|
الاسطورة في الفكر الجاهلي
فيصل زوهار
الحوار المتمدن-العدد: 2211 - 2008 / 3 / 5 - 07:17
المحور:
الادب والفن
المعنى العربي لكلمة أسطورة:
الأساطير هي الأحاديث التي تفتقر إلى النظام ، وهي جمع الجمع للسطر الذي كتبه الأولون من الأباطيل والأحاديث العجيبة ، وسطر تسطيرا تعني أنه ألف وأتى بالأساطير . والأسطورة هي الأقوال المزخرفة المنمقة ، واستخدمت كلمة الأساطير في القرآن الكريم لتعني الأحاديث المتعلقة بالقدماء " قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ، إن هذا إلا أساطير الأولين " أي مما سطروا من أعاجيب الأحاديث وكذبها . وفي القرآن الكريم " وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا " . أما الخرافة فهي من خرف أي فسد عقله ، والخرافة هي الموضوعة من حديث الليل المستملح ، و( خرافة ) اسم رجل من قبيلة عذرة ، استهوته الجن فكان يحكي ما رآه ، فكذبوه ، وقالوا : ( حديث خرافة ) ، أو( حديث مستملح كذب ) ، ولم تذكر هذه الكلمة في القرآن الكريم ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها : قال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : حدثيني . قالت : ما أحدثك حديث خرافة . أما الشاعر العربي الجاهلي فربط بين المدلول الغيبي للكلمة ، ومعناها اللغوي ، قال :
حياة ثم موت ثم نشر حديث خرافة يا أم عمرو
الأساطير عند عرب الجاهلية:
من الصعب دراسة الأساطير العربية القديمة بشكل علمي ، لأن مصادر التاريخ قليلة وغير موضوعية ، والأدب العربي القديم ضاع بسبب عدم وجود الكتابة عند العرب ، ومعظم ما كتب عن تاريخ الجاهلية كان بين 500 و 622م أي مئة سنة قبل الإسلام ، وقد وصلتنا عن طريق النقوش والرواة أخبار متقطعة مبعثرة مثل الأساطير البابلية التي اكتشفت في الألواح السبعة ، ونقوش الساميين الشماليين ، والأدب العربي الذي نعرفه يتعلق بالجاهلية قبل الإسلام بفترة قصيرة ، حيث دونه الكتاب ووصلنا عن طريقهم مثل سيرة ابن هشام ، وأخبار عبيد بن شرية ، والإكليل ، وحياة ا لحيوان للدميري ، وفي كتب المتأخرين مثل الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني ، ومروج الذهب للمسعودي ، والأزرقي ، والبلخي ، والقز ويني ، والثعالبي ، والألو سي .
كانت الأسطورة عند عرب الجاهلية تمثل علاقتهم بالكائنات ، وآراءهم في الحياة ، ومشاهداتهم ، وكانت مصدر أفكارهم ، ألهمتهم الشعر والأدب ، وكانت الدين والفلسفة معا لم يستطع العربي الجاهلي أن يتصور ما وراء الطبيعة ، ولم يتخيل حياة بعد الممات ، وطبيعة بلاده الصحراوية جعلته يؤمن بالدهرية ، ويقدس الحجر ، والحيوان ، والأشجار . تأثر العربي الجاهلي بالوثنية البابلية ، وحين اشتهرت الأديان في شبه الجزيرة العربية ، تأثر بالأديان اليهودية والمسيحية ، وتأثر بآراء الصابئة خاصة في عبادة النجوم .
