|
الحزب الشيوعي العراقي .. النكوص والهزيمة
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 2205 - 2008 / 2 / 28 - 10:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سؤال بمنتهى الاهمية يتردد على ألسنة المثقفين العراقيين ، (يساريين ويمينيين ، على حد سواء ) ، منذ اليوم الاول لاجتياح القوات الامريكية للعراق وهو : ما الذي يدفع حكومة امريكية ( امبريالية ، يمينية ، دينية - انجيلية) لاحتضان حزب شيوعي ( الحزب الشيوعي العراقي - نموذج حميد مجيد موسى ) واشراكه في العملية السياسية في بلد مثل العراق المحتل ؛ والادارات الامريكية ، وعلى طول تاريخها السياسي والايديولوجي ، هي العدو الاول للشيوعية والفكر الماركسي ، واي مظهر من مظاهرها التنظيمية والسياسية والفكرية ؟ لسنا هنا بصدد محاكمة هذا الحزب العريق ، وانما نحن بصدد استعراض اوجه اداءه خلال السنوات الخمس المنصرمة من عمر الاحتلال الامريكي ، وما رافقها من تمظهرات سياسية وتنظيمية ، عكست الوجه النكوصي لاداء قيادته الحالية ، التي لم تبق من تاريخ هذا الحزب ومسيرته النضالية غير الاسم . ولعل اهم هذه التمظهرات هي : 1- الموقف الانتهازي وغير المبدئي من حرب احتلال العراق ، من قبل القوات الامريكية ؛ والمتمثل بانضواء هذا الحزب - الذي يشهد له تاريخه الطويل ، الذي سبق قيادة حميد مجيد ، بمواقفه الراديكالية والثورية المؤيدة والداعمة لحركات التحرر والرافضة لكل اشكال الاحتلال والهيمنة الاستعمارية - اليساري تحت مظلة ادارة الاحتلال والانسياق الاعمى لتنفيذ اجندته وسياساته التجزيئية والاستحواذية (الاستعمارية) في العراق ومكونات طيفه الاجتماعي ، من خلال اشراكه في العملية السياسية وتبنيه لمواقف حكومات حقبة الاحتلال والفاع عن برامجها وسياساتها ، التي لم تترك جانبا واحدا من حياة المواطن لم تستهدفه وتعبث به ، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي . 2- التنكر لمواقف وسياسات الحزب المبدئية ، وتبني المواقف المهادنة والارضائية مع الاحزاب والحركات والافكار اليمينية والمحافظة ، والمتمثلة في مواقفه المجاملة والتوفيقية مع قوى واحزاب الاسلام السياسي والاحزاب القومية (الكردية على وجه الخصوص) ونزعاتها العرقية والقومية الشوفينية ، التي يشاركها في العملية السياسية ويتبنى سياساتها ، من خلال سكوته على ممارساتها القمعية ضد المواطن العراقي ، والمرأة على وجه الخصوص .. ويكفي هنا ان نستشهد بتصريح لسكرتير هذا الحزب الى جريدة (العراق اليوم ) الذي قال فيه : (نحن لانمانع حتى من قيام دولة اسلامية في العراق ) ! 3- افراغ تنظيم الحزب وثقافته الفكرية والايديولوجية من محتواها الماركسي ، والاستعاضة عنها بالمواقف السياسية الاميبية التي تتبناها الاحزاب الانتخابية ، والتي تقوم على مواقف التكتيكات المرحلية ، والتثقيف بها ، كبديل عن ثقافة وفكر الحزب الايديولوجيين ، من اجل التناغم والانسجام مع خطوط اجندة المحتل ، وادواته من احزاب اليمين ، وسياساته الاستراتيجية ، بعيدة المدى ، في العراق والمنطقة ككل ، وعدم الخروج على المحددات والقوالب والشروط التي رسمها المحتل للقوى والاشخاص التي ارتضت لنفسها العمل معه ، مقابل التفضل عليها باشراكها في العملية السياسية . 4- الانسياق المفضوح خلف شعارات ادارة الاحتلال واحزاب الاسلام السياسي - مرتكز ادارة الاحتلال وسياساته في العراق - المرحلية ، البراقة والوهمية ، والسكوت على جرائمها وجرائم ميليشياتها بحق العراق وابنائه ، والانغماس في مساومات المناصب وامتيازاتها الوظيفية والمادية ، تحقيقا للمكاسب والنافع الشخصية لقيادة الحزب ووجوهه المتنفذة والمقبولة لدى ادارة الاحتلال وقوى اليمين العاملة معه . 5- نبذ قيادة الحزب لتقليد النقد التحليلي لاداء الحزب ومواقفه تجاه الظواهر والسياسات التي اشاعتها وافرزتها عملية الاحتلال وادارته وقوى اليمين القومية والدينية ، في حياة المجتمع ومستقبل وحدته الوطنية ، كالظاهرة الطائفية والمذهبية والقومية والمناطقية ، التي تعمل عليها الاحزاب القومية الكردية واحزاب الاسلام السياسي العربية ( سنية وشيعية ) ، من اجل تحقيق المكاسب الفئوية والمصالح الشخصية المادية والسياسية لقيادات هذه الاحزاب . 