أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - احمد ضحية - في ذكرى الأستاذ محمود محمد طه















المزيد.....



في ذكرى الأستاذ محمود محمد طه


احمد ضحية

الحوار المتمدن-العدد: 679 - 2003 / 12 / 11 - 06:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


مستقبل لا السودان بين ملاك الحقيقة المطلقة والقلق السياسي
• هذه الورقة ليست دراسة لفكر الأستاذ محمود محمد طه بقدر ما هي مقاربة لبعض أفكاره الأساسية التي طرحها في سفره الأول سنة 1945 ومقارنتها باللحظة الحرجة الراهنة التي تعيشها بلادنا مع إضاءة ابرز جوانب هذه اللحظة بتعقيداتها الاثنية والثافية والفكرية والأساسية ولذلك هي ورقة سياسية ذات طابع فكرى تعبيرا عن الوفاء لهذا المفكر الاسلامى رائد التنوير الديني الشهيد محمود محمد طه في الذكرى العشرين لإعدامه فقد مثل فكر الشيخ طه علامة فارقة في تاريخ الإسلام في السودان _الإسلام كايدولوجيا _إذ لم يكن الأستاذ مثل رجال الدين الآخرين بتفكيره العقلاني في معالجة قضايا التجديد وحسه النهضوى العالي في الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الواقع في السودان والعالم العربي والاسلامى . بما مثل هذا النوع من التفكير الذي انطوى على قيم المحبة والتسامح والمواطنة والإخاء الانسانى محددا وإطارا عاما تحرك فيه الأستاذ طارحا فكره وحزبه الجمهوري كبديل لطروحات القوى السياسية (الطائفية:الصحوة الإسلامية ,الجمهورية الإسلامية ,كما عند الأمة والاتحادي والمشروع الحضاري كما عند الجبهة الاسلاميةومشاريع القوى الأخرى) فمنذ العام 1945 عندما أصدر الأستاذ محمود محمد طه كتابه( السفر الأول ) اهتم بمعالجة قضايا التجديد الديني وتحديد مهام الحركة السياسية والفكرية لتحرير السودان من براثن الحكم الثنائي الانجليزى المصري في سبيل بناء جمهورية ديموقراطية حرة سودانية تسع السودانيين جميعهم بمختلف أعراقهم  وتبايناتهم
• لقد مر على السفر الأول منذ ا1945حتى اليوم ما يزيد عن النصف قرن  من الزمان بثمانية سنوات ومع ذلك لا تزال القضايا التي اشر عليها الاشتاذ محمود محمد طه ماثلة لم تحسم لقصر نظر مخططي مشاريع النهضة في السودان الاملر الذي أدى إلى فشلهم وعجزهم عن إعطاء الاستقلال معناه الحقيقي الأمر الذي أل بالسودان ألان إلى مستقبل غامض يصعب التكهن بمجرياته فعملية السلام التي لا زالت  مفاوضاتها تجرى حتى ألان بعد حرب دامت أكثر من 20 عاما ما خفي من مواثيقها واتفاقياتها السرية سواء كان بين طرفي الصراع : الحكومة كممثل للمركز أو شمال السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان كممثل للجنوب أو تلك التي بين  الحكومة والجوار الاقليمى من جهة أو أميركا من جهة أخرى ؟! المخفي أكثر مما هو معلن وهو ما يجعل الأمر غامضا احتمالات انفجار بؤر أخرى للصراع تبقى ماثلة والتشرزم والانقسامات كذلك !
