أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - المخرج فؤاد جلال في إطلالته الجديدة. . من البنفسجي إلى الأسود القاتم















المزيد.....

المخرج فؤاد جلال في إطلالته الجديدة. . من البنفسجي إلى الأسود القاتم


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 686 - 2003 / 12 / 18 - 05:05
المحور: الادب والفن
    


كدأبه في أفلامه التسجيلية السابقة " إغتيال الأهوار"، " الناصرية" و" المحطة الأخيرة "، يعوّل المخرج فؤاد جلال ميران، على شَحْنِ فيلمه الجديد " رحلة يعقوب من البنفسجي إلى الأسود القاتم " برموز، ودلالات، وشفرات، بصرية لا تخلو من محمولات فكرية وإنسانية تشد إنتباه المتلقي، وتضعه أمام مساءلة جدية لا يستطع الفكاك منها بسهولة ما لم يبُحْ بموقفه، أو يصطف إلى جانب الحقيقة، ويؤازرها، أو يضحي بالغالي والنفيس من أجلها. في فيلم كهذا، مُثقل بالرموز، والإحالات، وحتى الطلاسم ربما، لابد من تفكيك الإستعارات، واللغة المجازية، وماتنطوي عليه من دلالات بصرية لم يأتِ بها عفو الخاطر، وإنما جاءت نتيجة بنية مدروسة يرتكز عليها العمل الفني برمته. فبدءاً من اللقطة الافتتاحية نرى فؤاد ميران قد حوّل خارطة العراق إلى جهاز بيانو يعزف عليه أحزانه، وأشجانه، وأحلامه، وهمومه، ومِحَنُه، ومصائبه التي تحولت من مصائب فردية إلى مصائب جماعية. ثم تستقيم خارطة العراق وكأنها إنسان ينهض من كبوته، فتنطلق الأسهم الرمزية، الدالة، المعبِّرة، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال لتتلاشى في المدى المفتوح. بعدها يفاجئنا بأربعة خفافيش تنطلق تباعاً من قلب الخارطة لترتطم ببصر المشاهدين. والخفّاش كما هو معروف من الكائنات الغريبة التي تنام بالمقلوب، تهجع نهارا، وتستفيق ليلاً. الصورة الأولى التي تصدم المتلقين هي صورة الشاب الكردي الأعمى يعقوب الذي شُوهت عيناه تحديداً بفعل إنفجار قوي لأحد الألغام المزروعة على مشارف مدينة حلبجة. هذه الصورة الدرامية تضع المشاهد في قلب الحدث مباشرة من دون الحاجة إلى مقدمات. ومع ذلك فقد إستعان كاتب السيناريو، وهو المخرج ذاته، بقصة ذات حبكة درامية تتنامى منذ الإستهلال. فهذا الشاب المنكسر " يعقوب " كان يغالب ضجره باجترار ذكريات الطفولة، وهي ذكريات ملونة ذات بعد بصري واضح. وحتى أحلامه الرومانسية كانت أحلاماً بنفسجية. فهو يحب هذا اللون منذ الطفولة. يتحدر هذا الشاب من عائلة فقيرة، مُعدمة. وبعد إصابة والده بمرض عضال تقرر العائلة مغادرة بغداد والعودة إلى مدينة حلبجة. وهناك يحسم الأولاد أمرهم، رغم صغر سنهم، بأن يأخذوا على عاتقهم تحمّل أعباء الحياة المعيشية. وبعد وفاة والدهم يواصلون مشوار حياتهم القاسية حتى يوم الكارثة، حيث يخيّم الموت والرعب والدمار على الجميع. في أول الليل يقرر هذا الشاب أن يغادر المدينة هو وأخوه وأخته الصغيرة. وعندما تتلاشى المدينة خلفهم يرون الطائرات المُغيرة بأم أعينهم وهي تدّك المدينة الوادعة بالصواريخ، والقنابل الكيمياوية، والغازات السامة التي أتت على كل شيء في الحال، بحيث لم تسلم أسراب الطيور والعصافير التي تحلق في سماء المدينة، كما لم تسلم حتى الحيوانات المختبئة في جحورها. كانوا يخشون السير في الطريق العام خوفاً من أن تستهدفه الطائرات وقنابل المدفعية الثقيلة، لهذا كانوا يلوذون بالممرات والنياسم الضيقة التي تظللها الأدغال، وتسترها الأشجار المتناثرة في السفوح والوديان المحيطة بالمدينة. في آخرة الليل تاهوا، وتاه بهم الطريق، وإذا بهم يجدون أنفسهم في حقل للألغام. يصرخ هذا الشاب من أعماقه يا لحظِّنا العاثر. لقد هربنا خوفاً من الموت بالأسلحة الكيمياوية، وإذا بحقول الألغام تحاصرنا من كل حدب وصوب! في تلك اللحظة المرعبة إنفجر أحد الألغام تحت قدم أخته الصغرى فتناثرت أشلاؤها في الفضاء، ومات أخوه في الحال، بينما سقط هو غيبوبة ضبابية لم يفق منها إلا