|
نقد مجموعة نجمة الظهر
شاكر رزيج فرج
الحوار المتمدن-العدد: 2193 - 2008 / 2 / 16 - 09:55
المحور:
الادب والفن
المجموعة القصصية ـ نجمة الظهر ـ لـ يحيى صاحب تداعيات السرد على ضفاف اللغة الشعرية الباهرة يتبع نظام ـ الوصف ـ في نصوص يحيى صاحب ابتداءها من الاستهلالات حتى نهايات المتون بنمذجة خاصة ـ تقترب إن تكون فريدة وذلك بلملمة الموجودات المحيطة بأبطال نصوصه لزيادة الكثافة الهيكلية للحكاية ( الطرف الثاني من مكون النص) والتي غالبا ماترد على لسان ضمير المتكلم(..) مستثمرا قدراته الذاتية في فعالية اللعب بالكلمات وإمكانياته اللسانية لتأسيس بنى وهياكل تعبيرية يكون الهاجس الشعري بوابتها ومنافذها التي تتسع مع حركة الوقائع والإحداث للبلوغ إلى الذروة لكل متن على حدة / بعيدا عن التداخل / التناص/ التماثل / حيث يحتفظ كل نص بخصوصية تمايزه عن سواه وهذه حالة قد تكون نادرة في المجاميع القصصية ، تسجل لصالح ـ القاص!ـ ولكن لغته الشعرية لم تكن حالمة ، هائمة ، يضرب بها الخيال على منصات ونواصي وضفاف ليس لها ملمس الوجود العياني المعاش أصلا بل كانت تجترح / تتناغم / تستل مفردتها من هذا الوجود مقتربة إلى حد بعيد إلى إن تكون على هيئة أنساق سردية ، تتقصد أمرا معينا ومحددا أيضا . فعلى سبيل المثال نقرأ له في قصة ـ تداعيات ـ / حيث يشع زجاج العارضات المتوهج بالنضار في أزقة بالغة الضيق تجري بصهرير إلى نهايات ، معظمها ينغلق بجدران / وفي قصة ـ الجوع ـ / ما انفكت عناقيد السحب التي جعلت منذ ما بعد ظهيرة أمس تتجمع وتتراقص ، على حالها ، معلقة ، تتدلى من سوباط سماوي غير منظور، بينما بدت أقواسها البيض الرصاصية أكثر تداخلا وكثافة . يعزز وجهة النظر هذه نصوصه المسرحية الشعرية والتي بلغت أكثر من عشرين ، منها/ تموز موته وحياته / المستنقع/ الحسين أبدا/شجرة النار / الغول /طاووس ...الخ والمكتوبة عادة بلغة شعرية حوارية (..) وهذا شأن يحيى صاحب في جميع منجزاته الأدبية / لايعرف غير لغة الشعر، عدا ما ينجزه من تراجم . إن يحيى صاحب يحاول عبر كتاباته إن يجد نوعا من التوازن ما بين البناء الهندسي الشكلي لحكايته والمضمون المستهدف ، لذا نجده يبحث عن الموجودات الموضوعية في المحيط الأقرب / الملامس للحدث المروي ، دون الانحدارالى الترهل والحشو أو الإفراط في تحميل الموقف ما لا طاقة له ، وصولا إلى الذروة دون إن يطرق مدويا بـ ـ الحدث المركزي ـ لاثارة المتلقي ، بل يجعل الأخير يمتلأ على هون بسيل الوقائع حتى يستكمل مهمة الوصول إلى هدفه الذي خطط له . في أقصوصته الأولى ( ماراثون ) لاتجد ملامح لاي بطل فردي كما لا تستدل الأفعال إلى إن القاص يتقصد الإشارة إلى بطل بعينه إنما كان همه / كما هو مكتشف عند نهاية المتن إن البطل ، هو مجاميع الناس الذين ليس لهم عدد محدد ، بل كان كلما واصلوا الجري يتزايدون / ناس تركض باتجاه الأفق ، عددهم اخذ بالازدياد وان عدوهم سيتواصل ، ولم ولن يتوقف ...