|
سيادة العميد ..ضايج!!
ماجد الحيدر
شاعر وقاص ومترجم
(Majid Alhydar)
الحوار المتمدن-العدد: 2191 - 2008 / 2 / 14 - 11:45
المحور:
كتابات ساخرة
الحلقة الاولى / صيف 2003 سيادة العميد ضايج .. سيادته ممتعض ، منزعج ، منعقج .. سيادته منفعل ويعاني من الأرق والكوابيس وقلة الشهية .. سيادته قل وزنه كيلوغراما ونصف منذ التاسع من نيسان 2003. ورغم أن نقصان الوزن هذا كان سيعد أمرا مفيدا بالنسبة لفحص اللياقة السنوي لو كانت الأمور بقيت على حالها فإنه - أي النقصان- ينم في هذه الظروف الجديدة على القلق والانزعاج وفقدان الراحة والاطمئنان . نسأله : لماذا أنت ضايج يا سيادة العميد ؟ لماذا تكثر من التأفف والحوقلة والحسبلة ؟ ولماذا تتعارك مع زوجتك وتضرب أطفالك لأتفه الأسباب ؟ سيقول لك إنه ضايج من العراقيين وأفعالهم. ونسأله لماذا أنت ضايج من العراقيين وأفعالهم؟ سيجيبك لأنهم خونة وحرامية وهمج. ستفهم منه بين التأفف والحوقلة والحسبلة انه منزعج من الأكراد -الذين طلعوا رؤوسهم- ومن الشيعة -الذين طلعت عيونهم- ومن السنة -الذين نسوا الدعاء للرئيس القائد سليل الدوحة النبوية. سيقول إنه منزعج من هذا العدد الكبير من الأحزاب الخائنة والجرائد المغرضة التي ظهرت فجأة… (إسلاميين ، شيوعيين، كردستانيين، ديمقراطيين، وطنيين، أحرار .. ما أدري شنو .. أف!!) سيقول إنه يشعر بالامتعاض من حالة الفوضى والتسيب التي تمر بالبلاد ( وسيقول لك بكل تأكيد : يا أخي إحنه مو أوادم ! إحنه مو مال حرية !) وأخيرا وليس آخرا سيقول لك إنه ضايج من إقبال العراقيين على شراء ونصب الدشات التي تسبب الفساد والانحلال. وحين تقاطعه لتقول له إنه -أي السيد العميد- كان ينصب سراً واحدا من هذه الدشات منذ سنتين بعد أن تبرع به مشكورا أحد الجنود الأغنياء من مواليد 1962 أو 1964 نظير إعفائه من شهري خدمة الاحتياط سيجيبك على الفور وفي شيء من العصبية : يا أخي آني غير شكل ، آني عميد وعضو شعبة! لعد تقبل واحد حافي من أهل الـ .. يصير عنده دش ؟! زعلان سيادة العميد .. الأرض تضيق به .. ويتمنى لو نام ليلته ليصحو وقد رأى أن كل العراقيين ماتوا بالسكتة القلبية! صحيح أن مظاهر الفوضى والانفلات تقلق راحة العراقيين وتسبب لهم كثيرا من الحزن والتوتر يشترك في ذلك الجميع سواء كانوا من مستوى السيد العميد ورفاقه أو من مستوى الموظف البسيط أو بائع البيض والبيبسي، لكن للسيد العميد أسبابه الخاصة للقلق والحزن والتوتر بعضها يعترف بها مع نفسه وبعضها كامن في اللاشعور كما يقول عمنا فرويد طيب الله ثراه : فلقد حلم السيد العميد قبل يومين بأن الزمن عاد به الى الوراء وبأنه يقف مترنحا في سوبر ماركت كبير في الجهراء وهو يحمل بيده اليسرى أربعة من أجهزة الفديو من نوع هيتاشي وبيده اليمنى مكيف هواء نوع سانيو (إثنين طن أبو العين السحرية) ويضع في جيب سرواله الأيمن ثلاث تكات روثمن وفي الجيب الأيمن سيت ملاعق وسكاكين مذهبة وقد فتح أزرار قميصة ليحشر فيه أربع سبائك ذهبية أخرجها من خزانة زجاجية كسرها له جند الحق علقت فوقها يافطة مضيئة كتب عليها (إشترِ وأربح .. جوائز مسابقة محلاتنا لشهر سبتمبر 1990) وكان السيد العميد غاضبا في الحلم لأن عينه وقعت على غرفة نوم فخمة لا يعرف كيف يضعها فوق رأسه فكان يصيح بالجنود: -شيل يا إبن الـ .. ولك أثول شيلها !. حينها هزته زوجته هزا عنيفا ليستيقظ من كابوسه وناولته متأففة كوبا من الماء وصاحت به : -كم مرة قلت لك لا تثقل بالعشا ؟ ثم أدارت له ظهرها وهي تتمتم : -يمكن تخبل الرجال ! وعندما استغرق السيد العميد في نومه مرة أخرى عاد به الزمن هذه المرة الى أواخر عام 1988 ووجد نفسه في جامع صغير في إحدى قرى كردستان النائية. كان الجامع خاليا إلا من سجادتين رثتين فصاح السيد العميد في جنوده: -لفوها .. شيلوها .. خلوها بسيارتي! وحين قال له نائب الضابط العجوز الذي يدعوه الجنود سيد فرحان: -سيدي هذه سجادات قديمة لا نفع لها. وبعدين هذا حرام، هذا بيت الله. -إخرس يا كلب. ألعن أبوك لابو ….. لكن الزوجة لم توقظه هذه المرة واكتفت بأن قالت : -خبال ! ليس هذا كل شيء، فصباح أمس ذهب السيد العميد الى موقع بناء بيته الجديد الفخم الذي توقف عن متابعته منذ عام وأكثر وأزعجه تذكر أن الجنود الذين كانوا قد "تطوعوا" للعمل فيه قد اختفوا تماما والأنكى من ذلك أنهم حملوا معهم كل أدوات البناء وجميع الحنفيات والمغاسل والتأسيسات الكهربائية! يومها سب السيد العميد وشتم ، وارتفع ضغطه واحمر وجهه ولكنه في النهاية اضطر الى الجلوس على كومة من الرمل وهو يمسح العرق ويردد: -بسيطة يا كلاب! آني أعلمكم يا خونة يا حرامية! إيه يا سيادة العميد. كان الله في العون! ماذا تتحمل من بلايا ورزايا !؟ كيف تتخلص مثلا من الورطة التي أوقعت نفسك فيها حين خطبت لولدك الوحيد المحروسة "قادسية" إبنة "الرفيق أبو عروبة " عضو قيادة الفرع وفرضتها عليه فرضا لمجرد أنها إبنة أخت "الرفيق عضو القيادة أبو رسالة" ولم يخطر ببالك أنك ستنام وتصحو لتجد أن "الرفيق أبو عروبة" نزع الزيتوني ولبس الدشداشة وهرب الى بساتين أعمامه وإن "الرفيق أبو رسالة" صار أضحوكة بعد أن طبعوا صورته على ورقة "ماجة". كيف تنسى الوقاحة التي خاطبك بها صباغ السيارات الحقير عندما ساومته على أجرة صبغ سيارة "الدبل قمارة" العسكرية باللون الأبيض وتغيير أرقامها الى أرقام مدنية عندما مد يده نحوك وصاح في جسارة: -جيب يا معود. هي السيارة مال أبوك؟! رحمتك يا إلهي! ماذا يتحمل السيد العميد !؟ من يدخل مع ابنته المدللة الى قاعة الامتحان ليملي عليها الأجوبة خصوصا أنها هذه السنة في البكالوريا ؟ من يعوض عليه المكرمة التي ضاعت عليه عندما مر عيد ميلاد القائد الحبيب دون احتفالات؟ من يزرع له الدوانم العشرين على نهر ديالى خصوصا بعد أن سمع بأن أهلها المسفرين قد عادوا وسيطالبون بها؟ ماذا؟ وكيف؟ ومن؟ ومتى؟ و.. و..و.. أسئلة حائرة تدور في رأس العميد وتقض مضجعه. لكن السيد العميد ليس من "ذولاك الناس" . إن له عقلا يزن بلداً. وهو سرعان ما يتكيف مع هذا الوضع الجديد. إصبر سنة أو سنتين حتى تجده قد عاد الى حالته الطبيعية أو أكثر. ماذا سيفعل السيد العميد ؟ في البدء سيحني السيد العميد رأسه للعاصفة. سيتعلم التواضع والتسليم على الرائح والغادي وسيداوم على الذهاب الى الجامع وفي يده مسبحة طويلة. سوف يسب صدام علنا ويبحث عن فرصة لتأسيس علاقة من نوع ما مع بعض جنود التحالف لكنه لا ينسى مغازلة من تبقى من رفاق العقيدة القدماء وتمني العمر المديد للرئيس المجاهد " كل شي يصير. يمكن يرجع". سينتظر السيد العميد حتى يستقر السوق فيخرج بعض أمواله المنقولة " الكونيتين من فئة الميتين وخمسين، كارتونة من فئة العشرة آلاف، كارتونة أصغر فلوس سويسرية وكلها قد تحولت بنعمة الله الى خمس وعشرينات ألف حمراء جديدة ، إضافة الى خمسة دفاتر دولارات، وبعض السبائك الذهبية … الخ" وبهذه الأموال سيفتتح مشروعا تجاريا مربحا يصعد به فوق النخل. وسيراقب السيد العميد عن بعد حال السياسة وأهلها وعندما يحين الوقت المناسب سيعرف كيف يضع أوراقه مع الطرف الرابح وعندها سيفرك أنوف كل أعدائه وحاسديه. إذن يا سيادة العميد .. أرجوك أن لا تنزعج ..ولا تمتعض .. ولا تضوج .. قليلا من الصبر والدهاء يا سيادة العميد . هذه حال الدنيا .. كل شيء صعب في أوله.. سي يو ليتر يا سيادة العميد !
#ماجد_الحيدر (هاشتاغ)
Majid_Alhydar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن حي المتنبي وستالين والمادة 140
-
آهٍ .. ما أبعد بغداد
-
رثاء لهذا العالم
-
ماذا فعلتم بكتبي أيها ال..
-
ضحكٌ كالبكاء..عن جندرمة الآغا العثماني والعجوز العراقية وحزب
...
-
صرخةٌ على الخليج:شعرُ باسم فرات، الشاعر العراقيٌ المنفي
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|