عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2210 - 2008 / 3 / 4 - 07:14
المحور:
الادب والفن
قال : " إن الليل ، هذه الليلة ، مؤاتيا للمعجزات " وهو يرش ، على صفحة الريح ، كمشة من الرمل ، فتجلتْ شيئا فشيئا امرأة مقمرة ، كتلك التي تخرج من رحم المعجزات ، واخذت تركض
بين الارواح المنشورة على المصاطب ، الارصفة ، وبين الاسلاك الكهربائية الملتفة حول أعناق الساحات ، وخلفها ثمة رجل انبثق من بطون الحكايات ، كان يعدو بسرعة ، وهو يجر حبلا طويلا ، ربط الى نهايته جثته ، التي مزقتها الكلاب في الأزقة ، ثم غاب الاثنان في كثافة عريهما ، فلم اسمع بعد ذلك الا صيحة البرق دون أن اراه .
قال : " الم أقل لكَ إن الليل ، هذه الليلة ، مؤاتيا للمعجزات ! " ثم نفخ في الاتجاهات ، وهو يتمتم بعبارات غامضة ، اضاءت الخطوات بين البعد والمسافة ، فرأيتُ المرأة والرجل واضحين ، وهما يُشعلان الخرائب بنيران موقدهما ، حتى هبَّ نسيمُ الامان قادما من اللامكان ، فنزلتْ الارواحُ من على حبال الغسيل باحثة ، في شقوق شيخوخة الجدران ، عن أبدانها ، لكن ذلك كله توقف فجأة ، عندما زعق البرقُ ثانية ، ورأيته واضحا ، يسقط على الجسدين الملتحمين فيحيلهما ترابا ، فيما الأرواح تعود ، صاعدة ، بحبل من الدخان ، الى أسلاك عزلتها .
الحكاية انتهتْ ليس كما هو متوقع ، فقد تبدل مزاجُ الساحر ، وفقد قدرته على المشي فوق حبل خرافته ، فلم يعد يفعل شيئا سوى التحديق بالرمل ، والبكاء ، لأنه - كما قال - لم يكن قد خطط لظهور البرق مرة اخرى ، لكنها القنابل والحرب .
أخذ نَفَسا عميقا من لفافة الحشيشة التي كنتُ أشعلتها من أجله ، ثم عانقني بعرفان ، وهو يسحبني بدخانها نحو الاعمق : " تعال لاٌريك ما أنا قادر عليه فعلا " حتى توارينا معا بين طيات كتاب الف ليلة وليلة ، الذي كنتُ قد استعرتُ صديقي الساحر من احدى حكاياته :
- " يبدو ان الليل ، عندكم ، لم يعد مؤاتيا للمعجزات "
ظل يردد هذه العبارة على مسامعي ، طوال طريقنا نحو بغداد اخرى ، منسية في قيعان ذلك الكتاب .
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