احمد ثامر جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 2217 - 2008 / 3 / 11 - 10:06
المحور:
كتابات ساخرة
نشرت إحدى الوكالات الإخبارية المحلية خبرا جاء فيه:" القبض على فلاح يزرع عبوة ناسفة في كلية الطب البيطري بناحية القاسم في الحلة.."وبذلك الخبر يتم تحطيم آخر معاقل الخير الفطري ممثلا بشخص المزارع العراقي الشهير ( راشد ) الذي عرفناه دوما مدافعا شرسا عن اعرق المهن الشريفة في التاريخ البشري.
منذ قراءتي هذا الخبر بقيت أتساءل مع نفسي : هل راشد (الناسف) هذا هو عينه راشد المزارع المسكين الذي عمر لعقود خلت في ثنايا دروس محو الأمية والقراءة الخلدونية التي علمتنا أولى خطى الحياة الهادفة؟ هل يعقل ان راشدا الذي عرفناه وعرفه آباؤنا من قبلنا تخلى عن زراعة حقله بالورود والخضار من اجل قتل أبنائنا في حرم مقاعد العلم والمعرفة أسوة باؤلئك الذين يذبحوننا في الساحات الرمادية القبيحة وعلى ناصية الشارع الكئيب.
بفعلته تلك ربما لم يفقد راشد صوابه وإنسانيته حسب، بل حتى ما يمكن تسميته بـ ( براءة مهنته) التي لخصت بسعة معانيها هوية أسلافه وانتماء أبناء جلدته. كما افقده جرمه المشين ذاك اتزان اسمه الذي نبتت دلالته في نقاء الطين العراقي آنذاك قبل ان تخربه وساخات العبوات الناسفة . إلا ان المفارقة الأكبر هي ان راشد بفعلته المجنونة هذه لا يبدو انه فكر مليا ببؤس الدرس الأخير الذي سيتركه لأحفاده من بعده،وهو يمحو - عن عمد - ذاكرة من تتلمذوا على بهاء صورته المتفائلة وقد كانت تأتي مشفوعة بحروف واضحة ، بسيطة ، اشد صدقا ورشدا في دعواها إلى حرث الأرض البكر وزرعها بباقات خير ومحبة.
لأجل ماذا خان راشد أجداده كلهم ،حانثا الإيمان الذي قطعها على نفسه بان يكون راعيا لهذا الحقل ، منتجا فيه؟
أيكون راشد ما زال راشدا ونحن أنفسنا المجانين الذين نستحق منه ابادة ناسفة كوننا لم نصغي لحاجاته ومعاناته وشكواه.. فقرر في لحظة مظلمة بيعنا للشيطان؟
أيحق لنا منحه العذر فيما يشاء زراعته من خضروات أو عبوات ؟ ربما السبب انه لم يعد يجد محصول الأرض السبخة مجديا ، فتركها نهبا للغرباء والغربان. لن يكون ذلك بكل الأحوال منطقا سويا لقراءة الخبر بهذه الصورة.
ان لم يجد راشد ما يزرعه فليس ضروريا ان يقطع ما زرعه الآخرون . رغم ذلك بقيت امني نفسي كسواي من العراقيين المفجوعين بكل من يزرع عبوة، ان ينتهي الأمر في حدود كون راشد قد ارتكب حماقة سيندم عليها قريبا لمجرد ان الأرض التي أثمرت بين يديه أزهارا ، يوما ما ، لن تحمل في رحمها ثمار الشيطان ثانية.
#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