|
كوسوفو وفلسطين: تشابه الواقع واختلاف المصير
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 2207 - 2008 / 3 / 1 - 10:43
المحور:
القضية الفلسطينية
-1- أثار استقلال كوسوفو، واعتراف بعض الدول الأوروبية بها حتى الآن، وكذلك اعتراف أمريكا، رغم ما دفعته من ثمن باهظ لهذا الاعتراف، وهو إحراق سفارتها في بلغراد من قبل الصرب المحتجين على انفصال كوسوفو، شهية الفلسطينيين لإقامة دولتهم من جانب واحد، والطلب من دول العالم الاعتراف بهم، ما دامت إسرائيل مُتعنّتةً كل هذا التعنت، ولا تريد - بالقلم العريض – أن يكون إلى جانبها دولة فلسطينية. فهي تكره الفلسطينيين، وتعتبرهم كما سبق، وقال عنهم شارون "أنهم إرهابيون ويجب قتلهم". وقد أكَّد هذه المقولة الجماعات الدينية المسلحة الفلسطينية، وعلى رأسها "حماس"، التي أشعلت بالانتفاضة الثانية، وشوّهت الصورة الفلسطينية الجميلة التي رسمتها الانتفاضة الأولى (انتفاضة أطفال الحجارة)، وبدا الشعب الفلسطيني الآن أمام العالم شعباً إرهابياً انتحارياً. كما بدت السلطة الفلسطينية الآن أمام العالم، سلطة لا تحافظ إلا على هذه السلطة، والبقاء في هذه السلطة، كما نشاهد من خلال إصرار "حماس" على البقاء في السلطة في غزة وإن جاعت، وفي غزة وإن احترقت. -2- على إثر إعلان استقلال كوسوفو، ثارت الحميّة العاطفية الفلسطينية، فشبّه ياسر عبد ربه المساعد البارز للرئيس الفلسطيني محمود عباس وأحد حمائم السلام في المنظمة الفلسطينية الوضع في فلسطين بما يحدث في كوسوفو. وقال بشكل عاطفي مثير وبحميّة فلسطينية، إن الفلسطينيين سيبحثون إعلان قيام دولة مستقلة من جانب واحد، إذا استمر تعثر محادثات السلام مع إسرائيل. لكن المفاوض الفلسطيني صائب عريقات كان أكثر عقلانية من عبد ربه، إذ أبدى معارضته لأي إعلان للاستقلال من جانب واحد. ولم يكن تصريح عبد ربه هذا رد فعل مباشر لإعلان استقلال كوسوفو، بقدر ما كان رد فعل عاطفي لما تقوم به إسرائيل من تعنّت وتسويف للوصول إلى اتفاق ثنائي على إقامة الدولة الفلسطينية، مستغلةً الانشقاق الفلسطيني بين "فتح" و"حماس"، ومستغلةً ضعف القيادة الفلسطينية بقيادة محمود عباس - نتيجة للانشقاق - ومستغلةً الوضع الإقليمي العربي الممزق والمشتت على هذا النحو الآن، وانشغال العرب بالقضية اللبنانية التي تتعقد وتتأزم يوماً بعد يوم، ومستغلةً كذلك الوضع الدولي، وانشغال أمريكا – خاصة - بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، وعدم اهتمام إدارة بوش التي تستعد للرحيل في نهاية هذا العام بالقضية الفلسطينية، وانشغالها بالعراق بالدرجة الأولى، وبأفغانستان ثانياً، وجارتها باكستان ثالثاً، وهي دول تشكِّل المثلث الإرهابي التي تحاول إدارة بوش تحقيق تقدم فيه، خدمة لمرشح الرئاسة الجمهوري القادم السيناتور جون ماكين. -3- لنفرض أن القيادة الفلسطينية مضت قُدماً بإعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، تلبية لنداء ياسر عبد ربه الذي قال فيه: " إذا لم تسر الأمور في اتجاه وقف فعلي للنشاطات الاستيطانية، وإذا لم تسر الأمور في اتجاه مفاوضات جادة، فعندها لا بُدَّ أن نأخذ خطوة بإعلان استقلالنا من طرف واحد. إن كوسوفو ليست أفضل منا. نحن نستحق الاستقلال قبل كوسوفو، ونطلب دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإعلان استقلالنا". -4- هل يمكن للسلطة الفلسطينية أن تعلن من جانب واحد الاستقلال، وإعلان الدولة الفلسطينية، وتطلب من العالم وخاصة أمريكا والاتحاد الأوروبي الاعتراف بها؟ في واقع الأمر، نرى أن لا علاقة ارتباط بين القضية الفلسطينية والكوسوفية للأسباب التالية: 1- رغم أن شعب كوسوفو مسلم، وهم قد انفصلوا عن صربيا المسيحية، إلا أن كوسوفو تعتبر بلداً أوروبياً، وشعبها شعباً أوروبياً، وكان جزءاً من يوغسلافيا الأوروبية. ومن هنا، جاء تعاطف أوروبا وأمريكا مع هذا الشعب واعترافهم بدولته الفتية. وربما انضمت كوسوفو غداً إلى الاتحاد الأوروبي، قبل تركيا التي تطالب بهذه العضوية منذ سنوات طويلة، والتي ما زالت تُعتبر دولة شرقية إسلامية. وزاد إباحة الحجاب في الجامعات التركية مؤخراً كخطوة ابتعاد عن العلمانية، واقتراب من الدولة الدينية مجدداً بقيادة حزب "العدالة والتنمية" من صعوبة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. في حين أن الفلسطينيين يُعتبرون مسلمون وشرقيون. 