لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 2215 - 2008 / 3 / 9 - 09:04
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
القرابة التاريخية بين المغرب وغرب أوروبا وبينه وبين جنوب غرب آسيا ثابتة في النصوص التاريخية . لكنها تشكل موضوعا للنقاش.و للأسف أريد لها أن تكون غير متكافئة لأن معظم المؤرخين يؤسسونها على التبعية الثقافية أو السياسية. و الغريب أن القائلين بالقرابة بين المشرق والمغرب يرفعون كل علاقة بين هذا البلد وغرب أوروبا, والعكس صحيح, حيث ترى المنظرين الأوروبيين يتحدثون بالقطع عن الأصل الأوروبي لسكان المغرب. إنه صراع ثقافي من أجل الهيمنة والسيطرة على المغرب. وما أحوج هذا البلد إلى الاستقلال الثقافي في هذا الظرف بالذات.
تقوم القرابة بين البلدان على ثلاثة عناصر , الجغرافيا والثقافة والإثنوغرافيا. و الجغرافيا مقدمة على كل عناصر القرابة بين البلدان والشعوب لأنها تؤثر على الثقافة وتفسر التاريخ وتساهم في التصنيف الإثنوغرافي. فلا يمكن تصور أي نسق ثقافي بمعزل عن الجغرافيا, المجال والمحيط البيئي. ولا تستقيم الإثنوغرافيا بدون ذكر النطاق البيومناخي و طبيعة التضاريس. فالجبال تساهم في تكوين بنيات اجتماعية معزولة, وترتبط الشعوب البدائية بالمناخ الاستوائي ولجماعات الاسكيمو المستقرة في القطب الشمالي خصائص ثقافية متناسبة وطبيعة البيئة الباردة. ولقد سبق لبعض الباحثين والمؤرخين أن أسسوا نظرياتهم على عنصر جغرافي ما حيث فسر أرلوند تويبي التاريخ بالتحدي والاستجابة واعتمد ويل ديورانت على الزراعة كعنصر جغرافي لتفسير الحضارة وقبلهم زعم هيرودوت بأن مصر هبة النيل ولم يترك إيف لاكوست مجالا لنقاش ما للجغرافيا من أهمية إستراتيجية تمكن مستغليها من السيطرة على الميدان وربح المعركة. و كل حدث ذي قيمة رمزية تاريخية لا تتضح دلالته إلا في داخل المجال الجغرافي. والمغرب من البلدان المتأثرة بالجغرافيا حيث فرض عليه الغزو المتكرر, المتوج بالاحتلال في أسوأ الأحوال, الحوار مع الدخيل المؤسس على المقاومة الثقافية. وترى الدخيل يبحث عن سبل لإقرار القرابة بينه وبين المغرب. و نذكر أن المغرب حاضر في ذاكرة الشعوب المجاورة في تمثلاث مختلفة مرتبطة بالميثولوجيا بطبيعة الحال. لقد نسبه أهل المشرق إلى غروب الشمس وأطلقوا عليه اسم المغرب قياسا على التصور القديم حول الأرض والعالم والذي يعتمد الحركة الظاهرية للشمس في تحديد المجال الجغرافي.ويسمى المحيط الأطلنطي بحر الظلمات وهو نهاية العالم في التصور القديم. وقد قيل عن المغرب إنه أرض الغرائب والعجائب, وقبل ذلك حسبه الإغريق موطنا لحدائق الهسبريس التي قصدها هرقل الأسطوري لجني التفاح الذهبي. وفي كتب التراث العربي الإسلامي ذكر لحوت موسى في رحلته مع صاحبه يوشع بحثا عن النبي الخضر الحاضر كثيرا في الثقافة الشعبية المغربية. ودون الغوص في التمثلات القديمة حول المغرب نسجل أن الكثير من المؤرخين المحدثين يحملون همّ البحث عن الأصل المشرقي لسكان المغرب الأمازيغ منهم على الخصوص, والبعض منهم يولي وجهه شطر أوروبا وهناك من تبنى الأصل الإفريقي وقل من يتجاوز فرضية (أصل السكان ) والانقطاع في البحث لما يفيد تاريخ المغرب.