سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 2217 - 2008 / 3 / 11 - 10:49
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
في عالم السياسة الرحيب, تتصارع الأسرار مع التصريحات المعلنة من قبل القادة والمسئولين, وهناك في الركن الآخر المراقب والمحلل السياسي الذي يستنفر كل معاول بحثه وتمحيصه, فيما يصدر عن هذا المسئول أو ذاك, مجتهدا في سبر أغوار التصريح وما خلف التصريح, ومابين سطور التصريح والآخر, والمعنى القريب والبعيد لكل تصريح, ورده إلى بيئة الواقع والمعطيات المحيطة, من اجل الوصول إلى حقيقة القصد, واعتقد بل اجزم بأنه في الفضاء الدبلوماسي فان اللغة المباشرة لامكان لها في ذلك الفلك السياسي الغريب, لذلك يبقى المراقب في تحفز دائم يلهث خلف ضالته "الحقيقة" متصيدا مابين الكلمات كلمة تكون هي بمثابة مفتاح اللغز من "تورية الحديث" , أو ربما يتفنن كل محترف صحفي وإعلامي بالتذاكي والمكر بعدة أساليب كي ينتزع, من ذاك المسئول إشارة أو دلالة لإثبات فرضية ما والتفرد بها لنفسه ولمؤسسته دون غيره, وبالتالي يشار لتلك الشخصية أو المؤسسة بالبنان لاحقا بان تحليله كان من التركيز والعمق باتجاه اكتشاف أسرار , ما توقع احد وقوعها بمعطيات غير معطياته, وهنا نقول انه لايوجد سقوط سهو في تصريحات القادة الحقيقيون والدبلوماسيون, فإما أن يكون التصريح بالنية لاتخاذ إجراء أو سلوك ما, يقصد به حرف الأنظار عن مسار ما, بحيث يكون العمل الحقيقي في اتجاه آخر بعيدا عن ترقب وفضول أنظار وعقول وأدوات المراقبين والإعلاميين والصحفيين, أو ربما يكون جزء من تصريح القيادة السياسية أو العسكرية, بها شيء من الحقيقة وليس كلها, ويكون التسريب مقصودا كتكتيك, لتحقيق هدف استراتيجي, أما من تم استفزازه من القيادات السياسية أو حتى العسكرية, وقد امتلكه الغضب والتحدي نتيجة مؤثر استفزازي وفضولي ما, فهو قائد فاشل ولا يصلح أن يدير دفة المستوى السياسي أو العسكري, وبالتالي يتعرض إلى التشكك من قبل دائرته خشية أن يدمر كل مخططاتهم.
هل يقصد "اولمرت " مايقول ؟؟؟
وعليه فلا اعتقد أن ماصرح به رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي مؤخرا, صدر من فراغ, أو هو هرطقة وهذيان قائد سياسي لكيان معتدي يتوقع أن يقع عليه هجمات مضادة في كل زمان ومكان, فقد صرح مؤخرا وفي غمار الشد والجذب مابين الحرب والسلام, مابين التهدئة والعدوان, صرح قائلا بل مهددا((هدد أيهود اولمرت رئيس وزراء إسرائيل ستتمكن من ردع التنظيمات الفلسطينية مثلما نجحت في ردع حزب الله اللبناني.)) وهنا من الجرم السياسي أن نعتبر هذا التصريح, هو مجرد ثرثرة للاستهلاك الإعلامي والتهويش, فلربما حمل هذا التصريح مضمونا ومغزى بعيد , ومخالف لكل السلوك السياسي الذي يدور على الساحتين السياسية والعسكرية, حيث ذروة الحديث عن الهدن والتسويات والتئام المفاوضات, فجيد أن نعطي جزء من انتباهنا صوب الهدوء الملحوظ الذي طرأ على السلوك العدواني للكيان الإسرائيلي بعد "محرقة" غزة, ولكن من العبث أن نعير كل اهتمامنا صوب ذلك التيار الجارف من التهدئة والتسوية, دون أن نحرك عيوننا إلى الخلف لتفحص إمكانية الطعنات الخلفية خاصة ممن احترفها كأيدلوجية سياسية وعسكرية,بل لايضيرنا وهذا مانفعله كمراقبين لا كسياسيين,أن نلتفت إلى حركات جسد المسدد للضربة ولا نصدق أنها سيتجه بتصويبه الرمية صوب اتجاه جسده الذي ربما يقتضي فن التمويه تلك الانحناءات للجسد السياسي ونفاجئ بان التصويب والتسديد يكون في اتجاه آخر, ونحن معشر المراقبين المتشككين كمؤهل لازم للهث خلف الحقيقة, لا يستهوينا السكون والهدوء , ولا نترجمه دائما باللغة الرومانسية الكلاسيكية, بل نفعل ثقابة أعيننا وأدمغتنا لنلج الظلمة, فقد تكون العاصفة خلف السكون.