• فمنذ ميلاد الدولة في السودان بمفهومها الحديث في بدايات القرن الماضي وحتى 1983لم يكن التباين الديني يعد هاجسا يؤرق مضجع الحركات الدينية التقليدية (الطوائف والحركات الصوفية )فالبناءان الاجتماعية للمجتمعات السودانية استطاعت استيعاب الإسلام كدين داخلها دون إن يلغى هذا الدين الجديد القوانين الأساسية التي تتحكم في هذه البني الاجتماعية بمعنى إن العادات والتقاليد والأعراف تعايشت مع هذا الدين وحاورته فأنتج هذا الحوار نموذجا إسلاميا متصالحا مع إنسان السودان .. كان هذا النموذج هو الملهم للأستاذ محمود كتنويري يدرك خطورة جماعات وحركات الإسلام السياسي على مستقبل البلاد ووحدتها ومستقبل الإسلام نفسه  نتيجة لاستخدامها الخاطىء للقيم الرمزية والمعنوية لتأكيد سيطرتها وهيمنتها فهذه القيم الرمزية المعنوية ترتبط بنظام كامل من المعارف وفقا لتصور هذه الجماعات والحركات للإسلام وعندما تفشل في فى فرض هيمنتها بواسطة هذه القيم تلجا لآليات القمع المادي وتمارس التكفير وإهدار الدم والاغتيال والإعدام  الخ ...خاصة أنها في السودان ظلت مسنودة باليات السلطة التي مكنتها في 1966 من طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان ومثل ذلك انتهاكا للدستور ولإرادة ناخبيهم من جماهير الشعب !!وفى 1984مضت هذه القوى خطوة أخرى بتكفيرها للأستاذ محمود وإهدار دمه ومن ثم إعدامه في 18 يناير إلى جانب تكفير وإهدار دم الكثيرين حتى ألان !!.منذ وقت مبكر أخذت هذه الجماعات المتناثرة بالأفكار الشيعية وأفكار حسن البنا في مصر تتغلغل في الحركات الدينية التقليدية ( الطوائف والحركات الصوفية ) وتحاول إعادة لنتاجها وفقا لمعايير الاستلام البياني الراديكالي .. وكانت تلك هي نقطة الانطلاق الأساسية للأستاذ محمود في سفره الاساسى : (الرسالة الثانية للإسلام ) . وعلى الرغم من المجهودان الجبارة التي بذلها اليسار السوداني والقوى الديموقراطية الاخرى الأخرى في نقل المجتمعات السودانية من مرحلة الطائفة والقبيلة إلا إن الأداة الأساسية : ( المنهج الجدلي العلمي ) لم تكن تكفى وحدها فى صلب متناقضات بلاد مثل السودان لم تعرف الايدولوجيا بمعناها السياسي والخدمي جيدا ولا تزال كل حياتها تنهض في الماورائيات وميثولوجيا الأرزاق !فالمجتمعات في السودان لم يكتمل انتقالها من مرحلة القبيلة أو الطائفة تماما  ومن هنا كانت تلزم تلك الفترة أدوات أخرى إلى جانب المناهج العلمية للحفر عميقا في الوعي الاجتماعي العام وبتطويع هذا المنهج للعمل في واقع مثل واقع السودان المليء بالمتناقضات ومن داخل الخطاب الديني المهيمن على الوعي العام نفسه ولذلك شكلت مجودات الأستاذ محمود بفكرة الجمهوري في فضح جماعات الإسلام السياسي وطبقة رجال الدين خطرا حقيقيا على الإسلام السياى الأمر الذي أدى إلى تأمر الأخوان المسلمين ( جبهة الميثاق ) مع نظام السفاح نميرى واغتيالها  فى18/1/1984 لأكبر شعلة نور أعادت قراءة الإسلام في السودان بصورة تجعل تعايش الأديان  الاخرى معة أمرا ممكنا