وكل الأطروحات تعتمد على الجغرافيا التاريخية ,سهولة العبور من الشرق عبر اليمن أو عبر صحراء سيناء بالنسبة لبعض القدماء, ومنهم مؤلف كتاب (مفاخر البربر), الذين يزعمون أن الأمازيغ ينتسبون إلى جالوت (أجليد), أو سهولة العبور من إسبانيا إلى المغرب في زمان كانت فيه أوروبا لصيقة بأفريقيا. ولقد تأسس نقاش حاد, وفي مستوى علمي ومنهجي أكثر رقيا, حول الأصول والجذور بعد مضي قرن على استعمار الجزائر ونصف قرن على استعمار تونس, أي في سنة 1930 التي صافت صدور ظهير 16 ماي الذي خضع لتأويل متعسف وشكل أساسا للاحتجاج. إن وضع فرضية (أصل سكان شمال أفريقيا) يفيد أن هناك نية غير بريئة تحكم على المغرب بالاستلاب الأبدي والتبعية المطلقة للغرب الأوروبي أو المشرق العربي. وللأسف الشديد ندر من يؤمن بالاستقلال الثقافي والحضاري للمغرب ويبحث عن أدلة بالميدان لإقراره دون نفي أن لكل شعب منفتح أو فرض عليه الاحتلال علاقات تأثير وتأثر لأنه مكره على الفعل والانفعال في نظام تحكمه علاقة الغالب بالمغلوب. نقول لا وجود لمن ينظر إلى المغرب في استقلالية تامة عن المشرق أو أوروبا ولو في نسق ثقافة الخوف. وقل من يقرأ المقاومة المغربية عبر التاريخ ليقر النزوع المغربي الواضح نحو الاستقلال التام . وفي تاريخ الغرب الإسلامي محطات لها دلالة منها إعلان دولة بني مدرار الخارجية بسجلماسة و صمود البرغواطيين بتامسنا وتمرد قبيلة غمارة المستمر, وكلها حركات استقلالية ثقافية ذات دلالة. و بالمقابل كان من الصعب, في غياب حفر مستمر في شتى المواقع, دحض كل الاستنتاجات المؤسسة على فرضية الأصل لأنها قائمة على بعض الأدلة الأثرية.ومعنى ذلك أن ضعف البحث الأركيولوجي في المغرب يكرس الاستلاب المذكور. ولقد أدرك المؤرخ كامبس عدم جدوى الخوض في البحث عن أصل سكان المغرب لأن ذلك يحرف مسار البحث التاريخي ويبعده عن الهدف والموضوعية. ويظهر أنه من المفيد استحضار فرضية الأصل في هذا الظرف بالذات لأن استقلال المغرب لا يزال ناقصا مادامت سبتة و مليلية تحت الاستعمار الإسباني ومادمت أطروحة الانفصال قائمة ولها من يروج لها. و بمعنى آخر لم يكن الخطر يهدد فقط الاستقلال الثقافي للمغرب فهو يطال الحدود الجنوبية الشرقية ويطال الوحدة الترابية والمياه الإقليمية. ولنعمل بالفرضيات كما هو مألوف لدى معظم الذين يبحثون في تاريخ المغرب ونقول إن أصل سكان المغرب أوروبا اعتمادا على الأدوات الحجرية المنحوتة من حجر الأوبسيدان, الحجر البركاني النادر في شمال أفريقيا, التي تثبت أن المهاجرين نقلوها من أوروبا. ويمكن كذلك الاعتماد على التشابه الثقافي بين المواقع الأثرية المحتضنة للما نهيرMenhir ركام الأحجار الشاهدة في بساط الدفن المنسوبة إلى الحضارة الميغالتيتية القديمة.لكن إذا استثنينا الموقف الفرنسي ,ماذا أنجزه الاتحاد الأوروبي في القضية الوطنية؟ وما الجدوى من تلك القرابة؟. ولنقبل أيضا أن سكان المغرب الأولين قادمون من الجزيرة العربية عبر اليمن ومصر,كما هو مضمن في دروس التاريخ في السبعينات من القرن الماضي,فماذا قدمه العرب المشارقة للمغرب؟ وما موقفهم من القضية الوطنية؟ وما ذا فعلوا في تحرير الرهينتين في العراق؟. و لنفترض أن أصل سكان المغرب من أفريقيا جنوب الصحراء ونبحث عن أدلة أثرية في رسوم طريق العربات في بعض الصخور و التي تظل دليلا عن الاتصال بين المغرب وأفريقيا فما جدوى تلك القرابة خصوصا و أن بعض البلدان الأفريقية تتبنى أطروحة الانفصال. ولم تنج الجارة الجزائر من الاستلاب المذكور لأن لبلدان المغرب تاريخا مشتركا, وأنها في حاجة إلى من يدافع عن استقلالها الثقافي كما دافعت عن الاستقلال السياسي وقدمت المليون ونصف مليون شهيد. إن استقلال المغرب ووحدته لا بد أن يعتمد المقاربة الثقافية الشمولية واستحضار الأمازيغية كمكون وحدوي في بلدان المغارب صامد أمام كل توجه يدفع لفرض التبعية الثقافية.وبدون الدفاع عن الاستقلال المتكافيء الثقافي تنتعش دعوات الهيمنة والاستلاب وتتعمق نزعة الانفصال .نعم للحوار مع الشعوب المجاورة, ولا لتكريس التبعية والاستلاب في تاريخ المغرب.
#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)
Ait_-elfakih_Lahcen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