|
الأنسان أهم من الجغرافيا والتأريخ والأرض
كريم جاسم الشريفي
الحوار المتمدن-العدد: 2190 - 2008 / 2 / 13 - 10:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كنا في المراهقة السياسية نلتهم الكتب إلتهاماً بدوافع عدة منها التوق الى كنوز المعرفة ، الأستطلاع على تجارب الآخين ،اضافى الى الدافع (الأهم) وهو الأستعراض (العقدي) أمام الأقران . وكأي مبتدأ للتّعلم .. الأدب هو الباب الأرحب مُجتمعاً – الرواية – الشعر- القصة القصيرة- الفن بكل أنواعه أيضاً. لكن الشعر يتصدر الاهتمامات لأننا امة شعرية ورومانسية . إذا لم تحفظ عشرات من الأبيات الشعرية أوالمئات فأنت لاتستطيع أن تكون فارساً شعرياً تستعرض ملكاتك أمام الآخرين أثناء المناظرات والمطاردات الشعرية التي يمتهنها الطلبة والمثقفين والعمال كذلك. عليك أن تثبت الرجولة الشعرية والفحولة البدوية وأنت في المدينة! وهذا أول تأزم نفسي يقع به الشاب ( أو اول مركّب مزدوج للشخصية) كما يسميه علماء الاجتماع . بعدما يتبلور لديك شيئ من معالم طريق أو مسلك معرفي تبدأ بصعوبة تتلمس ملامحه عندها يدفعك الأصرار الى معرفة بدايته .. ثم يحصل الانتقال الأول من المرحلة الشعرية الى المرحلة السياسية ، من هنا تبدأ الرحلة المُكلفة والشاقة لأنها تتطلب جهود استثنائية بالقراءة نوعاً وكماً .. لتّكون البداية الثانية وهي الأدب السياسي. فتجد ((جبران خليل جبران وكتابه النبي الذي تُعاد قراءته على الأقل مرتين ، ثم يأتي سلامة موسى ومجموعة مؤلفاته الرائعة .. والمنفلوطي وظرافة كتاباته ولاذعتها ..الى أن تصل نجيب محفوظ ، وتوفيق الحكيم ، ويوسف ادريس وأدونيس شعرياً، والطاهر وطار روائياً ..)) وأسماء لها شأن في الرفد المعرفي. اضافة الى الكتاب والمفكرين الأجانب ونتاجهم المعرفي بمختلف مشاربهم وتباينها وتراكمها الهائل من المعرفة ذات السعة والعمق .. أما الرافد الذي كوّن انعطافة معرفية فارقة لبدايات النضج هو قراءة التراث والفقه بغثه وسمينه لدرجة أصبح من الأولويات التي نتوق لها لمعرفة (حراكنا الثابت) من الثقافة والمعرفة. بعد كل هذه القراءات المتواضعة استخلصنا شيئأ محورياً منها وهو حرية الأنسان لانه جوهر التأريخ وهدف المعرفة ومحرك الحياة وسيبقى هكذا. حيث لايوجد جديد تحت الشمس كما يقول المفكر (اسبينوزا) لكن كل العلوم ، والصناعة ، والزراعة والمعارف والجغرافيا هي موجودة منذ بدء الخليقة .. فجاء الأنسان مكتشفاً لها ثم بدأ بتطويعها لخدمته . من هذا يستطيع الأنسان أن يكون الأهم من كل الجغرافيا ، والتأريخ المنقول والمكتوب لأنه من صناعة الأنسان وإبداعه المّتخيل. إذن لماذا تكون هذه المبتكرات التي أوجدها الأنسان أن تكون أهم من الأنسان بل تتقدم عليه؟ أن الأهم في بلدنا هوتثقيف مواطننا على أن الأنسان أهم من أي قيمة آخرى مهما كثر اللغط والأجتهادات حول القضايا الساخنة التي يُراد منها جر الأنسان العراقي الى خلافات عقيمة بحجج الأرض ،والقومية ، والأديان .. وبالتالي على حساب حريته وحقوقه . والحال أن هذه القضايا لاتشكل أي أهمية في مجتمعات نأخد عليها . مثل أمريكا ، والهند ، وحتى ايران .. امضينا شوطاً طويل بالمناقشات والحورات التي أوصلتنا الى طريق مسدود وحتى عقيم بعد أن استنزفنا وقتاً وجهداً أحوج ما نكون إليه. أن القضايا المطروحة هي الكيفية التي تكون عليها الفدراليات . وتقسيم الأرض جغرافياً ، وربما الأستقلال والخوف من الأنفصال عن المركز . يستشعر مواطننا انه مأخوذ على حين غرّة كما يقولون بهذه (الترهات). يبدو ان تجارب الآخرين لم نتعلم منها بالشكل الكافي ونعتبر بها ، في آوربا حصل أكثر من ثلاث تجارب لأنفصال التاريخ ومن ثم دمجهة ، واستقلال الجغرافيا ثم عودتها . لدرجة أصبح الدمج والأتحاد والشراكة من الضروريات في اوربا وبشكل تلقائي . من الذي يتصور ان الألمان والفرنسيين سيتحدون ؟ أو الأنكليز والفرنسيين ؟ لانعرف لماذا يصح هناك ولايصح هنا مع فارق التشبيه حيث هناك بالأساس دول مستقلة وهنا وطن واحد ؟ العراق لم يعرف الأستقلال الحقيقي في أي مرحلة من مراحل تأريخه .وعلينا القاء نظرة موضوعية وبدون تعصب ألم يكن العراق صفوياً لقرون ، ثم عثمانياً لمدة أكثر ، وقديماً كان ساسانياً، وعيلامياً وانكليزياً ، ثم الآن يُراد له ان يكون أمريكياً ؟ ألم يكن دمج ولايات العراق تحت سلطة مركزية قهرياً في بداية القرن العشرين حقيقةً، حيث كان الأنكليز وصراعاتهم مع العثمانيين مريرة ودامية حيث الحروب التي خاضوها كانت مكلفة لأنتزاع السيادة الشكلية وتنصيب حكومة من العراقيين ،بحجة الأستقلال الشكلي لكي تكون دولة العراق ذات سيادة بعد اقتطاع امارة الكويت منه ؟ الباحث الموضوعي يستطيع أن يصل الى هذه الحقيقة بسهولة وبدون عناء ولا قرأة آلاف الصفحات ، خصوصاً اذا تجنبنا القرأة (المفخخة) والمتعصبة قومياً ،وآيدولوجياً وآحادية الجانب . أن تصويت مجلس الشيوخ الأمريكي على تقسيم العراق ، ليس فية نقيصة ولاتجاهل للمواطن العراقي إذا صوت المواطن نفسه على ذلك بالقبول أو الرفض . خصوصاً نحن أصبحنا راشدين ولا نحتاج الى وصايا الآخرين أياً كانت مشاربهم . أن من يثير الزوابع بالتصريحات بين الأوساط الشعبية حول الممكن والمفروض على القبول أو الرفض للفدراليات المقترحة هم أناس ذات أهداف سياسية ضيقة . البعض عندما يسمع قضية الفدراليات يُظهر حساسية مفرطة وهو رسمي في أغلب الأحيان ولديه عنوان وظيفي في الحكومة . فجأةً يسحب سيفه من الغمد ويتباكى على وحدة الوطن ارضاً وتأريخاً . لماذا هذا التباكي والعراق مقسم فعلاً الى جغرافيات ، وكانتونات ، متناثرة شمالية وغربية وجنوبية وشرقية في طريقها للتعميد . ألم تكن البصرة والعمارة غير ممتثلة وخاضعة فعلياً للحكومة المركزية بشكل أو بآخر ؟ أو اقليم الشمال هو تحصيل حاصل لو تناولنا الجغرافيا . هل يستطيع المواطن من الجنوب الدخول الى كردستان بدون تزكية مسبقة؟ ألم تكن محافظات (الرمادي،وصلاح الدين ،والموصل،وديالى) مستقلة بقراراتها الى حد ما عن الحكومة المركزية؟ ألم تكن (دولة) الصحوة هي الآمر الناهي في الرمادي . وهي تعمل على انها حكومة لسد الفراغ المركزي . ان الحقائق تفرض نفسها على الأرض ولا أحد يستطيع انكارها إلا اذا هو أراد ذلك . هنا يتأكد قولاً وفعلاً ضرورة بل حاجة العراقي الىحرية وإرادته ، حيث هو الفيصل برأيه وقراره عندها إذا اختار الفدرالية أو التقسيم أو رفضهما . أن الخيار متروك للمواطن ذاته .أن رفاهيته وسعادته وحريته وكرامته أهم من الأرض . الأنسان العراقي هو قادر على اختيار الجغرافيا المناسبة لتلبية حقوقه وطموحاته. دع الأحزاب والحكومة والمنظومات الفكرية أن تتنافس لتشجيع المواطن على اختيار المكان الذي يصون حريته بدلاً من المزايدات العقيمة على أشياء جلبت له المذلة والهوان مثل نقاء التاريخ وقدسية الجغرافيا . لايوجد مقدسات في السياسية والتاريخ والجغرافيا .جمهورية فنلندا تنازلت عن أغنى مقاطعة لها في الجنوب حيث الصناعة والمواد الخام لروسيا عندما تعلق الأمر بحرية الأنسان الفنلندي وكرامته . المقاطعة اسمها (كاريلا) تبلغ أكثر من مئة ألف كليومتر مربع ،وبعد 40 سنة أصبحت فنلندا حلم للمواطن الروسي لكي يعيش بها . أهم ما في الحرية هي أن الأنسان يختار المكان الذي يرغب العيش به ويسافر إليه أو يقيم على أرضه . هذا غير ممكن في بلدنا العراق أي في داخل الوطن فضلاً عن خارجه لا في العهد البائد ولا حتى الآن . وأبسط وأذل قرار لم نتحّرر منه هو مايسمى (بمسقط ارأس) وهذا قانون حقيقة الأمر عنصري أسسه رأس النظام البائد. بينما الأمريكي والأوربي ، والأفريقي لايعرف مثل هذا القانون بأستطاعته العيش كما يحلو له . أن الرفاه الأقتصادي المخطط له علمياً ، وخلق الفرص للعمل ، واعتماد النظم التي تحمي حقوق الأنسان ومن ثم جعلها هي المعيار الأوحد . كفيلة بحل معضلة الفدراليات أو التقسيم .