لحسن أيت الفقيه
الحوار المتمدن-العدد: 2207 - 2008 / 3 / 1 - 10:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لو كانت الصحراء المغربية تحت الحماية الفرنسية لأدرجت في الخريطة القضائية التي شكلها ظهير 16 مايو 1930 المعروف إلى حدود الأمس القريب ب>. فالظهير الذي تجوز تسميته ظهير المحاكم العرفية لا يخص القبائل الناطقة بالأمازيغية فقط, بل يخص بالضبط (المخالفات التي يرتكبها المغربيون في القبائل ذات العوائد البربرية والتي ينظر فيها القواد) في باقي نواحي المغرب والتي (يقع زجرها هناك من طرف رؤساء القبائل..)(انظر الفصل الأول من الظهير المذكور).والمقصود بالقبائل ذات العوائد الأمازيغية تلك التي حافظت على العرف الأمازيغي ولو تخلت لسبب من الأسباب عن اللسان الأمازيغي . ومعنى ذلك أن الظهير يهم على سبيل المثال بني يازغة الأمازيغية الأصل وقبيلة التسول وثلة من جبالة و قبائل الصحراء المغربية تلك القبائل التي لا يشك أحد في أصلها الأمازيغي لكنها باتت تتحدث اللهجة الدارجة . و لو كان المغاربة سكان الحواضر التقليدية المنخرطون في الحركة الوطنية يعلمون ما سيحمله الغيب في طياته لما صنعوا من الظهير المنظم للقضاء العرفي قضية أسطورية كبرى في تاريخ المغرب. وأخيرا, لو كان الأمازيغ يحملون قليلا من الثقافة العالمة تمكنهم من اكتساب وعي سياسي في وقت مبكر لما أزعج بعضهم الظهير المذكور لأنه ينظم العمل بالعرف بمعزل عن اللغة والدين.ويجب الاستدراك بالقول إن الحرف (لو), حرف امتناع للوجود, لا يجد محلا في التاريخ الذي يدرس الأحداث كما وقعت لا كما ينبغي لها أن تكون. وبالتالي و جبت إعادة قراءة الظهير المذكور بما هو أول نص قانوني مكتوب ينظر إلى العرف الشفوي.ومن جانب آخر, ينبغي النظر إلى المغرب بمنظور التعدد الثقافي و الإثنوغرافي كذلك في وطن موحد متجانس جغرافيا.فالظهير لم يتأسس على اللغة بل على العرف والعادات الأمازيغية. وبالفعل هناك قبائل, وإن كانت تتحدث الدارجة المغربية , لا تزال تحافظ على الثقافة الأمازيغية كما سبقت الإشارة.فإذا كان اللسان لم يؤخذ بالحسبان فإن التعدد الثقافي والتنوع يفرض نفسه. ولقد ارتكبت أخطاء كثيرة في التعاطي مع الوحدة المغربية خلال فترة الحماية الفرنسية و بداية الاستقلال .صحيح أن شعار الوحدة الترابية صامد إن استحضرنا مشكل تسطير الحدود مع الجارة الجزائر في الجنوب الشرقي المغربي الذي ظل عالقا إلى اليوم وفي مشكل الصحراء المغربية الذي ينتظر الحل. وصحيح أن شعار الوحدة الترابية يغنينا عن النظر في الأصل ومواطن الفصل بين الثقافات و الإثنيات. لكن الوحدة الترابية في حاجة إلى دعم بوحدة ثانية وحدة النظم القبلية في إطار الكونفدراليات. وكانت بداية ارتكاب الخطأ في التعاطي مع قضية الوحدة المغربية مع ظهور التأويلات الأولى للظهير المذكور الذي لم يطلع عليه كل المحتجين, حيث يروج أن الأستاذ عبد اللطيف الصبيحي الذي كان يعمل في إدارة الشؤون الإدارية والسياسية بالإقامة العامة هو الذي اطلع عليه وجند النخبة العالمة بسلا لقراءة اللطيف فعم الاحتجاج في مدن المغرب التاريخية. وبموازاة ذلك لم يعلم سكان المدن شيئا عن الأوساط العرفية , ولا ننكر أن الظهير المذكور قائم على بعض البحوث الفرنسية والدراسات.وعلى سبيل المثال دون الدارس الفرنسي نيهليليل أعراف معظم قبائل ايت يزدك بالجنوب الشرقي المغربي ولسبيلمان دراسة قيمة حول قبائل ايت عطا. وباختصار فا لاحتجاج على الظهير المذكور مبالغ فيه إن لم يصح القول إنه استغل الفهم الخاطئ لنصه أسوأ الاستغلال,وكانت أولى الاحتجاجات بقراءة اللطيف بمساجد الحواضر المغربية. واللطيف بيت شعري بيانه (اللهم يالطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير- فلا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر).فالشطر الأول من البيت الشعري ذو حمولة دينية إسلامية و في الشطر الثاني شحنة لغوية.