أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حصان فلسطيني أحمر














المزيد.....


حصان فلسطيني أحمر


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 2212 - 2008 / 3 / 6 - 09:52
المحور: الادب والفن
    


حصان
بالأمس رأيت بين الحقول حصانا أحمر ، كان يقف في هواء أحمر خفيف فظننت أنه حلم لأنه لم يسبق لأحد أن شاهد حصانا بهذا اللون ، ولم يأت ذكر شيء كهذا ، فالخيول تولد بيضاء وسوداء ورمادية وشهباء وبنية وصفراء إلا ذلك اللون . خطوت خطوة واحدة بحذر شديد في اتجاه الحصان الذي كان يشبه بقعة دم كبيرة في الأفق الساكن ، لكن ما أن تحركت حتى رفع الحصان قائمتيه الأماميتين عاليا في الجو متراجعا ملفوفا بهالة من الهواء الأحمر الخفيف. تجمدت مكاني فعاد الحصان إلي وقفته الهادئة، ومال برقبته على الأرض يلوك أعشابا حمراء ، ثم انعطف نحوي قليلا فشاهدت عينين واسعتين مثل فنجانين ممتلئين بالدم، ولا شيء آخر.
في المساء حكت لي جدتي كيف ولد ذلك المهر الذي أصبح حصانا أحمر، وكيف كتب عليه أن يلوك أعشابا حمراء وأن يشرب ماء أحمر وأن يستريح تحت سحب حمراء يغشاها نعاس الوحشة، وكيف راح الحصان يظهر على التلال في الليالي المظلمة. حكت لي أن الخيل توافدت من كل بقاع الأرض ذات يوم واجتمعت في غابة كبيرة لتتفق أخيرا على أنها مهددة بالزوال ما لم يبزغ من بينها حصان يلهم الخيول الصابرة عشق الحرية، على أن يكون أحمر اللون فيصبح مرئيا من أي مكان أو زمان. قالت الخيول، لكن حصانا بهذا اللون بحاجة إلي بحيرات من الدم عاما بعد عام ، يغطيه من قوائمه حتى رقبته وعرفه ثم ينزلق من صدره العريض إلي جنبيه. حصان كهذا يلزمه عشرات السنين ليبقى لونه ثابتا في جلده وذاكرته وعينيه . حصان كهذا لابد أن يولد في حريق يلقنه ألا يأكل سوى أعشاب حمراء، وألا يشرب سوى ماء أحمر ، وأن يقف في الحرائق ليلعق ظلالها الحمراء من فوق الأرض الساخنة . وعندئذ لن يمحو لونه لا ماء ولا مطر. حصان كهذا قالت الخيول سيكون وحيدا جدا ، لا مهرة ترافقه، ولا ولد ، لكنه إذا صهل فوق الجبال أو بين التلال أيقظ الخيل كلها .
قالت جدتي وهي تفرك يديها فوق الحطب المتقد وقد ولد ذلك المهر في غزة ، لأنه لم يكن هناك مكان في العالم مثل هذه المدينة الصغيرة تجري فيه الدماء بهذه الوفرة والغزارة ، فيها تتساقط الصبايا كل يوم والفتيان وفيها وحدها يقتل الأطفال الرضع كل ساعة، فيلفهم من بقى في الحريق على قيد الحياة ، ويقدمهم للأرض مثل باقة ورد . هكذا كان المهر إذا سار في أزقة غزة بين البيوت والدكاكين المهدمة تشبعت قوائمه بالدم ، فإذا ركض إلي الميادين غطت دماء ورش العمال وأفران الخبز صدره ورقبته ، وحين يركض بعيدا إلي الحقول تغمر الدماء رأسه .
هكذا ظهر الحصان الأحمر. وعندما علمت الخيل بالنبأ أخذت تشق طريقها إليه من تل الزعتر ودير ياسين وبحر البقر وصبرا وشاتيلا ورفح وجنين ورام الله والجولان وشبعا والفالوجا ، تنقل إليه دماء تلك النواحي ، لأنها تعلم أن حصانها مازال بحاجة إلي ما يشربه لكي يكون لونه الأحمر ثابتا إلي الأبد. إنك تنظر إلي ذلك الحصان متوهجا بعيدا ولا تدري كم هو وحيد ومنهك من عذابه ، ومن قدره الذي كتب عليه أن يكون نادرا ، وأن يتحمل في سبيل ذلك ألما فوق طاقة الخيل كلها على الصبر. فإذا تمكن أحد – وهذا مستحيل – من امتطاء صهوة ذلك الحصان ، فسوف يرى العالم كله باللون الأحمر : الأشجار الخضراء تصبح حمراء ، الثلوج البيضاء ، السماء الزرقاء ، وحتى القمر بلونه الأبيض الفضي يصبح أحمر . ولكي يزول عذاب ذلك الحصان وألمه لابد له أن يكف عن التوهج في الليل وأن يكف عن صهيله الذي يوقظ به الخيول من فوق الجبال ، وأن يفرغ كل ما في قلبه وجوفه من دماء وذكريات سنوات طوال إلي أن يصبح مثل الخيول الأخرى يشرب ويأكل مما تأكل، ينام مثلها في الحظائر، ويحرث حقلا، أو يجر عربة، ويستريح من لون الحريق.
***
أحمد الخميسي . كاتب مصري
[email protected]



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدثونا الان عن السيادة المصرية !
- فيلم - حين ميسرة - عندما يولد الفن ولا يعيش
- مقالات د. محمد مندور
- أبوتريكة يسجل هدف التعاطف مع غزة
- الدب الروسي يثير القلق
- الشاعر أحمد حجازي و - استحالة حوار -
- بنات علم وكرامة
- البكاء على الأشرطة الأمريكية
- رحيل رمسيس لبيب
- فرصة سعيدة
- تشيخوف والمثقفون .. نص لم ينشر
- الخطر الذي يهدد الصحافة المصرية
- في محبة الوهم
- من أطلق لرصاص على هند علام .. لكي أشكره ؟
- من أطلق الرصاص على هند علام ..لكي أشكره ؟
- من الأردن إلي شيكاغو
- سلاطين المماليك وخيال الظل
- روايات الكاتبة الروسية ناتاليا فيكو
- الدولة والإخوان في مصر
- احتباس حراري واجتماعي


المزيد.....




- اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
- مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و ...
- إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
- مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي ...
- تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر ...
- تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها ...
- مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي ...
- السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم ...
- إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال ...
- اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حصان فلسطيني أحمر