أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - مساحات على لوح اسود















المزيد.....

مساحات على لوح اسود


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2216 - 2008 / 3 / 10 - 10:30
المحور: الادب والفن
    



قراءة في قصص الشابة أسماء الغول

أول ما يلفت الانتباه والاهتمام في قصص مجموعة "هجران على لوح أسود" للقاصة الشابة أسماء الغول, الإصرار الواعي والمدروس للوصول إلى بنى قصصية تنشد الإضافة والتميز. وهذا الإصرار يقف خلفه إحساس عميق بالخسارة والفقد "رغم قصر الرحلة", في زمن دمر القيم وأخذ المعايير إلى الهامش, ما دفع الكاتبة إلى المبادرة الجريئة تارة, أو إلى التسلل تارة أخرى للقفز عن السائد المطروق,أو الحداثي المُغَرَبَ والمُغرِبِ,لتقف على مساحة مرهقة مغرية بالإرهاص, وتعكس صوتا مميزا..فهي تدخل شرنقتها, ليس عن هروب, ولكن للتحول والانطلاق, فراشة عفية تتلفع بالوعي والتجربة, تعكس أفكارها على مراياها الداخلية, وتمسك بلعبة الإيهام مع المتلقي/القارئ, تأخذه إلى اللذة في القراءة الأولى, وتثير فيه أرق السؤال في القراءة الثانية, أرق لذيذ يجد له مساحة على مراياه. وبذا تنجح في بلورة أرقها الذاتي إلى أرق جمعي دون صراخ أو هتاف.. "فالكتابة عندها ليست موسومة بقلق المعنى فقط, بل بقلق آخر فني لضيق الورقة أمام اتساع اللغة..فالبياض يجبرها على ملئه بنزيف هو أقرب إلى الموت للوصول إلى النموذج "قصة ورقة واحدة مشوشة"
هكذا تصدر أسماء الغول رسائلها..
ففي قصة طهجران على لوح أسود" تقف بين خسارتين أقلهما الفجيعة, بين أن تندفع نحو التنمر أو تستكين للعبودية,بعد أن ارتبطت بشاعر يهوم في فضاء شديد الحساسية والخصوصية..فهل تعاند وقد اكتشفت عبث اللعبة؟ أم تنتظر الحب/المعجزة الذي ورطها في العلاقة, فتلوذ بمساحة سوداء تدون عليها الآلام, والمساحة تمتص الانهيارات مثل إسفنجة ليل لزج, تسجل الأيام توالي هزائم, حتى إذا كانت الليلة المائة تجد نفسها أمام الحقيقة, تصرخ فيها وفيه "ليس من الضروري معرفة شياطينكَ لكي تجد الله" فالمطلق غاية لا تدرك, والنسبي هو أرضية الاشتباك مع الوعي, وبؤرة الوعي أن تحتفظ بشيء من الحب في ذروة فشل العلاقة. ولعل ذالك ما ظهر في قصة "تفاصيل رجل عاش" فنجدها تعود إليه بعد الانفصال عنه, تستعيده, مع أدق التفاصيل, بروح متسامحة محبة, تجوس معه في بيت عرفته, تعبر وإياه مفاصل الوقت, تسترق السمع لوجيف صدره وعواء لهاثه وارتباك أدائه المعيشي, تراقبه بحزن شفيف يتجاوز عاطفة مقموعة بالاختيار العقلي الذي فقأ القلب البكر, وقتل فيه برعما تفتح على هول المفارقة, فتدرك كم هي قلقة, وإن حالها هي حاله, وتفاصيل وقتها هي تفاصيل وقته, فيأخذها العطش, وتضربها مطرقة الاعتراف "قَلِق كلانا يعرف ذلك.." فهو من اعترف يوما "يا لجهلي بهن قبلكِ" فهل تصرح بالاعتراف المقابل "يا لجهلي بهم قبلكَ", يظل السؤال معلقا, فهي رغم كل التفاصيل " لم تتعرف طعم عينيه بعد " فهل أدركت أن العشق لا يخضع للقياس!؟وهل أدركت طعم عيني الرجل الذي أحبها عند الحاجز العسكري, في قصة "يباس في القلب" وهي من تذوق لذة شفتيه حتى الذروة ذلك الرجل الذي انتشلها من زحام الطريق وعذاب الوصول إلى مسكنها, فسكنته ليقابلها بعد ثلاث سنوات وينتشلها ثانية, فيكون الحب, وتكون القبلة الأولى, تفاجئه بالقبلة, فيعبر فمها بلسانه لإثبات الرجولة, وفي القبلة الثانية يكتشف فيها أشياء مثيرة " أنثى راغبة" تثير شهواته لأبعد من عبث اللسان, "ويركب الحب شياطين مقدسة", وفي القبلة الثالثة جاس فمه في أماكنها السرية.
وبعد ألف ليلة وقبلة, يدرك أنه لا يستطيع شطر القمر ليهديها نصفه, فيتحول إلى ذكرى, ويترك يباسا في القلب لحب بدأ وانتهى عند الحاجز العسكري, فهل تعرفت على طعم عينيه بعد أن ارتشفت لذة لسانه وعرفت جنون فمه..؟
