حسين صالح جبر
الحوار المتمدن-العدد: 2193 - 2008 / 2 / 16 - 10:26
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
مرة واحدة فقط زارتني جدتي في السجن وكانت الاخيرة حيث ماتت بعدها بأشهر. وبعد عناق طويل وقبل دافئة منها جلسنا انا وهي وامي التي لم تغب عني ولا زيارة.
امسكت جدتي بيد معروقة يدي وتمسح باليد الاخرى دموعا رقيقة نزلت منها بصمت رغما عنها . فاجأتني بسؤال مباغت .....قل لي هل السجن لي ؟ اجبت لا
قالت هل السجن لامك او لاختك فيحاء؟ قلت لا ,السجن لكم انت الشباب فلا تحمل هم لانه سياتي اليوم الذي تخرج به من هنا لان الله يعلم انك مظلوم.
ربما أكثر من يعرف جدتي دون ان يراها هما اثنان كانا معي في السجن عبد الحسين فالح حافظ ابو شروق وعبد الرزاق سعد حرج ولا ادري ماذا سمى ابنه الاول لكنه كان يحب اسم سعيد.
حدثتهم كثيرا عن جدتي لا لشئ سوى لتمضية الساعات الطويلة والرتيبة داخل زنزانات جهاز الامن المسؤول عن سجن ابو غريب, حيث وضعونا بعد ان خفضنا من حكم الاعدام الى المؤبد. كنا سبعة او ثمانية اخوة وليس رفاق سجن فقط, وجدتي حاضرة غائبة يوميا ولاكثر من ساعة اروي حكايتها منذ ان تزوجت جدي وبتفاصيل تتخللها المزح .
كان التلهف وروح المتابعة واضحة على وجوه المستمعين وهذا شجعني احيانا على اختلاق احداث اتوقع انا نفسي انها هكذا حدثت لجدتي .
كان الاكثر حفظا وتذكرا للاحداث هو رزاق وكنت احسده على ذاكرته القوية اما الاكثر فينا هدوئا فهو ابو شروق.
اذكر مرة وفي نفس الزنزانة كان معنا احد الاخوة الايزيدية ويدعى حاجي وكان مريضا جدا حيث ارتفعت حرارته بشكل خطير ولم يقبل رجال الامن ان يجلبوا له دواء, وكان معنا ايضا محي وهو يعمل معاون طبيب وهو كردي من قرية تدعى ديبكه تابعة لقضاء مخمور.
بدأ محي بعمل الكمادات الباردة حتى يخفض لحاجي حرارته وكان يسهر الليل حتى يطمئن عليه وهكذا لثلاث ايام متتالية وحاجي لايعرف كيف يشكر محي ويشكرنا لاننا اعتنينا به ثم قال اخر جملة له,,كدت اموت لولاك يامحي,, فقال محي دون ان يفطن وبعفوية,, لا تقل هذا الكلام والعن الشيطان,,ونسي حاجي مافعله محي ولم يتحدث مع محي الى ان اخرجونا من الزنزانة بعد خمسة اشهر الى الاقسام المفتوحة والتي يحق لك فيها ان يزوروك اهلك.
#حسين_صالح_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