أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - على صَيحة ... يَعقِدُ جمميعَ آمالِه - مقدمة لمختارات من شعر نزيه أبو عفش















المزيد.....



على صَيحة ... يَعقِدُ جمميعَ آمالِه - مقدمة لمختارات من شعر نزيه أبو عفش


منذر مصري

الحوار المتمدن-العدد: 687 - 2003 / 12 / 19 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


منذ زمن يمكن وصفه الآن ببعيد ، أواسط السبعينات لا على وجه الدقة ، التقيت أول ما التقيت بنزيه أبو عفش ، وربما ، إذا كانت ذاكرتي تخدمني جيداً ، في مكتب بندر عبد الحميد ، المسؤول آنذاك عن الصفحة الثقافية في جريدة البعث . وصرنا ، كما يحدث دائماً ، أو قل غالباً ، بين الشعراء ، صديقين منذ ذلك اللقاء الأول ، وكأن هذا عرف بينهم ، يتبعه ربما عرف آخر أشد وطأة ، هو أنهم ، عاجلاً أم آجلاً ، يتحولون إلى أعداء ! وإن ليس بالمعنى العام للكلمة !! لكن هذا ، أقصد الشق الثاني ، لم يقع بيني وبين نزيه يوماً ولن ندعه يقع . فقد صمدت صداقتنا وبقيت حميمة كل ذلك الزمن ، عابرة مراحل وأطواراً اختلف فيها الناس وافترقوا حول أي شيء ، وخلال تقلبات حياتية وأدبية لم تبق شيئاً على ما كان عليه . وأحسب أن ما ساعدنا ، أنا وهو ، على صمود صداقتنا ، تلك المسافة ، ذلك البعد ، بين دمشق التي يقيم نزيه بها منذ ما يقارب الثلاثة عقود ، ولا يغادرها إلا لماماً ، واللاذقية التي ولدت وعشت وعلى الأغلب سأموت بها ، والتي لا أغادرها أبداً . هذه المسافة ، هذا البعد ، جعل من الغياب ، المحور الحاضر والثابت لصداقتنا . أي أنها كانت وما تزال صداقة مشاعر وأفكار ، ذكريات قليلة ولكن مركزة ، رسائل قصيرة ، مكالمات هاتفية بمناسبة أو بلا مناسبة ، سلامات ينقلها أصدقاء مني له ومنه لي ، يورد اسمي بين أسماء قلة من الشعراء يطيب له أن يأتي على ذكرهم إذا تكلم عن الشعر السوري ، أذكره دائماً كلما سئلت عن شعراء السبعينات ، واستشهد به لأدل على أهم وأخطر منعطف للشعر السوري .  
لكن أغرب ما أدت بي إليه معرفتي بنزيه أبو عفش وصداقتي له هو أني ، عن قصد أو غير قصد  ، أحوِّل ، أُرجِع ، أعيد له ، أمرر ، كل ما يتعلق بأمرٍ ، يكاد يكون أكثر ما يتناقل ويشاع عنه من صفات : اليأس ! كل يائس ألتقيه ، كل قصيدة قانطة أقرؤها ، كل خاطرة يائسة تمر في بالي ، أو حتى مجرد المفردة ، كان يذكرني به ، وأقسم إني لا أبالغ . لذا بينما كنت أعد مجموعتي الأولى ( آمال شاقة ) للطبع في إحدى دور النشر اللبنانية ، عام 1978 على ما أذكر ، الأمر الذي لم يتم ، نتيجة قصف مقر الدار وإغلاقها في السنة ذاتها بسبب الحرب ، ثانياً ، وبسبب حظي العاثر ، أولاً ، في نشر مجموعاتي الشعرية حسب تسلسل ، غير تاريخي  كنت قد رتبت قصائدي عليه ، أقول بينما كنت أعد مجموعتي الأولى ( آمال شاقة ) للطبع  ، وجدتني أهدي له قصيدة صغيرة ، كنت قد كتبتها قبل تعرفي عليه بسنتين أو ثلاث :

( ارتَفِعي يا رِجليَ اليُسرى
وَخَفِّفي عَنكِ يا قِربَتي
 عَلى طَرَفِ هَذا
البَاب .
/
 نجُومُ هَذِهِ اللَّيلَة
بَيضاء
وَحَياةُ الكِلاب
 قاسِيَة ..)