حسب آراء المؤرخين المهتمين بأنساب العرب ، يشترك العرب مع الفينيقيين والآشوريين والبابليين في أصولهم لأنهم يتشابهون في أجسادهم وعاداتهم ، ثم افترق العرب عنهم وصار لهم مميزات خاصة بسبب بيئة البادية . فالعرب هم بقايا الشعوب السالفة المبعثرة ، وحسب رأي الباحث رابرتسن سميث " إن الأمم التي تشعبت من أصل واحد قد تشترك في اتخاذ العقائد والشعائرالوراثية دينية أو غير دينية " . أثرت البيئة الصحراوية في الحجاز ونجد على طبيعة العرب ، فالأشجار نادرة ، والآبار والعيون قليلة ، مما جعل العربي الجاهلي يصبح اتكاليا ، يعتمد على القضاء والقدر ، وينتظر المطر ، ولا يميل إلى الأمور المعقدة ، وكان صافي الذهن يحب الكلمة الصريحة والبيان الواضح ، وقد وصف العربي القديم المرئيات بدقة ، ومالت غرائزه إلى المادة أكثر من المعاني والروح ، وعرف العرب بالعرافة التي تمثل طورا من تطور أوهام العرب بدأ من الطيرة والتفاؤل والتشاؤم ، وتطور حتى وصل إلى عبادة وتقديس الأصنام ، وصار العربي يستقسم بالأزلام ، والعرافة عند العرب نظرية مادية بحتة مبنية على الاستنباط من المحسوسات والعلامات ، وعرف العرب أيضا بالفراسة والقيافة ومعرفة الأثر . خلط الجاهليون معنى الدهر بالقضاء والقدر وتطورت هذه العقيدة حتى خضعوا لسلطان ( مناة وعوض ) ، وهي أصنام تعني الدهر ، فصار الدهر إلها من آلهة العرب ، وكانت غايتهم الخلود . وفي الأساطير العربية أن الملك ذو القرنين طمح إلى الخلود ، ووصل مع الخضر إلى عين االدهر ، يشرب منها الماء الذي يعطيه حياة أبدية ، لكنه منع من ذلك ، وطمح لقمان بن عاد إلى الخلود ، وارتبط خلوده ببقاء سبعة نسور على قيد الحياة آخر نسر اسمه ( لبد) ويعني الدهر ، لكن النسور ماتت واحدا تلو الآخر حتى جاء دور لبد الذي مات وانتهت حياة لقمان بموته .
كان خيال الجاهليين قادرا على توليد الأسطورة والخرافة بشكل تصوري ، فقد تصوروا الأشياء ، واسترجعوا التجارب وركبوا صورهم الشعرية المادية المحسوسة ، وتصورهم السمعي هام يظهر في الأساطير العربية ، وفكرتهم عن الأشياء الروحية تأخذ تصورا ماديا ، فقد تصوروا الروح في شكل الهامة ، والعمر الطويل في شكل النسر ، والشجاعة في شكل الأسد ، والأمانة في الكلب ، والصبر في الحمار ، والمكر والدهاء في الثعلب .
عرفت بعض مظاهر الطوطمية عند الجاهليين ، وهي تقديس الحيوان ويكون هو الطوطم ، وهناك قبائل تسمت بأسماء الحيوان ، مثل بني كلب ، وبني نعامة ، وظنوا أن الحيوان يحميهم كما يحمي الطوطم أهله ، وكانوا يكفنون الحيوان ويدفنونه مثل الإنسان ، ويحزنون عليه ، وتفاءلوا بالطير ، ونباح الكلاب على مجيء الضيوف ، وتشاءموا من الثور مكسور القرن ، والغراب ، فقيل : " أشأم من غراب البين " ، وعبدوا الشاة ، وغيرها من الحيوانات ، ولم يكن هناك حيوان مخصص لقبيلة بعينها . وتظهر الفكرة الطوطمية في تصور الجن حيث اعتقدوا أنهم خلقوا من بيضة ، وأنهم من نسل الحيوان ، وكذلك الغيلان والسعالى والهوام ، حسب قول المسعودي في " مروج الذهب " ، وتطورت فكرة الجن بحيث إذا تحولت السعلاة إلى صورة امرأة تبقى رجلاها مثل رجلي الحمار أو العنزة . ونسبوا الأفراد والقبائل إلى نسل الجن ، وقيل إن بلقيس ملكة سبأ وذي القرنين من أولاد الجن ، وكان الجن يمثلون قوة الشر التي يقاومها شجعان القبيلة مثل تأبط شرا ، ولم تكن الجن طوطما ولا أبا للعرب لأنهم خافوا منها .