فالكلمة (بيننا ) في الشطر الثاني تعني (نحن) أي العرب /المسلمين والكلمة (البرابر) تعني الأمازيغ المسلمين. ويستنتج من شعار اللطيف أن هناك طائفتان,العرب و الأمازيغ, والأخوة بينهما قائمة على الإسلام. ولا غرو, فإحداث المحاكم العرفية يعني الكف عن العمل بالشريعة الإسلامية في الأحوال الشخصية. ولا يعنينا هنا الحديث عن طبيعة المجتمع المغربي العرفية بقدر ما يعنينا أن الحركة الوطنية تأسست على الحدث الذي صنعته من الظهير المذكور فأعلنت التفرقة بشكل ضمني و لم تقترح ,للأسف , مشروعا وحدويا يقوم على الدين أو اللغة.و بعبارة أخرى,ما الذي يوحد المغاربة إذن؟ .وكيفما كان الجواب فقراءة اللطيف إعلان غير مباشر للتفرقة في وقت مبكر من تاريخ المغرب الحديث. و لقد نجح الوطنيون الجزائريون في تجاوز أي خلاف يمكن أن يعرقل وحدة الصف الجزائري القائمة على التحرير, لذلك تأسست جبهة التحرير الوطني لغاية واحدة ووحيدة تحرير الجزائر من الاستعمار. و لقد فشل المغاربة في عهد الاستقلال في معالجة المشكل الذي فجرته الحركة الوطنية.ولما لاح في الأفق مشكل الصحراء ظل التعامل معه من منظور فوقي ولم يصبح يوما موضوعا مجتمعيا يحق التداول فيه بكل حرية,أي لم يفتح أي حوار يتناول المشكل من منظور سياسي أو ثقافي.ونسجل أن تاريخ المغرب خال من أي خلاف لغوي ومن أي مشكل في الخلافة أو الوحدة. فالأمازيغ هم الذين رحبوا بمجيء القبائل العربية في العصرين الموحدي و المريني. وفي جميع الأحوال فالمخزن المغربي لا يؤسس تعامله بالمرة على أساس إثنوغرافي بل على أساس وظيفي محض, يتأثر بطبيعة السلطة المركزية. وكلما ساد الاستقرار السياسي ونجحت السلطة المركزية في فرض سيطرتها على المحاور التجارية والمواضع الإستراتيجية, تصادف في النصوص التاريخية الحديث عن تمرد قائد في قبيلة ما وتعيين قائد أخرفي صفوف قبيلة أخرى وكلما ضعفت السلطة المركزية يحل النظام العرفي محل النظام القائدي المخزني ويقتصر الولاء فقط على جمع الضرائب أحيانا وعلى الدعوة للسلطان في الخطب المنبرية.فالقبائل المغربية تنظم نفسها بالعرف, لذلك زعم بعض الدارسين الفرنسيين أن هناك بلاد المخزن وبلاد (السيبا).ففي ما يسمى بلاد (السيبا) سلطان القبائل, وفي بلاد المخزن سلطان القائد.وحينما يحل سلطان القبائل محل سلطان المخزن يتأسس المجلس العرفي الذي يعمل وفق العرف مثل مجلس (ميعاد) بني يزناسن ومجلس بني كيل ومجلس قصور فيجيج ومجلس ايت عطا ومجلس ايت أربعين بالصحراء المغربية الذي أنشأ عرفا يعود على سنة 1165هجرية.والناظر في العرف المغربي الصحراوي يلمس تشابها بينه وبين الأعراف المغربية الأخرى ذلك أن العرف-هنا أو هناك- يحوي مسطرة زجرية,نبين ذلك فيبعض بنود عرف (ايت أربعين) كالتالي (كل من أعان ظالما ولو كان أباه أو أخاه يقوم بإطعام ايت أربعين, وإن كانوا جماعة يقوم كل واحد منهم بذلك بمفرده) و(من أتلف حرثا غيره فعقوبته خمسة مثاقيل فضة ) أما كل (من سل مكحلة في وجه أحد, فعقابه خمسة مثاقيل فضة, وإن جرحه فابن لبون من الإبل ). وفي فصل تنظيم المعاملات المالية (من أكل أموال آخر ظلما فعقوبته وعقوبة من يساعده ابن لبون من الإبل لكل واحد ويرد للمظلوم ما أخذه منه ) وفي باب القضاء (من منع الشريعة <أي دعاه القاضي ولم يستجب > يغرم بعشرة مثاقيل فضة ) و(كل قبيلة تعلن العداوة لقبيلة أخرى تدفع عشرة نوق عشروات ). فالحكم الذاتي ليس إلا تصحيحا لوضع مغربي قبلي لم يدركه الوطنيون المغاربة في وقت مبكر لأنهم لم يدرسوا الأوساط القبلية المغلقة,ولم ينفتحوا على الدراسات الفرنسية.فهناك خصوصيات ظرفية تاريخية ترفع حكم القائد المباشر وتفرض العمل بالعرف, لذلك نظم ظهير 16 مايو العمل بالعرف بالمناطق ذات العوائد الأمازيغية أي أنه-الظهير- اعترف فقط بوحدات سوسيوثقافية قديمة قدم المغرب, مختلفة غير متجانسة تفضل الانتظام في الكونفدراليات القبلية. ومن الكونفدراليات التي تضم قبائل عربية مثل ايت ياف المان اللتي قبلت انخراط عرب الصباح (بباء مضعفة) وهي من بني معقل.إن اقتراح الحكم الذاتي يعني تأكيد تاريخ المغرب البدوي المنتظم في الغالب في الكونفدراليات القبلية, أي التنظيمات التي سادت قبل احتلال فرنسا المغرب بقرون من الزمان. فأين التفرقة التي تخوفت منها الحركة الوطنية المغربية, وما موقف أولئك الوطنيون القدماء من مقترح الحكم الذاتي. فالتاريخ يصحح خطأ المؤرخين وله منطقه الخاص.
#لحسن_أيت_الفقيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