 وكان الإهداء هكذا ( إلى نزيه أبو عفش حسب العائدية ) . فقد كانت لا أكثر من قصيدة صغيرة شقية يائسة ، تصور لحظة شاعرية لكلبٍ شارد ، كان أيام خدمتي العسكرية في الجبهة ، في حرب تشرين  وما تلاها ، يتبعني أينما أذهب ، ولا يحلو له أن يفعلها إلاَّ عند فتحة باب خيمتي . ولأني أيضاً عرفت نزيه ، من بين عشرات الأشياء التي عرفته بها ، صياداً ، يخرج للصيد مع عادل محمود وميشيل كيلو ، وكان لديه بندقية صيد روسية ( جفت بفتحتين ) ويربي في وكره في جادة الخطيب ، المرآب الذي كان يقطنه مع عائلته ، ويستضيف به أصدقاءه وأنصاف أصدقائه ، آكلين شاربين نائمين ، ومنهم أنا ، إضافة للقطط والسلاحف والعصافير ، كلب صيد ، قال لي عنه ما لا أستطيع تذكره الآن لو لم يكن مكتوباً في دفتر مذكراتي ، وهو أنه أشبهه المخلوقات بالشاعر من حيث استدلاله على الأشياء بالحواس والشعور لا بالمعرفة . ولكن ليس بسبب هذا فقط كانت القصيدة تكاد تكون كتبت له ، فقد كنت أشعر بأنه يمكنها أن تتخطى الطرافة الزائدة الظاهرة بها ، وتجد معنىً أعمق وأشد وقعاً ، بارتباطها باسمه . ذلك أن نوع يأسها ، قسوته من جهة ، وشاعريته من جهة أخرى ، تشبه إلى حد بعيد ، الصورة التي يستهويني أن أرى نزيه بها .
***
 في حياتي ، حدث ووصفت نزيه بأوصافٍ كثيرة ، ومرَّة كتبت له قصيدة :

( بِمِعدَةٍ مُطبَقَةٍ قَصَدتُ إلَيكَ
وَبِجُوعٍ دَخَلتُ بَيتَكَ .
/
وَقَد أّولَمتَ لي
عَلى مائدِةٍ عامرَةٍ بِأَطباقِ الخَواء
بَدَلَ الحَساءِ البَارِدِ وِاللُّحومِ المُعَلَّبَة
وَجبَةً سَخيَّة
مِن رُوحِكَ الدَّسِمَة ..)
ـــــــــ