وفي الأساطير العربية يمسخ الإنسان حجرا أو شجرا أو حيوانا ، جاء في ( عجائب المخلوقات) للقز ويني أن الصفا والمروة كانتا رجلا وامرأة ثم مسخا صخرتين ، وفي (حياة الحيوان) للدميري ورد أن أساف ونائلة كانا رجلا وامرأة فصارا صنمين ، وجاء في ( أخبار مكة) للأزرقي أن العربي لم يأكل الضب لأنه كان بظنه شخصا إسرائيليا مسخ ، وقال المقريزي في ( أخبار وادي حضرموت العجيبة) إنه كان بوادي حضرموت على مسيرة يومين من نجد قوم يقال لهم الصيعر يسكنون القفر في أودية ، وفرقة منهم تنقلب ذئابا ضارية أيام القحط ، وإذا أراد أحدهم أن يخرج إلى هيئة الإنسان تمرغ بالأرض ، وإذا به يرجع إنسانا سويا . واختلفوا في رؤيتهم للمسخ ، بعضهم زعم أن المسخ لا يتناسل ، ولا يبقى ، وبعضهم زعم إنه يبقى ويتناسل ، حتى جعلوا الضب والأرانب والكلاب من أولاد تلك الأمم التي مسخت في تلك الصور كما جاء في كتاب ( الحيوان) للجاحظ
ومن معتقدات الجاهليين أن الجبال تؤثر في الإنسان ، فجبل أبي قبيس يزيل وجع الرأس ، وجبل خودقور يعلم السحر . واعتبروا شجرة النخيل من أقربائهم ، وتصوروا أنها تشبه الإنسان ، وكان الجاهلي يجعل شجرة ( الرتم ) حارسا على زوجته أثناء غيابه ، وقد قدسوا الأشجار وعبدوها ، فكانت طوطما ، ورأوا روح الشر في بعضها مثل ( الحماطة ) وهي شجرة تشبه شجرة التين ، وعبد العرب كل ما يتعلق بالأشجار من أغصان وجذور وقشور ، وعبدوا العظم والريش والناب والمخلب والحافر والسن والظفر والحجر ، وقدموا لها القرابين ، واتخذوها تميمة تحميهم ، وكانوا يعلقون على الصبي سن ثعلب وسن هرة خوفا من الخطف والنظرة . وعبدوا النار وكانوا يرونها في الأشجار ، وبطون الأحجار ، والجبال
عبد الجاهليون الأصنام التي تحولت حسب العصر ، لكنها لم تصل إلى مرتبة الآلهة حتى القرن السادس قبل الميلاد ، لأن الجاهلي لم يكن يعتقد أن الصنم خلقه أو خلق الكائنات ، فكان تارة يقدسه ، وتارة يسبه ويشتمه ، وقد يصنع صنما من التمر ، وحين يجوع يأكله ، وتأثر الجاهليون بالوثنية البابلية والرومانية واليمنية ، فعبدوا الزهرة ، ومردوخ ، أو بعل إله الشمس والمطر والخصب مثل البابليين . وكلمة صنم أصلها آرامي ، فقد ورد عن أصنام تهامة أن لوح تهامة يذكر أسماء الأصنام الآرامية الثلاثة صلم وسنكال وعشرة ، وصلم هو بعل نفسه ، ولم ينحت العرب الأصنام بل جلبوها من الخارج ، وأشهرها ( هبل ) وهو إله الخصب ، وهو نفسه مردوخ في بابل ، ويسمى تموز أيضا في بابل ، وهو من أعظم الأصنام التي نصبتها قريش في جوف الكعبة ، وكان من عقيق أحمر على صورة إنسان مكسور اليد اليمنى ، جعلت له قريش يدا من ذهب ، وكان إله مكة والكعبة ، و(مناة) ويعني المنا أي القدر ، وكان هذا الصنم منصوبا على ساحل البحر بين المدينة ومكة ، وعبده الهذليون وعظمه كل العرب خاصة الأوس والخزرج . و( اللات ) وهي اسم للشمس وقد أخذها العرب عن النبطيين وكانت صخرة مريعة بيضاء في الطائف ، ونسبوا لها فصل الصيف . و( العزى ) ، وهي نفسها عشتار عند البابليين ، إلهة فصل الربيع والحب ، وكان لها تمثال أو رمز تحمله قريش في حروبها ، وسميت الزهرة ، ونجمة الصبح . و ( ود ) ويعني شجرة الحب في البابلية ، وقيل إنه صنم إغريقي الأصل لأنه يشبه الصنم ( إيروس ) إله الحب عند اليونان ، فكان تمثاله على شكل رجل يرتدي حلتين ، وقد تقلد السيف ، وتنكب القوس ، وبين يديه حربة وجعبة فيها نبل ، وقد استمرت عبادته من عصر النبي نوح عليه السلام حتى العصر الإسلامي ، وكان يمثل الحب عند الجاهليين ، وهناك أصنام أخرى لا يتسع المجال لذكرها ، ثم تأثر الجاهليون باليهود والنصارى ، ومزجوا وثنيتهم باليهودية ، فكان لكل قبيلة صنم يعبدونه ويحلفون به ، ويعتبرونه إلههم ، وهكذا نرى أن الجاهليين لم يعرفوا معنى التوحيد ، عدا بعض الأشخاص مثل ورقة بن نوفل ، وعبد الله بن جحش ، الذين اعتنقا المسيحية ، وغيرهم من الحنفاء ، حتى جاء النبي محمد (ص) برسالة الإسلام والتوحيد ، وعبادة الله الواحد .
#فيصل_زوهار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسطورة عند كامبل
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|