لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 2209 - 2008 / 3 / 3 - 11:03
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لاشك أن المتتبع لمضامين و حاشيات « مدونة الأسرة» أعني من قيل عن متنها و ما كتب حولها من تفسيرات و انتقادات سيلمس طغيان المرجعتين الدينية و الحداثية, إن صح التعبير.و معنى ذلك أن المدونة شأن يهم شريحة اجتماعية ساعدها الحظ لتستفيد من الثقافة العالمة, و تملك قدرة التعامل مع النص بالتفسير و التأويل و الاجتهاد, فوق أنها انخرطت في تنظيمات سياسية و مدنية تمكنها من تبليغ رسالتها عبر وسائل الاتصال و تسمح لها بممارسة الضغط لفرض مقترحاتها. و باختصار فالمدونة أكثر تأثرا برياح الحداثة داخل قفص الدين, و لا وجود لأنصار المرجعية الثالثة داخل الثقافة غير العالمة, ثقافة الرمز و القيمة و العرف في جبال الأطلس و الريف،لأن هؤلاء لا يملكون القدرة على الاتصال والتدوين أو الضغط المنظم . و لا نبالغ في القول, إننا في مجتمع عرفي, وإن المتشبثين بالنص الديني أو المستنشقين لرياح الحداثة، يشكلون فئة قليلة في المجتمع المغربي, و كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة و فرضت رأيها لأنها تتوفر على إمكانيات ممارسة الصراع. لذلك وجب الوقوف قليلا إن كان فضاء النقاش حول المدونة يسمح بنقطة نظام,بعد أن نعتها البعض بثورة هادئة.
1- قدرة المجتمع المغربي على التشريع:
لم يكن التشريع جديدا في شأن الأسرة والمرأة, لأن المغاربة تأثروا كثيرا بالرومان. علما أن المساطر الرومانية حاضرة في معظم التشريعات. و لا غرو فالأعراف المدونة و غير المدونة في الأوساط القبلية المعزولة في الجبال المغربية تحوي بنودا تحمي المرأة ، و تعترف لها بمجال التصرف الذي يتسع فضاؤها أحيانا ليشمل الحرية الجنسية, و لا تزال هذه ألعراف حاضرة. و لنقتبس ما يفيدنا منها في هذا المجال:
_ «كل من أفرط في استغلال المرأة, سيدفع 100 مثقال» (المادة 5 من عرف بودنيب).
_ «كل من ارتكب فاحشة اتجاه امرأة, سيدفع نصف ريال» (المادة 30 من العرف المذكور).
_ « كل من زنا سيدفع اثنين 02 دورو Douros إن بلّغت المرأة أمره» (المادة 45 من العرف المذكور).
_ « في حالة ما إذا تفاهم الرجل و المرأة و استقر رأيهما على ارتكاب الزنا, سيدفع كلاهما نفس الغرامة» (المادة 46 من العرف المذكور).
_ « إذا تحرش رجل متزوج بامرأة, سيدفع 2 دورو» (المادة 12 من عرف قبيلة آيت عشا)(01).
_ « المرأة التي تسب رجلا, تدفع مثقالا واحدا, و العكس صحيح» (المادة 22 من عرف أزغو (باكنو) (02).
_ « المرأة التي تسب رجلا أمام الملأ ستدفع مثقالا واحد» (المادة 21 من عرف تولال) (03).
_ « من اغتصب امرأة محصنة, 400 مثقال » (المادة 14 من عرف آيت يزدك).
_ « إذا تعلق الأمر بمطلقة أو بنت 200 مثقال » (المادة 15 من العرف المذكور) (04).