ومرّة قلت عنه :
( عصفور لا ينقصه سوى الريش )
 ومرّة :
 ( ملاك موت بجناحين ومنجل )
ـــــــ
 ووصفته مرّات بأنه مزاجيٌ بامتياز ، لكني يوماً لم أجد سبباً لوصفه باليائس ، رغم تلك العلاقة الحصرية التي ذكرت . ذلك لأنني يوماً لم أعرفه ، يوماً لم أذهب إليه ، يوماً لم لَم يأتِ لعندي ، يوماً لم أحادثه بالهاتف ، يوماً لم يرسل لي رسالة ، ووجدته يائساً . لكني أعتقد ، ما يختلط على الجميع ، أنه غالباً ما يكون مستثاراً ، نزقاً ، برماً ، أو ربما يصُحُّ أكثر القول : دائماً متطرفاً . فنزيه كان وما زال الأشد تطرفاً بينناً . إنه هو من يتطرَّف في الإعجاب وفي الرقة وفي الحب وفي الصداقة ، كما يتطرف في الإزدراء والغضب والكره !! والعداوة . كان لديه كما لدينا جميعاً ، لا ... أكثر بالتأكيد ، ذلك التضاد ، في المشاعر، وفي الآراء ، وفي الانتماءات ، في ما يظن البعض أنهم يعرفونه عنه ، وفي ما يتراءى لهم ما هو عليه . التضاد الذي كان نزيه يشقُّ به ، بلا هوادة أحياناً ، وبلا شفقة غالباً ، شعره و حياتَه وروحَه . مرةً قال لي ، في شأنٍ لم أكن أعرف عنه إلاَّ القليل ، وكأنَّه يردُّ عل آخرين :( سأظل أنا هكذا وسأظل أكتب هكذا ، أعجبهم هذا أم لم يعجبهم !! ) كان نزيه بهذه التضاد الظاهر والعميق ، كجرح لا يمكن إخفاؤه لبلاغته ، يعمل خارجاً وداخلاً في جمع شتاته وإكمال نفسه .
***
 وخلافاً لتلك القصيدة التي ذكرت ، من يعرف نزيه يعرف بأنه متطرف حتى في الكرم ، خاصة كمضيف ، ولكنه ليس أكرم مني في إهداء القصائد ! ففي ( آمال شاقة ) أيضاً سطرٌ آخر ، يذكرني بنزيه . وفي أمسية لي مؤخراً ، قرأت هذا السطر وأهديته له :
(  أشدُّ ما أَكرَهُهُ في اليأس
 .. سُهولَتُه )
لكن يأس نزيه ، أعلم ، لم يكن اليأس الذي عنيته . لأن يأسه ، الذي يتغنى به في شعره ونثره ، لَم يكُن من نوع هذا اليأس السهل الذي لسان حاله : حسناً ، لا بأس ، لا مجال لفعل أي شيء ، أو قول أي شيء ،كل شيءٍ انتهى ، ها أنذا أعلن هزيمتي وأرتاح ، وكفى الله المؤمنين شرَّ القتال . بل بعكس ذلك تماماً ، فيأس نزيه يقول بالمقابل : حسناً ، لا بأس ، وصل كلُّ شيءٍ إلى الحد الذي لا مجال لي  لتحمُّلِه ، وما عاد ينفع معه صبرٌ أو أمل ، وقد آن الأوان لأصرخه ، آن الأوان لأفجره أو أنفجر .
 يأس نزيه أكرهه بدوره .. لأنه صعب ، شديدٌ وصعب ، لأنه يأسُ مقاتلٍ  ، لأنه يأسٌ مقاتلٌ . نزيه ، كما في شعره كما في زواياه الصحفية كما في عمله كما في حياته ، يقاتل بيأسه ، يأسه سلاح من أسلحته .من تلك الأسلحة التي تخاف على حاملها بقدر ما تخاف منها ، وهو بمعاركه وحروبه الصغيرة والكبيرة لا يفكر بنصرٍ أو مجدٍ أو أي نوعٍ من أنواعِ  الغنيمة ، لأن العكس هو الصحيح ، فنزيه أحسبه يفكر، أكثر ما يفكر ، في كيفَ يخسر وينهزم . الحروب الخاسرة هي حروبه المفضلة ، والخاسرون والمهزومون لا المنتصرون هم فريقه . هذا كان تفسيري دائماً لدفاعه عن شعري وحبه لشعر أختي مرام وشعر دعد حداد ، تلك المرأة التي أعلم أن أكثر ما اهتم به في شعرها ، أنها ، على حدِّ تعبيره :
 ( إنسان بلا مصير ) .
 ماذا .. من ..  يحارب نزيه بيأسه ؟ ماذا .. من ..  يحارب اليأس بنَزيهه ؟ الآن وكأن كل شيءٍ يجري في سياقٍ طبيعي ، سأقول لكم من هم أعداء نزيه أبو عفش الذين قضى حياته وهو يشن عليهم الحروب ويوجه لهم اللعنات والشتائم ! إنهم : الطاغية الذي أشبعه نزيه ضرباً بقصائده ، ولو كان هناك قصيدة قاضية ، لما بقي لنا طاغية على وجه الأرض ، غير أنه : ( جبانة رصاص لا تملأ ثقباً في قلب طاغية ) كما يقول نزيه ، أمريكا التي أشبعنا نزيه ، لأنه راح يطعمنا هذا لعقود ، من إعلانه كرهه واحتقاره لها بكل وجوهها ، وبالتأكيد لم يخفف من غلوائه هذا إعجابه بمارلون براتدو مثلاً ، إلا أنه بالمقابل لا يوفر شيئاً من عدائه للعرب العربجيين ، نحن ، والثوار الثورجيين ، نحن ، والشعراء  المجاعيص ، نحن ، والمحكومين بالأمل ، الذين سرَّهم هذا الحكم المؤبد ، وراحوا يزينون حيطان وشوارع زنزاناتهم بلافتات وشعارات وأشجار وأكاليل زهور ، ويعتبرونها أوطاناً يتباهون بها . وكأن زنزاناتنا ، أوطاننا ، أشياء تصلح للمباهاة ، نحن ..
