|
عن فيلم سينمائي اسمه بابل
جاسم المطير
الحوار المتمدن-العدد: 2197 - 2008 / 2 / 20 - 11:58
المحور:
الادب والفن
فيلم / بابل / صفقة كبيرة مع ايجابية الفن والفكر أصبحت كلمة الإرهاب موجودة في كل لغات العالم وهي كلمة مثيرة للعواطف الإنسانية بجانبها الكريه ، بل أصبحت تعني أول ما تعني الموت العشوائي في شارع أو في سيارة أو في محطة مترو أو قطار . ثم انتقل هذا المعنى إلى الآداب العالمية والمسرح والسينما وقد أبدع الكثير من الكتاب والروائيين والفنانين في تجسيد معنى الإرهاب والإرهاب الدولي بالذات / أحداث 11 سبتمبر نموذجا / بشكل أسطوري تفوق حتى على أسطورة سيزيف . ضمن هذه الأساطير الفنية ظهر الكثير من الأفلام السينمائية في العالم وفي العالم العربي أيضا واغلبها كان يحمل صفات الجاذبية الفنية محققا رواجا وشهرة وجوائز دولية . من هذه الأفلام التي صاحبها نهج في البناء النسقي المحكم ، بين الفن السينمائي والأحداث الواقعية أو شبه الواقعية ، نجد فيلما عنوانه " بابل " تحول إلى عمل فني يلتمس النفاذ إلى قلوب الناس المشاهدين في القارات الخمس ، فقد حاول هذا الفيلم وهو " للمخرج المكسيكي اليخاندرو جونزاليس " أن يرسم صورة مصغرة للحياة من خلال مشاهده التي التقطها في ثلاث قارات واصفا بدقة أبنية أساسية لوجود العنف والإرهاب كنمط من أنماط السلوك المميز لدى بعض الناس بسوء الطوية والمقصد إزاء الناس المسالمين الآخرين داخل المجتمع . هنا ، في هذه المقالة ، لا أريد متابعة قدرات هذا الفيلم الفنية والحكم عليه نقديا في مدى نجاحه أو فشله في تقديم رؤية معرفية خاصة ، لكن الشيء الأساسي الذي استهلته فلسفة المخرج هي في مخاطبة مشاعر المشاهدين وعواطفهم فكانت المسألة الأكثر وضوحا في الفيلم هي المسألة التي تتعلق بمعنى حياة الإنسان مهما كانت جنسيته ومهما كانت الطبقة التي ينتمي إليها . بعض النقاد والمشاهدين العرب اعتقدوا أن عنوان الفيلم بـ" بابل " لم يكن عبثا أو مصادفة بل أن هدفه الإشارة إلى روح العقل والثقافة الإنسانية في الشرق العربي وبالتالي فان الفيلم بمشاهده ورؤاه كان تعبيرا عن شكل من أشكال الدفاع عن العرب الذين يظهرهم الفيلم بأنهم بعيدون تماما عن لعبة الإرهاب والإرهاب الدولي أي بالضد من نزوع الكثير من أجهزة الإعلام الغربي الناشطة في توجيه نغمة الإرهاب الإجرامية الى العرب وثقافتهم فيلم " بابل " في جانب منه يكشف قدرة الإعلام الأمريكي علي الاختلاق وتسمية الأشياء بغير أسمائها وقدرته علي تكوين رأى عام عالمي بعد أن تبني الإعلام الأمريكي تحويل لهو أحد الأطفال ببندقية والده إلي عملية إرهابية منظمة وإصابة سائحة أمريكية إلى حرب من هذه المنظمة علي الجالية الأمريكية في المغرب، وإذا كان هذا الجانب يظهر جلياً للمشاهد فالجانب الآخر الذي يود الفيلم أن يؤكد عليه بخلاف رصده لبدائية المجتمع العربي وتصحره فكرياً، هو أن سوء التربية والكبت والعنف والعنف المضاد قد تكون الأسباب الحقيقية لتردي المجتمع وانجرافه نحو هوة الإرهاب . لم يبتعد مخرج الفيلم عن محاولته في التحليل الحريص أن يفكك العناصر الأساسية لمفهوم العنف والإرهاب الذي يبدأ مع النشأة والطفولة حين يعطي أحد الآباء سلاحاً نارياً لطفليه كأنما يهديهما لعبة من العاب التسالي . ويكتشف بعد ذلك أن ابنته تتعرى غريزيا أمام أخيها كإشارة واضحة إلى وجود الكبت لدى الإنسان العربي معتبرا أن لعبة السلاح ووجود الكبت هما من ابرز الأمراض الخطيرة الموجعة في جسد المجتمع العربي .. ليس العرب وحدهم يعانون هذه الأزمة السيكولوجية الخطيرة بل هناك شعوب اخرى أيضا لها معاناتها الكامنة في ذات الطبيعة الاجتماعية . ينتقل المخرج من حالة المغرب إلى حالة المجتمع الياباني ليقدم للمشاهدين صورة لفتاة يابانية صماء بكماء تعاني الكبت نفسه وتسعى كفكرة تنتابها للتحرر من كبتها نحو إقامة علاقة