|
غزة..إعادة إنتاج الديني سياسيا.
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 2211 - 2008 / 3 / 5 - 11:08
المحور:
القضية الفلسطينية
منذ مدريد قبل سبعة عشر عاما، ومؤتمرها الشهير1991، الذي أطلق عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، بعد تحرير الكويت من صدام حسين، الذي ما كان له أن ينعقد لولا انهيار النظم الشمولية للمعسكر الشرقي، وانتصار العالم الحر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. منذ ذلك المؤتمر الذي شكل إعادة صياغة للصراع العربي الإسرائيلي، من أجل إنهاء شقه الفلسطيني- الإسرائيلي بالدرجة الأولى، وهنالك معضلة إسرائيلية أساس لما تم ويتم من عنف ودم في المنطقة. إسرائيل غير قادرة على أن تتحمل تكاليف قيام دولة فلسطينية إلى جانبها. لازال المشروع الإسرائيلي لم يستطع أن يستوعب تماما أن مؤتمر مدريد وضع الحدود النهائية لدولة إسرائيل، وبذلك عليها الانتقال من دولة توسعية بثقافة دينية عصبوية، إلى دولة طبيعية. مع ما يفترض من تحولات بنيوية على صعيد المجتمع الإسرائيلي. وليس أدل على ذلك أن إسرائيل لازالت تطلق على الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة، يهودا والسامرة. لا يوجد مساحة فلسطينية في الأمكنة ذات البعد الرمزي الديني للمشروع الإسرائيلي. المكان بالنسبة لإسرائيل، ليس وطنا طبيعيا، بل هو مرفوع إلى رمزية تجمع هذا الشتات، وما جرى أخيرا من محاولة إعلان إسرائيل دولة يهودية إلا تأكيدا على أن المكان ليس بلدا أو دولة، بل هو رموز داخل نسق ديني. هذا النسق يشكل في الواقع بؤرة الاجتماع اليهودي في تلك الأرض. وما كان يمكن للحل الغربي من النجاح في قذف اليهود الذين لم يستطيعوا الاندماج حتى اللحظة في المجتمعات الغربية، قذفهم خارج جنته، التي كانت أوروبا، قبل أن تتحول أمريكا إلى جنة أخرى. ما كان لهذا الحل أن يتفعل دون رمز ديني. إن المشروع مقام على بؤرة مولدة للعصبيات. هذا الأمر حاول مؤتمر مدريد ومن بعده اتفاقيات أوسلو الذي ذهب ضحيتها إسحق رابين. بدأت بإلغاء الصفة الرمزية الدينية للمكان أو على الأقل لقسم من هذا المكان، الذي أسمه الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة. المكان في إسرائيل من الصعب إن لم نقل من المستحيل أن يفقد رمزه الديني. وهذه قضية سوف تتسبب بمزيد من الدم والعنف واللاستقرار. في الجهة المقابلة، حضور البعد الديني سواء عبر حماس أو غيرها من الفصائل، لا يتعلق حقيقة أيضا بأهمية المكان! مطلقا. المكان قاعدة لعصبوية دينية فقط، وليس له هذا البعد المقدس كما كان الحال لدى فصائل المقاومة الفلسطينية التقليدية، حركة فتح والجبهة الشعبية..الخ المكان هو دشمة لقتل الآخر الديني، لا أكثر ولا أقل. المكان هنا ليس فلسطين أو وطن للفلسطينيين أبدا بل هو عبارة عن قاعدة لوجستية تنطلق منها معارك الجهاد. لهذا لم تستطع حركة حماس أن تنقل قيادتها إلى الداخل، لأنها لازالت ترى بأن المعركة إسلامية- يهودية، والمكان غير مهم. المكان الذي استطاعت المقاومة التقليدية أن تحوله إلى وطن تقدم من أجله القرابين، أفقدته حالة السعار الإسرائيلي الحمساوي، هيبته الطبيعية.