أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريما كتانة نزال - إلى اللقاء …. فدوى طوقان















المزيد.....

إلى اللقاء …. فدوى طوقان


ريما كتانة نزال

الحوار المتمدن-العدد: 686 - 2003 / 12 / 18 - 05:43
المحور: الادب والفن
    


جنازة سيدة الشعر كسرت القاعدة ، فلم يكن الغاوون من تبعوا نعش الشاعرة الكبيرة، بل كانت نابلس بتنوعها الديني والثقافي والعائلي ، نساء ورجال ساروا جنبا الى جنب في مشهد حضاري غاب طويلا عن وجه المدينة العريقة ، تستحضره فدوى طوقان وهي أحد معالمها المميزة كجبالها وأقواسها وحمامتها وكنافتها وأزقة مدينتها القديمة ، جمعت فدوى مجددا جميع محبيها ليستمعوا الى قصيدتها الاخيرة ، فقصائدها طالما ألهبت مشاعرهم واذابت قلوبهم في وقت كان الحب يهرب خلسة كالممنوعات بين القلوب ، فانتظم الحزن خلف النعش على وقع موسيقى بطيئة المفردات ، تمسك سرعتها وانطلاقتها القلوب ، ترجوها إيقاعا أبطأ ، فلا أحد يريد أن ينتهي المشهد، الثقافي النادر مؤخرا لمدينة تشقى تحت ضربات الاحتلال المتواصلة ، وتعاني بذات الدرجة من قسوة أبنائها عليها ، ما من أحد يريد ان يودع السيدة التي شعر الجميع بشكل ما بأنه يمتلكها ، وبانها جزء منه ومن تجربته ، ويطمع ان تتواصل القصيدة الأخيرة ويطول زمنها ردحا ليكفر عن جفائه للشعر وللشاعرة ويعتذر عن انشغاله عنهما ، السيدة متفهمة تماما فهي متواضعة بطبعها ، وسقف مطالبها لم يكن يوما محلقا كشعرها ، لذا انسحبت بهدوء من الحياة كما تسللت إليها بروية.

نعم ،انسحبت فدوى طوقان من حياتنا ، لكنها لن تنسحب من الحياة ، خمدت أنفاسها لكن صوتها لن يخمد، فهي راية من رايات الإصرار ، وهل لصوت الشعر الذي يندغم به الحب الشاعري مع حب الوطن ان يخمد… سكنت حركتها ولكنها كرمز من رموز التحدي والإصرار لن تسكن ، وهل لرموز الشجاعة التي لم تخدش رمزيتها ان تتوقف عن الفعل والتأثير ، وستبقى مصدر الهام لكل المظلومات ممن ترفع أمامهن الأسوار بشجاعتها وتقدمها الصفوف دون تردد أو حسابات صغيرة ، فلم تكن تبحث عن الشهرة بل كانت تقدم نفسها بخفر الفتيات، ولم تقتحم الحياة العامة عنوة ، بل دخلتها كشاعرة ومن خلال النموذج الذي قدمته ومثلته ، نموذج تثقيف الذات ، نموذج التمرد الواعي ، نموذج المطالبة بالتحرر كقضية اجتماعية عامة، نموذج الانتصار على التقاليد البالية والمفاهيم الرجعية بالعلم والحرية ، علمتنا كيف نحفر الصخر بالأظافر ، وكيف للجرح ان يتألق ويكون حاضنة للإبداع ، علمتنا كيف نستمع لخفقان القلب ولفناء المقاومة فهي امرأة منسوجة بخيوط الحب، علمتنا كيف نجتاز الماضي وان نمتلك الحاضر والمستقبل بامتلاك نسغ الحياة، علمتنا كيف نعتز بقاماتنا دون افتعال او ادعاء.

يا فدوى …

سألتك مرة منذ عام ونيف ماذا تتمنين …قلت موت مفاجئ … وما الذي يبكيك رغم إعلانك بلا للبكاء … قلت شيئان لا زالا يدفعان الدمع الى مقلتاي ولا أتمالك نفسي أمامهما.. الجمال والجموع الجماهيرية … أنت في نعش فوق الرؤوس .. بإمكانك البكاء .. فالجمع الذي خرج خلفك ربما فرقته السياسة والألم المبرح ، لكن جمال الثقافة جمعهم لاجل دموع عينيك..

يا فدوى ..