وهنا لا اعتقد أن "اولمرت" أورد هذا التصريح جزافا, ولا اعتقد أن ربطه بين نموذج الردع في لبنان بمثله في فلسطين مجرد تصريح كذلك, ولا اعتقد انه تم الربط بين تهديد حزب الله لشمال دولة الكيان, وتهديد المقاومة الفلسطينية لجنوبه مجرد زلة لسان, بل ربما في تناولي بالأمس وقبل نشر أي بيانات حول عملية القدس, بان الاتجاه يذهب صوب القاسم والربط المشترك بين حماس وحزب الله ودمشق, وإذا ذكرت هذه الرؤوس الثلاثة للمثلث فيعني ضمنا الفلك الإيراني, وبالتالي صدرت التصريحات صبيحة اليوم بالربط جول مسئولية عملية القدس بين حماس ودمشق وحزب الله, وأنا هنا لا استعرض فراستي وملكاتي التحليلية, بقدر ما أراقب التفاصيل المملة لمؤشرات واتجاهات المخططات الصهيونية , للربط أولا بين حزب الله وحماس وتمحورهم حول سوريا واحتواء إيران لتلك التوليفة السياسية العسكرية, لخدمة صراع إقليمي وربما دولي اشمل من صراع بؤرة المركز.
وهذا يعني أن المخطط للكيان الإسرائيلي ذاهب باتجاهين سياسيين, الاتجاه الأول ويبدوا انه التكتيك, من اجل تسوية سياسية وتهدئة عسكرية, وبقليل من التدقيق يجد العارف والمراقب الذي يلم بمبادئ أبجديات السياسة, إن السلوك لقيادة الكيان الإسرائيلي بهذا الاتجاه يجاري دعوات التفاوض والتهدئة والسلام من ناحية, ومن ناحية أخرى أكثر عمقا نجد أن إجماعا داخليا لايؤمنون بوقف بناء المستوطنات ولا يبدوا أن لديهم أي نية لمجرد التفكير الجدي في التعاطي مع حل قضية اللاجئين أو التخلي عن القدس الشرقية, وحتى فان ضمانة اغتيالات سياسية هي واردة بين الفينة والأخرى من اجل ضرب أي تقدم في هذا الاتجاه, ومن ناحية ثالثة لا اعتقد أن قيادة ذلك الكيان ستؤمن عمليا بإجراء تهدئة مع فصائل المقاومة, كي تتفرغ تلك الفصائل لإعداد نفسها من حيث التدريب والتمويل والتسليح استعدادا لجولة أخرى من القتال الحتمي.
أما الاتجاه الثاني وهو بيت قصيد مقالتي, ويعبر عن السلوك الاستراتيجي تحت غطاء وخلف كواليس الغطاء التكتيكي السالف,فان المخطط الإسرائيلي ذاهب بسرعة البرق صوب , تقديم فصائل المقاومة وتحديدا حماس والجهاد, على أنها توازي في قوتها وخطورتها, وأجندتها ((الإرهابية)) كما ورد في التصريح, نفس أجندة وأهداف وخطورة حزب الله, ويزيد الربط بين جناحي الخطر على الكيان الصهيوني, بمركزي تهديد آخرين يتم تقديمهما على أنهما (( دولتي إرهاب,, سوريا وإيران )) وخطر يهدد المستوى العربي والمستوى الإقليمي والمستوى الدولي , وخطر على الأمن والسلم الدوليين, وبالتالي تهديد للمصالح الغربية وتهديد للأنظمة الرسمية العربية,,, وربط كل حلقات المعادلة حول هذا المفهوم,,, وللأسف فان قصار النظر بيننا يسهل للعدو ترجمة هذا المشهد من حيث عوامل القوة والتشبه بقوة وسياسة ومخططات حزب الله, وبنصر حزب الله رغم أن معركتنا لم تبدأ بعد ويجب التوازن بين تسييس وعسكرة المعركة.