***
       في شعر نزيه ومقالاته ومقابلاته الصحفية على قلتها ، هناك ألاف الشواهد التي ترينا مَن يقزف عليهم نزيه فاكهة شجرة شِعره اليائسة ، ولماذا وكيف . ولكني سأورد واقعة ، أظن لها دلالاتها الخاصة والعامة .وكان ذلك حين رأيت اسمه ، لا أذكر منذ كم سنة ، على  اليافطات التي تعلن أسماء الشعراء المشتركين في مهرجان المحبة ، الذي يقام في اللاذقية ، مدينتي ، ولكني بالتأكيد أذكر أني ، مثل الكثيرين ، اندهشت لهذا ، إن لم أقل شيئاً آخر . لأن نزيه ، إذا كان لواحدٍ في المائة مما قاله ، أو كتبه أو عرفته عنه، معنى ، ليس مكانه هكذا مهرجانات رسمية واحتفالية ، تقام بها الأمسيات الشعرية والندوات الأدبية بالجملة ، وذلك في الصالات الرياضية الصغيرة ، المزدحمة بالصور والشعارات أكثر منها بالناس، أمَّا الحفلات الغنائية فيخصص لها الملاعب ! ولكني ، أيضاً مثل الكثيرين ، سرني أن تتاح لي الفرصة لسماعه ، فذهبت خصيصاً لأحضر أمسيته .. وبعد لا أدري مَن مِن الشعراء ، ربما جوزيف حرب أو ربما جوزيف حرب جاء دوره بعده ، سَمِعت الدكتور نبيل حفار ، العريف الثقافي الدائم لمهرجانات المحبة آنذاك ، يلفظ اسمه . عندها قام هذا الرجل النحيل ببطءٍ وصمت ، قام ومشى أمامنا بلحيته التي وخطها شيب قليل ، وبجسده الضيق وروحه الشاسعة ، وما أن أخذ مكانه على المنبر ، حتى راح ، بدون أي مقدمة ، يقرأ ، بصوتٍ متهدجٍ عميق ،  قصيدة واحدة طويلة ،  تبدأ ويتكرر بها كلازمة ، السطر التالي :
( من أين يأتي كلَّ هذا الصبر كي نبقى على قيد الحياة )
  وهي واحدة من أشد قصائد نزيه ، وربما من أشد القصائد في العالم ، قتامة . تصورا هذا المشهد ، أمام مدعوي الصَّفّ الأول والثاني والثالث ! بين تلك الصور ، تحت تلك الأضواء ، وحوله تلك اليافطات ، وفي هكذا مهرجان ، هذا الرجل ، هذا الشاعر النكد ، هذا الملاك الساقط ، هذا النبي الكذاب ، يفتح يديه على مداهما وكأنه  يجاري مسيحاً صغيراً يصلب ، ويقرأ هكذا قصيدة ! . بعد الأمسية التقيته ، كان مكفهراً . لا أدري لأي سبب ، سألته وقدم لي تفسيراً لَم أفهمه ، أتبعه بشتائم ولعنات . أظنهم اضطروه ، على نحو ما ، خجلاً ، أو تهذباَ ، لم يستطع أن يقول لا ، لقبول دعوتهم للمشاركة ، مرّةً أو مرّتين ، وفي كلتيهما قام بذات المسرحية وربما قرأ ذات القصيدة أو قصيدة أخرى تعادلها حلكةً . وبعد هذا ، هم على مايبدو ، من رأى ، رغم ما يعنيه أن يكون اسم نزيه أبو عفش من بين  أسماء واجهتهم الرسمية ، أنه ليس من مصلحتهم أن يدعوه . أما ما حدث في آخر مهرجان ، وبعد انقطاع طويل عن المشاركة ، فقد ورد اسمه في الإعلانات والبطاقات ، لكنه لم يأت !
***
 أختلف عن نزيه بأشياء كثيرة ، بل ربما أختلف عنه في كل شيء ، هو الذي كان يقول لي : تصور .. هناك من يكتب شعراً يُضحك ! بربك ... هل هناك شعراً يستحق أن يسمى شعراً .. يُضحك !؟ وأنا من كتب ( في بيروت سبح كالإنكليز ) و ( رغم أنفي ) و ( بولينيزات ) وهي قصائد يصح اعتبارها ساخرة ، وبعضها يحوي نكات مهذبة وأحياناً غير مهذبة ! . هو الذي يعبد إلهاً يبكي ، كما هو عنوان آخر كتبه ، على نفسه وعلى ما آل إليه البشر والأرض والعالم . وأنا من يبحث عن إلهٍ صغير ، ليس له اسم ، ولا غاية له بأن يعبده أحد ، يرقص ويغني ويَضحك ، ليُسعد ويُضحك الناس والشجر والبهائم !
 رغم هذا ، لا أرى أن كلاًّ منا يقف في جهة مقابلة ، بل كلانا بالتأكيد ، لولا ذلك ما بقيت صداقتنا كل هذا الزمن ، يقف في ذات الجهة ، على ذات الجانب ، بل في النقطة ذاتها أيضاً ، ولكن كلٍّ منّا يدير ظهره لأخيه وينظر باتجاه معاكس .. أنا إلى شمسٍ تشرق ، ولكنها لا ريب ستغرب , وهو إلى شمسٍ تغرب .. لكنها ستعود لا ريب وتشرق .
وهكذا فأن  يأس نزيه  ليس يأساً . هذا ما أعرفه ، وهذا كل ما أردت قولَه . ذلك أن هذا اليأس بعيته  هو من يقول لنا عن نفسه :
/ على صَيحَةِ بَشَر
يَعقِدُ
جَميعَ آمالِه  / ..
ــــــــــــــــــــــــــ منذر مصري / اللاذقية
خُذْ وكُلْ هذا تُفَّاح يأسي