و ليس التعسف والقهر والتثقيف بأساليب بالية لقبول المركزية القاهرة هو الحل الأمثل. الدول الصغيرة التي تحيط بنا مثل الكويت،والأمارات، والبحرين أصبحت نموذجاً مغرياً للعراقي لكي يعيش فيها بل حلم صعب المنال للأقامة على أرضها، فضلاً عن التجنس بجنسيتها. لماذا لا نتسابق لجعل الجفرافيا مغرية للعيش من خلال صيانة الحرية ومستوى الرفاه واحترام الكرامة بغّض النظر عن التقسيم أو الوحدة للعراق نحن نريد انساناً يعرف انه محترم من الآخر ومكمل للآخر ! لماذا دائماً نعود الى النقطة التي انطلقنا منها .. ألم يكن مجلس الحكم هو الذي أقر قانون الفدراليات وحددوا الجغرافيات لها ، وتقسيم الثروات وأقروا نسبها واكتساب الشرعية القانونية والدستورية لكلا القضيتين. لماذا هذه الزوابع التي يثيرها البعض من وقت الى آخر؟ كلنا نتذكراقتراح مجلس الشيوخ الأمريكي الذي صوت على التقسيم . الكل يتذكر معهد (انتربرايس) هو الذي وضع خطة التقسيم واعتمادها تقرير (جيمس بيكر- هاملتون) الذي اكد على التقسيم لكنه أجله الى حين ، حيث توجد أولويات أهم من اقرار الفدراليات. على السياسين والحزبيين والحكوميين أن يعرفوا بدون انسان واعي ، مصان الحقوق وعلى درجة من التعيلم وعلى قسط من الأستقرار لايمكن أن تُحل مثل هذه القضية وغيرها التي تهم كل العراقيين . أما الأنتقائية والأزدواجية في الفهم والممارسة تعرقل الوصول الى الحلول الناجحة لمثل هذه القضية وغيرها. على الحكومة اجراء حملات توعية حقيقية وهادفة ترشد الأنسان بعلمية عن الدفاع عن مصالحه وحقوقه. التقسيم أو الفدراليات أذا كانت تصون الأنسان فهي مرحب بها ،بل مرغوب بها. أما إذا كانت الوحدة تصادر الحقوق والحرية فهي مرفوضة . نحن مع الأنسان فقط سواء كانت الجغرافيا أو الأرض أو التأريخ خرافة أم حقيقة .
#كريم_جاسم_الشريفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
((التكثيف المُلغّم في قصص حمزة الجناحي))
-
محاصّصة التوظيّف في الدولة العراقية الجديدة ودور العشيرة....
-
حقوق الإنسان بين دولة القانون وقانونّية الدولة
-
الأيزيدية .. طائفة مضطهدة مركباً..!
-
أدب السجون السياسية (3)
-
((عاقر، لكنها ولدت من ....)) !
-
قانون التوازن تكريس جديد للمُحاصّصة الطائفية المقيتة ..
-
بين حكومة التأهيلي الدينية والحكومة الليبرالية.
-
حقوق الأنسان العراقي بين انتهاكات الأمس وتجاوزات اليوم..
-
لماذا نتجاهل الحقيقة والتأريخ..
-
روايات في أدب السجون السياسية
-
الحاجة الى مرشدّين ومصلحين اجتمّاعيين اليوم أكثر إلحاحاً من
...
-
مجتمع مدنّي أم مجتّمع عشائري!
المزيد.....
-
مستشار ترامب المستقبلي للأمن القومي يستكشف مقترحات وقف إطلاق
...
-
الإمارات تعلن وفاة جندي متأثرا بإصابة حرجة تعرض لها قبل 9 سن
...
-
والتز: مبعوث ترامب إلى أوكرانيا متمسك بإنهاء الحرب
-
رئيس الاستخبارات البريطانية السابق: أوروبا في حالة حرب حقيقي
...
-
-وول ستريت جورنال-: إدارة بايدن لا تمتلك الوقت الكافي لإرسال
...
-
أمراض تشير لها التشنجات اللاإرادية في العين
-
عالمة روسية: الإنسان لايستطيع تحديد لحظة خروج الذكاء الاصطنا
...
-
ترامب يعتزم فرض رسوم جمركية على 3 دول
-
بوتين: كازاخستان شريك استراتيجي موثوق
-
ممثلو بريكس يجتمعون في يكاترينبورغ
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|