6- انتهاج سياسة غض الطرف او سياسة المواقف غير التصادمية تجاه المشاكل الكبيرة التي اشاعها الاحتلال في حياة المجتمع العراقي وادواته الحكومية من مثل حرب التصفيات الجسدية ضد الشخصيات الوطنية وعصابات القتل الطائفي والعرقي ، وميليشيات الاحزاب الدينية والفساد الاداري وسرقة المال العام والبطالة والغلاء ومصادرة الحريات العامة وخنوع الحكومات لاوامر وقرارات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، التي استهدفت حياة المواطن في ادق مفاصلها المعيشية من خلال رفع اسعار الوقود وتغييب واختزال مفردات البطاقة التموينية . اما سكوت الحزب عن ممارسات وجرائم قوات الاحتلال بحق ابناء شعبنا ، فهي تأتي كجزء مكمل لنهجه في السكوت على هجمة الادارة الامريكية ، بصفتها القائد الاعلى للامبريالية العالمية ورأسمالية العولمة المحاربة لتطلعات ومصالح الشعوب والبروليتاريا الكادحة في كل مكان ، بحسب ثقافة وفهم وتحليل النظرية الماركسية ، التي يدعي تبنيها . 7- تنصل الحزب عن النهج الماركسي ومبادئه النظرية والفكرية ، وركن اغلب مفاهيمه وطروحاته الفكرية المتمثلة في (الماركسية اللينينية) ودعاماتها المفاهيمية : الثورة الاشتراكية ، دكتاتورية البروليتاريا ، الصراع الطبقي ... الخ ، تحت شعار تجديد فكر الحزب ودمقرطة اساليب عمله . وتحت هذه المظلة ، مظلة التعاون الطبقي : (لم يعد في الوقت الحاضر متسع لاجترار المسلمات واليقين الجامد وصنمية الفكرة المطلقو ! اننا نواجه مهمات جديدة يفرضها عالم جديد واصطفاف جديد !) ، كما جاء في بلاغ الحزب الذي اصدره بمناسبة ذكرى تأسيسه السبعين .. ووفق هذا الطرح ، تحولت قوى الرجعية (قومية واسلامية) الى (القوى الوطنية) التي يجب ان تشارك الشيوعيين في : ( المهام الملقاة على عاتق حزبنا والقوى الوطنية (هل في ساحة عراق الاحتلال السياسية (قوى وطنية) غير الاحزاب القومية الكردية واحزاب الاسلام السياسي ؟!) اننا ليست لدينا مهام خاصة لوحدنا .. وان الظرف التاريخي كان وما زال اكبر واعقد من ادواتنا وامكانياتنا .. لذا يجب ان نشرك (القوى الوطنية) معنا في المهام ،وبصرف النظر عن طبيعة تلك القوى وبرامجها السياسية وارتباطاتها ) ! 8- هيمنة الاشخاص ، والتركيبة الورجوازية على قيادات الحزب العليا ، في المركز والفروع ، وطغيان ثقافتها البيروقراطية التسلطية ، على جميع مفاصل العمل السياسي والتنظيمي للحزب .. واتحدى (الرفيق) حميد ان يعلن اسم عامل واحد بين اعضاء المكتب السياسي او اللجنة المركزية للحزب ! من جانب آخر فان الحزب ، ليس فقط ، ليس لديه مجالس عمالية او نقابات ، وانما هو لايضع هذه الشريحة ضمن حساباته من الاساس ! 9- جاء في برنامج الؤتمر الوطني السابع ما نصه : ( الحزب الشيوعي العراقي حزب وطني مستقل ! يضع المصالح العليا للشعب والوطن فوق اي مصلحة اخرى ) ! وهذا يعني تخلي الحزب عن النزعة الاممية في فكر وعلاقات وسياسات الحزب ؛ في حين ان الشيوعية ونضال البروليتاريا ، ضد رأس المال والعمل المأجور، انما نجحت لتمسكها بالاممية ، لانها ، وبالاساس ، ولدت اممية . واذ اختم هذه العجالة ، لابد من ذكر ان كل هذا الانحراف عن المبادئ والاسس النظرية والايديولوجية والفكرية ، انما تم ويتم تحت يافطة الديمقراطية وعملية دمقرطة وتحديث اساليب عمل وقيم وفكر الحزب ، في حين ان كل ما سجلته وقائع عمل الحزب ، تحت هذه اليافطة الفصفاضة ، خلال عمل السنوات الخمس الماضية هو فسح المجال امام اعضاء الحزب لابداء الرأي في بعض قراراته وسياساته ، دون ان تغير تلك المناقشات شيئا مما يأتي به حميد مجيد ومفيد الجزائري من قرارات المنطقة الخضراء ! وهذا هو بالضبط ما اشاعته وتروج له ادارة الاحتلال من اشكال الديمقراطية في العراق ، وعذرا لفضاضة التشبيه : (ديمقراطية النباح ) ! بمعنى : انقدوا واشتموا واطلقوا اعلى اصوات الشجب والاستنكار يا عراقيين ... ولكن لن يحدث او يتحقق في النهاية الا ما نريد !
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموت على حافة العزلة
-
اطارد سماء بلا نوافذ ... بلا عيون
-
خواتم آية الرحيل
-
يقين بلا جدران
-
صدع النبوات الزائفة
-
احزاب اليسار العراقي ومعضلة سم خياط المنصب(نظرة تقييمية)
-
تراجيع نذوري المسفوحة على مذبح الريح
-
ثنائية الحكومة واللحم الابيض
-
الرغبة عند درجة الاستواء
-
وشم على ذاكرة البحر
-
عن الوجع ... وزينب
-
قلب يتوضأ بجدل البحر
-
كركوك في مقاسات الحلف الثلاثي
-
طاعن في خط الافق
-
الشاعر بعد منتصف اللوح
-
نيسان يتهالك على قارعة القدر
-
صعلوك في فخ ال ....
-
أزمة وزارية أم أزمة أجندات ؟
-
انهم يغتالون المطر
-
حجة توبة المالكي الى مشهد المقدسة
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|