 ( نزيه أبو عفش شاعر ذو نفس طويل ، وتشكل قصائده الطويلة المفاصل الهامة في تجربته ، ولم أستطع ، عندما انتقيتها ، رغم ورود الفكرة في ذهني ، اختيار مقاطع منها ، لذا اكتفيت بثلاث قصائد كاملة ، مع معرفتي أن نزيه قد قدم في أعماله الأخيرة ، الكثير مما يمكن وصفه بأنضج قصائده ، لكني أحسب ، استطعت بهذا أقدم صورةً ، هي أقرب ما يمكن أن تقدمها مختارات في مقالة ، عن منجزه الشعري ، كأدوات وكمضامين ، وربما أستطيع القول ما دام الكلام عن نزيه : منجزه الروحي أيضاً .

 
1- حوارية الموت والنخيل
  ( أنت جميل يا حبيبي وكلكَ مشتهيات )

إسأليني رغيفاً فأعطيكِ ..
رمحاً .. فأشحذ من كل ضلعٍ سناناً
إسأليني حصاناً
أو دعيني
فهذي العلامات تنبئ بالموت والمعجزات
وأنا ميّتٌ
بين وجهي والأرض طرفة عين
مهنتي أن أخونك والآخرين ..
أحبك في لعبة التضحيات
ألتصاريف ما غيرتني
والنعال اصطفتني .. لأصحابها مركعاً ومقاما
وأنا ذاهل عن شميم عرارك
أغرق في صورة الميتين
أحتمي بالزجاج من القيظ
بالقش من هجمة الزوبعة
ألجراح التي لوثت في شوارع بغداد وجه الحسين
لوثتني معه
فاتركيني ..
أنا ميّتٌ أو أكادُ
حامل في مجاري دمي سقطة الأولين
يائس من شميم العرار ..
حزين كعينيك حين تقولان : (( هات ))
إسأليني هوىً ،
بذرة للنحيب .. دثارا
إسأليني حمارا ..
وامتطي صهوتي إذ تملين سوق الدواب العجاف
          امتطيني ..
أو دعيني .. دعيني
فهذي العلامات تنبئ بالموت والمعجزات
وأنا ميّتٌ أو أكاد
مهنتي أن أخون مُحِبِّيَّ ..
آخذ من كل ليلٍ رغيفاً وأمضي
يائساً : أشتَهيكِ
حزيناً : أحبك
مستوحشاً : أطلب الصفح ، كوني ثباتاً لأرضي
أطعميني .. فمذ جئتِ روحي وقلبي خواءٌ ..
أتناثر في ظل عينيكِ ..
أكبر في دفتر الإثم ِ..
أشتقُّ حتى الخلايا ..
ساقطٌ كلُّ ما فيَّ .. حتى المرارةُ والخوفُ ..
حتى أناشيدي الخلّبية ..
لم يعد فيّ ما يشتهى
(( أنت جميل يا حبيبي وكلك مشتهيات ))
لم يعد فيّ ما يشتهى
كان وجهي صلاةً ، وكنت المحاريب والأروقة
صرتُ .. بيني وبين الدراويش أرضٌ تباعدُ
بيني وبينكِ أرضُ ..
إسألينس دثاراً لعينيك ..
حبّات قمح لأطفالنا .. لعنةً
أو دعيني
لا يكون المساءُ على الباب حتى أواريكِ
أرتاح من وسوسات الجريمة
أنت عندي جرابٌ من الخوفِ
موتٌ .. أداريه حتى يموت
أو لعلي أموت
أو يكون الذي بيننا لعبةً وتفوت
لا أنا شهمك المستجار ولا أنتِ بابي
فاغسليني إذا شئتِ ,
صلّي لأجل خلاصي .. خذيني
واستحمي على جثتي بالنحيب
ارفعي فوق نعشي علاماتك البيضَ .. وامضي
حيّةً ، تُطلعين رياحكِ في البحر ..
تُرسين رجليكِ في كل أرضِ ..
فامنحيني صلاتك .. مجدك ..
شكي على راحتي بذور النخيل الموات
أو دعيني ..
دعيني ..
فهذي العلامات تنبئ بالموت والمعجزات .
ـــــــــــــــــ 1972
2- أيها الزمان الضّيق .. أيتها الأرض الواسعة
    (( ماذا يفعل الموتى بعشر زنابق ذابلة ،
    وخمسة عصافير خرساء !! ))

خرائب وأسيجة
مناديل ومحفات :
 هذه محتويات قلبي .

بغال مثقلة ، وأشجار لا ألبسة لديها
أطفال مسنون ، وأزهار متهدلة
ركام من الجماجم والكتب وريش العصافير :
هذه محتويات قلبي .

قنبلة ...
جدار أسود ، وطريق مسدود
أعراس بعدد الأشهر .. ومآتم بعدد الأيام !
(( قبلني لأذبحك .. ))
(( أعدُّ لكَ قلبي ، وتعدُّ لي مشنقةً ! ))
صفاؤات إنذار ، توابيت
معادن رثة ، وطنين زائف
كتابات شاحبة ، ومجازر معدة للتصدير :
 هذه محتويات قلبي .
أصدقاء ، أكلة لحوم
شوارع ونصب تذكارية
أوقات لا حصر لها .. تبتدئ في السادسة وتنتهي في الثانية والنصف
أوقات لا حصر لها .. تبتدئ في التاسعة وتنتهي غداً أو بعد غد .
تبتدئ غداً وتنتهي في الأعوام المقبلة ! ..
أوقات مديدة فائضة عن حاجة القلب .
مساحات شاسعة فائضة عن حاجة القدمين ،
رصاصات وخناجر فائضة عن حاجة الموتى .
عصافير رثة .. وأقفاص متقنة الصنع .
..F.M.
عشر زنابق ذابلة ، وخمسة عصافير خرساء .
قط أسود محشو بالغبار والقش واللوالب المعطلة .
قصاصة أظافر ،
بطاقات بريد مهملة ،
مسافرون ، قتلة ، تحيات جديدة صالحة للنشر .
توبيخات مسجلة ، (( نعتذر عن الموافقة )) !
الساعة الأخيرة من اليوم الأخير من الشهر التاسع :
 هذه
  محتويات ..
   قلبي .

إقطاعيون قدماء .. وإقطاعيون قيد الاستعمال ،
جبال جرداء ، وقلوب محقونة بالأسيد ..
ولغات محقونة بالأسيد ...
وابتسامات محقونة بالأسيد :
 هذه      محتويات   قلبي .

  *
وأمّا أنتم فماذا تفعلون بنا ؟!
أنتم ماذا تفعلون بنا ؟!
أية أحزان مدبرة .. وأية ابتسامات رمادية !!
ونحن ماذا نفعل ؟ ونحن ماذا نمتلك ؟
في حوزتنا فائض كبير من الوقت لإطلاق النار على الفراشات
والسحب والأفكار الطارئة .
فائض كبير من الأرض .. الاستحكامات والتوابيت ومقابر الأطفال .
في حوزتنا بكاء شديد ، وأسرار بالغة الخصوصية ،
وأسماء كتب شريرة تتحدث عن الحب .. وتربية الدواجن ..
  والأزهار الممنوعة من التداول .