• كان الأستاذ محمود يرى إن المغزى و المعنى الحقيقي للاستقلال يكمن في التخطيط لة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وهو ما كان يميز الجمهوريين  عن الأحزاب الطائفية التي لم تطرح برنامجا  للتعمير  والإصلاح وإنما كانت واجهات سياسية تتصارع فيما بينها  على السلطة من اجل توسيع النفوذ الطائفي  انتبة الأستاذ محمود لما فات على اذاهان منظري فكر النهضة في السودان بادراك  إن الثقافة الإسلامية العربية  لها دور تاريخي في السودان يجب  إن تلعبة لكنها فشلت  في لعب هذا الدور  على الرغم من أنها الثقافة السائدة بفضل امتلاكها  لآليات  القوى المادية  والمعنوية  واليات إنتاج هزة القوى ومن هنا كان نظيرة لدولة موضوعية تضعف الانقسامات  والشرزم  كا محاولة لايقاف  تنازل هذة الثقافة عن دورها التاريخي وانهماكها في الهيمنة مع عجز وسايلها عن الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الواقع ما أدى إلى أزمة الهوية واستقرار الحكم والتنمية
• قامت الفكرة الجمهورية في الحرية  حرية الراى كا مبدأ أصيل في الإسلام ( الدين ) تم الانقلاب علية منذ العهد الاموى ليرسى بعد ذلك العباسين دعائم دولة ثيوقراطية استمرت في إشكال الدول التالية لها في المجال الثقافي الاسلامى العربي  بحيث أصبح الإطار التشريعي لدعاة الدولة الدينية منذ ما بعد الكلونيالية مستمدا من جزورة العباسية والشيعية التي ينهل منها ويستمد قوتة لتكون نتيجة ذلك في السودان إصدار الديكتاتور نميرى لقوانين سبتمبر 1983 الشهيرة التي قضت بإعدام الأستاذ محمود محمد طة بعد مصادرة حرية الفكرية وسجنة وتكفير واتهامة بالردة وإهدار دمة هو ومن معة من الأخوان الجمهوريين وتقتيل وقطع ايدى وأرجل عشرات الإلف من السودانيين باسم تحكيم شرع الله وتطبيق الحدود وعلى الرغم من انقضاء عهد النميرى إلا إن قوانين سبتمبر  استمرت في جوهرها كا إطار مرجعي قاد إلى اعتلا  الجبهة الإسلامية في 1989 لسدة الحكم اثر انقلابها على الحكومة الديمقراطية التي فشلت في الإتيان بإطار تشريعي بديل  ومنذ 1989 وحتى ألان ظلت الجبهة الإسلامية تحاول بناء الواقع الافتراضي للإسلام ( الإسلام كما تتصور في ذهنها ) بإزاحة الواقع الحى المعاش للمجتمعات في السودان وإحلال هذا الواقع الفتراضى محلة فأعلنت الجهاد على غير المسلمين في الجنوب وجبال النوبة واشرعت السودان لأوسع حرب دينية يمكن تصورها وقد حذر الأستاذ محمود منذ الأربعينيات من هذا الخطر القادم وقتها ولم تعر الحركة السياسية الأمر اهتما إلى إن بدأ يتحقق عمليا  منذ 1983 كان الأستاذ محمود يؤكد على الدوام إن الله خلق الإنسان حرا على الفطرة من شاء فليؤمن  ومن شاء فليكفر  ولكم دينكم ولى دين .فذكرفانما  أنت مذكر لست عليهم بمسيطر , ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا  أفأ نت تكهرة الناس حتى يكونو مؤمنين , قل امنوا بة  آو لاتومنوا .. فالإنسان لا يواجهة مسئولية أعمالة الدنيوية إلا بعد الموت يوم الحساب والعقاب  فالله لم ينيب عنة احد ليعاقب الناس بدلا عنة ومشكلة الإنابة عن الله في وعى الإسلام السياسي من اخطر المشكلات إذ يتداخل فدى وعى هزة الجماعات ما هو زمني نسبى بما هو روحي مطلق إذ لا تستطيع الفصل بين السلطة الزمنية النسبية التي مجال اشتغالها  المجتمع ومؤسسات الدولة في إطار تلبية الحاجات الماثلة لهز المجتمع إلى جانب غياب مفهوم الوطن عن ذهنهم فهو وطن معنوي كما أثبتت تجربة الجبهة الإسلامية منذ لخاص بها الذي لاتفق فية مع الآخرين إلا على الأركان الخمسة ؟ ما  يجعل الأمر شبيها باسلا مات عدة  وذلك لنهوض الإسلام كا دين في التأويل بحيث يتم تاويلة وفقا للمرجعيات المعرفية للشخص  الموؤل ووفقا للزمن والمكان  والظروف النفسية التي يعيش فيها هذا الشخص إلى جانب تكوين الثقافي وتجاربة الاجتماعية فكل هذة إلا شياء توتر في تاويلة وقد انتة الأستاذ محمود لهذا الأمر منذ وقت مبكر فجعل الواقع محور اهتمام للدرجة التي اخذ يستخدم فيها اللغة العربية السودانية التقى تفهما كل مستويات الوعي في السودان في طرحة لوجهة نظرة في مختلف القضايا المعقدة والشايكة مثل العلاقة بإسرائيل فهو أول من قال بسلام والمصالحة معها وضرورة التوصل إلى صيغة تعايش بين الفلسطينيين واليهود الخ ...  ومن هنا كان واضحا أن مرجعية المعرفية الأساسية  هي الواقع وما ينطوي علية هذا الواقع من ثقافات ومعارف  ولذلك جاء  استخدام للعربية السودانية لما تحمل من معارف  ولقدرتها على النفاذ إلى الوجدان الثقافي في السودان وبوسطة هذة اللغة حاول إزاحة المفاهيم المتناقضة التي زرعتها وتحاول زراعتها جماعات وحركات الإسلام السياسي في السودان وإحلال مفاهيم الجمهوريين الإسلامية  الديمقراطية الاشتراكية التي تنادى بمساواة المرآة بالرجل وتنبة إلى ضرورة مراجعة قانون الأحوال الشخصية الذي ينتقص من حقوق المرآة وقد عمل الأستاذ محمود والأخوان الجمهوريين باجتهاد في ما يشبة  عملية الحفر في البنية الاجتماعية لإحلال مفاهيم الفكر الجمهوري التقدمية محل السلبي من العادات والتقاليد والأعراف والمعتقدات الخ ..
• إن إدراك الأستاذ محمود محمد طة لحق الاختلاف وحرية الراى واحترام الراى الأخر والتعددية في وقت لم يعرف فتة السودان سوى  الاستبداد وقهر الراى الأخر وتاكيدة للحرية كا مبدأ يرتكز علية الفكر الجمهوري (ندعو أول  ما ندعو إلى شئ أكثر ولا اقل من إعمال الفكر الحر  وليظنن احد إن النهضة الاقتصادية ممكنة بغير الفكر الحر ولا يظنن احد إن الحياة نفسها يمكن إن تكون منتجة بغير الفكر  الحر 1)  وهكذا شكل مفهوم الحرية أساسا وقاعدة ينهض فيها الإسلام  ( وأنزلنا أليك الذكر لتبين للناس ما انزل أليهم ولعلهم يتفكرون 2 ) هذا الأيمان بالحرية لامس الوجدان الثقافي للسودانيين ووجد قبولا لم يجدة غيرة من الأفكار فمنذ أربعينيات القرن الماضي وحتى ثمانينيات شهد الفكر الجمهوري تحولاتة الكبرى  بتحولة إلى حزب واسع القاعدة وبانتشار وسطة الطبقة الوسطي ما اشر على تهديد بالغ لجماعة الأخوان المسلمين والجماعات الأخرى المتطرفة التي خرجت من عباءتها لقد ركز الأستاذ محمود محمد طة على تبيان الجانب  المشرق في الإسلام ولم يفعل مثل الجماعات الراديكالية بتقديم الإسلام كدين قمع وعنف وقتل وقطع با لخلا ف ... بحيث تصبح صورة الله في أذهان المسلمين صورة مخيفة مرعبة تطاردهم حتى في الأحلام  فقد عمد الأستاذ محمود محمد طة إلى فهم تربوي  يعلى من قيمة الضمير الانسانى والتسامح والسلام وهو ما ظل السودانيين بحاجة الية للتصالح مع أنفسهم ومع واقع التباين الديني والتعدد الثقافي والتنوع الاثنى الذي تميز بة السودان حيث لايمكن اكراة احد على شئ في مثل هذا الواقع  ناهيك عن الاكراة في الدين  ومثل ما يقول د/ احمد صبحي  ( أنهم يعطون دين الله وجها قبيحا متشددا  دمويا متحجرا متأخرا  يسهمون في إبعاد أغلبية الناس  عنة ... ولأنهم الأعداء الحقيقيين لدين الله تعالى فان الله تعالى  شرع القتال والجهاد ضدهم وشرع الجهاد والقتال لا لإرغام الناس على دخول الإسلام وإنما لتقرير حق الناس في الأيمان أو في الكفر وفى رفع وصاية الكهنوت عليهم  والكهنوت هم أولئك الذين يدعون التكلم باسم الله ويتحكمون باسمة في عقول الناس وأفكارهم حاربهم الإسلام بالجهاد وتشريع القتال ولكن افلح الكهنوت العباسي والشيعي في قلب المفاهيم  وتحريف الإسلام عن مواضيع 3 ) مقاومة هذا الكهنوت في السودان ظل شاغلا لفكر الأستاذ محمود محمد طة إلى إن نجح هذا الكهنوت في اعدامة في 18/1/1984 ليكون أول شهيد لأجل المبادى والأفكار التي قال بها  ومن قبل ذات الجماعة  التي كرست جل وقتة لدحض أفكارها وتبيان خطرها على الدين والمجتمع ووحدة البلاد