بعد أن لسعته سياط البرد القارص، فشعر بالدم المتخثر يغطي جسده، ووجهه. وإستفاق تماماً حينما شمَّ رائحة الدم الذي إختلط بدماء أخته وأخيه. فصرخ من أعماق القلب " يا إلهي ماذا حلَّ بنا " نادى بأعلى صوته على أخته وأخيه فلم يرجع سوى صدى صوته المخنوق بالعبرات. حاول أن يفتح عينيه، لكن جداراً من الظلام كان يفصل بينه وبين المدى الممتد أما فضاء الرؤية. حاول أن يفتش عنهم بيديه، لكن دون جدوى. لقد أيقن أنه فقد البصر. لم يستطع أن يفعل أي شيء. كما لم يستطع أن يجد أي شلوٍ من أشلاء أخته الصغيرة، أو يتعثر بجثمان أخيه الذي لم يبرد بعد. لقد أيقن أنه أصيب بالعمى الكلي، فسلّم أمره لله، وشعر أن العالم قد إنتهى بالنسبة إليه وتحولت تلك الأحلام البنفسجية إلى هوة دامسة الظلام. إن ترحيل الدلالة هي اللعبة الفنية التي يعوّل عليها المخرج فؤاد ميران، فالعصا التي كانت تُستخدم لقرع الطبول " كدالة على الفرح " قد تحولت إلى عكاز يتوكأ عليها يعقوب الأعمى " كدالة على الحزن ". حتى الضربات الإيقاعية للعكاز على بلاط أرضية المستشفى، أو السلّم الحجري لها أكثر من مدلول. فهي محاولة للمزاوجة بين المنحى الإيقاعي الصوتي، والمنحى الإيقاعي الصوري، والمنحى الإيقاعي النفسي الذي يغلي في أعماق بطل الفيلم يعقوب الأعمى. هكذا إستطاعت " المونتيرة وصاحبة الفكرة " سابينا هونزﻨﮔر أن تُمسِك بالعصب النابض لمأساة هذا الشاب الذي فقد بصره، وإشراقة روحه في آنٍ واحد، بعدما مُني بفقدان أخويه بطريقة مروّعة. إن تقطيع الفيلم، أو بالأحرى تعزيزه بالعديد من الصور المؤثرة، والباعثة على الأسى والحزن، قد منح الفيلم مدلولات إضافية قوية، واقعية، لا رتوش فيها، لكنها ليست إعتباطية، لأنها لا تريد أن تبتز المُشاهد، ولا تستدر عواطفه، ولا تستثير شجونه. أي بمعنى أن الرؤية المونتاجية كانت قائمة على بنية فنية، رصينة، محسوبة النتائج، مثل توالي ظهور صور الأطفال، والفتيات، والفتيان، والنساء بأيدي مقطوعة، وأرجل مبتورة، وصدور محفورة بإصابات بشعة، ووجوه مغطاة بالضمادات. أو ظهور الأيدي والأرجل الإصطناعية ملقاة في زوايا المنزل. هذا الظهور المتتالي المدروس فنياً فاقَمَ من تأطير المحنة، وتقديمها بطريقة فنية مقنعة لا تحتاج تضخيم أو مبالغة. إن التباطئ التدريجي لإيقاع رقصة " الهيوة " السريع، وتحوله المفاجئ إلى إيقاع صادم لضربات العكاز على الأرض المرمرية يقودنا إلى أكثر من تأويل. فرقصة " الهيوة " البصرية كانت بالنسبة للعراقين دلالة للفرح والسعادة، مثلما عصا قرع الطبول التي تحفّز على المرح والإبتهاج، وتقود الراقصين والمغنين إلى النشوة والحبور، في حين تلاشت هذه الرقصة البصرية ذات الإيقاع الخفيف إلى إيقاع ضربات عكاز مؤسية لابد أن تثير الشجن، وتفضي إلى حزن ممّض. هذا التسارع والتباطئ الإيقاعي يذكّرنا بفيلم " ثورة المكن " للمونتير المصري المعروف عادل منير الذي نجح في أن يجعل من " الآلة " بطلاً. فحينما يعلو صوت جمال عبد الناصر، يعلو صوت المارشات العسكرية، ويرتفع الضجيج، ويتسارع إيقاع الآلات والمكائن، وحينما يخفت صوت جمال عبد الناصر، ينخفض إيقاع المارشات العسكرية، ويخّف الضجيج، ويتلاشى إيقاع المكائن شيئاً فشيئاً كتعبير عن ثنائية الإنتصار والهزيمة. نستطيع القول أن فؤاد ميران قد نجح رصد هذه الكارثة الكبيرة وتجسيدها من خلال فجيعة أسرة عراقية واحدة هي رمز حقيقي، وصادق لكل الأُسَرْ العراقية.  وجدير ذكره أن فؤاد جلال هو خريج قسم التمثيل والإخراج المسرحي في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1977، ومن أبرز الأعمال المسرحية التي أخرجها هي " أميبيا" و " جلستك يا أبا الجلسات" و " أثينا تحتضر " و" ساليري وموزارت ". وهو منهمك الآن في تصوير برنامج ثقافي شيّق يتخذ من موضوع " صدام الحضارات " لصموئيل هانتنغتون محوراً له، وقد صوّر العديد من حلقاته في بعض العواصم الأوربية. 