وأمّا أنتم فماذا تفعلون بنا ..
وأمّا نحن .. فماذا نملك ؟!
أنتم تملكون محافظ أنيقة لعقود المبايعات .. وأوامر القتل ..
 وشهادات دفن الموتى ،
ونحن نمتلك جيوباً لتدفئة الأصابع وصيانة القصائد المهربة .
أنتم تمتلكون الأرض ..
ونمتلك نحن المصورات والكرات المجسمة .
نمتلك الأحلام الخارقة ، ورقعة التراب الضيقة ..
 الكافية لتأكيد ظنون أطفالنا :
 (( الموتى يتناولون حليبهم ويخلدون للنوم )) ..
وهذا ما نفعله نحن تماماً :
 نتناول حصتنا من السياط والأوبئة والغارات الجوية
 والوجوه الكالحة والزنزانات .. ثم نخلد إلى المقابر .
...  ... ...
... ... ...
نحن بني الإنسان
زماننا اسود وقلوبنا شديدة البياض .
نحن بني الإنسان
كرتنا واسعة .. زمنازلنا بالغة الضيق
نحن بني الإنسان
بيسر يأخذنا الموت .. وحياتنا باهظة التكاليف :
 هذا كل ما لدينا .

  *
باب منزلنا على الطريق :
آه .. ما أسهل أن تأتي الخنازير وتختلس عظامي في الليل !
نافذة منزلنا واطئة :
آه .. ما أسهل أن يأتي الحراس ويستمعوا إلى خرير دمي
في الشرايين !
واجهة منزلنا زجاج :
آه .. ما أسهل أن تختلس الغربان النظر وتحصي شهيق روحي !
لبيتنا جدار صغير من الخلف ، وليس له سرداب سري ،
وليس فيه حجرات كثيرة ، وليس له نافذة على النهر
وليس له أبواب خلفية :
آه .. ما أسهل أن يقبل اللصوص ويختطفوا جسمي ..
جسدي ثقيل .. وليس بمقدوري أن أقلد العصافير .
روحي مثقلة .. ولا أستطيع أن أنام هادئاً .
قلبي محتقن بالزمان .. ولا أستطيع أن أنسى .
هم يملؤون الأرض .ز وأنا محكوم بجاذبيتها !!
هم يملؤون الأرض ...
وأنا لست أثيراً .. وأنا لست شفافاً
آه ما أسهل أن أموت . آه ما أقسى أن أموت :
 أيها الإنسان المسكين .. لماذا اقتنيت جسدك ؟1

  *
ضائع في النهار
ضائع في الليل
منكسر كالزجاجة .. مبدد كالدخان
الزهرة في قلبك .. وخاتمتك الرصاصة
 لا الحب ولا الموسيقى
 لا القبلة ولا العصفور
 لا السماء ولا الأناشيد
 قادرة أن تجعل الحياة أسعد .. والحلم أرق .

بقدمين هشتين وجسد نحيل
بقلب أبيض وأصابع ضعيفة ..
الزمان يظل ضيقاً
والحجارة لا تصير طيبة المذاق
........
 الأشجار تعلِّم الخريف .
 الأطفال يعلمون المذبحة .
   العصافير تعلم الرصاص ..
 والخبز يعلم المجاعة :
ضائع في الليل
  ضائع في النهار
الزهرة في قلبك
  وخاتمتك الرصاصة
أيها
    الطفل
 الصغير
         النائم
        في
    الزاوية

  *
ماذا نفعل بالأوقات ..
ماذا نفعل بالأمكنة ..
إذا كنا لا نستطيع أن نضحك
إذا كنا .. لا نستطيع أن نحب ؟!!
... ... ...

لا بيت لنا ولا بستان
لا حائط ولا شجرة ..
لسنا كالفراشات
وأصابعنا ليس لها مخالب .
نخرج من الأرض ولا نقف عليها
أنا وأنتِ ..
 أنا وأنتِ
نهلاان يجريان في غيمة
أنا وأنتِ .. أنا وأنتِ
لنا الينابيع ، ولا نملك المجاري
أنا وأنتِ .. أنا وأنتِ
أرنب خائف ، وبطة ذبيحة
...
ماذا نفعل بالأوقات
ماذا نفعل بالأمكنة
ايها الزمان الضيق
ايتها الأرض الواسعة !!

  *
لأنك لست قاتلاً
لأنك لست قديساً ..
أنت لا تستطيع أن تحيا
أنت لا تستطيع أن تموت

  *
في البدء صنع الله الإنسان :
 العنق .. للالتفاتة ،
الفم .. للقبلة ،
 القلب .. للخفقان ،
 الأظافر للدغدغة ،
 الأسنان للابتسامة
 الذراعان للضم
 والجسد للحب
 العينان للزهرة
 والورقة
  للرسائل
في الخاتمة صنع الله الإنسان :
 العنق للسكين
 القلب للرصاصة
 الذراعان للبلطة
 الجسد للقنبلة
 الأسنان للمطارق
 الأظافر للكلابات
 العينان للمسامير
 والورقة
  للنار !!
......
أيها المدهش الإنسان : لماذا اقتنيت جسدك !!