• لقد حرص الجمهوريون على عدم تسمية اسمهم بالسلام حتى لا يختلط اسمهم باسم الدعوات المنسوبة إلى الإسلام ك (الأخوان المسلمين ) وما شابة ( والأخوان الجمهوريين بذلك طلائع الأمة الإسلامية المرتقبة التي يبشرون بمجيئها ويمهدون لهذا المجئ بإقامتهم  الإسلام في أنفسهم وبدعوة الناس الية فعمل الأخوان الجمهوريين اليوم إنما هو ليكونوا غدا الأخوان  وليكونوا المسلمين فان هذين الاثنين هما اللذان سوف يطبقان عليهم يومئذ غير إن دعوتهم وهى إلى الإسلام سوف يتاذن الله بشيوعها
سوف يتاذن الله بشيوعها  في كل بقعة من بقاع هذا الكوكب فيدخل الناس فيها أفواجا ويومئذ فلن تميز بين الناس العقيدة ولا العنصر ذلك بان هذا الكوكب   سوف تحكمه  حكومة عالمية واحدة  تخضع لها سائر الدول فلا يكون التمييز بين الناس إلا على أساس أقاليمهم وتصير البشرية إلى الإنسانية حيث الوحدة التي في إطارها تنمو وتزدهر الخصائص الأصيلة لكل إقليم 5) لقد كان الأستاذ محمود ذا نظرة ثاقبة لمال البشرية فما طرحه في العام 1945باستقراءه لواقع الحال والعولمة لم تتشكل وقتها بعد كمفهوم ثقافي اجتماعي يؤكد بعد النظر والقدرة العلمية العالية على امتلاك قوانين الواقع هذه القدرة هىما ظلت تخيف الحركات الظلامية  المعادية للإنسان ولذلك كان الإنسان والبعد الانسانى الكوني في الفكر الجمهوري هو محور اهتمام الأستاذ محمود فالفكر الجمهوري ينظر إلى إن الأصول الأساسية المشتركة بين الناس كافة هي العقل والقلب أو ما يعرف بالمواهب الطبيعية ولذلك نهض هذا الفكر في تنمية المواهب الطبيعية لا مصادرتها بتصورات مسبقة باسم الإسلام ومن هنا كان منهج الأستاذ محمود مع إتباعه وخصومه هو الحوار أراد بذلك تعميق الحوار كقيمة إنسانية رفيعة تجابه الاستبداد والتسلط باسم امتلاك الحقيقة المطلقة فكان يستمع إلى كل خصم بصبر ويرد عليه بموضوعية ومنطق مترابط حكيم ولا يستنكف الجلوس لساعات طوال للرد على سائل في مسالة اشتبهت عليه وبذات السماحة يجلس إلى الأخوان الجمهوريين فقيمة الحوار عند الأستاذ محمود محمد طه مكملة لمبدأ الحرية في الراى والتفكير فدون هذه القيمة وهذا المبدأ يصبح العقل الانسانى جامدا أسيرا لفتاوى واجتهادات عصور الانحطاط والظلام والله تعالى كرر في كتابه المقدس : أفلا تعقلون .. وجعلناكم شعوبا وقبائل .. وكان الإنسان أكثر شيء جدلا .. قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا .. وجادلهم بالتي هي أحسن .. ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ..فقد كان احتكام الأستاذ محمود للعقل الانسانى فبالعقل نستدل على وجود الله وآياته في الكون والعقل هو منبع الحكمة ومغامرات هذا العقل هي التي تقف خلف الفتوحات الإنسانية في كل العصور مرورا بالتكنلوجيا والتقنية المدهشة التي نستمتع باستخدامها ألان سواء في مجال الاتصالات لو الأعلام او غيرها من فتوحات ولذلك خاطب الله العقل للتمييز بين الخير والشر فالأديان كلها في جوهرها دعوة للحق والعدل والخير والجمال هذا العقل الذي احتفى به الاستاد محمود ظلت حركات وجماعات الاستلام السياسي تعمل دوما على مصادرته بما تحاول فرضه من وصاية وبادعائها امتلاك الحقيقة المطلقة وسعيها لاحتكار الدين دون اعتبار إلى أن الاختلاف  اصل ولازمة للحرية والحوار لقد كان الأستاذ محمود منذ سبعينيات القرن الماضي المطلوب رقم واحد على قائمة التكفير وإهدار الدم في السودان ومن قبل بعض دول المنطقة التي لعبت دورا اقتصاديا كبيرا في تمويل حركات وجماعات الإسلام السياسي في السودان إلى جانب ممارستها لتأثيرات سيئة أسهمت  بفعالية في الاختناق الوطني ةوالازمة الوطنية الشاملة فالحركة السياسية أصلا ولدت شائهة منذ مؤتمر الخريجين ما جعلها تتجه للحكومة الكولونيالية بمطالبها دون أن تتوجه لهذا الشعب الذي مارست عليه تأثيرا سيئا بان عمقت من التطابق بين مفهوم الهوية والدين وعجزت عن تقديم طروحات تجيب على اسئلة المستقبل فانفجرت مشكلة الجنوب وتعقدت وعبر الأستاذ محمود محمد طه عن ذلك بقوله (لماذا قامت عندنا الأحزاب أولا ثم جاءت مبادئها أخيرا ولماذا جاءت هذه المبادىء حين جاءت مختلفة في الوسائل مختلفة في الغايات ولماذا يحدث تحور وتطور في مبادىء هذه الأحزاب بكل هذه السرعة ثم لماذا تضل هذه الأحزاب المساومة في مبادئها 6)فقد هزمت القوى السياسية في المركز (الخرطوم )الثقافة الإسلامية العربية بعدم طرحها للأسئلة الصحيحة للنهضة في السودان باعتقاداتهم في فراديس مفقودة : الدستور الاسلامى , الصحوة الإسلامية والجمهورية الإسلامية ,ودولة الخلافة ولم يفتح الله عليهم منذ فجر الاستقلال بابتكار آليات للقطيعة مع أدوات إنتاج المعرفة السائدة التي أودت بالسودان إلى ما أودت به فعجز عن حل مشكل مثل الهوية:(على سبيل المثال باعتباره ظل على الدوام الأس في ألازمة الوطنية الشاملة )انطلاقا من الواقع المادي شديد التعقيد للسودان كبلاد ذات واقع متنوع ثقافيا ومتباين اثنيا ومتعدد دينيا على الرغم من إن السودان هو الدولة رقم 6 من حيث الموارد على مستوى العالم وقبل الأخيرة من حيث التنمية وفقا لتقارير الأمم المتحدة الإنمائية ويقول الأستاذ محمود (العناية بالوحدة القومية ونرمى بذلك إلى خلق سودان يؤمن بذاتية متميزة ومصير واحد وذلك بإزالة الفوارق الوضعية من  اجتماعية وسياسية وربط أجزاء القطر شماله بجنوبه وشرقه وغربه حتى يصبح كتلة سياسية متحدة الإغراض متحدة المنافع متحدة الإحساس 7) وبالطبع كان يحول بين أنجاز هذا التصور نظرة العقل السياسي الاسلاموعربى في السودان كعقل مركزي للثقافات الطرفية التي ينظر إليها كموضوعات للتعريب والاسلمة ومشاريع للاستشهاد الدائم بدلا عن النظر لهذه الثقافات كذوات من حقها الإسهام في صياغة المعنى الاجتماعي العام للحياة في السودان الأمر الذي ترتب عليه حرب الجنوب الشمال والشمال دار فور والشمال جبال النوبة الخ ...