|
لعنة التجويد
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 2204 - 2008 / 2 / 27 - 10:36
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يقولون إن تجويد القرآن الكريم هو تحسين صوت القراءة به. وهذا يشمل التنوين والادغام و الاظهار و تحديد مخارج الأصوات وما يستتبعه من أشياء أقرب الى علم الموسيقى. وهذا ما كنا ندرسه فى الاعدادى الأزهرى فى مادة التجويد ، والتى كان شعارها الحديث الكاذب القائل ( حسنوا القرآن بأصواتكم ). التجويد يتعامل مع القرآن كأغنية أو قطعة أدبية تحتاج الى فن فى التمثيل و الغناء أو الانشاد ، ولذلك كان مدرس التجويد يصاحب شرحه لنا بعصا معه يدق بها على النغمة التى يقرأ بها القرآن الكريم ، و مثل علم العروض الذى يقيس بحور الشعر ويحسب نغماته و قوافيه كان علم التجويد يتعامل مع القرآن الكريم. القرآن الكريم ليس أغنية مطلوب تلحينها و التغنى بها لاطراب الجمهور. القرآن الكريم كتاب انذار وبيان من الله تعالى للناس يحذرهم من اقتراب الساعة ، ومن السخرية بهذا الانذار الالهى أن نتعامل معه بهذا الاستخفاف ونحن نحسب أننا نحسن صنعا. يقول تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( الأنفال 2 ) ان المؤمن الحق اذا تذكر اسم الله تعالى ارتعش قلبه وجلا ـ لا أن تترقص أردافه طربا ـ واذا تليت عليه آيات القرآن ازداد ايمانا.، ولم يزدد بها ظلما وعدوانا. المشركون اللاهون فقط هم الذين يكذبون بآيات الرحمن و ما فيها من انذار وتبشير ويتخذونها هزوا (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا ) 0 الكهف 56 ). هؤلاء المشركون اليوم يغضب أحدهم أشد الغضب اذا تغنيت بالبخارى وباحاديثة الكاذبة المنسوبة كذبا للرسول محمد عليه السلام. ادخل عليهم واقرأ عليهم حديثا للبخارى ـ بطريقة غنائية وانت تتطوح وتتمايل كما يفعل المغنون بالقرآن ، لن يطربوا ولن يفرحوا بل سيثورون لأنك سخرت بدينهم الحقيقى . هذا طبعا إذا عرفوا انك تقرأ لهم من البخارى لأنهم يعبدون ما يجهلون كالأنعام وأضل سبيلا. ان قراءة القرآن عبادة والاستماع اليه عبادة ، وتدبره ودراسته عبادة. وليس فى العبادة هزل أو طرب . إن الله تعالى المهيمن الجبار يقسم بالسماء والأرض أن القرآن الكريم لا مجال فيه للهزل ، بل هو القول الفصل : ( وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ) ( الطارق 11 ـ ). ولكن المشركين كما يقول الرحمن جل وعلا يتخذون دائما دينهم لهوا ولعبا. مطلوب من المؤمن الاعراض عنهم فى الدنيا (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) ( الأنعام 70 ) وهم فى الأخرة كافرون فى عذاب الجحيم (الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ) (الأعراف 51 ) المؤمن يتلو القرآن ويرتل القرآن. والتلاوة والترتيل معناهما واحد فى اللغة العربية. وهو القراءة المتتالية أو الأحداث التى يتلو بعضها بعضا. كلمة ( تلا ) تفيد القراءة المتتابعة لكلام متتابع ، كما تفيد مجىء شىء تلو او بعد شىء سابق. وهكذا كلمة( رتل ) تقول : جاء رتل السيارات ، اى سيارات متتابعة يتلو بعضها بعضا. التلاوة فى القرآن لا تعنى مجرد التتابع اللفظى فقط فى آيات القرآن الكريم التى يتلو بالفعل بعضها بعضا ، ولكن التلاوة والترتيل فى القرآن الكريم يعنى أن تكون طريقة القراءة موضحة للمعنى القرآنى. وهذا معنى قوله تعالى (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) ( البقرة 121 ) فهناك من يتلو الكتاب ( حق تلاوته ) وهذا هو المؤمن بالكتاب ، ومنهم من تتحول عنده القراءة و التلاوة والترتيل الى أغنية و لهو ولعب وطرب ، وهذا هو الكافر به والخاسر بتلاوته. وتعجب هنا من اثنين كلاهما يقرأ القرآن ولكن أحدهما كافر بقراءته والآخر مؤمن بقراءته. أى إن قراءة القرآن من المفاصل الهامة التى يتحدد بها الايمان أو الكفر ـ فى الحساب الالهى. ولأنها قضية خطيرة فهى تستحق مزيدا من الايضاح. ان فى القرآن الكريم أنواعا مختلفة من الخطاب ؛ فيه الخطاب التشريعى و فيه القصص وفيه الحوار وفيه الانذار و فيه التبشير وفيه الاسلوب التقريرى والاسلوب العلمى وفيه الاسلوب العاطفى وفيه التكفير من الله تعالى و اللعن لمن يستحق ذلك ، وفيه الدعوة للتفكير وفيه وصف نعيم الجنة و فيه عذاب النار. هل نتعامل مع كل هذه الأنواع المختلفة بطريقة قراءة واحدة ـ حتى على فرض اننا نقرأ القرآن دون غناء ودون اتخاذه لهوا ولعبا كما يفعل الغافلون ؟ بالطبع لا بد أن تختلف القراءة حسب المعنى الذى تتضمنه الآية وكل آية. فاذا كان فى الآية سؤال فلا بد أن تقرأها بصيغة السؤال ، واذا كان فيها تعجب فلا بد ان يظهر التعجب فى طريقة قراءتك للآية ، وهكذا فى السخرية وفى الترهيب و فى الوعيد. بهذه الطريقة تتلو القرآن حق تلاوته. لآن تلاوتك هذه تسمح لبيان القرآن و معناه الواضح ان يظهر ويتضح أكثر طالما تلوت القرآن حق تلاوته. اما تحويل القرآن الكريم الى أغنية و لها نوتة موسيقية تسمى التجويد فهى تغييب كامل لبيان القرآن الكريم لأن الذى يستاثر بالانتباه هو صوت القارىء أو ( المقرىء ) أما المحتوى القرآنى للصوت فقد ضاع بين آهات المقرىء و تهليل المستمعين ، و يتحول كلام العزيز الجبار فى الوعيد والانذار و التشريع الى جلسات أنس وفرفشة و انبساط ومزاج عال العال.. فيما مضى من زمان ـ أرجو من الله تعالى غفرانه ـ كنت أضطر لحضور مناسبات عزاء وأضطر لسماع ذلك اللهو والمجون بالقرآن الكريم ، وأعجب من تخلف المستمعين العقلى و الحجاب الموضوع على قلوبهم وهم يهيجون بالصراخ والاعجاب من صوت القارىء وهو يتغنى بآية فيها الوعد والوعيد ، معظمها ينطبق عليهم وهم لا يشعرون ولا يعقلون ولكن فقط يرقصون و يتماجنون . وكنت أحيانا أبتسم من الغيظ حين يقرأ المقرىء بطريقته الغنائية حوارا دار بين الله تعالى ورسوله موسى عليه السلام فى سورة طه ،، وأسأل نفسى هل كان الله تعالى يخاطب موسى عليه السلام بهذه الطريقة الغنائية فيرد عليه موسى بنفس اللحن ؟ وهل هو كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه و قول فصل وما هو بالهزل أم هو أوبريت غنائى وعرض مسرحى ؟؟ لا عجب أن اتخذنا القرآن الكريم مهجورا. لم نهجره بالفعل بحيث تم نسيانه نهائيا ، ولكن اتخذناه مهجورا ، بمعنى أنه أصبح موجودا و غائبا فى نفس الوقت. غيبنا القرآن فى مجتمع المتعلمين بأن وضعنا فوقه أطنانا مما يسمى بالتفسير و الحديث و التاويل و النسخ ، وغيبنا القرآن الكريم فى حياتنا العامة حين حولناه الى أغنية دينية فى مواسم العزاء وفى ساحات المقابر. وبهذا الهجر والتغييب للقرآن أصبحنا أعداء النبى محمد. ويوم القيامة سيتبرأ النبى محمد منا باعتبارنا أعداءه المجرمين . إقرأالآيات الآتية وتدبرها ، دون ان تحولها لأغنية : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) ( الفرقان 30 ـ )
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبد الناصر صدام والأكراد
-
.. وبكى محمد شمس ..!!
-
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم الحلقة الأخيرة
-
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم (الحلقة الثامنة )
-
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 7 من 8 )
-
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 6 من 8 )
-
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 5 من 8 )
-
حصار غزة لن يجلب الأمن لإسرائيل
-
شكرا وتقديرا للبرلمان الأوربى
-
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 4 من 8 )
-
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 3 من 8 )
-
إنكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 2 : 8 )
-
انكار السنة فى مقدمة صحيح مسلم ( 1 من 8 ) الحلقة الأولى
-
الأطماع الاقتصادية فى الحروب الصليبية
-
الراكب و المركوب
-
المعادلة الصفرية فى تاريخ المقتدر العباسى
-
المعادلة الصفرية فى تاريخ الخليفة المأمون العباسى
-
المعادلة الصفرية : الموت
-
رسالة تهنئة بعيد الأضحى وعيد الميلاد
-
شريعة الله وشريعة البشر
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|