أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - لحسن ايت الفقيه - الاستعمار والنظام القبلي المغربي بين التفكيك والتكييف















المزيد.....

الاستعمار والنظام القبلي المغربي بين التفكيك والتكييف


لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)


الحوار المتمدن-العدد: 2212 - 2008 / 3 / 6 - 11:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من المفيد في بدء الحديث عن الأجواء الثقافية من خلال ظهير 16 ماي 1930 الرجوع قليلا إلى الوراء لاستحضار خطط المفكرين الأوروبيين في مواجهة العقبات التي تحول دون استرسال النظام الرأسمالي في مرحلة الإمبريالية والتي تعتمد أساسا على التكييف , أعني تكييف النقيض ليخدم القضية .
ففي البدء كانت المسيحية نقيضا للرأسمالية في المرحلة الميركنتيلية تعرقل المبادرة الفردية والتنافس الحر والتعبير والتفكير, فجاء الإصلاح الديني كمؤشر رئيسي من مؤشرات النهضة الأوروبية وكخطة ليكيف المسيحية لتفقد مفعولها القوي في عرقلة مسيرة ذلك العصر إلى التحرر والتنمية والتحديث. وللتذكير فقد أطاح لوثر بالبابوية (1) وحارب ليسينج Lessingالانحراف أشد محاربة(2) وناصر كالفن مذهب الشك (3) وأظهر في الديانة المسيحية قيمة الزهد الموافقة للاستثمار والربح والادخار والمناقضة للإسراف والتبذير وهدر الطاقات والإمكانيات . ولاغرو, فالنظام الرأسمالي قائم على الاستثمار والربح والبحث عن الإمكانيات الجديدة التي توظف مجددا لتنتج ثمار الربح , وهكذا يتراكم الرأسمال ويقطع أشواطا تحمل أسماءها ومواصفاتها. ولقد كيفت اليهودية أيضا لتخدم الامبريالية حيث استغلت الآيات التي تحث أهلها على الاستيلاء والسيطرة المادية على الغير (4), أو بعبارة أخرى يوجد في التوراة ما يتفق وخطط السيطرة الاستعمارية الامبريالية ويبررها معنويا وأخلاقيا (5) و يكفي البحث عن أدلة بسيطة للتكييف والتبرير والتأويل لجعل السيطرة على الشعوب الأخرى عملا مباحا ومشروعا.
وعلى شاكلة الإصلاح الديني كيفت السوسيولوجيا الفرنسية النظام القبلي بالمغرب ليخدم جانبا من المشروع الإيديولوجي الذي يرمي إلى دمج شمال أفريقيا بفرنسا المشروع الذي ولد كاملا سنة 1930 تاريخ صدور الظهير المذكور الذي صادف ذكرى مضي قرن على استعمار الجزائر ونصف قرن على استعمار تونس. ونسجل هنا أن فرنسا تنتج دوما خطابا ثقافيا أو دينيا يناسب المرحلة.
لقد كان النظام القبلي المغربي مناهضا للنظام الرأسمالي على مستوى البنية والمبدأ , ذلك أن الأول يؤمن بالملكية المشتركة منها أراضي الجموع والمراعي المشتركة و المحاطب والمجالات الوظيفية) والثاني لا يمكن أن يسود ويستمر إلا بوجود نظام اجتماعي طبقي مكون من طبقة تملك وسائل الإنتاج وأخرى مجردة من الملكية و لا يمكن لها أن تضمن قوتها إلا بسواعدها. ومع دخول الحماية الفرنسية المغرب طفق السوسيولوجيون والمخططون ورجال الاقتصاد يبحثون في كيفية إتمام مشروع تفكيك البنية التحتية التقليدية بشكل نهائي وإفراز المجتمع الطبقي .ولتلك الغاية أنشئت لجنة الاستعمار سنة 1916 بغية تشكيل القطع الأرضية القروية وتوزيعها بانسجام مع بعض مبادئ الاستعمار وتدعيم الاحتلال العسكري بإسكان عائلات فرنسية في البوادي المغربية(6) وأصدر ظهير 3 مارس 1919 تم بعده ظهير أبريل 1919 الذي نظم الوصاية على الجماعات المحلية (7). وقبل ذلك بسبعة عقود من الزمان تقريبا, كان للمعاهد التجارية والاتفاقيات المالية التي وقعها المغرب مع الدول الاستعمارية دور فعال في القضاء على الصناعة التقليدية بالمدن بفعل إغراق الأسواق المغربية بالبضائع الأوروبية التي تعرض بثمن بخس , كما كان للقروض والمعاهدات التي تعقب الحروب (حرب تطوان مثلا )كبير الآثار على خزينة الدولة حيث نفدت العملة الذهبية والفضية بالمرة. وباختصار كان أسلوب المستعمر واضحا ومنطق النظام الرأسمالي وقواعده وأسسه و فلسفته .
والملفت للانتباه أن فلاسفة الاستعمار والمنظرين له ببلادنا في العقود الأولى من القرن العشرين وجدوا أنفسهم مع منطق غير ذي جدوى وفائدة في جزء كبير من أرض المغرب أطلقوا عليه المغرب غير النافع (اقتصاديا). وبمعنى آخر لا حاجة من تفكيك بنية قبلية في وسط يكاد أن يكون مجردا من الموارد الطبيعية. ولقد كان من المنطقي أن يطلق المستعمر الفرنسي , بناء على المنفعة ، اسم المغرب النافع ثقافيا على كل المناطق الجبلية والممتدة جنوب جبال الأطلس. ففي هذا الجزء من الوطن تمت صياغة المشروع الثقافي الفرنسي الاستعماري. وكانت الخطوات الأولى له الحفاظ على البنية القبلية التقليدية بعاداتها وثقافتها و محاطبها ومراعيها. ولم يستثمر فيها إلا الخيرات الباطنية و تمور الواحات. أما الخطوة الثانية فتكمن في البحث الثقافي عن مواطن الضعف في الوعي الديني لهذه القبائل أعني البحث عن مدخل في تنصيرها كي يسهل دمجها لذلك بنيت كنيسة ضخمة في ميدلت واتخذ مركز أزرو مجال للرهبنة والتنصير. ونضيف أن المعمر الفرنسي يضرب القيم الهشة, أو على الأقل, يستهدف تلك القيم القديمة التي صمدت أمام اليهودية والمسيحية الرومانية والإسلام وظلت تقاوم الدهر ومعظمها لا يخرج عن مجال الأحوال الشخصية الزواج والطلاق والإرث. وما كنا هنا لنسرد القيم التي ضربت والتي تم إحياؤها بعد موتها المرحلي.