نتيجة لإحساس هذه الثقافات بنفسها ووعيها بزاتها ورفضها لان تكون موضوعا لمشروعات المركز فقد فشل المركز فدى تحقيق أدنى حد من الحياة العادلة وهو ما نبه إليه الأستاذ محمود فقد كان يطمح غلى تحقيق تصوره (تمكين الفرد من ناحيته الإنتاجية والمعيشية حتى يتمكن من استغلال موارد بلاده الزراعية والصناعية بان شاء جمعيات تعاونية لهذا الغرض وإنشاء نقابات توجه العمال 8) لقد قال الأستاذ محمود بذلك في وقت لم تنشا فيه بعد الحركة النقابية  إذ اهتم لشان الفلاح قبل قيام اتحادات المزارعين ودعي للاشتراكية الديموقراطية وحرية المرآة وتطوير التشريع الاسلامى وتطوير شريعة الأحوال الشخصية والموقف الواضح من التعليم الديني ( هو الذي يخرج من يعرفون بطبقة رجال الدين صوروا الدين بسوء تمثيلهم له صورا شوها ... ومعاركنا مع رجال الدين هي معارك مبدئية 9)كل هذه الأمور جعلته مستهدفا من قبل الإسلاميين في المنطقة والسودان لأنه عمل على نزع القناع الذي يختبىء خلفه هؤلاء الاسلامويين وعمد إلى تعميم الوعي بالإسلام كدين يدعو إلى الحرية والتعايش والسلام ( والمدهش إن الله تعالى لم يستنكف أن يسجل أراء خصومه مع أن أرائهم لا تستحق إن تكون أراء إنما هي سباب وتطاول وسؤ أدب فاليهود قالوا إن يد الله مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وفرعون قال انه لا يعلم تلاها للمصريين غير فرعون  وانه ربهم الاعلا لو كان من الممكن إن يصادر الله تعالى هذه الأقوال فلا نعلم عنها شيئا وبعضها قيل في عصور سحيقة قبل نزول القران  ولولا القران ما علمنا عنها شيئا ومصادرة الكتب والمؤلفات هي الهواية المفضلة للكهنوت الديني والسياسي 10) لقد عمدت جماعات الإسلام السياسي في السودان على رأسها طليعتها المتقدمة الجبهة الإسلامية على مصادرة الفكر الجمهوري باستخدام كافة وسائل الاتصال الجماهيري الممكنة لتشويه الفكر الجمهوري ولف انشوطة الردة والتكفير حول عنق الأستاذ محمود محمد طه واستطاعت الهيمنة إلى حد كبير على الوعي العام بواسطة هذه الوسائل تمهيدا لإعدامه الذي تم في 18يناير 1984فوضعت جماعات الإسلام السياسي الأساس التاريخي في السودان لأدب التكفير وإهدار الدم ليتمظهر في عهدا لجبهة الإسلامية منذ 89 في إشكال عدة ابتداء بإحداث الثورة الحارة الأولى التي قتل فيها احد المتطرفين الذين ينتمون إلى جماعة التكفير والهجرة أكثر من عشرين مصليا بمسجد الحارة الأولى امدرمان الثورة في مستهل التسعينيات وفى خواتيم التسعينيات تكرر ذات الحدث بصورة بشعة من قبل المدعو عباس الدسيس المنتمى لذات الجماعة وفى هذا العام 2003 تم تكفير 10 من المواطنين السودانيين وإهدار دمهم والإعلان عن مبلغ 2 مليون جنيه مقابل قتلهم من قبل جماعة متطرفة أسمت نفسها بكتائب الفرقان هذا غير حملات التكفير وإهدار الدم التي ظلت تتم للطلاب العلمانيين في الجامعات السودانية منذ العام 1990 وهكذا استطاعت الجبهة الإسلامية  لا إعدام الأستاذ محمود  فقط بل ذهبت إلى ابعد من ذلك بزرعها القنابل الموقوتة منذ اعتلائها سدة الحكم تتمثل هذه القنابل في جماعات وحركات الإسلام السياسي الراديكالية  إذ فتحت الجبهة الإسلامية منذ 1989 الحدود السودانية إمام المتطرفين الإسلاميين في كل العالم الاسلامى ليجدوا في السودان مكانا ملائما لممارسة أنشطتهم الإجرامية المعادية لحقوق الإنسان والتي أولها حق الحياة بسلام وامن فالوطن لدى هذه الجماعات والحركات وطن معنوي فضفاض أكثر منه تجسيدا لحدود جغرافية معلومة ووطن هؤلاء الاسلامويين هو أينما يوجد مسلمين دون أدنى اعتبار لمفهوم الدولة وما يطرحه هذا المفهوم خاصة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية والحدود والمواطنة والاجنبى والصديق والشقيق والمشترك الثقافي والانسانى الخ ...