نلاحظ أن العرف المدون بالأطلس الكبير الشرقي, يحمي المرأة بشكل أكثر صرامة من القانون. و نلاحظ أن العبارات الموظفة في المواد العرفية مختلفة في حمولتها من عرف إلى آخر, من قرية إلى أخرى, فمن السب إلى التحرش الجنسي, إلى الزنا إلى الاغتصاب. و من الأعراف ما يسقط المسؤولية في جرائم الجنس على المرأة, و يحملها للرجل. و في بعض الأوساط تسقط المسؤولية على الطرفين المطلقة من النساء و الأعزب من الرجال . و مرد التباين في العبارات المذكورة, إلى اختلاف في مستوى تقييد المرأة, أعني مستوى الانغلاق و الانفتاح (05).
و الحفر في الأعراف سيبين أن واضعي المدونة و المدافعين عنها و المهاجمين عليها لم يستحضروا ما بالأوساط المغربية من تشريعات و جب أخذها بعين الاعتبار دفاعا عن الهوية الثقافية المغربية, و بمعنى آخر فالاعتراف بالأمازيغية يعني الاعتراف بالنسق الثقافي الأمازيغي. و نسجل أن هناك عادات تمنح المرأة حريتها في اختيار زوجها بممارسة الحب البارد, «تقرفيت» بالأطلس الكبير و «أسقر» جنوب الأطلس الصغير, و ينبغي الاعتراف بهذه العادات و إخراجها من نطاق التحرش الجنسي إلى ممارسة مشروعة.
2- ثقافة الدم و زواج القاصرات:
تتغذى الأرواح في اعتقاد بعض القبائل بالدم, و الدم البشري أكثر جاذبية للأرواح من دم البهائم(6), و معنى ذلك أن دم الحيض ملاذ الأرواح الشريرة لذلك تفضل معظم القبائل التي تحمل الزي الأبيض استقبال العروس في بيت الزوجية قبل بلوغها سن انطلاق العادة الشهرية لكي لا تحمل في جسمها أرواح تبتغي التغذية من النزيف الشهري فتهلك أسرة العريس. أو على الأقل تحمل معها الحظ التعيس في الإنجاب و الإنتاج و الاستقرار. أما دم افتضاض البكارة و الذي يشكل موقعا للأرواح فلا يصمد أمام دم الكبش الذي يذبح قبل نزول العروس. أما القبائل ذات اللون الأسود فتفضل التأخر بعض الوقت لأنها هي التي تحدد مناصب الزواج إن كان نظام الأعراس جماعيا «أسدي» بالأمازيغية. فحينما يكون الموسم الزراعي واعدا و يسود الرخاء و يتوفر الزرع و الضرع و الذبائح السمينة فإن عدد مناصب الزواج ترتفع, و حينما يجف الجو وتسود القحولة, يفتح مجال الزواج فقط للمتأخرين «أمبورن» بالأمازيغية. و في جميع الأحوال فالزواج المتأخر غير مقبولو و بالتالي فالتعديل الذي حملته مدونة الأسرة نشاز في كثير من الأوساط القبلية. صحيح أن الدخل غير الزراعي الذي استفادت منه الكثير من الأسر قد أثر سلبا على تنظيم الأعراس الجماعية ذلك أن الإمكانيات المادية المتوفرة تغني الكثير من الأسر من الانخراط في الأعراس الجماعية و تعفي القبيلة من تحديد المناصب الشاغرة و تفتح المجال أمام الزواج اللاعشائري Exogamie في الكثير من النقط العمرانية, و رغم ذلك يحتج الكل على الجديد الذي تحمله المدونة.