والذي يعنينا ,هنا ,أن الظهير المذكور خاتمة لمشروع تكييف النظام القبلي لخدمة الاستعمار. ولقد أنشئت محاكم عرفية تنظر في الدعاوي المدنية والتجارية والعقارية والمنقولات وفي جميع القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية أو بأمور الإرث , وتطبق في كل الأحوال العوائد المحلية (8). ولقد أحيى الظهير النظام القبلي فجعل رؤساء القبائل قضاة ينظرون في بعض الأحكام (9) مما فتح مجالا أمام غرس بعض الأعراف الشاذة والتي لا تخدم في شيء الهوية المغربية . وبمعنى آخر إن كان الاستعمار قد لفت إلى الأمازيغ واعترف نوعا ما بحقوقهم الثقافية لأنه زاغ قليلا لا لشيء سوى أن ما فعله قائم على هدف دعم النظام القبلي ليصمد كثيرا أمام التحولات القروية التي تعد في نهاية المطاف مظهرا من مظاهر الحداثة.
وعلى سبيل المثال أسست المحاكم العرفية أحكامها على أعراف غريبة منها على سبيل المثال الحظر في الطلاق لدى بعض القبائل (10) والقاضي بمنع ثلاث رجال , يحدد الزوج هويتهم في عقد الطلاق,في قفرة الحظر ويمنع عليهم كليا التزوج من هذه المرأة. ويتأسس الحظر على اعتراف الزوج بأخلاء زوجته ويعتبرهم شركاء له (بالخيانة)., و بالتالي فمن المستبعد أن يقنع واحد منهم هذه الزوجة بطلب الطلاق من زوجها الفعلي ليزوجها هو نفسه في المستقبل القريب, وبالتالي فالحظر المذكور يضع حدا لتعدد الشركاء بالخيانة. ويفهم من هذا العرف الشاذ, الذي لم نعثر على أثاره إن كان قد ساد حقا, محاولة المستعمر غرس قيمة تعدد الشركاء الجنسيين التي يمقتها الإسلام باعتبارها عادة قديمة ذكرت في الثقافة البابلية ولها وجود في تاريخ شمال أفريقيا القديم. و بمعنى آخر يريد المستعمر إحياء الفحش المقدس ليبرهن عدم ترسيخ القيم الإسلامية في مثل هذه الأوساط. ولا ننكر وجود بقايا الفحش المقدس في رقصات أحيدوس وفي طقوس أخرى. كمالا ننكر أيضا مضامينه في الأغاني ألأمازيغية , لكن العرف لم يحو إطلاقا ذلك الفحش بالصيغة المعروفة لدى المستشارين بالمحاكم العرفية.
إن اتخاذ العرف مرجعية للأحكام في القضايا المرتبطة بالأحوال الشخصية لم يخدم ما سمته الحركة الوطنية المغربية التفرقة بين العرب و الأمازيغ, لأن المخططين للمشروع لم يستحضروا اللغة إطلاقا ولا تعنيهم العربية في شيء.
ونضيف أن لا وجود لأي فكر قومي عربي لحظة صدور الظهير المذكور. والأكثر من ذلك نجد قبائل تتحدث باللهجة الدارجة ولها عادات أمازيغية محضة والظهير المذكور يعني المناطق ذات العوائد الأمازيغية كما ورد في أحد بنوده و لا علاقة له بأية لغة.
إن ضرب القيم مدخل ضروري لزرع قيم جديدة وثقافة أخرى. وإلا فما الضرر في العمل بالعرف في الأحوال الشخصية؟ وإن معظم القبائل بجبال الأطلس الكبير لا تزال عرفية وقد أساءت لها مدونة الأسرة كثيرا.
نخلص من هذا كله أن الظهير المذكور عمل على تقويم جسم القبيلة وجعلها تقاوم كل نقيض لبنيتها بعد خروج المستعمر. و با لفعل فهي غير مهيأة لتقبل الأفكار الجديدة. ولاغرو, فالأفكار السياسية التي نشرتها الحركة الوطنية لم تغزو كثيرا الأوساط القبلية ذات الانتماء العصبي ونشير أن أئمة والمساجد وبعض الأقليات العرقية هم الذين انخرطوا طوعا في العمل الحزبي في أواخر عهد الحماية الفرنسية. ومن هنا يمكن تبرير مناهضة القائد عدي وبيهي لحزب الاستقلال وتصريح الوزير لحسن اليوسي بأن لا حاجة إلى الأحزاب بعد استقلال المغرب. لقد نجح المشروع الفرنسي في تقوية النظام القبلي وجعله صامداأمام التنمية والتحولات القروية مما يجسد عمليا فكرة المغرب غير النافع اقتصاديا والذي استمر إلى الآن.
وجملة القول إن كانت فرنسا قد ضربت البنية التقليدية في المناطق التي كانت تسمى المغرب غير النافع, لتسهيل الانتشار الرأسمالي والكولونيالية فإنها سعت إلى ضرب الأسرة لتسهيل دمج شمال أفريقيا بفرنسا. وإن العمليتين وجهان لعملة واحدة في نهاية المضاف. ولقد فشلت فرنسا في تسخير النظام القبلي ثقافيا, أو على الأقل لم تعمر طويلا لتحقيق تلك الغاية وكل ما نتج عن ذلك إرث قبلي تقليدي يعرقل سير المؤسسات وينتج أبطالا ضد الحداثة والتنمية ولا يخدمون الثقافة الأمازيغية في شيء.

