|
ثنائية الحكومة واللحم الابيض
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 2190 - 2008 / 2 / 13 - 09:25
المحور:
الادب والفن
أخذتني هذه الحكاية على حين غرة .. دهمتني كعاصفة ربيعية : مفاجئة ،نزقة ومدمرة ، وتترك بصمتها الخاصة على مساحة مرورها . احيانا ، يتفتق الليل عن خرائط غير مقدرة .. بل وعن نوبات غضب صادحة ،لها وقع لذة اول نزهات الرغبة في مسارب الجسد . من هنا بدأت الحكاية .. على اعلى الجدار الذي أسندت اليه ظهري ،النهار يلملم آخر خيوط هزيمته الدموية امام سطوة الليل .. تأخر الصديق الذي كنت في انتظاره ،اكثر مما يحتمل صبري ،واوشكت على المغادرة عندما انتصبت امامي وهي تلوك علكة بطريقة مفتعلة ،تدلل على السوقية والابتذال .. - ماذا تنتظر يارجل ؟ هل تبحث عن متعة معقولة الثمن ؟ لم اكن فكرت او خططت لما عرضته علي تلك المرأة الثلاثينية ،فافتعلت هيئة صارمة .. - بل عن صديقي الذي تأخر .. ماذا تريدين ؟ هل تحتاجين لمساعدة ؟ ابتسمت بشفقة .. - يا للثقة يا رجل ! بل انت من يحتاج لهذه المساعدة وانا سأقدمها لك مقابل بعض الدراهم التافهة . - ابحثي عن غيري ارجوك ،ليست بي رغبة الا للموت ! هل انت على استعداد لموت مبكر؟ اقتربت مني وداعبت ذقني بطرف سبابتها بهزء ظاهر .. - انت يا صغيري اعجز من ان تقتل صرصارا صغيرا ،فما بالك بجسد بثقل جسدي ! ومررت يدها على بطنها الضامر قبل ان تقول .. - ان كنت بقدر تهديدك فانا اقبل التحدي ! لفتت انتباهي جدية كلماتها ،فحاولت ابعادها بطريقة الافلاس التي لا تخيب .. - الحقيقة اني كنت امزح ،كل ما في الامر هو اني مفلس ... ومفلس تماما . - هل هذا كل شئ ... اعني انك لست زاهدا بجسدي ؟ لم يكن امامي الا مسايرتها وارضاء غرورها الانثوي ،رغم انها ،والحق يقال ،تتوفر على قائمة مفاتن لا يمكن تجاهلها .. - ومن يستطيع تجاوز سعير موقدك المتأجج سيدتي ؟ - هنا قاطعتني بحزم لتقول .. - ها انت بدأت بالكذب والمداهنة ايها الثعلب الدنئ ! هيا اتبعني الى البيت! ..... في البيت ،اختلف الامر قليلا .. فبعد ان تفحصت ناديا - وهذا اسمها - غرف البيت وتأكدت من توحدي فيه ،ألقت حقيبة يدها على الطاولة التي تتوسط غرفة الجلوس وتخففت من سترتها الجلدية واستأذنتني للبحث عن لقمة في ثلاجة المطبخ .. - ما هذا يارجل ؟ هل انت ناسك لتعيش على الخبز والزيتون ! يالفرط زهدك يارجل ! واين دم المسيح لتكتمل قائمة ايمانك ايها الراهب المعتق ؟ - على الرف الذي يعلو حوض غسيل الصحون . بعد خروجي من الحمام ،كانت ناديا تتوسط ارضية غرفة الجلوس متخخففة من أغلب ملابسها الخارجية وهي تدندن بلحن لم اسمعه من قبل .. - كل هذا الوقت من اجل ان تستحم ايها الراهب ؟ لم انت وحيد هكذا ؟ كيف تحتمل كل هذه الوحدة ؟ لم انت بلا زوجة ؟ألم تجد واحدة على مقاسك ؟ وانفجرت بضحكة طويلة صبغت وجنتيها بحمرة النبيذ الذي كانت تشربه. - هل ستتركني اكلم نفسي هكذا ؟ هل اقتصادك بالكلام من مكملات زهدك ؟ - بل ليس عندي ما اقوله لك .. ثم ها انت تتكلمين بافاضة ،واعتقد ان من يتوفر على ما يقوله يحتاج لمن يسمعه. اطلقت ضحكة اخرى وعبت ما في كأسها ،قبل ان تقول بنفس اللهجة الساخرة .. - يالحكمة الرهبان وعمق فلسفة صمتهم ! اسمع ،(وكشفت عن كامل ساقيها اللدنين لتستريح في جلستها) ما حكايتك بالضبط ؟ غيرك كان سيلتهمني على عتبة باب الدار... ماذا ؟ الا تجدني مثيرة بما يكفي لتحريك شياطين شهوتك... ام تراك راهبا متبتلا فعلا ؟ واطلقت ضحكة أسالت دموع عينيها قبل ان تستطرد .. - ام تراك عنينا خانته دودة فحولته لتتحول الى النخر في زيف رجولته بدل النخر في رؤوس اموال النساء! ما هذا ؟ ألن ترد علي بكلمة ؟ حسنا ، شاركني في كأس على الاقل .. (ودفعت الى يدي بكأس ) اشرب ،عسى ان يحل الشراب عقدة لسانك .. خبرني ، ماهو عملك ... بل اشرب كأسك اولا .. اخذت رشفة من كأسي واتبعتها بثانية دون ان تسمع مني كلمة .. حقيقة الامر هي اني فضلت ان استمع لهذه المرأة التي فرضت نفسها علي بقدرة لم اهتد لتفسيرها ... - ان عملي بسيطا الى الدرجة التي لايستحق ذكره ،ولذا فاني افضل ان لا اكدر صفو ساعتك هذه بذكره . - ما كل هذا يارجل ؟ اتكون قد اعجبتك فكرة الراهب المتبتل ؟ (واطلقت ضحكة مجنونة اخرى ) اسمع ، اتكون ما تزال تحافظ على عفافك الطفولي وتعاني رهاب التجربة الاولى ؟ سأساعدك اذن .. ونهضت لتنضو عن جسدها ما تبقى من ملابسها وتقدمت مني وهي تداعب مواطن فتنتها بحركات تكفي لاثارة جنون راهب حقيقي ،وليس لاثارة شهوة شاب اعزب مثلي .. ركبت فخذي كما يركب ظهر الحصان واحتضنت وجهي بنهديها الطريين .. حافظت على سكوني ..، بل اني سحبت رأسي الى الخلف ... ولكنها كانت قد استشعرت رعشة دبيب الحياة (التي كنت احاول كبحها) في دودة ذكورتي ... فضغطت بكامل ثقلها ... ولان مد لهيبها كان أعتى من صلابتي ... استسلمت لدفء حريقه ليعزلني - للحظة القادمة - عن اوهام سطوة الحكمة . عندما ترجلت ناديا عن صهوة مجد اللحظة الغاصبة ، وكان جسدانا ما يزالان يلوذان بدفء ترجيعات رعشة الانفجار الكبير ، سال على فخذها خيط من دفق الهلام المترجرج فأسرعت تبحث عما يخلصها من لزوجته المقرفة باشمئزاز ظاهر... او هكذا بدا لي الامر ،فندت مني صرخة ندمي .. - كلا ! فسألت باستغراب شديد .. - ماذا هناك ؟ قلت وانا اتوجه الى الزجاجة التي تتوسط ارضية الغرفة .. - لا شئ ،لا شئ ، انسي الامر . توقفت في مكانها منكسرة للحظة قبل ان تبدأ بارتداء ملابسها وتلتقط حقيبتها .. - انت تحتقرني .. كنت اقف عند النافذة احاول تركيز عيني في احدى نجوم ظلمة السماء .. - من قال هذا ؟ صدقيني انا لا احتقرك .. ولماذا احتقرك ؟ انت لم تجبرنني على شئ ... انا الذي استسلم ... - تحت ضغطي .. - بل تحت ضغط حاجتي . - انت تحاول ان لا تجرحني فقط .. - بل هي حقيقة الامر . - اذن انت معترض على مصدر الاشباع... - لا تشغلي نفسك بهذا . مسحت دمعة تدحرجت على خدها واحنت رأسها على خاتم في يدها اليسرى لتداري شعورها بالاهانة .. - اعرف ..، انت نادم على ذبح طهارتك على مقعد مبولة مشاعة ... هذا من حقك ! حز في نفسي ألمها .. - ارجوك ، لا تأخذي الامر بكل هذه الحساسية .. - لا عليك .. سأتدبر امري . واندفعت الى الباب لتختفي في ظلمة الهوة التي فتحتها . """"""""""""""""""""""""
كانت هذه قصة المسرحية التي اعددتها للمشاركة بها في المهرجان الوطني للمسرح والذي دعت مؤسسة الثقافة الرسمية - التابعة للحكومة - لاقامته عام 2007. الملاحظة الوحيدة التي ابداها صديقي المخرج ،عادل سمير ، حول الصعوبة التي ستواجه النص مع ادارة المهرجان كانت هي توقعه اعتراض ادارة المهرجان على عدم شجب البغاء ،كعمل غير اخلاقي ، وادانة المومس ،بطلة المسرحية ، وتصنيف سلوكها على قائمة اللا اخلاقية ، تماشيا مع بنية الموروث الاجتماعي ورؤية المجتمع للقيم السلوكية . وفعلا هذا ما حصل .. وقد