اقسم بأنك فرحة لان إبراهيم قد عاد من جديد ليأخذك بيديك في رحلتك نحو الخلود ، بل انه آثر ان يعود بك الى حارة الياسمينة ليطوف بك أرجاء الدار العتيقة لوداع غرفها وساحاتها التي شهدت على خروج المارد من القمقم ، فلم يعد هناك مكان للخوف من السيطرة والسطوة الذكورية الخانقة ، ولم تعودي تخشين ولوج قاعات الحريم فعندما سألتك حول ماذا تفعلين لو عاد بك الزمن الى الوراء … أجبت ارغب ان أشكل حياتي بطريقتي ،ولكني لا أستطيع فقدري وقدرهم في داخلنا وتكويني في أعماقي ، سيسلك بنا ذات المسلك … يأخذك إبراهيم الى مكتبة البيت الغنية التي أعانتك في التعلم بعد رحيل المعلم المبكر، أنت ممتنة لها فهنا تفجرت الموهبة وتطوع القدر .. اقسم بأنك طلبت اخذ بعض الأوراق من " اعطنا حبا" و " على قمة الدنيا وحدي" فهم الأعز للبقاء قرب القلب وفي رحم الأرض ، وحرصت قبل الخروج من الدار ان تضعي قليلا من احمر الشفاه وبعض المحابس للشعر المعقوص للخلف بكبرياء ، فهذه النزهة الأخيرة بين جرزيم وعيبال، وترغبين فيها بان تكوني في كامل أبهتك المعروفة بالملابس الزاهية ، إبراهيم يستجيب لكل طلباتك فهو الشاعر الذي صنع الشاعرة ، أنت أيضا ترغبين بمراجعة وهج القواميس وبرق القصائد والوقت لا زال يسمح لمزيد من الدروس فالموت لم يكن مفاجئا كما أردته ، اقسم بأنه تقدم الجنازة ، فهذه نابلس التي يعرفها لا زالت عصية ويخاف عليك السير وحدك في دروبها الوعرة ، فأنت رقيقة وضئيلة الحجم وأكاليل الزهر والفل تتبعك ولا زال يخاف عليك من زهر الفل اذا ما اقترب او اذا ما بادر احدهم بنثره عليك ، .. إبراهيم الفارس لن يتركك الآن في مبارزتك الأخيرة وحدك ، فالجبهة الاجتماعية لا زالت مفتوحة على مصراعيها ولكنك لست وحدك .

غياب فدوى وجنازتها يجب ان يفتحا الباب أمام نقاش المشهد الثقافي العام لمدينة نابلس وماذا حل به ، الجنازة تشي بوضوح بضعف الحركة الثقافية والتواصل الثقافي بين مختلف الأجيال ، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر ، وينبئ بأن الهوية الثقافية في خطر فالفئة العمرية المشاركة بموكب تشييع الشاعرة الكبيرة غير ممتدة ومحصورة وكانت خالية من جيل الشباب الذي هو رهان المستقبل ورافعة المجتمع ، المدينة تبدو ضيقة منطوية ومغلقة على ذاتها ، بعد ان كانت موئلا للثقافة والعلم منذ عقود مضت ، وحاضنة للمثقفين ومركز إشعاع بتصديرها للكتاب والشعراء والمؤرخين والباحثين ، نابلس اليوم تخلو من المسارح والسينما والمنتديات، والمراكز الثقافية نادرة ولا يقدم ثقافة جماهيرية ، وهذا يعني فيما يعنيه تأكيد على تراجع مفهوم الانتماء والمواطنة الذين يغذيا التنوع الثقافي وتقبل الآخر والديمقراطية ، واستشراء للثقافة المحافظة والشعبوية التي تقف سدا منيعا أمام الانطلاق الثقافي وانتعاش الحركة الثقافية ، ان تهلهل المشهد الثقافي وانزوائه إلى هذا الحد ليدعو مجددا كل المثقفين والمهتمين بقضايا الفكر والإبداع وكذلك القوى الديمقراطية والتقدمية ان يشحذوا هممهم ويعيدوا بناؤه بما يليق بنابلس، وبما مثلته في التاريخ القديم والحديث ، من صفحة مشرقة تبهج القلب والعقل ، وبما يليق بفدوى وإبراهيم طوقان وكل المبدعين الذين اصبحوا منارات للفكر والثقافة ، تخطوا حدود الزمان والمكان الى فضاءات واسعة وعوالم اكثر اتساعا ، ومعها رفعوا اسم مدينتهم ووطنهم.



#ريما_كتانة_نزال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجدل الدائر حول قانون العقوبات
- قراءة في أعداد شهداء انتفاضة الاستقلال والأقصى


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريما كتانة نزال - إلى اللقاء …. فدوى طوقان