الهوامش:
1- هاينريش هايني , في تاريخ الأديان والفلسفة , ترجمة وتقديم صلاح حاتم , سلسلة أبحاث ، دار الحوار للنشر والتوزيع ، اللاذقية 1986 ص93.
2- -المرجع نفسه ص99.
3- راوية عبد المنعم , مالبرانش والفلسفة الإلهية, دار النهضة العربية للطباعة والنشر 1996 ص80.
4- حسن الكرباسي , مطالعات في الكتب المقدسة – دار الكنوز الأدبية بيروت 1997 ص118.
5- المرجع نفسه ص119.
6- ألبيرعياش, المغرب والاستعمار ,مطبعة إتفاق بوبكري , الدار البيضاء ص174
7- المرجع نفسه
8- عبد الكريم غلاب , تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب , الجزء الأول- مطبعة الرسالة الرباط 1987 ص59
9- المرجع نفسه ص60
10- تبين هذا الحظر في المحاكم العرفية بجبال الأطلس الكبير الشرقي. ويحوي العرف ما يفيد أن المرأة تكون تحت وصاية ثلاث شهود يحضرهم الزوج قبيل الطلاق ويحرر العقد ولا يحق للمرأة المطلقة الزواج ثانية بزوجها السابق. الفصل 28 من عرف ايت يزدك.



#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)       Ait_-elfakih_Lahcen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احتجاجات تقودها النساء ضد العنصرية والتهميش والاستغلال الفاح ...
- جمعية التواصل لمديري التعليم الابتدائي تسطر برنامجها النضالي ...
- « مدونة الأسرة» المغربية في قفص الثقافة العالمة:من يحمي رأي ...
- إقليم الرشيدية:مسيرة نسوية احتاجا على العزلة والتهميش
- الخبر و الذاكرة الشعبية بالجنوب الشرقي المغربي
- الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين- مكناس:أية مقاربة لتأهي ...
- الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين – مكناس- المغرب:كيف نرس ...
- جمعية التواصل لمديري التعليم الابتدائي بإقليم الرشيدية:أية م ...
- نيابة التعليم- الرشيدية:أسلوب قديم يضرب الأمل و يعرقل العمل


المزيد.....




- جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR ...
- تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
- جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
- أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ ...
- -نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
- -غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
- لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل ...
- ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به ...
- غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو ...
- مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - لحسن ايت الفقيه - الاستعمار والنظام القبلي المغربي بين التفكيك والتكييف