مع طبيب الأسنان الذي يرفضها .. ثم نشاهد إحدى الفتيات ترفضه لشعورها بالنقص نتيجة لصمها . في النهاية تلجأ الفتاة لضابط الشرطة الذي يعتبر حلقة الوصل بين الأحداث في المغرب ومثيلتها في اليابان فتسعى لإقامة علاقة في حين يبحث هو عن والدها الذي أهدى بندقيته التي استخدمت في إصابة سائحة أمريكية في المغرب والتي يدعي أحد المغاربة إهداءها إليه بعد وصلة غير ممتعة من التعذيب الذي مارسته الشرطة المغربية ضده وضد أسرته كدليل آخر علي تأصل العنف وعدم احترام أدمية العرب من قبل النظم المستبدة التي جعلت الشرطي المغربي يطلق النار بلا رحمة علي الجسد الهزيل لطفل قد يكون ارتكب خطأ لا يستحق عليه هذا العقاب الوحشي . في الجانب الآخر تتأكد محاولة المخرج وتأكيده علي وحدة الجنس البشري وتشابه ظروفه عندما ينتقل إلي الحدود الأمريكية - المكسيكية والمربية التي تعيش في الولايات المتحدة التي تعود إلي المكسيك لحضور حفل زفاف ابنها بصحبة طفلين تتولي تربيتهما ويعمل المخرج علي إظهار الجانب الفلكلورى للمكان والطقوس المكسيكية التي لا تختلف عن الطقوس العربية، كثيراً وعلي مدار الفيلم الذي يقفز من قارة لأخرى تظهر تفاصيل حياة المجتمع العربي بوجوه عجائزه المتغضنة وملامح أطفاله البائسة والمجتمع المكسيكي بتلقائيته والنظرة الأمريكية المزدرية لأفراده، كذلك التناقض في المجتمع الياباني بين المدينة والتطور التقي وغياب الدفء وتجمد المشاعر الإنسانية وهي الآفة التي تعانيها معظم المجتمعات المتقدمة. حاول الفيلم التأكيد علي الهيمنة الأمريكية في دول العالم الثالث، ففي المغرب تتدخل السفارة في تسيير أو عدم تسيير سيارة الإسعاف لنقل الزوجة المصابة واستبدالها بطائرة مروحية كذلك يعبر عن ضعف النظم العربية أمام كل ما هو أمريكي فالزوج ريتشارد الذي يجسده الممثل " براد بيت " يثور في وجه رجال الشرطة الذين يتخاذلون أمامه وهو يهددهم ويسبهم بلا رهبة أو خجل في حين أن نفس الشخص كان ضمن الكتيبة التي اغتالت الطفل المغربي وأردته رمياً بالرصاص وهنا تتضح المفارقة التي حرص مؤلف الفيلم " جيليرمو أرياجا " ومخرجه " إليخاندر جونزاليس " على أن تكون السمة السائدة في العمل . نلاحظ في هذا الفيلم قدرا من الموضوعية في النظرة إلى الفرد العربي بل وحتى إلى المجتمع العربي فلا نجد فيه أي شكل من أشكال الاستخفاف بالعقل العربي والثقافة العربية المعاصرة أو الموروثة وهو الاستخفاف الذي نجده في كثير من الأفلام الغربية التي تحاول إظهار المجتمع العربي كمجتمع قائم على العنف والعبث وعلى الميزات الفجة . وقد نجح الفيلم في التغلغل داخل الشخصية العربية واستلهام صورة إيجابية أحياناً وصورة سلبية في أحيان أخرى، وقد نال عن جدارة جائزة الأوسكار بعد ترشيحه لست جوائز أخرى، فقد استحق الإخراج والسيناريو جائزة والموسيقى التي كانت عنصراً مهماً في الأحداث بالتعبير عن المشاعر الصامتة لأبطال العمل والتنوع الذي حرصت عليه في الانتقال من قارة إلي أخرى . ـــــــــــــــــــــــــــ بصرة لاهاي في 2007
#جاسم_المطير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن وسائل الارهابيين في بغداد
-
عن الحمير والفيلة ..!!
-
عن حملة فرض القانون في الموصل الحدباء
-
مدنيون
-
حول العلم العراقي
-
عن تكريم الرموز العراقية
-
حول نداء الديمقراطيين العراقيين
-
حول اجتثاث البعث
-
المرأة والديمقراطية
-
اراء في الديمقراطية
-
ثقافة موسيقية
-
مسامير جاسم المطير 1417
-
تحية الى هيئة تحرير الحوار المتمدن
-
مسامير جاسم المطير 1415
-
مسامير جاسم المطير 1416
-
افكار في الديمقراطية
-
البنطلون رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ..!!
-
مسامير جاسم المطير 1413
-
مسامير جاسم المطير 1412
-
الى الدكتور علي الدباغ مع التحية
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|