لقد كان الأستاذ محمود محمد طه يرى كل هذه المتناقضات منذ أربعينيات القرن الماضي قبل تصاعدها بعقود عدة ولذلك كانت اولويات أجندة عمل حزبه الجمهوري محاربة القوى الظلامية ممثلة في الأخوان المسلمين وأرصدتهم المتأخرة (القوى الطائفية والأنظمة الرجعية مثل نظام نميرى أو البشير ) لتكون النتيجة الراهنة وضع السودان ألان أمام احتمالات مخيفة : 1 انتصار الاسلاموعربية (الايدولوجيا ). 2 أو انتصار ما ينطوي عليه المشروع المعلن لقرنق (ما ينطوي عليه وليس ما هو معلن )؟؟ 3 انتصار المشروع الاميركى بتحويل السودان لدولة أشبه بمصر أو إمارات وممالك الخليج ...  فكل ما اشرنا إليه ليس هو المطلوب بعد كل هذه السنوات الطويلة وعذاباتها المريرة وقمعها الماساوى وحربها الضروس  فالمطلوب هو إسهام الجميع في صنع معنى مشترك للحياة في وطن واحد دون استعلاء مجموعة على أخرى أو هيمنة مجموعة على أخرى وبناء دولة سودانية ديموقراطية قوية تحكمها المواطنة والإخاء وذكرى استشهاد الأستاذ محمود محمد طه في سبيل السودان الديموقراطي الموحد دعوة لتتأمل القوى السياسية ذاتها وحالها ومالها حتى لا يتسع مدى المليشيات ونعود إلى المربع الأول
هوامش :
1 محمود محمد طه .  السفر الأول . منشورات الأخوان الجمهوريين . ط أولى   1945 ص : 3
2السابق ..................................................................................................ص:4
3نفسه......................................................................................................ص:5
4 المنظمة المصرية لحقوق الإنسان . حرية الراى والعقيدة .مجموعة أبحاث ............ص:  93
5 محمود محمد طه . السفر الأول...............................................................ص   :6
6 السابق............................................................................................ص : 8
7 نفسه ..............................................................................................ص: 11
8نفسه ..............................................................................................ص :12
9نفسه ...............................................................................................ص:15
10المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ......................................................ص 50



#احمد_ضحية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن .. خط شروع جديد
- السودان : احتمالات السلام واجندة عمل مؤسسات المجتمع المدنى
- العراق : ذاكرة الهنود الحمر .. كم عميق هو الدم !!
- من اوراق الزيتون 2 طارق الطيب
- تخليصات حس طارق الطيب وبعيدا عن الذاكرة السودانية المشتركة


المزيد.....




- بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من ...
- عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش ...
- فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ ...
- واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
- هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
- هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
- -مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال ...
- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - احمد ضحية - في ذكرى الأستاذ محمود محمد طه