كهلان القيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2212 - 2008 / 3 / 6 - 02:48
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
ترجمة: كهلان القيسي
خلقت "الحرب على الإرهاب" ثقافة الخوف في أمريكا. وقامت إدارة بوش,منذ الأحداث الشنيعة لـ 11- 9/ بتضخيم هذه الكلمات الثلاث وتحويل المعنى إلى تعويذه وطنية حيث أصبح لها تأثير خبيث على الديمقراطية الأمريكية، وعلى روح ومكانة أمريكا في العالم. وفي الحقيقة فقد قوّض استعمال هذه العبارة قدرتنا على مواجهة التحديات الحقيقية التي نواجهها عمليا من المتعصّبين الذين قد يستعملون الإرهاب ضدّنا.
الضرر الذي سببته هذه الكلمات الثلاث هو- جرح ذاتي كلاسيكي – عظيم وغير متناهي من أيّة أحلام متطرفة أضمرت من قبل الجناة المتعصّبين لهجمات 9/11 وهم يخطّطون ضدّنا في الكهوف الأفغانية البعيدة. إنّ العبارة نفسها بلا معنى، لا تعرّف لا بسياقها الجغرافي ولا بأعدائنا المفترضين. إن الإرهاب ليس عدوا، لكنه تقنية حربية و تخويف سياسي عبر قتل المدنيين العزل خارج ارض المعركة.
لكن السرّ الصغير الذي أضمره متبنوه، قد يكون في غموض تلك العبارة، سواء كان بتعمد (أو بالغريزة) ، كما أن الإشارة المتكررة إلى "الحرب على الإرهاب" قد أنجزت هدفا رئيسيا واحدا: هو تحفيّز ظهور ثقافة الخوف، والخوف نفسه ينسي المبرر، ويهيج العواطف ويجعل الأمر أكثر سهولة على السياسيين الغوغائيين، لتعبئة الجمهور لصالح السياسات التي يريدون تنفيذها.
حربنا الاختيارية في العراق لم تكن لتكسب كل هذا الدعم من الكونجرس لولا ترابطها النفسي بين الصدمة التي أحدثتها أحداث 9/11 والوجود المفترض لأسلحة الدمار الشامل العراقية. كذلك تم تعبئة رأي الداعمين للرّئيس بوش في انتخابات عام 2004 بفكرة إن" الأمة الأمريكية في حالة حرب " وفي ظل تفشي ظاهرة الخطر المختلق للتعبئة السياسية كوننا في حالة حرب فان الأمة سوف لن تغير قائدها في منتصف الطريق.
ومن اجل تبرير "الحرب على الإرهاب" اختلقت الإدارة الأمريكية مؤخرا قصة تاريخية خاطئة والتي يمكن أن تصبح بدرجة نبوءة حقيقية، بالإدّعاء بأنّ حربها هذه مشابهة لكفاح الأمة الأمريكية ضدّ النازية وبعدها الستالينية (بينما تنكر حقيقة إن ألمانيا النازية وروسيا السوفيتية كانتا قوتين عسكريتين من الدرجة الأولى , بينما القاعدة لا تملك تلك المنزلة وغير مؤهلة لتكون بمستواهما)، كما إن هذه الإدارة يمكن أن تهيّئ الرأي العام للحرب مع إيران. وحرب مثل هذه ستدفع أمريكا إلى نشر نزاعها ليغطي العراق، وإيران، وأفغانستان وربما أيضا باكستان.
إنّ ثقافة الخوف مثل "عفريت" اخرج من قمقمه ليتحكم بمصائرنا ، ويمكن أن يصيبنا بنوع من الإحباط، فأمريكا اليوم ليست الأمة الواثقة والمعتزة بنفسها التي ردّت على هجمات بيرل هاربر؛ ولا هي أمريكا التي تستمع الى الكلمات القوية والرصينة من زعيمها في لحظة الأزمات ولا هي أمريكا الهادئة التي شنّت الحرب الباردة بإصرار على الرغم من علمها بان الحرب الحقيقية يمكن أن تبدأ فجأة وخلال دقائق تودي الى موت 100 مليون أمريكي خلال ساعات قليلة فقط. نحن مقسمون الآن، قلقون معرضون فعلا للرعب في حالة عمل إرهابي اخر في الولايات المتّحدة .ولعل الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه"، تلك هي نتيجة خمس سنوات من غسل دماغ الأمة المستمر على موضوع الإرهاب، على خلاف ردود الأفعال الصامتة لعدّة أمم أخرى مثل (بريطانيا، إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا، اليابان،) التي عانت من الأعمال الإرهابية المؤلمة أيضا. وفي تبريره الأخير لحربه على العراق، يدّعي الرّئيس بوش بسخافة بأنّه يجب أن يستمرّ بشنّها خشية أن القاعدة تعبر الأطلسي لتشنّ حرب الإرهاب هنا في الولايات المتّحدة.