ولكن: هل الإغراق في الهم الذاتي يسحب كاتبتنا من المحيط؟ أم أنها تنظر إلى العالم من حولها بحيادية المراقب الراصد؟ أم أن مرصدها يميل إلى لعبة المرايا المتقابلة معه/الرجل كما يظهر في قصة "أنا وأنتَ" حيث تحمله معها, ترصد وإياه من خلال بوح مدروس مفردات الواقع في رحلة الذهاب والإياب, من الجنوب/السكن إلى الشمال/الجامعة والعكس, نراها امرأة ممتلئة بالحلم, تدرب حواسها على الاكتظاظ بالفقد وتراكم الأسى وعبث الإدمان على لعبة التسلي بالعد تأكيدا على الحرمان, تقوم بعدّ التلاميذ في الطريق وعدّ أبواب المحلات والأشجار وأغطية فتحات المجاري المنتشرة على امتداد الطريق, وكأن الواقع عبارة عن نفايات تلحق بنفايات خارج نطاق الحلم, بما يتناقض مع ما يطرحه الأستاذ في محاضرات علم المعاني,فالمعاني تتناسل في الشوارع والأزقة, والضجر في الذهاب والإياب, والاستماع لحكايات يدخرها رجلها السائق الذي يعكس ما تراه مراياه. هل تظل وإياه على ذات اللعبة أم الانفصال عن الواقع لاكتشاف مفرداته حتى وإن قادها ذلك إلى حافة الذهول؟ ربما ذلك ما جعلها تصرخ في قصة "قبر أبي" بالسؤال الوجودي الحارق كالقذيفة "هل الموت خروج خاطيء عن قوانين الزمن" والموت هنا هو الموت المعنوي, موت الإنسان المخذول الذي لا يعطي قيمة لحياته, ويعيش الحزن طقس حياة, فيقف به الزمن كما توقفت ساعة يد سعد بعد موت أمه, وكأن الحبل السري الذي يمده بالحياة قد انقطع كما يقول السارد/ضمير الوقت, والذي أنطق المجنون/العاقل صبحي أن "المحكمة في المقبرة" وان الحياة لا تتوقف بالتحلل البيولوجي, فالساعة التي توقفت على يد سعد دارت عقاربها بعد موته, وكأنه مات قبل الموت.. قصة تعكس الأرق, وترصد صيرورة الحياة منذ النطفة الأولى الناتجة من لهو أم فتحي بزوجها, وحتى آخر ملعقة سم تفرضها متناقضات الحياة.
وبعد
هل تكفي التجربة الذاتية للوصول إلى فن جميل؟
وهل يكفي الاتكاء على الألم الفردي لبلورة الرؤى؟
ذلك مربط الفرس, وسؤال الرهان, فالإبداع منتج فردي يتزود بطاقة الجماعة, ولا يخضع لشروطها, فيصعد بالذاتي/الجمعي في لحظة كشف فتسطع الرؤية. فهل كانت أسماء الغول تدرك ذلك عند دخولها مختبر الكتابة؟
البدايات مبشرة لكاتبة تريد الوصول, يظهر ذلك في الوعي بالكتابة, وبالأرق الذي لا تخبو ناره, والسعي وراء الحقائق المراوغة, والامتلاء بأرق الإضافة بقصم ظهر الأزمنة, ودمج الماضي بالحاضر بالمستقبل في لحظة واحدة, وبالأصوات الخفية وتبادل الأدوار بين الأنا المتحرك والأنا السارد المخادع على الورق, والجمل القصيرة الحاملة لشفرات تأخذ المتلقي إلى ملئ الفراغ بين الفواصل والنقط, والنص الدائري الذي يبدأ من نقطة ليعود إليها جامعا السالب مع موجبه ويقدح شرارة تنوير متوهجة.
وأخيرا, فإن أسماء الغول غامرت واقتحمت وقدمت عنقودا قصصيا جميلا ومفاجئا نرفع له القبعة.
----
* أسماء الغول كاتبة شابة, تعمل في الصحافة وتكتب القصة القصيرة, نشرت فصصها في الدوريات العربية والفلسطينية, فازت بجائزة القطان للأدباء الشباب في القصة القصير للعام 2007.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العري عند الحقائق الأولى
- المخيم والعزف على وجع قديم
- الواقعي والمتخيل في قصص القاص الفلسطيني عمر حمش
- البحث عن أزمنة بيضاء - 11 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -10 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 9 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 8 -
- البحث عن أزمنة لبضاء -7 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 6 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -5 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -4 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -3 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 2 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 1 -
- عطش الندى - قصة فصيرة
- شهادات في زمن الحصار
- أعواد ثقاب في ليل حالك
- أفشالومي الجميل
- حكايات الغربة -2 -
- حكايات الغربة -1 -


المزيد.....




- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - مساحات على لوح اسود