  *
لأنك لست قاتلاً
لأنك لست قديساً ..
أنت لا تستطيع أن تحيا
أنت لا تستطيع أن تموت
الزهرة في قلبك
  وخاتمتك الرصاصة
أيها
    الطفل
 الصغير
         النائم
        في
    الزاوية
ــــــــــــــــ آذار 1977-دمشق
3- القلعة

يغلق الليل أبواب أبي ويخلفني خارجاً
أتلصص من فجوة في السياج وأطلق روحي
في الهواء السميك .. فتبصرُ :
 طيف أبي عائماً في الفضاءِ
 يصون المكان ويحمي سكينتهُ
وأخي يترنح في مستطيل من النور
 ضامّاً يديه على كرةٍ من هواء

هوذا البيتُ :
أوشكُ من موضعي أن أقيس حرارته
 واشمّ هواء الغرفْ

هوذا البيتُ :
 أوشكُ أن أتلمّس أجزاءهُ
 وأعدّ تفاصيله في شغفْ

هوذا .. يفتح قدّام قلبي ويطرح أسرارهُ :
حجرٌ ما ،
حذاء أطاح به أحد ما ،
مغزل الصوف ملقىً إلى جانبٍ ما
القدور ، القوارير ، خابية الماءِ
ركنُ فراش الطفولةِ ، حيث يروق النعاس لجدّي ،
 فيبيضّ شاربه .. وتطول ذراعاهُ .
أيقونة للعشاء الأخير معلقةً فوق رأس أبي
تدفع الخوف عنه وتحرس أحلامهُ .

وتدٌ غامضٌ
كان في زمنٍ غابر مشجباً لملابسنا
لم تزل تتسرب منه روائح أجسامنا
 وعطور ثيابِ الأحد
ثغرةٌ في الجادرْ
 ( وُجدت هكذا .. )
جعلتها نباهةُ أمّي مصيدةً للغبار
 وحصالةً لنقود الولدْ
تركت هكذا .. في رضاها اليتيمِ
 تعدُّ الغبارَ وتُغْني قداستها
سدّة الذِكريات : خزانة أمّي ،
المرايا ،
حفيف تداخلِ أجسادنا في نسيج المرايا ،
أدوات الحياة مبعثرة في الزوايا ،

هوذا .. مَيتم الروحِ
 حصن فضائلها الغابرات ومملكة العاشقين
كل ما فيه حانٍ على كل ما فيهِ
مستسلم لسكينته ، غارق في السلام
معجزٌ في وداعته ، راسخ في رضاه
كأنْ .. هكذا تركته يد الله من ألأف عامْ
إنه البيتُ
حارسنا الشهمُ
مسند أرواحنا الذاهلاتِ
 ينام الجميع وتغفو قلوب الجميعْ
وحجارته لا تنام

  *
فجأةً كل شيء هدأْ
خلط الليل أشجار منزلنا بحجارتهِ
سقفه بالسماءِ
 نوافذه بسياج الحديقةْ
مستطيل أخي غام في لحظةٍ وانطفأْ

كل شيء بد ساكناً
كل شيء بدا داكناً
كخيالِ إلهٍ ضَجِرْ
يتسلى بأفكاره قبل بدء الخليقةْ
  
  *
يا أبي ، لو تصدقُ ،
 ما جئتُ أشكو إليكَ
 ولا جئت أطلب مالاً
ولا عنَّ لي بعد هذي السنين
أن أُقاضي على حجر
أو أثير على ما افتقدتُ العراكْ
لو تصدقني يا أبي

جئتُ
كيما
       أراكْ

 *
ضرب الليل أركان منزلنا وابتعد
ساحباً خلفه الأغطيةْ
حاولاً ما استطاعَ :
 الصحونَ ، الكراسي ، المصابيحَ ،
 خابيةَ الماء والأحذيةْ
لم يخلف لنا من حوائجه الألف غير عصا جدّتي
 وصليب من الشوك فوق سرير الولدْ
ثم خلّفني في الدمار وحيداً
وأومأ لي :
 لا تعدْ .

  *
هبَّةٌ من حنينْ
عصفت بالفتى
فأتى
ليرى
 لا أحدْ

  *
لا تفق يا أبي
فلقد عرفتي الكلابُ
وشمَّت روائح يأسي القططْ
لم أجيء طارقاً
لك أجيء سارقاً
جئتُ أبكي فقطْ

جئت أسال عن حجر ضاع مني
 ها هنا ذات يومْ
عن شؤوني التي كنت أدفنها في شقوق الجدار القديمْ
جئت أسأل عن خاتمٍ من تنكْ
فرّ من إصبعي في الطريق إلأى البيتِ
 يومئذ لم أعره اهتماماً
جئتُ ألقي على حصن روحي السلاما
جئت أبحث عن كتبي
عن حذائي القديم ومريلة الصف الثالث الإبتدائي
جئت أُلملم آثار خطو البناتِ
 وأختام أحذية الطالباتْ
عن غبار الطرقْ

جئت كاللَّه أنفخ في الطينِ
علِّي أُعيد إلى ما مضى الروح
علِّي أسدّ الجروح وأحيي الركام الذي يحترق

جئت أسأل عن ركن أرجوحتي في الممر الطويلْ
عن عذابات حبي الجميل
وقلبي الذي كان تخلعه نسمة من هواءْ
عن بدايات شعري التي كنت أبعثها للنساء
عبر أسلاك طيّارة من ورقْ

  *

لا تفقْ يا أبي
آهِ ، لا تضطرب يا أبي
لا تصح .. (( من هنا ؟.. ))
إنّ هذا أنا ..