التسويق أو التأجيج لمثل هذا الخوف قد تبناه مقاولو الأمن تماماً، والإعلام المضلل لتحقيق أهدافهم الخاصة، ومقالوا الإرهاب أنفسهم يوصفون عادة بأنهم خبراء في الإرهاب لتبرير ضرورة وجودهم. لذلك مهمّتهم هي أن إقناع الجمهور بأنه يواجه تهديدات جديدة، عبر تسويق سيناريوهات لأعمال العنف المرعبة دائما. وأصبحت أمريكا مذعورا وغير آمنه. ففي دراسة نشرت مؤخرا ذكرت بأنّه في بداية عام 2003، حدد الكونجرس 160 موقعا كأهداف وطنية مهمة يمكن أن يطالها فعلا ألإرهابيون المنتظرون وبتسويق من المنتفعين وعند نهاية تلك السنة أصبحت القائمة تضم 1,849موقعا؛ وبنهاية عام 2004، ارتفعت إلى 28,360؛ وبحلول عام ـ2005، ازدادت إلى 77,769. وألان أصبحت قاعدة البيانات الوطنية للأهداف المحتملة حوالي 300,000 موقعا ، ومنها برج Sears في شيكاغو وغيرها.
في الأسبوع الماضي ، هنا في واشنطن، وأثناء زيارتي لمكتب صحفي، كان يتوجب علي أن أعبر أحد "الفحوصات الأمنية" السخيفة التي انتشرت في كلّ العمارات والمكاتب الخاصّة تقريبا في العاصمة وفي مدينة نيويورك طلب مني حارس الأمن بملء استمارة، وإبراز بطاقتي الشخصية وكتابة الغرض من زيارتي. هل الزائر الإرهابي يكتب بأنّ الغرض من زيارته هو "لتفجير البناية"؟ هل الحارس قادر على اعتقال مثل هذا الانتحاري المنتظر؟ ولجعل القضية أكثر سخافة فان مخازن التسوق الكبرى التي تعج بحشود المتسوقين، و قاعات الحفلات الموسيقية أو قاعات السينما لا تتبنى إجراءات مشابهة. رغم ذلك فان إجراءات "الأمن" أصبحت روتينه، تكلف مئات الملايين من الدولارات بل أكثر من ذلك تساهم في تحييد عقليتنا.
الحكومة الأمريكية وعلى كلّ مستوى حفّزت الذعر. على سبيل المثال، لوحات الإعلانات الإلكترونية على الطرق السريعة بين الولايات تحثّ السوّاق لـ"الإبلاغ عن النشاط المريب" (للسواق الذين يرتدون العمائم؟ ). وبعض وسائل الإعلام ساهمت بطريقتها الخاصة، فقنوات التلفزة وبعض أجهزة الإعلام المطبوعة أوجدت سيناريوهات الرعب التي تجذب المشاهدين، قد صورت "خبراء" الإرهاب "كمستشارين" يفسرون صحة الرؤى الإيحائية لتغذّية عقل الجمهور الأمريكي. لذلك انتشرت البرامج عن"الإرهابيين" الملتحين وتصويرهم كالأوغاد. وغرضهم من هذا هو تعزّيز الإحساس بالخطر المجهول الذي يهدد حياة كلّ الأمريكان.
لذلك مسلسلات وأفلام التلفزيون يظهر فيها الأشخاص الشريّرون ذوو ميزّات عربية سهلة التمييز، مدعمة أحيانا بالدوافع الدينية، التي تستغلّ القلق العامّ وتحفّز الخوف من الإسلام(إسلام فوبيا). والأفكار الشائعة عن السحنة العربية، خصوصا في الرسوم الكارتونية، أحيانا أعيدت في إسلوب من المحزن يشبه الحملات ضد النازية المعادية للساميّة. مؤخرا، حتى بعض منظمات طلبة الكليات أصبحت مشتركة في مثل هذه الدعاية، غافلة على ما يبدو على الربط بين تحفيز الكراهية العرقية والدينية وإطلاق العنان للجرائم الذي لم يسبق لها مثيل منذ المحرقة النازية.
