ليسمح لي صدركم الرحب بأن أرسل لكم هذه الرسالة لأطلع سيادتكم على ما يضيق به صدري ولا ينطق به لساني، فمواقفكم الحازمة كانت سنداً لنا دائماً في الأزمات والملمات، فأنتم أب لكل المصريين والسيدة الفاضلة سوزان مبارك هي أم المصريين والمصريات ذات القلب الكبير ونصيرة المرأة وحقوق الإنسان، فلتسمح لي سيادتكم بأن أقول بكل حب لمصر ولكم أنتم الذين أصلحتم الاقتصاد المصري المريض منذ عشرات السنين وحقق في عهدكم ولسنوات متواصلة معدلات غير مسبوقة. وإصلاح الاقتصاد هو الطريق إلى إصلاح السياسة وإصلاح مصر هو الطريق إلى إصلاح العالم العربي للحضور المصري الثقافي والإعلامي والسياسي الذي تحتل فيه مصر مكان الرأس المفكر والقلب النابض .
سيادة الرئيس
قرأت في جريدة "وطني" بتاريخ 23/11/2003 مقالاً للأستاذ يوسف سيدهم بعنوان:(قراءة في ملف"الأمور المسكوت عنها62" أحداث قرية "جرزا" .. فصل جديد في مسلسل كريه) كما قرأت تفاصيل نفس الحادثة من د. سليم نجيب في رده على حديث د. رفعت السعيد والذي أجريته معه خلال أجازتى السنوية الذي نشر في "إيلاف"، أعرف يا سيادة الرئيس أن مثل هذه الفصول الفاجعة تحزنكم ومواقفكم السابقة والحازمة من أحداث "الكشح" خير شاهد وكذلك تأكيدكم الدائم بأننا أبناء وطن واحد ولا فرق بين مسلمين ومسيحيين.
سيادة الرئيس
أسلافنا الفراعنة وكهنتهم ضربوا مثلاً فريداً في التسامح الديني فقد كان يوجد في المعابد المصرية ركناً للتجار الوافدين إلى مصر مخصص لهم في المعابد لممارسة شعائرهم الدينية الخاصة. وهذا شئ لا وجود له في أي ديانة أخرى إلا في الإسلام المحمدي قبل أن ‘يدخل إليه فقهاء التزمت وفقهاء الإرهاب اليوم جرثومة التعصب عندما فتح الرسول صلي الله عليه وسلم مسجده في المدينة المنورة ليتمكن بطريق مسيحي من نجران كان ضيفه ليقيم فيه صلاة قداس الأحد. ونحن نري اليوم المتأسلمون الذين خانوا دينهم ينظمون المذابح لإخواننا الأقباط الذين تجري دماؤهم في عروقنا، فمن المعروف أن أغلبية المصريين بقيت قبطية حتى أنه لما جاء المأمون إلى مصر لقمع ثورات فلاحيها الذين ثاروا على الضرائب الباهظة كان مصحوباً بمترجمين لأن أغلبية الشعب كانوا أقباطاً وكانوا يتكلمون القبطية.ولم ‘يرغموا عن ترك دينهم إلا في عهود التعصب،كعهود الحاكم بأمر الله وكافور والمماليك.
سيادة الرئيس
كلما حاول إخواننا في الوطن بناء أو ترميم كنيسة تقوم الدنيا ولا تقعد ولا أعرف لماذا أعطي المتأسلمون لأنفسهم الحق ببناء مئات المساجد العشوائية أو زاوية للصلاة على رأس كل شارع لا ليذكر فيها اسم الله، بل ليذكر فيها اسم الإرهاب والفتاوى بقتل قيادات مصر السياسية والفكرية لتخريب مصر وسفك دماء أبنائها مسلمين وأقباط. أما بناء كنيسة قبطية أو حتى ترميمها أو إضافة طابق فقد أصبح في نظر المتأسلمين جريمة لا تغتفر رغم وجود رخصة من السلطات المختصة، فما حدث في قرية "جرزا"مركز العياط جنوب الجيزة من اعتداء بالعصي والأسلحة البيضاء وجراكن الجاز بعد أن كانوا قد قطعوا تيار الكهرباء للإمساك بسكان القرية كما ذكر د. سليم نجيب، هي مأساة بكل المقاييس،وعدوان على جميع القيم الدينية والعقلية،فالتاريخ يذكر لنا أن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز أمر ببناء الكنائس للأقباط على حساب بيت مال المسلمين. وها نحن نري كيف أن مشعلي نار الفتنة الطائفية يتنكرون لتراث مصر الفرعوني والإسلامي المتسامحيين.