جئت أبحث عن صورتي في التفاصيلِ
في ما تساقط من ذكريات الطفولة أثناء غفوتنا
في الحجارة ،
في ملمس العشب تحت سماء الربيعْ
في طلاوة ماء الينابيع
في ما تُخلّفه الشمس من ذهب العصرِ
فوق سطوح البيوتْ
في الحنين الذي لا يموت .

جئت أبحث عن شبهي في التفاصيل
في ما تخلّف بين ثنيات أرواحنا من نزقْ
في البكاء الذي كان ، في لحظةٍ ، يعترينا
 فيجعل أرواحنا تختنقْ
في الهتاف الذي يشعل القلبَ
 في شهقة القلب تحت جناحي سنونوةٍ تنطلقْ

جئت أبحث عن جدتي في البقايا
عن حوائجها الغامضات ،
 روائح أثوابها القطنِ
 قمطتها ،
 صلواتِ المساء التي تُذهِبُ الخوفَ عن روحنا
  وتقينا عثار الطرقْ

جئت أبحث عن جدتي
عن رنين عصاها على درج البيتِ
 عن سر فطنتها الدائمهْ

جئت من آخر العالمينْ
أنظف روحي على ركبتيها
وأبكي قليلاً
 على
  روحها
   النائمة

  *
لا تفق يا أبي
فأنا لست جوعانَ
لست حزيناً تماماً
 ولست شقياً تماماً
ولكنني ...
تعِبتْ فيّّ روحي قليلاً
من دناءة هذا الزمان المخيفْ
تَعِبَتْ فيَّ روحي قليلاَ
 وجسمي قليلاَ
ولكنني لم أزل قادراَ أن أصون السجايا
 وأحفظ ثوبَ الرعاة النظيفْ

لم ألوث يدي بالوحول
 ولم تلوِ قامةَ روحي الكنوزُ
لم تدنس فمي صلوات الذين يجيزون ما لا يجوزُ
لم يزل سارقو عمرنا
 يضرمون الجرائق في لغتي ويثيرون في الكلمات القَرَفْ
لم أزل شاعراَ يا أبي
لم أزل قادراَ
أن أقيس المسافة بين الرضا والترفْ
لا تنمْ يا أبي
أو ... فَنَمْ
أنت قلعتُنا
أنت سور فضائلنا الباقيات
أنت علمتنا
أن نحب الحياة
ونأكل لقمتنا بشرفْ .
ــــــــــــــــــ 1986

نزيه أبو عفش :
• 1946- ولد في بلدة مرمريتا بسوريا
• يقيم في دمشق منذ الستينات
• متزوج من ناديا ( حارسة الأحزان ) ولهما ولدان : عمر وكنان مختصان بالموسيقى
• عمل مدرساً في مناطق عدة آخرها دمشق ، ثم نقل إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل / قسم الدراسات / ومنذ بداية التسعينات عمل في وزارة الثقافة /دائرة التأليف والترجمة / ثم  ترك العمل بالوزارة وصار مديراً لتحرير مجلة المدى .
• أقام عدة معارض تشكيلية .
أعماله الشعرية :
• 1967- الوجه الذي لا يغيب / طبعة خاصة
• 1970- وثائق باطنية عن الخوف والتماثيل / دار الأجيال / دمشق
• 1970- وشاح من العشب لأمهات القتلى / اتحاد الكتاب الفلسطينيين
• 1972- حوارية الموت والنخيل/اتحاد الكتاب العرب/دمشق
• 1978- أيها الزمان الضيق أيتها الأرض الواسعة ( يتضمن أول قصائده النثرية ) /اتحاد الكتاب العرب/دمشق /طبعة أولى. وصدر عن دار الينابيع / دمشق / طبعة ثانية
• 1979- كم من البلاد أيتها الحرية ( قصيدة طويلة طبعت وحدها في كراس ) /دار الحقائق /بيروت- دمشق
• 1979- تعالوا نعرِّف هذا اليأس ( نصوص ) دار ابن رشد /بيروت
• 1980- الله قريب من قلبي /دار الحقائق /بيروت-دمشق
• 1982- بين هلاكين / المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت
• 1989- هكذا أتيت هكذا أمضي / دار الكلمة / بيروت
• 1994- ما ليس شيئاً / دار الملتقى / قبرص
• 1999- 2001- ما يشبه كلاماً أخيراً / دار المدى/طبعتان
• 2001  أهل التابوت ( نصوص ) دار المدى/ دمشق
• 2001 الله يبكي/ دار المدى / دمشق
• 2003 الأعمال الشعرية/ دار المدى / دمشق
ـــــــــــــــــــــــــــ

 



#منذر_مصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد سيدة ... هامش الهامش
- احتفاءً بحق الموت العربي
- رقابة في ملف مجلة الآداب عن الرقابة
- الحرب والشَّعب والسُّلطة والمعارضة في سوريا
- هل من المحتم أن يكون للعرب مستقبل ؟


المزيد.....




- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر مصري - على صَيحة ... يَعقِدُ جمميعَ آمالِه - مقدمة لمختارات من شعر نزيه أبو عفش