النص / ولعل القاص أراد إن يقول لنا :ـ إلى إن التوق للوصول إلى الأفق ـ كهدف سام ـ هو شأن الخيرين وان مسيرتهم لن تتوقف أبدا وهم في تزايد مستمر . في أقصوصته ( القلعة ) : يطرح القاص ـ يحيى صاحب ـ قضية التعايش بين الإنسان و حيوات أخرى لاسيما الحيوانات الأليفة ، كالكلاب ،بل ويذهب إلى محاولة انسنتها لتأخذ دورا محركا في الإحداث ، فثلاثة عشر كلبا يجتمعون ويتناقشون ولديهم كلب البلدوك ! الذي يقودهم ، وان هذه الكائنات الوديعة قد أمضت دهرا طويلا في التعامل مع سكان القلعة الأثرية والتي فقدت ميزتها كتراث ثر بسبب تحويل الإنسان لأغلب أماكنها إلى دكاكين وبيوت وأصبحت مأوى لاستباحة البدو لأهم ساحاتها ، حيث استخدمت كـ ـ مناخة ـ تعبث بها الإبل والحمير، ولم يعد الناس ليتذكروا أنها معلم تأريخي إلا في أوقات قليلة ، عندما يقوم بعض السياح والمهتمين بتصويربعض الأجزاء أو التطلع إلى معالمها . في قصتي / تداعيات / و / القصة البيضاء / يستظهر ـ القاص ـ تلك العلاقة الحميمة بينه وبين الكتب من خلال إبطاله ففي القصة الأولى، يشتري بطله نسختين لكتاب واحد ..لماذا؟؟ لأنه في الغالب يفقدها ، إما بسبب تنقله أو إن احد الأصدقاء يستعيرها منه دون إن يعيدها ، وها هو مستعد للتضحية تحسبا لما قد يحدث .... ويحيى صاحب الذي يحاول تخليق نوع من التضاد والتقاطع ، يقدم شريحتين من الناس ، الأولى المتمثلة ببطله المهوس بالقراءة والشيوخ في المقهى الذين ( لايفكرون سوى بالموت ، وانحدارهم البطئ الذي لايتزحزح في تلك الحفر الضيقة الباردة البالغة الوحشة ... النص ) ....ولم يكتف ـ القاص ـ بشطر نصه إلى نقيضين ، بل عاد ليهز توازنه بمثير حسي يشتمل على حبكة (..) فهو عندما يشتري كتابا من بائع رصيف يكتشف إن خطوط قلم الرصاص تحت بعض الأنساق والكلمات هي خطوطه هو / أي إن الكتاب يعود اليه / والسؤال الذي يحتاج إلى إجابة من الذي باع هذا الكتاب وكيف ؟ ولعل الجواب هو:ـ اما إن صاحبه قد باعه بدافع الحاجة أو انه هو الذي باع الكتاب بسبب الدافع ذاته ، ولا غرابة في ذلك فالعديد من المثقفين في بلادنا وفي أوقات عصيبة اضطروا إلى بيع بعض مقتنياتهم من الكتب لإطعام عوائلهم . في القصة الثانية نشاهد البطل وهو يتجول في سوق السراي والمتنبي وليشتري من مكتبة الجمهورية بعض الكتب ،وبلغته المعهودة يتحرك مع بطله هنا وهناك سواء في ساحة السراي أو التوقف بسيارة إمام احد النوادي ، ثم يصور لنا الشاعر وهو يقتعد كعادته كل مساء .. أقصى أريكة في أقصى كازينو من الكورنيش ، يتأمل النهر ويتابع النوارس ويرسل النظر إلى ما وراء ضفته الاخرى . ولا غرابة ، فان الهاجس الثقافي هو الشغل الشاغل لمبدعينا ،ليس في ميدان الكتابة بل حتى في العمل اليومي والعلاقات الحياتية العادية ، إذ إن الآصرة التي تشده تتمثل بالكتاب والتي تنعكس هنا وهناك في