3- العقود و القيود:
الزواج مؤسسة تقوم على الدم, و الدم أسلوب من أساليب التعاقد إن لم يكن هو أصل كل تعاقد أو رابطة, و حسب علمنا فالتحالف القبلي لا يصمد أمام الزمان إذا لم يتأسس على الدم, و على سبيل المثال يأخذ الخاتم قوته و قدسيته من الختان و هي سنة تعود إلى النبي إبراهيم. ورد ذلك في التوراة في النص القائل: و قال الله لإبراهيم: أما أنت فتحفظ عهدي بيني و بينكم, يختتن كل منكم كل ذكر...» (7) و للإشارة فقط فالزواج عند المغاربة اليهود يتأسس على ثلاثة أركان: التقديس, كتابة عقد الزواج, صلاة البركة و يقضي التقديس أن يعطي الرجل المرأة «بمحضر شاهدين خاتما» (8) و لقد احتل الخاتم مكانة في الخطوبة لدى المغاربة المسلمين في وقت يصعب تحديده, وافق ظهور العقود المكتوبة سلسلة جبال الأطلس الكبير الشرقي طلوع فجر التصوف الطرقي المؤسس على شكل زوايا. و معلوم أن الزاوية التي تعتمد كثيرا على النص أو بالأحرى الثقافة العالمة في معاملاتها تحرص أشد الحرص على التعاقد المكتوب. و لا عجب فمعظم النقط العمرانية القديمة لا تزال تختزن وثائق تنظم العلاقات بين القبائل و السلطة المركزية أو تحوي حدود المجال الوظيفي للعشائر و حقوقها في الاستغلال و التنقل, أو تتعلق بالإراثة أو ما يسمى القسمة, و حيث إن الزاوية لا تفتأ تصلح ذات البين بين الأشخاص و القبائل فإنها توثق كل معاهدة صلح تشرف عليها أو تعرض عليها الأطراف التي وضعت حدا لنزاعها لتصادق عليها و تضفي عليها طابع التبرك. و باختصار لم يحدث أن شملت العقود النساء لأنهن ملك للعشيرة سواء كانت تؤمن بالزواج العشائري Endogamie أو اللاعشائري Exogamie. و مع دخول المستعمر الفرنسي تم توثيق معظم أعراف الجنوب الشرقي المغربي و ظهرت المحاكم العرفية التي ينظمها ظهير 16 ماي 1930 و أضحت الأحوال الشرقية كلها تحت إشراف لجنة قضائية تضم مستشاري القبائل. و حيث إن الظهير المذكور يشترط اعتماد العرف في حل نزاعات الأحوال الشخصية فإن الكثير من القبائل تعاملت مع المحاكم العرفية و استحسنتها و ظل البعض محافظا على الشفوية حتى بداية الاستقلال و الغريب أن الشفوية صمدت بالأطلسين ,الأطلس الكبير الشرقي و الأوسط حتى منتصف التسعينات من القرن الماضي (9).
الهوامش:
01- آيت عشا إحدى فروع قبيلة آيت يزدك يقطنون بواد كير و بواد زيز.
02- أزغو أوباكنو إحدى قرى آيت عيسى بواد كير.
03- المقصود بتولال هنا المجموعة القروية الكائنة بواد كير.
04- أنظر لحسن آيت الفقيه –المرأة المقيدة- منشورات شركة أوداد للاتصال – مطبعة فضالة المحمدية- 2002 ص 13.
05- المرجع نفسه.
06- لحسن آيت الفقيه, إملشيل جدلية الانغلاق و الانفتاح, مركز طارق بن زياد للدراسات و الأبحاث, مطبعة إمبريال يوليوز 2001 ص 47 و ما بعدها.
07- تكوين: 16-09-13, انظر كذلك سيد محمود القمني, النبي إبراهيم و التاريخ المجهول, الناشر: مكتبة مدبولي الصغير 1995 ص12.
08- عبد الوافي مدفون: مؤسسة الزواج عند المغاربة المسلمين و اليهود, مجلة مسالك- العدد الأول ربيع 2004 ص44.
09- ظلت عشيرة آيت بندق إحدى بطون آيت عبدي معزولة عن المؤسسة بمفهومها الحديث و بعيدة عنها, و في سنة 1992 حمل التقطيع جيدا يقضي إلحاق آيت بندق بجماعة إملشيل القروية أو بالأحرى إقليم الرشيدية, و للإشارة فقد كانوا من قبل يتخبطون في أهوال العزلة بأقصى شرق إقليم أزيلال.
#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)
Ait_-elfakih_Lahcen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