الأجواء التي ولّد من رحم "الحرب على الإرهاب" شجّعت المضايقة القانونية والسياسية للعرب الأمريكان (خصوصا الموالون لأمريكا). ومن الأمثلة المعروفة هي محاولة مجلس العلاقات الأمريكية- الإسلامية (CAIR) الفاشلة بمنافسة لجنة العلاقات العامة الأمريكية -الإسرائيلية حيث وصف بعض النوّاب الجمهوريين أعضاء CAIR ك"معتذرون إرهابيون" ودعوا الى عدم السماح لهم باستعمال غرف اجتماعات الكابيتول. التمييز الاجتماعي، على سبيل المثال ضد المسلمين المسافرين جوا ، كان أيضا من نتاجها العرضي غير المقصود. ومن غير المستغرب، أن تسود روح عدوانية ضد الولايات المتّحدة حتى بين المسلمين الذين لا تربطهم علاقة بصراع الشرق الأوسط، وبهذا فان سمعة أمريكا كراعية للتعددية العرقية والدينية قد تضررت وبشكل فضيع.
إنّ الوقائع تشير الى مضايقات أكبر فيما يخص الحقوق المدنية. فثقافة الخوف قد تولد التعصّب،والشكّ بالأجانب وتبني الإجراءات القانونية ضدهم تقوّض الأفكار الأساسية للعدالة. مقولة المتهم بريء حتى تثبت إدانته تم تجاهلها بل ألغيت، حتى مع البعض من المواطنون الأمريكان الذين سجنوا لفترات طويلة بدون الحصول على الإجراءات القانونية المستحقّة. ليس من المعلوم بالدليل القاطع بان هذه الإجراءات منعت أعمال إرهابية هامّة، والاتهامات الموجهة للإرهابيين المنتظرين من إي نوع كانت قليلة وغير مترابطة مع بعضها . يوما ما سيخجل الأمريكان من هذا السجل والعيش في هذا الرعب غير المسبوق في التأريخ الأمريكي الذي يدفع فيه للتعصّب ضدّ بضعة منه.
في الوقت نفسه حطمت، "الحرب على الإرهاب" مكانة الولايات المتّحدة عالميا. فبالنسبة للمسلمين، التشابه في المعاملة القاسية من قبل الجيش الأمريكي للمدنيين العراقيين وللفلسطينيين من قبل الإسرائيليين ، أدى الى إحساس كبير من العداوة نحو الولايات المتّحدة. ليس "الحرب على الإرهاب" هي التي تغضب المسلمين -الذين يراقبون الأخبار على التلفزيون- بل كون إن الضحايا هم المدنيون العرب. والاستياء لم يقتصر على المسلمين فقط . ففي استطلاع للرأي أجرته محطة بي بي سي أخير شارك فيه من 28,000 شخصا من 27 بلدا بين إن الولايات المتحدة قد صنفت من أكثر الدول سلبية على المستوى العالمي.
كان يمكن أن تؤدّي أحداث 9/11إلى تضامن عالمي فعلي ضدّ الإرهاب والتطرّف. تحالف عالمي من المعتدلين، ومنهم المسلمون، يشن حملة لتحديد واستئصال شبكات إرهابية معيّنة وإنهاء النزاعات السياسية ،التي تولد الإرهاب المستمر،لكن الولايات المتحدة وبطريقة انفرادية وغير منطقية شنت حربها الإرهابية ضد "" الفاشية الإسلامية"" واعتبرت نفسها الوحيدة القادرة على ضمان الأمن العالمي، وبهذا سوف لن تترك مجالا للحوار السياسي مع " الإرهابيين"
أين ذالك الزعيم الأمريكي المستعدّ للقول، "كفى لهذه الهستيريا، ويوقف هذا الذعر "؟ حتى في مواجهة هجمات إرهابية في المستقبل، وهو احتمال لا يمكن إنكاره ، دعنا نرى شيئا معقولا. دعونا نكون صادقين مع تقاليدنا.
الكاتب:
Zbigniew Brzezinski، مستشار الأمن القومي للرّئيس جيمي كارتر
http://www.informationclearinghouse.info
#كهلان_القيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