ويجعلون من حرق أملاك الأقباط وقتلهم [جهاداً] يتقربون به إلى (مارس) إله الحرب عند الوثنيين لأن الله سبحانه لا يقبل منهم هذا القربان النجس. لقد ذكر الأستاذ يوسف سيدهم رئيس تحرير وطني، أن خفافيش الظلام عندما اقتربوا من قرية"جرزا"كانوا يرددون صيحات "حي على الجهاد" فأي جهل هذا، وعن أي جهاد يتحدثون؟! إن جهادنا كعرب وكمسلمين هو في التحديات التي تواجهنا وتأخذ بأعناقنا وليس في أقباط مصر، الذين ما كانوا أبداً مشكلة لمصر، بل بالعكس هم خيرة أبنائها ونخبتها الاقتصادية والفكرية والعلمية فالعبقرية القبطية شاهد على عبقرية مصر على مر العصور. إن جهادنا الأكبر هو ضد التخلف والأمية لتحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات وحقوق المرأة ومساواتها بالرجل في الإرث والشهادة، جهادنا الأكبر هو في نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني التي تحذرون منها دائماً في كل خطاباتكم، والتي يعمل على تفجيرها في قلب مصر الإخوان المسلمون الذين لا يوجد شر لا يريدونه لمصر.أعرف ذلك جيداً يا فخامة الرئيس لأني كنت في مراهقتي نصيراً لهم وتركتهم بعد أن اكتشفت نواياهم الإجرامية ضد أمنا مصر وضلال مشروعهم الانتحاري، لأنه مشروع للفتنة الطائفية هدفهم هو اضطهاد الأقباط لدفعهم إلى الدخول في الإسلام أو الهجرة خارج مصر.هذا ما كانوا يقولونه لنا.
سيادة الرئيس
أعرف أن ما حدث في قرية"جرزا" مأساة بكل المسميات حتى ولو قتل فيها شخص واحد فديننا الحنيف يقول: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً" وكما قال الأستاذ يوسف سيدهم بأنه:"فصل جديد في مسلسل كريه". أعرف يا رئيسي العزيز أنكم وعقيلتكم وأسرتكم شعرتم وكأن العدوان على "جرزا" كان عدواناً عليكم شخصياً،ولكني عاتب على الإعلام المصري عتاباً مراً، حيث لم تنشر الحادثة _ كما ذكر كل من الأستاذ يوسف سيدهم ود. سليم نجيب _ أي صحيفة أو مجلة باستثناء جريدة"وطني"وكأن هذه الحادثة بسيطة ولا تستحق أي تشهير بها في حين أن صحافتنا تنشر كل الأحداث بما فيها التافهة، فإن هذا التعتيم الإعلامي هو الذي يشجع زعماء الإرهاب وخفافيش الظلام على الاستمرار في هذا "المسلسل الكريه"، فأين الصحافة المصرية الحرة النزيهة؟ وأين صحف المعارضة؟ ولماذا التزمت موقف الشيطان الأخرس؟، وشكراً للأستاذ حسنين كروم الذي قدم في رسالته الشيقة من القاهرة في "القدس العربي" والتي ‘منعت للأسف مؤخراً في مصر مقتطفات من مقال الأستاذ يوسف سيدهم، ولماذا لا نقدم الجناة عبر الصحافة والتلفزيون للشعب أولاً ليحاكمهم ويعي مخططهم ألا وهو ضرب وحدة وأمن وآمان مصر بإشعال نار الفتنة الطائفية ؟ فكان المفروض أن تنتقل عدسات التلفزيون المصري لموقع الحادث مباشرة وتعرض ما وقع من ضرر على أخواتنا المسيحيين من خراب ودمار أمام المشاهدين، مع إجراء حوارات مع رجال الدين المسيحي والإسلامي المعتدلين لنثبت للجميع أننا أبناء شعب واحد وأبناء مصر الواحدة والوحيدة، فالتلفزيون هو اليوم أداة للتوعية أو للتضليل لا مثيل لها.