وربما نأخذ تصريح رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي" اولمرت" على محمل الجد وليس زلة لسان غير واردة في عالم السياسة, إلا عند الساسة الثملين,فما هو الردع الذي يتحدث عنه "اولمرت" وحققه على الجبهة مع حزب الله؟ وأين الحقيقة في قوله حول نتيجة ذلك الردع؟ وهل هناك فعلا مخطط إسرائيلي أمريكي دولي, وربما يكون بعلم عربي, أو ربما بدأت إرهاصات ذلك الردع المقصود يتم تداولها في أروقة ودهاليز القيادات السياسية الفلسطينية والعربية والدولية؟؟
في تموز حزيران 2006 أقدم الكيان الإسرائيلي على شن عدوان شرس على الجنوب اللبناني, بهدف إقصاء الوجود العسكري لحزب الله, إلى حدود الليطاني, وبهدف ضرب البنية التحتية العسكرية لقوة حزب الله المتعاظمة, وبهدف تخفيف خطورة ومدى صواريخه التي يتم بها قصف شمال الكيان الإسرائيلي, ودون الخوض في أسطورة المواجهات وخسارة الكيان الإسرائيلي العسكرية, والت ظهرت جلية في تقرير لجنة" فينو جراد" وقد تحقق النصر لحزب الله بالمستوى العسكري كما هو معلن, فما كان من الكيان الإسرائيلي بعد خسارته العسكرية وقبل نهاية المعركة, ربما نستطيع القول كما خطط لها على المستوى السياسي كإستراتيجية " للردع اللاحق" فقد قام سلاح الحرب الصهيوني بتدمير قرى بكاملها وارتكاب مجازر وسط المدنيين وقيل انه هروب إلى الأمام للتملص من الإرباك والإخفاق العسكري الذي يدور على الجبهة, خاصة وان صواريخ حزب الله وصلت إلى حيفا وما بعد حيفا , فكان لابد من تدخل دولي لوقف هذه الحرب المدمرة, وكانت النتيجة رغم نصر حزب الله , كارثية بالمستوى والفهم السياسي, حيث استجلاب قوات احتلال جديدة للجنوب اللبناني وعلى الأرض اللبنانية, وبقرار من مجلس الأمن وتحت الفصل السابع بصلاحيات القوات الدولية القتالية" اليونفيل" القرار" 1701", وتجلت المؤامرة العربية والدولية, والنتيجة الثانية هي إقصاء حزب الله الذي أحرز نصرا عسكريا وبقي محتفظا بقوته وسلاحه, إلى حدود الليطاني, مع إقامة القوات الدولية على الأرض اللبنانية, وبقيت " شبعة" محتلة من قبل الصهاينة, وقد صرحت بعض الجهات القادمة إلى الانتشار كقوات فصل حربية, ودون حياء أنها قدمت لضمان امن الكيان الإسرائيلي,,, ورغم ذلك اخترق الطيران الحربي الصهيوني مرارا وتكرارا الأجواء اللبنانية, ومنذ ذلك الحين تم تسكين تلك الجبهة العسكرية الملتهبة, وتسخين وإلهاب الجبهة السياسية الداخلية في لبنان وحرف مجال اهتمام حزب الله لتكون معركته داخلية على المستوى السياسي وربما يقصد جره إلى النشاطات العسكرية من اجل إشعال حرب أهلية لن يسمح بها, بل هو شرك ثاني يقصد به بالتصريح المعلن والخفي, تجريد حزب الله من سلاح المقاومة,,, وليس غريبا أن يعتبر " اولمرت" أن ماجرى على تلك الجبهة بحماية وتدخل دولي, هو لصالح الكيان الإسرائيلي, بل اسماه ردعا, وتحدى أن يجرؤ حزب الله على قصف شمال الكيان الإسرائيلي بصاروخ واحد, ويبدوا أن حزب الله يعي جيدا ذلك الشرك ومخاطر الانجرار للاستفزازات الصهيونية, لتطبق عليه كل قوى الشر الدولية التي لاطاقة له بها, خاصة إذا ما علمنا أن جزئا كبيرا من المجتمع اللبناني بمستوياته السياسية والشعبية والعسكرية, ستؤيد لاحقا تجريده من قوته, تقليم أظافره وأنيابه العسكرية وإبقاءه متماسكا, ليتداول العملية السياسية وفق معطى التركيبة السياسية التقليدية اللبنانية.