جاء في كتاب رفض نص المسرحية : (ان عرض مثل هذا النص من قبل مؤسسة رسمية تمثل الحكومة ، وهي المعول عليها في حماية النظام الاجتماعي وقيمه الاخلاقية ،سيحسب على الحكومة ورموزها السياسية وسيفسر على انه سكوت مدبر منها بهدف نشر الرذيلة بين الشباب والشابات واشاعة التفسخ الخلقي بين صفوفهم .....) . وعلق عادل باسلوبه الناقم الساخر .. - البطالة المستشرية التي تفتك ب 50% من مجموع ابناء المجتمع ، والفساد المالي والاداري الذي يقوده 75% من ساسة البلد وموظفيه المتنفذين ، والذي يضع البلد في المرتبة الثالثة في تسلسل دول العالم الاكثر فسادا ، لاتعد من اعمال الرذيلة او الفساد الاخلاقي ، ولا يحاسب احد من مسببيها ،لكن نتائجها في حياة المجتمع وسلوك ابنائه - تحت ضغط الحاجة والعوز - هي الرذيلة والعمل اللااخلاقي !! أي اخلاق هذه يامؤسسة الحكومة يا راعية الاخلاق والقيم والمثل !! ولكن لا تهتم ؛ ساجيز هذا النص وسانفذه على خشبة مسرح الحكومة بنفس طريقة الحكومة وعين الاداة التي عدتها الخطر الذي يهدد قيم المجتمع واخلاق ابنائه : البغاء الجسدي ! اولاد ال (......) أليس هو اشرف من بغائكم بمناصب الحكومة ! - عادل ، ما الذي يدور في رأسك ؟ - لا شئ ؛ انا فقط سأعامل مؤسسة المسرح بالمثل ..، سأجيز النص بالرذيلة التي اشاعوها ويتنصلون من مسؤوليتها ليعلقوها على شماعة التفسخ الاخلاقي والانحراف النفسي او الشذوذ الفطري .. كل ما يلزمني الان مومس محترفة تحترم اخلاق المهنة ! عصر اليوم التالي دخلت الى مكتب عادل شابة عشرينية بمنتهى الرقة والجمال ، ترتدي بنطالا وبلوزة بلون الثلج يجسدان على جسدها مفاتنا تثير الحجر، حيته بدلال ووضعت امامه ملف المسرحية مشفوعا بكتاب رسمي يأمر باجازتها للمشاركة في المهرجان وتنفيذها على خشبة المسرح ، بعد ان يعدها فتحا في الفن المسرحي الحديث ! قرأ عادل كتاب الاجازة بلهجة المنتصر الشامت ..، وبعد ان تأكد من سلامة التوقيع الذي يذيل الكتاب وصحة اختامه قدم للشابة الجميلة ورقة من فئة المئة دولار وشكرها بامتنان مفرط .. - أرأيت ، هذه اخلاق رعاة الاخلاق العامة وحماة فضيلة المجتمع ! - هذا مجرد سلوك موظف يستغل موقعه الوظيفي لتحقيق اغراضه الشخصية وهو سيتحمل نتائج خطأه ، فيما لو اثير لغط ما حول صلاحية المسرحية او خروجها على الاداب العامة . - لو كان بيننا من يجرؤ على التشكيك في سلامة سلوك واخلاق الحكومة لما كانت بيننا لا ناديا قصتك ولا ناديا التي نفذت مؤامرتي عليها !
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرغبة عند درجة الاستواء
-
وشم على ذاكرة البحر
-
عن الوجع ... وزينب
-
قلب يتوضأ بجدل البحر
-
كركوك في مقاسات الحلف الثلاثي
-
طاعن في خط الافق
-
الشاعر بعد منتصف اللوح
-
نيسان يتهالك على قارعة القدر
-
صعلوك في فخ ال ....
-
أزمة وزارية أم أزمة أجندات ؟
-
انهم يغتالون المطر
-
حجة توبة المالكي الى مشهد المقدسة
-
الاخوان المسلمون في العراق
-
عندما يتكلم صاحب العصمة الامام المشهداني
-
يوما الوحدة الوطنية العراقية
-
مستقبل العراق بين العمامة الشيعية والسدارة السنية
-
جائزة محمود المشهداني للعجائب والغرئب الدولية
-
صفحة جديدة من سجل ايران التوسعي
-
بعد لبنان وجنوبه ،(تقوىومقاومة) نصر الله تعبث بامن العراق
-
الاحزاب ومهمة الانماء السياسي في العراق
المزيد.....
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|