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد الأمين في ديوانه الأول - فوانيس عاطلة أيامه -. . . صور ...
- قصائد باسم فرات. . . بين تقنية النص المفتوح وبنية التبئير
- تمظهرات الجانب الديونيسي في تجربة الفنان علي طالب: وجوه تتفا ...
- الفنان ستار كاووش في معرضة الشخصي الثالث عشر: بين التكعيبية ...
- علامات - في عددها الأول . . شجرة واحدة لا تصنع ربيعاً، ونجمة ...
- ما مصير النساء الكرديات اللواتي أُجْبِرنَ من قبل النظام البا ...
- ندوة ثقافية عن مجلة - أحداق - في إطلالتها الأولى
- أحداق - فضاء للمخيلة المجنّحة، ومنبر لصياغة الخطاب الجمالي م ...
- مهرجان روتردام للفيلم العربي
- اجتماع الناصرية وردود فعل الشارع العراقي
- تداعيات إشهار الورقة الصفراء بوجه اللاعب السوري
- مساقط ضوئية تعري الوجوه المشتعلة بالرغبات السريّة
- العراقيون مع الحرب وضدها في آنٍ معاً
- عبادة الآلهة المزيفة
- سقوط النمر الورقي
- الدعاية والدعاية المضادة في الحرب على العراق
- سيئول ستشترك في الحرب ضد العراقمن أجل تعزيز علاقاتها بواشنطن
- مسرحية - المتشائل - في لاهاي
- حفل فني لمارسيل خليفة في هولندا
- منتدى الصحفيين العراقيين في ملتقاه الثاني. . توصيات، وميثاق ...


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - المخرج فؤاد جلال في إطلالته الجديدة. . من البنفسجي إلى الأسود القاتم