سيادة الرئيس
لقد طالب زعيم الإخوان المسلمين السابق مصطفي مشهور بأنه:"يجب إخراج الأقباط من الجيش المصري وأن يدفعوا لنا الجزية وهم صاغرون" هذا هو مشروعهم الظلامي لطعن مصر في القلب بخنجر مسموم وإلهائها عن مشروع الإصلاح الاقتصادي والسياسي الذي تقدمونه،وعن مشروعكم الشجاع للحد من النسل، ومشروعكم ومشروع عقيلتكم لمكافحة سرطان ختان البنات الذي يروج له المتأسلمون خدمة للشيطان، وهذا هو حال الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية. المتأسلمون كما أسماهم المفكر والسياسي الكبير ومؤرخ مصر الحديثة د. رفعت السعيد يحتكمون لفقه القرون الوسطي لإبن تيمية وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب وحسن البنا والقرضاوي والغنوشي والترابي والظواهري وبن لادن ونسوا أن اللعب بالإرهاب _ خاصة الآن وبعد أحداث 11 سبتمبر _ هو لعب بالنار، فلقد تناسوا تماماً مبادئ ديننا الحنيف دين الوسطية والاعتدال الذي قال فيه رب العزة:"ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى" فالإسلام حثنا على حسن معاملة الأقباط وكذلك رسولنا الكريم حينما قال:"أوصيكم بأهل مصر خيراً فإن جندها خير أجناد الأرض"، ولقد بلغ تكريم الإسلام للمسيحيين أن سمي القرآن سورة كاملة باسم مريم البتول، حتى إن بعض المفسرين المستنيرين مثل الشيخ الطاهر بن عاشور اعتبرها نبيه. فإن ما يفعله المتأسلمون بكراهيتهم للمسيحيين هو خير شاهد على تنكرهم لروح الإسلام وتمسكهم بالقشور السامة مثل فقه الحقد على غير المسلم والمرأة والمسلم المستنير كما علمهم فقهاء التعصب أمثال ابن تيمية وابن عبد الوهاب الذي هدم ضريح الإمام الحسين في كربلاء وقتل إخواننا الشيعة بمن فيهم الأطفال والنساء.
سيادة الرئيس
ليتسع لي صدركم الرحب ووقتكم الثمين بأن أبوح لكم بكل ما في صدري، وبأن أقص عليكم قصة واقعية عشتها بنفسي وأنا بمصر تعطيكم صورة حقيقية عن مأساة الأقباط اليومية التي تدمع لها العين ويدمي لها القلب، كنت أعمل مدرساً بمدرسة كفر ربيع الإعدادية، بمركز تلا، محافظة المنوفية في العام 1987، حيث كانت بالمدرسة تلميذة واحدة مسيحية اسمها "نجاح"، هذه التلميذة كانت على درجة عالية جداً من الذكاء والنشاط، وكان ترتيبها الأولي دائماً في المدرسة، وشاءت الأقدار أن أدرس لها وهي في الصف الثالث الإعدادي، وبما أنني كنت مدرساً للغة العربية والدين فكان عليها أن تخرج في حصص التربية الدينية، ولكنها كانت تطلب مني أن تجلس وتستمع إلى شرح الدين الإسلامي بكل اهتمام، بل إنها كانت تقرأ آيات القرآن الكريم مع باقي التلميذات عندما كان يأت عليها الدور، بل وتحفظ الأحاديث والآيات وتناقشني في تفاصيل ديننا وكأنها مسلمة تريد أن تعرف،وحكت لي "نجاح" كيف أنها وهي تلميذة بالمرحلة الابتدائية كان الأطفال يرمونها بالحجارة عند خروجهم من المدرسة عقب انتهاء اليوم الدراسي، ولنتخيل يا سيادة الرئيس تلميذة في الابتدائي يرجمها تلاميذ المدرسة بالحجارة ولا ذنب لها سوى أنها مسيحية، وأسأل ماذا حدث لمصر وللمصريين؟! الذي حدث هو أن ثعالب مصر الإخوان المسلمين استطاعوا _ في غفلة من نواظير مصر _ أن يسيطروا على التعليم والإعلام، فهم الذين يقولون للتلاميذ والتلميذات في المدارس ومنذ نعومة أظفارهم بأن المسيحيين كفرة،لا أمان لهم ولا مكان لهم في مصر المسلمة، فمن الذي أوعز للتلاميذ الصغار بضرب نجاح بالطوب عقب خروجها من المدرسة؟ إن لم يكن الإخوان المسلمون الذين هم كما قال عنهم مرشدهم حسن البنا:"ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين" إن المعلمين والمدرسين يلعبون دوراً خطيراً جداً على أمن مصر وسلامتها،وكذلك التلفزيون المصري ‘مقصر في برامجه الدينية حيث سمح لبعض شيوخ التعصب أن يطلوا من شاشته ويخاطبوا الجمهور، وهم لا يعلمون أنهم بذلك يقدمون أكبر خدمة للإرهابيين ويضرون بمصر وبالمصريين كما حدث مع الشيخ الشعراوي _ رحمه الله _ الذي ظل ولسنين يلمح من طرف خفي وبإشارات لا تخفي على جاهل بتكفير أصحاب الديانات الأخرى، حتى سادت في مصر عبارات مثل:(ص كل) وهي ليست معادلة رياضية، ومعناها مسيحي( صليب الكلب)، وكذلك يقولون مصري( أربعه ريشه) وهو لا يتحدث هنا عن مروحة ولكن يتحدث عن مصري مسيحي إشارة عن الصليب، كل هذا التقصير وهذا الإرهاب المسئول عنه اثنان يا سيادة الرئيس هو الإعلام والتعليم الديني المتأسلم.