منجزاتهم بهذه الصورة أو تلك . في أقصوصته ( صورة الفنان طفلا ) يتحدث البطل بضمير المتكلم عن لمحات من طفولته ، تلك التي ظلت تحفر في ذاكرته بقوة وقائعها ، فهو يتذكر كيف تقوم أمه بغسل جسمه – وكأنها تسلخ جلده – و( كانت خيوط الماء المنسكبة من أعلى والمتفرقة على وجهي ، في عيني ، ومنخري وفمي تحاصرني وتجعلني على وشك الاختناق ـ النص ) ... وهو يتذكر كيف اختاره المعلم مع عدد من تلامذه صفه لتقديم مشهد مسرحي إمام المتصرف وكيف استطاع زملاؤه من تأدية أدوارهم إلا هو( ابحث سدى عما يمكن إن أحرك به شفتي ولم استطع ، لقد عجزت تماما .... النص) ومما لاشك فيه فان ـ يحيى صاحب ـ يبدو مأسورا لهذا الهاجس (..) في قصته (الجوع ) نجد نسقا يعلن انه ـــ الوحيد في المدينة الذي يقرأ الجريدة ـ وفي أقصوصته (النحات) تتشكل المدونة ـ بنية ومضمونا ضمن هذا الهاجس أيضا فالمعلمة لاتكف عن متابعة ومراقبة الرجل الذي انسلخ من المدينة ليعيش هنا في الريف ، وفي بيت متميز عن باقي بيوت القرية ،تم بناؤه في ليلة واحدة ....والرائي وربما المعلمة وزميلاتها والفنان أيضا ربما يبحث الجميع (عن علاقة غير أكيدة بين التماثيل الثلاثة... ولكن ثمة رابع وخامس وسادس تمثال .......) والقاص يختصر رؤيته /بان المنحوتات صور أيضا ولا يشغل المعلمة إلا تفاصيلها الصغيرة و(إن تمجيد الحياة ليس يسيرا، ولكن ليس ثمة جدوى في ملاحقة الموت ....النص ) . ولا ريب فان ـ يحيى صاحب ـ ما أرد إن يؤسس حكايات للمتعة أو ينقل آليا لوقائع موضوعية يراها مباشرة أو يختزنها في الذاكرة ، بل نراه وهو يحاول بناء عالم آخر لواقع موجود فعلا لذا قد يتبادر للبعض انه يحاول إن ينحو نحو أفق فلسفي قد يكون غائما أحيانا بتأثر اللغة الشعرية وتعدد وتداخل وتقاطع الصور ، المرئية منها أو المستبطنة وقد يتضح هذا بشكل جلي في أقصوصته الأخيرة ( الحب الأول ) فألام مولعة بالحديقة والأزهار ورغم انتقالها لأكثر من بيت فان أجمل ما في ألام هو هيامها وهوسها بالخضرة ، لم يبارحها ،إذ تلجأ إلى السندين والأصص لتحقيق رغباتها وهوايتها والابنة ـ وهي التي تقوم بدور الراوي ـ لها هويتها أيضا ... اللعب كأي طفل آخر وفي المساء تلتقي مع صويحباتها للسمروكتابة الرسائل وحفظها في صناديق ( نعم ، اتفقنا ، وآمل إن تكون صناديقكن مخبوءة، كما لو أنها ضائعة ، لنفتحها معا ونقرأها لنري أي فتيات حالمات كنا ، وأية مشاعرمتأججة نكن لشبح..) لقد قدم ـ يحيى صاحب ـ مجموعة قصصية تستحق القراءة لا لانها اضافة جديدة لسفر القص العراقي بل لانها تمتلك جدة في التكنيك واستخدام المفردة اللغوية في الافصاح عن افكار ورؤى قاص لم يلق العناية سواء من منافذ النشر او النقاد .
#شاكر_رزيج_فرج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقد قصصي
-
نقد مجموعة قصصية
-
نقد لمجموعة قصصية
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|