2- استطاع شعب كوسوفو أن يقدم النموذج الإنساني المعاصر الأمثل في كفاحه السلمي ضد الصرب، رغم ما اعترى هذا الكفاح من حوادث قتل. ولكن لم يختطف الكوسوفيون طائرات الصرب، ولم يقتلوا المدنيين فيها. ولم يطلقوا صواريخهم على المدنيين الصرب. ولم يفجّروا بقنابلهم السفارات. ولم تصدر فتاوى دينية في كوسوفو لبقر بطون النساء الصربيات، لأن فيها من الأجنّة ما سوف يكونوا غداً جنوداً في جيش الصرب "الصليبي". ولم يتحالف الكوسوفيون مع دولة أوروبية تُعتبر ماكينة ضخمة من ماكينات تفريخ الإرهاب في المنطقة، لأنها لم تعد تملك من وسائل القوة والسيطرة و (البلطجة) في المنطقة غير أن تكون تلك الماكينة. وكانت "ضربة المعلم" التي قام بها الكوسوفيون، هي أن يبدو شعب كوسوفو أمام ضمير العالم كله، والرأي العام العالمي كله، أنه شعب مظلوم وليس بظالم، وأنه شعب معتَدَى عليه وليس بالمُعتدي، وأنه شعب أعزل وليس مسلحاً، وأنه شعب مسالم وليس إرهابياً، وأنه يريد الاستقلال عن صربيا لأنه يعشق السلام وصربيا تعشق الدم، ولأنه يريد الحرية وصربيا تريده عبداً من عبيدها، كما تريد النساء الكوسوفيات خادمات في بيوت الصربيين، وأن لا انتحاريين في كوسوفو بقدر ما هناك من سياسيين عقلاء. 3- الشعب الكوسوفي شعب موحد الصف والكلمة والهدف، منذ قيادة زعيم كوسوفو الراحل إبراهيم روغوبا، وتولي قيادة شعب كوسوفو رئيس الوزراء هاشم تاتجي، الذي أعلن استقلال كوسوفو بالأمس، من تحت قبة البرلمان الكوسوفي. بينما الشعب الفلسطيني شعب منقسم على نفسه، نصفه يريد السلام مع إسرائيل، والنصف الآخر يريد الحرب معها وهو لا يملك من مقومات هذه الحرب غير مواسير محشيّة بملح البارود – كما وصفها محمود عباس - يُطلق عليها "صورايخ" لا تفعل شيئاً جدياً يجبر إسرائيل على تغيير سياستها الحالية نحو الفلسطينيين، بل يزيدها عناداً، وتشدداً، ورفضاً لمحادثات السلام، وقيام الدولة الفلسطينية. 4- انفصلت كوسوفو عن صربيا المكروهة والمنبوذة – رغم مسيحيتها - من قبل الاتحاد الأوروبي وأمريكا. في حين أن إسرائيل - وهي خصم الفلسطينيين المقابل لصربيا- دولة تُُعتبر بعيون الغرب عامة مظلومة ومعتدى عليها. ففي الوقت الذي كانت فيه صربيا هي الجهة الظالمة والمستعبِدة للشعب الكوسوفي، بقيت إسرائيل في نظر الغرب عامة هي الدولة المُعتدى عليها، وهي المظلومة والمهدَدَة البقاء، والذي يجب مساندتها والدفاع عن حقوقها في العيش بسلام. وهذا يشير بالطبع إلى مدى الخراب والدمار وسوء إدارة القيادات الفلسطينية للقضية الفلسطينية، وكيفية كسب الرأي العام العالمي.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة لتقرير البنك الدولي الأخير حول التعليم العربي - لماذا
...
-
قراءة سياسية نقدية لتقرير -فينوغراد-
-
هل يعيش العرب الآن مرحلة -ما بعد الأصولية-؟
-
الجنس والموت في انتحار الإرهابيين
-
رئيس أسود في البيت الأبيض
-
هل سيحارب عرب 1948 في جيش إسرائيل؟!
-
هل ستجتاح ثورات الجوع العالم العربي في 2008 ؟
-
حماس.. إلى أين ومتى؟
-
العرب لا يملكون صكَّ مُلكيّة هذا الكوكب
-
هل كانت بوتو ضحية الغباء الأمريكي؟
-
هل سنشرب نفطنا في عام 2020؟
-
السوق الخليجية المشتركة : وحدة الجيوب قبل القصور
-
بدأت عودة الروح للعراق
-
حاضنات الإرهاب الدافئة
-
أنتم وأنا بوليس
-
الحداد لا يليق ببغداد
-
هل سينسحب ديمقراطيو أمريكا من العراق لو فازوا؟
-
-عام الجماعة- أم اقتربت الساعة؟
-
بشائر غرق سفينة الإرهاب
-
نُذُرُ هزيمة -القاعدة-
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|