أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل الكرامة غضب والمحبة غضب















المزيد.....

صباحكم أجمل الكرامة غضب والمحبة غضب


زياد جيوسي
كاتب واعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 2214 - 2008 / 3 / 8 - 10:47
المحور: الادب والفن
    



في الأيام الماضية وحين كنت أمارس جولة العشق الصباحية والمسائية لرام الله، وحين كنت أقف بجوار كل ياسمينة وصنوبرة عتيقة، وحين كنت أتفقد الشجيرات التي زرعتها البلدية في الأنحاء لأطمئن عليها أثناء تجوالي، وأحاول أن أُقَوم ما أراه قد أنحنى منها، بفعل المطر والرياح الغربية، وأحفظ مواقعها لأبلغ البلدية لتهتم بها، كنت أشعر بالأشجار تبكي، وبالياسمينات التي "تتعربش" على الحيطان تسكب الدمع، حتى ياسمينتي الغالية الواقعة مقابل المقاطعة، والتي نشأت بيني وبينها قصة عشق خاصة منذ عدت إلى رام الله، شعرتها تبكي، وعذرا من الأعزاء إميل وحنان عشراوي، على إصراري أن تلك الياسمينة لي أنا وهي تتعربش جدران بيتهم الجميل، وهم من يعتنون بها ويدللونها، شعرت بها تبكي وهي ترقب ما يجري، فهذه الياسمينة التي كانت تصر في فترة حصار الرئيس الشهيد، أن تزود المحاصرين بشذاها، فتغَير من رائحة البارود والقذائف قليلاً وتشد من أسر المحاصرين، لا تستطيع أن توصل شذاها للذين يحترقون في غزة.
كيف يمكن للإنسان أن يتجاوز الألم ويكتب؟ هذا هو السؤال الذي كان يجول في داخلي طوال الأيام الماضية، فقد كنت أحترق مع غزة، أحترق مع كل قذيفة ورصاصة، أحترق مع من يحترقوا، مع الأطفال والشباب والنساء والرجال، فالجسد واحد مهما لعبت السياسة والمصالح من خلق تفرقة وتمزيق، وكما قلتها سابقاً: الدم حين يسيل في غزة يصل رام الله، والدم الذي يسيل في رام الله والضفة يسكب نفسه في غزة.
جريمة ومجزرة ومحرقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، يدفع شعبنا ثمنها من دمه، وفي الوقت الذي يقف فيه الأحرار من العرب والعالم وقفة شعبية كبيرة بجانب شعبنا، وفي الوقت الذي يتساقط فيه أبناء شعبنا بالعشرات، والدماء تسيل في الشوارع، وأرواح الشهداء تحلق في سماء الوطن، وأنات الجرحى تتعالى، نجد الساسة الأشاوس يتراشقون بالاتهامات، ونجد أن الصراع الداخلي هو ما سيطر على حياتنا، في الوقت الذي كان فيه طيران العدو يسيطر على الأجواء، ودم الشهداء ما زال يروي الأرض حتى اليوم صباحاً، وبدلا من أن يوحدنا الدم المراق والأطفال الذين سقطوا بغير ذنب، وجدنا الساسة يمارسون كل قرف يمكن أن يتخيله ولا يتخيله إنسان، ووجدنا الفصائلية تطغى من جديد، فلا سامح الله ولا دماء الشهداء ولا الزيتون كل من يجد في سيل الدم المراق وسيلة لتحقيق أهدافه الخاصة، وإن كنت أخشى على غزة قبل الآن، فقد أصبحت أخشى الآن على وطن بأكمله ، فقد بدأت أشتم رائحة عفنة منذ قبل الهجوم القذر على غزة، وتصاعدت هذه الرائحة في اليومين الأخيرين، مما ينذر بتكريس تقسيم الوطن فعلياً، وتكريس جهتين متصارعتين يفاوضهما العدو، فنعود لقصة القرد وقطعة الجبنة والهرتين، فالقرد قضم قطعة الجبن قطعة قطعة، في ظل صراع الهرتين على قسمتها.
ليلة الأمس فارقني النوم وأنا من اعتاد النوم المبكر، لم أشعر بالوقت وهو يمر، حتى نبهني صوت شعرته قادم من داخلي، ليقول لي: الساعة قد تجاوزت الواحدة وأنت لم تنم بعد، ومع ذلك تأخرت وأنا أتقلب في سريري قبل أن أنام، فلا بد أن أصحو مبكراً، فما زلت كعهدي أنتظر الشمس كل صباح لأعانقها، وأتمتع بصوت هديل الحمام على نافذتي، فجالت روحي مع روحي، في رحلة ذكريات واستذكار، فجلت بيروت وصيدا، وتنقلت من العرمون حتى مرج عيون، وادي الزرقاء في تونس والقصبة في الجزائر، جلت بغداد وشوارعها، عمان التي أهوى، تمشيت على الدانوب في بلغراد مترنما مع موزارت بسيمفونيته "الدانوب الأزرق"، صعدت قاصيون وحضنتك هناك يا أملي، غمرتنا الروح الإنسانية وحلقت أرواحنا، فلا أجمل من روح الإنسان الحقة، ولا أجمل من الإنسانية، فمتى يمكن للبشر أن يصلوا لمرحلة الأنسنة الحقة، فتسموا الأرواح عن المصالح، وتجول الروح في حرش صنوبر وجمال.
أعود لجمال الذكرى والطفولة، أعود لرام الله قبل أن نغادرها إثر هزيمة حزيران، فتعود إلى الذاكرة صورة مخيم الجلزون، الذي كان يقطن به خال لوالدتي، وكنت أحب زيارته، فالخال كان طيب جدا، وفي المخيم أشعر بالحرية والانطلاق، ومع ابن خال والدتي الذي يقاربني بالعمر، وإن كان يتفوق عليّ "بالشيطنة" كنا نقضي الوقت سوياً، وحين أعود لبيت أهلي كانوا يحتاجون الكثير من الجهد لإعادة سلوكي إلى ما كان عليه.
جاء حزيران والحرب والهزيمة، كانت نذر الحرب وسحبها تطغى على الأحداث، وكانت "الجعجعة" العربية تنطلق في الأجواء، هذه "الجعجعة" التي دفعت جدتي رحمها الله وكانت في زيارة لنا، لأن تبدأ بالحديث صبيحة الحرب عن ماذا ستفعل حين تعود لبلدتها "السافرية" المحتلة منذ النكبة، وتبدأ بتقديم اقتراحات لوالدتي عن أنسب المناطق لبناء بيت لنا والاستقرار في الوطن الذي ظنت أنه سيتحرر، ولم يدر في الخلد أن باقي الوطن وأجزاء من دول شقيقة ستطير أيضا، وأننا سنعاني للعثور على بيت يضمنا في عمان مع والدي، بدلاً من أن نعود للوطن الذي أغتصب ومازال مغتصباً.
وفي صبيحة المعركة غادرنا الوالد حين سمعنا عن بدء المعارك بالمذياع، لبس لباسه العسكري واتجه لموقعه في بيت لحم، وبقينا نحن لوحدنا مع الوالدة، ولن أتحدث كثيراً عن تلك الأيام، فقد سبق أن تحدثت عنها في نص سابق في ذكرى حزيران من العام الماضي، بنص بعنوان: "صباحكم أجمل/ ذاكرة حزيران"، وفي نص آخر بعنوان"حديث الذكريات.. متى نحتسي القهوة في روابي عمان"، ولكن ما أحب أن أشير إليه هو أني وبعد أن عدنا للبيت من البراري والكهوف بعد توقف الحرب، وكنت ما زلت في عامي الثاني عشر وثلاثة شهور لا غير، ذهبت سيراً على الأقدام إلى بيت حنينا في ضواحي القدس رغم منع التجوال، فمن كان سيأبه بطفل يخالف قرار منع التجوال، لأفتش عن والدي الذي كان مصيره مجهولا إن كان عند أقرباء لنا هناك، ومن هناك وصلت إلى القدس التي لم أرى في شوارعها إلا جنود الاحتلال والمتدينين اليهود أصحاب الجدائل واللباس الأسود، جلت القدس برفقة أحد أقراني من أقربائنا البعيدين وكأني أودعها فلم ألتقيها بعدها، وما زلت أحلم أن أصلي في أقصاها وأن أزور قيامتها وأجول في شوارعها العتيقة.
صباح آخر في رام الله، أخرج من صومعتي مبكرا كالعادة، أسير في شارع المستشفى، أصل لدوار الشباب ومن هناك مروراً من أمام مؤسسة قطان، أمر من أمام مقبرة الماسيون، أترحم على من دفنوا هناك، وأواصل السير إلى طريق رافات حتى أصل إلى الفندقين الراقيين هناك، فأتذكر صديقي الكاتب والباحث أحمد القاسم القاطن هناك، فأبتسم وأقول لو كنت احمل رقم هاتفه لهاتفته ليفيق من نومه إن كان ما زال نائماً لنحتسي قهوة الصباح معاً، وأعود ذات الطريق لصومعتي، لأحتسي القهوة مع روح طيفي ومع أملي، ممنياً روحي بلقاء قريب، أستمع لفيروز تشدوا لنا:
"بقولوا صغير بلدي بالغضب مسور بلدي، الكرامة غضب والمحبة غضب، والغضب الأحلى بلدي، ويقولوا قللا ونكون قللا، بلدنا خير وجمال، ويقولوا وشو هم يقولوا شويت صخر وتلال، يا صخرة الفجر وقصر الندي، يا طفل متوج على ألدني.. يا بلدي، ياصغير.. بالحق كبير وما بيعتري.. يا بلدي".
صباحكم أجمل.
زياد جيوسي
رام الله المحتلة 5-3-2008
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com/
مدونة أطياف متمردة