وبالتالي فان الكيان الإسرائيلي يعكف حاليا على الربط بين النموذجين على مستوى المقاومة التي يطلق عليها بخطاب النظام الدولي الجديد" إرهابا" بل ويحاول تقديم الوضع الفلسطيني المقاوم على انه امتدادا لحزب الله وسوريا وإيران, ومن المفيد أن يتم تحقيق الردع المماثل كما يقول " اولمرت", وهذا يعني أن هناك مخططا يدور بالاتجاه المعاكس لسلوك التهدئة والسلام, وفي لحظة ما وحين تبلغ نقطة الصفر لموعد الانفجار, فسوف تقوم القوات العسكرية الصهيونية بعملية عسكرية واسعة على الأراضي الفلسطينية عامة وعلى قطاع غزة خاصة, وربما يكون الهجوم" محرقة وهولكست" اشمل تدميرا من المحرقة التي أسموها " محرقة محدودة, أو جملوا الوصف ويتعاط البعض مع المصطلح بغباء , بأنه" شتاء ساخن" ومن ثم يكون برغبة وتخطيط الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي أولا, وباشتداد دموية الهجمة على غزة سيتم تجميد عملية التكتيك المسماة(( تهدئة وهدنة ومفاوضات)) لحين الانتهاء من " محرقة الردع" ومؤكدا ستقع في صفوف الغزاة خسائر كبيرة لكنهم سيخلفون دمارا بحجم هدف الردع, والذي سيقتضي تجمعا عربيا دوليا لا ستصدار قرار مماثل للقرار " 1701" من مجلس الأمن واستجلاب قوات فصل دولية حربية تحت الفصل الرابع تتعهد بحماية الكيان الإسرائيلي من القصف والعمليات العسكرية الفلسطينية, وستنتشر تلك القوات بشكل رمزي داخل قطاع غزة في العمق" الجيوسياسي" ومن الجنون حينها كما نسمع بتصريح هنا وآخر هناك, أن نعتبر تلك القوات والتي ستكون بموافقة عربية دولية ونعتبرها بمثابة القوات المعتدية ونستهدفها بعد انتشارها على طول الحدود مع الكيان, فنقع في شرك لم يقع فيه حزب الله لمعرفة مدى جحيم ذلك الشرك, وبالمحصلة تحدث عملية" الردع" التي تحدث عنها بالأمس السبت الموافق 8-3 "اولمرت" أثناء وجوده في مدينة" حولون" داخل الخط الأخضر قائلا((( مثلما حققنا الردع ضد حزب الله, سنحققه ضد المنضمات" الإرهابية" الفلسطينية))).
وتتوالى تصريحات"اولمرت" لخدمة اتجاهي الحراك السياسي والعسكري للكيان الاسرائيللي, المعلن منها كتكتيك والخفي كإستراتيجية, ليقول مجددا((( سنستخدم كافة الوسائل السياسية والعسكرية لضمان امن إسرائيل))) اعتقد أن كل التصريحات وربما التحركات العسكرية والسياسية, على مستوى الساحة الداخلية والخارجية , ومن حيث السكون والتصعيد, أو الحفاظ على وتيرة يمكن استخدامها كصاعق للتفجير إيذانا, " بمحرقة" الردع القادمة, والتي نتيجة تكثيف الاتصالات والنشاطات الدبلوماسية ستحظى بمباركة دولية علنية, وبمباركة شديدة عربية غير معلنة, من اجل تبرير دخول قوات الفصل الدولية وتكون قوات حربية, وتحت الفصل السابع, ولا استبعد أن المحاولة التي أجهضت في مجلس الأمن من قبل " الجماهيرية الليبية" بإدانة مجلس الأمن لعملية القدس, ربما تصب في نفس ذلك الاتجاه الزاحف إلى المنطقة بهذا التصور والسيناريو لامحالة, وربما كذلك توصيات وقرار منظمة المؤتمر الإسلامي تصب في نفس الاتجاه كذلك.
فهل يتم تطبيق نفس المخطط على نفس النموذج من لبنان إلى فلسطين, لا أريد أن أقول حتما بل ربما وعليها ألف شدة أن يكون المخطط واردا, وان مانطق به رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي"اولمرت" ليس مجرد سقطة أو زلة لسان, وان الربط ومساواة النموذجين اللبناني والفلسطيني, لم يساق اعتباطا, وان مصطلح" الردع" هو ضمن اتفاق وتوافق صهيوني أمريكي , يتبعه بمبررات وتداخلات أخرى توافق واتفاق محلي وعربي ودولي؟؟؟!!!
ولعلي أشير مؤخرا واصرخ من جديد في صحراء العدم, لمن يركبوا رؤوسهم, أن ينزلوا من علياء عنادهم المدمر, ويأخذون تحليلنا المتواضع على محمل الجد, ولا يساهموا في تسريع مشهد الردع الصهيوني الإجرامي , بتشددهم وتطرفهم وعنادهم, والمخرج أو ربما تخريب كل المخططات الصهيونية , يكمن في الوحدة والحوار الوطني الجاد والعودة لحضن الشرعية,,, اللهم إني بلغت ,, اللهم فا اشهد.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