لهذا تواطأ الطرفان على قتل عرفات سياسيا وجسديا ربما، عرفات كان يريد وطن، ودولة صغرت أم كبرت، لكنه كان يريدها من أجل القاعدة- الدولة لجمع الشتات الفلسطيني، وليس من أجل الدولة- الدشمة. إسرائيل كما هي حماس لو تسنى لها ظرف لقتل الفلسطيني ومحي وجوده لما ترددت لحظة واحدة مطلقا، هذا جوهر الرمزية الدينية التي قام عليها المشروع الإسرائيلي.كان الوقوف بالطريقة التي تمت بها ضد اتفاقيات أوسلو، ونتائج مؤتمر مدريد، ثقافة عربية وصلت الأمور إلى ما وصلنا إليه، وهذا ما تريده إسرائيل. أربع نظم استفادت ولازالت تستفيد من بقاء هذا العنف، إسرائيل وإيران وسورية ومصر. ولكل أجندته، لو أراد الأشقاء في مصر منع السلاح عن حركة حماس لما تم دخول طلقة واحدة إلى قطاع غزة، هذا أمر نأسف قوله ولكنه حقيقة باتت دامغة ويعرفها الشرق والغرب القاصي والداني. إن دم هؤلاء الأطفال في غزة، في عنق هذا الرباعي الذي لازال لا يريد أن تصبح المنطقة مثلها مثل بقية مناطق العالم. إنهم اعتمدوا في وجودهم على العنف واللاستقرار، ولازال هذا السياق يخدم أجنداتهم الداخلية بالدرجة الأولى. قتل الأطفال بقصف عشوائي في يهودا والسامرة! يوافق تماما الانتحاري الذي لا يفرق في تفجير نفسه بين مكان وآخر. لأن المكان هو وسيلة دينية. أنه إدارة الفوضى وهذا ما حاول النظام الدولي التخلص منه عبر مؤتمر مدريد لكن هذا النظام كان الأضعف، ونتيجة للتناقضات التي لازالت متحكمة في الوضع الدولي، وتباين المصالح بين أقطابه، لم يستطع مواجهة هذا الرباعي الراسخ في العلم والسلطة. عندما يسارع ساركوزي من أجل إعادة إحياء ثقافة الهولوكست، يدرك تماما أن الصراع لم ينته بعد، وبحاجة لمزيد من التفعيل القداسي. على ساركوزي أن يعلم الأطفال الفرنسيين الآن: أن يحفظوا صورة وتاريخ طفل فلسطيني قضى في غزة تحت آلة حرب دينية، وهذه لا تحتاج كثيرا للعودة إلى التاريخ والأرشيف الذي يتم تأويله والتلاعب به، لأن الصورة أوضح من أي أرشيف. يبقى ملحوظة، إن المعسكر الذي يمكن أن نسميه معسكر السلام في إسرائيل، لازال أضعف من أن يواجه هذا النسق المهيمن رغم كل محاولاته الجادة.
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسة اجتهاد وليست قياس.
-
العنف... الصورة... المستقبل مقاربات لا تنتهي
-
جرائم الشرف ثقافة المشهد.
-
حوار مع ياسين الحاج صالح أزمة نقد أم نقد أزمة؟
-
الاعتقال والتخوين تعبير عن ميزان قوى.
-
فسحة بين إقصائين.سماح إدريس وفخري كريم.
-
الليبرالية والمشروع الأمريكي، فك ارتباط أم التصاق آني؟
-
إنه العار المطلق!
-
إعلان دمشق في ميزان ذو كفة واحدة!
-
على الحكومة اللبنانية تسليم سلاحها إلى حزب الله.
-
العقلانية واللاعقلانية، هل السلطة حيادية؟
-
أغنياء سورية، رفقا بها. إلى الدكتور عارف دليلة في سجنه.
-
المعارضة السورية بين التنوير والبراغماتية!
-
أكرم البني هل لديك شمعة وزجاجة؟ كي لا ننساهم!
-
دمشق توأم فيروز، فلا تترددي سفيرتنا إلى النجوم.
-
حوار السلطة أم سلطة الحوار؟
-
رسالة صريحة إلى الدكتور برهان غليون.
-
اليسار اللبناني ومطلب الدولة البرجوازي! إلى سمير قصير ورفاقه
...
-
خواطر: إلى راشد صطوف.
-
عقلية أمنية، من تحاور إذن؟حوار مع هيثم مناع.
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|