#زياد_جيوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صباحكم أجمل ذاكرة الهوى والانتظار
- صباحكم أجمل أرض العالي تعلا
- مع ناصر الريماوي وقصته: صباح ممطر.. يوم قاحل
- صباحكم أجمل غِمار الزهر
- صباحكم أجمل رام الله بتحلى أكثر بشجرها الأخضر
- صباحكم أجمل ثلج ثلج
- -العشاء الأخير في فلسطين-
- صباحكم أجمل/ يا خوفي من عتم الليل
- صباحكم أجمل أعود لوطن الموج
- صباحكم أجمل الرحيل.. ردني إلى بلادي
- صباحكم أجمل انطلاقة وزهرة المدائن
- صباحكم أجمل القدس وحديث العندليب
- صباحكم أجمل دار قنديل وعيد وبيسان
- صباحكم أجمل ويكبر السؤال
- -خيبة- قراءة في نص للكاتبة: صونيا خضر
- -مغارة ماريا- فيلم للمخرجة الفلسطينية: بثينة كنعان خوري
- صباحكم أجمل تلال ضيعتنا
- -ملح وشرر وحب- في نص للكاتبة: راوية بربارة
- صباحكم أجمل زرع وعناقيد
- صباحكم أجمل مملكتي أنا..


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل الكرامة غضب والمحبة غضب