أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - أبطال المعارك الوهمية














المزيد.....

أبطال المعارك الوهمية


رمضان متولي

الحوار المتمدن-العدد: 2206 - 2008 / 2 / 29 - 11:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


للبحر مهنته القديمة … مد وجزر
للنساء وظيفة أولى هي الإغراء
للشعراء أن يتساقطوا غما
وللشهداء أن يتفجروا حلما
وللحكماء أن يستدرجوا شعبا إلى الوهم السعيد

هذه الأبيات التي شدا بها شاعر المقاومة الفلسطينية العبقري محمود درويش لم تغب أبدا عن ذاكرتي رغم قراءتي لها للمرة الأولى منذ عشرين عاما تقريبا. فقد لخص الشاعر الأسطورة بهذه الأبيات دور الطبيعة والإنسان في رحلة العبث الأبدية التي تؤخذ بمنتهى الجدية ظاهرية كانت أو جوهرية لتنتهي إلى لاشيء – إنه الوهم السعيد.

إنه الوهم الذي يدفع البحر بقوة نحو شواطئ المدن الكبيرة يكاد أن يبتلعها ثم ينحسر عنها وسط ضحكات المصطافين وعبثهم فوق أمواجه الهادرة. نفس الوهم الذي يغلف الرغبة بالمشاعر الفياضة والألم والسهر إلى حد الانتحار وراء آمال لا تتحقق وإن تحققت فهي زائفة. ذلك الوهم الجميل الذي يتفجر حلما من عروق الشهداء عندما يقف جندي في ريعان الشباب كاشفا عن صدره أمام عدو مدجج بكل أسلحة الدمار باحثا عن بطولة يترجمها الرؤساء والقادة والوارثون في صورة أرباح هائلة ومراكز مرموقة لهم ولأبنائهم بعد مصالحة الأعداء ومصافحة القتلة. أما البارعون في صناعة الوهم من حكماء وكهنة كل عصر فلا يكلون ولا ينضب خيالهم من حيلة لاستدراج الشعوب إلى معارك وهمية مثل بطولات "دون كيشوت" في محاربة الطواحين.

ولعل معركة الرسوم الكاريكاتورية التي أساءت إلى رسول الإسلام توفر لنا نموذجا لتلك المعارك الوهمية التي تدور رحاها على مسرح العبث ليس فقط في أوروبا وإنما أيضا في بلادنا المنكوبة بالجنون والقمع من كل لون. فقد برع حكماء الوهم وساسة التزييف في أوروبا في ابتكار وسيلة يستطيعون من خلالها توجيه الغضب الشعبي ضد البطالة والأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار وفشل الساسة في معالجة الأزمات الحقيقية إلى تأجيج الكراهية ضد الأقلية المسلمة، وتحت لافتة حرية التعبير فرضوا قوانين مقيدة للحريات تسمح لهم بانتهاك خصوصية الأفراد والتجسس عليهم بل وتوجيه اتهامات بالإرهاب لمجرد زيارة مواقع معينة على شبكة الإنترنت كما حدث في بريطانيا مؤخرا، ثم الاعتقال والاحتجاز دون العرض على القضاء، وتشديد قوانين الهجرة إلى غير ذلك من الإجراءات القمعية التي ناضلت شعوب أوروبا للقضاء عليها منذ زمن بعيد.

حكماء الوهم وساسة التزييف عندنا انتهزوا هذه الفرصة أيضا لشن معركة وهمية ليس فيها منتصر ولا مهزوم ضد نشر الرسوم المسيئة للرسول حيث وجدوا في شن هذه المعركة ما يمكن أن يحرف انتباه الشعوب عن القضايا الحقيقية ويقدمهم في صورة الصناديد الأبطال بعد أن تخاذلوا وتراجعوا في كل المعارك الحقيقية دون أن يكلفهم الأمر شيئا إلا مصادرة بعض الصحف الأوروبية ومقاطعة السلع الدنمركية. بل إن الرئيس السوداني – عمر البشير- قاد مظاهرة حاشدة في السودان تحت شعار كلنا فداؤك يا رسول الله. لم يكن شعار معركتهم ضد التمييز ضد أقلية دينية في أوروبا – لأن جميع حكامنا يمارسون التمييز على أساس الدين والجنس والعرق والأصل القومي من الخليج إلى المحيط. ولم نجدهم بهذا الحماس وتلك القوة في مواجهة الاعتداء الهمجي على الشعب الفلسطيني، ولا على تمزيق أوصال العراق ولا على انتهاك حقوقنا وحرياتنا في جميع أقطار الأرض. بل إنهم يساهمون بشكل مباشر في قمعنا وهم السبب الرئيسي في مصائبنا.

