحصار والرفض والموت والرفض .
قد ینتصر الأعداء على غزة (وقد ینتصر البحر الهائج على جزیرة قد یقطعون کل أشجارها )
قد یکسرون عظامها
قد یزرعون الدبابات فی أحشاء اطفالها ونسائها وقد یرمونها فی البحر أوالرمل أو الدم ولکنها
لن تکرر الأکاذیب ولن تقول للغزاة : نعم
وستستمر فی الانفجار
لا هو موت ولا هو انتحار ولکنه أسلوب غزة فی اعلان جدارتها بالحیاة ...
فاصلة :
وستستمر فی الانفجار
لا هو موت ولا هو انتحار ولکنه أسلوب غزة فی اعلان جدارتها بالحیاة .
#فوزي_بالحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هجوم جديد على قلعة الدريدي وبلهواري
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|