سيادة الرئيس
سمحت لنفسي بأن أوجه لكم ولسيدة مصر الأولي السيدة الفاضلة سوزان مبارك هذه الرسالة المفتوحة لحبي لكما ولمصرنا الحبيبة، لنحافظا عليها من غدر الغادرين الذين يتربصون بها الدوائر والذين يتخذون من الدين ستاراً لإخفاء مخططهم الحقيقي وهو تشويه صورة مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية بالتعصب، فلنقف يداً واحدة وصفاً واحداً شعباً وحكومة لنضرب بيد من حديد على مرتكبي هذه الجرائم حتى لا تتكرر، وليكونوا عبرة لغيرهم ولكل من تسول له نفسه المساس بأمن وآمان مصر حتى تبقي مصر بكم في أمن وآمان عطوفة على كل أبنائها أقباطاً ومسلمين، مرددين ما كان يردده المصريون المخلصون في فترة الاحتلال الإنجليزي "عاش الهلال مع الصليب" ولنستمد بركتنا من مسجدنا ومن كنيستنا، ولنتذكر مقولة ابن مصر البار الأزهري المستنير زعيم ثورة 1919 سعد زغلول:"الدين لله والوطن للجميع" لنقول للمتأسلمين "موتوا بغيظكم" سيبقي شعب مصر واحداً تحت قيادة واحدة براية واحدة ولا فرق بين مسيحي ومسلم.
رئيس كل المصريين
كنت أتابع خطابكم يوم الجمعة العصيب أمام المجلسين وصعقت كما صعق جميع المصريين عندما توقفتم عن إلقاء خطابكم الشجاع لتحذير مصر من القنبلة الهيدروجينية التي تفجرها في نفسها، قنبلة الانفجار السكاني، قرأت على الإنترنت مقال الأستاذ يوسف سيدهم في "وطني" (نائب رئيس الجمهورية منصب لا يزال شاغراً) وأضم صوتي لصوته عالياً وأضيف: نائب _ بل نواب _الرئيس هو تقليد مصري منذ الثورة وبفضله خرجت مصر سالمة من محنة اغتيال الرئيس السادات لأنكم استلمتم الراية وواصلتم المشوار وكأن شيئاً لم يكن بينما كان المتأسلمون يراهنون على الفوضى والدم. مصر تعرف والعالم يعرف أن خليفتكم هو جمال مبارك. وهو رجل كفء وجدير بهذا المنصب فلماذا لا تسمونه نائباً لكم؟ لتتنفس مصر التي وضعت يدها على قلبها لمدة خمسين دقيقة الصعداء ولتأتي الاستثمارات الخارجية وتتشجع الاستثمارات الداخلية ويطمئن المصريون على أن التداول على السلطة _ بعد عمر طويل _ وأقولها من كل قلبي جعلني الله فداءكم فأنا مجرد فرد وأنتم تحملون على كفيكما أحلامنا ومستقبل سبعين مليون مصري بما فيهم زوجتي(منال) وابنتي (إسراء وصفاء)، لقد ضربتم مثلاً نادراً في الشجاعة في حرب تحرير مصر في 1973 ويوم حاول الإرهابي الترابي اغتيالكم في أديس أبابا رفضتم أن يقيس لكم طبيبكم ضغطكم قائلين له :"لا ضغط ولا حاجه". رجائي أن تتوجوا هذه الشجاعة النادرة بشجاعة سياسية مماثلة فتعلنوا غداً وبكل وضوح وصراحة أن جمال مبارك هو نائب رئيس جمهورية مصر العربية.فدع عنك سيادة الرئيس ما يقوله المثرثرون عن "الجمهوريات الملكية" و"توريث الأبناء" فهذا هو اليوم ضمانة الاستقرار والخطوة الضرورية نحو الديمقراطية وشعب مصر ينشد الاستقرار قبل الديمقراطية.كان الله في عونكم ومتعكم بالصحة والعافية،"وزال عنكم إلى أعدائكم الألم".
وتفضلوا بقبول وافر الاحترام.
مواطنكم الصالح
أشرف عبد الفتاح عبد القادر
الذي يردد أناء الليل وأطراف النهار بيت أمير الشعراء:
وطني لو ‘شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
ashraf[email protected]