في نفس الوقت الذي هللت فيه حكوماتنا استنكارا للرسوم التي نشرتها الصحف الأوروبية، تضاعفت أسعار السلع الغذائية التي يعتمد عليها قوت الفقراء في مصر مع تزايد البطالة والفقر وانتشار الفساد والثراء الفاحش وسط حفنة ضئيلة من المحظوظين في ظل مناخ قمعي شامل من الاعتقالات وتقييد حرية الإعلام وسلطات القضاء، الخ.

هناك حقيقة ينبغي أن نلتفت لها في هذا الأمر مفادها أنه مهما تصاعد الهجوم على الصحف الأوروبية فيما يتعلق بنشر الرسوم المسيئة للرسول فإنهم لن يتوقفوا عن ذلك، ببساطة لأن هذا الهجوم يعزز الأوهام التي يروجها الساسة الأوروبيون بأن المسلمين والإسلام يشكلون خطرا على شخصية أوروبا التي تحترم حرية الفكر والإبداع والإعلام. ويسهل على هؤلاء الساسة تنفيذ تلك الاستراتيجية الكلاسيكية التي تستخدم في أزمنة الأزمات باختيار كبش فداء ضعيف – أقلية دينية أو عرقية – لتوجيه غضب الجماهير ضدها بدلا من مواجهة من تسببوا في تلك الأزمات.

أما الحقيقة الثانية فهي أن حكوماتنا لا تشن هجوما على أوروبا في هذا الصدد دفاعا عن الرسول ولا عن الأقليات المسلمة في أوروبا، وطبعا لا تنتظر من هذا الهجوم أن يجبر أوروبا والدنمارك على عدم التعرض للإساءة للدين الإسلامي أو رموزه. إنما هدفهم من وراء ذلك هو البحث عن معركة وهمية لا تكلفهم شيئا لإلهائنا عن قضايانا الحقيقية والظهور بمظهر الأبطال المدافعين عن قضايانا وهم أبعد عن ذلك بعد السماء عن الأرض.



#رمضان_متولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرعية والقانون
- كاليجولا يحاصر الهواء
- حكومة رجال الأعمال لن تحمي مصر من استيراد التضخم
- مجلس الدكتور سرور
- هلفطة
- النظام والفوضى في مجتمع مقهور
- أوهام الأرقام وحقائق الواقع
- الإصلاح السياسي ورقص الصالونات والفنادق الفاخرة
- نقابة للصحفيين أم جهة إدارية
- نقابة الصحفيين تتحول لجهة إدارية تعاقب الصحفيين على سلوك الإ ...
- الصادرات المصرية حصان خاسر في سباق التنمية
- الانتخابات البرلمانية 2005: فزع السلطة وفزاعة الإخوان المسلم ...
- الاشتراكيون الثوريون تحالفوا مع الإخوان … يا لهوي!
- أزمة النظام الحاكم في مصر واحتمالات الانتفاضة - 1
- العمل المشترك بين اليسار مشروط بوحدة الرؤيا والهدف
- لن يموت فينا الأمل … ولكن!
- خرافة تخلي الولايات المتحدة عن حلفائها من الحكومات المستبدة
- كفاية ظاهرة إعلامية وخطابها مسخرة، وأسعد التعيس سعيد باغتراب ...
- كفاية – دجل الرؤية الذاتية للتغيير وجدل الواقع
- الوجه الآخر للحرب الأنجلو-أمريكية ضد العراق وأفغانستان


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - رمضان متولي - أبطال المعارك الوهمية