عبد العظيم فنجان
الحوار المتمدن-العدد: 2189 - 2008 / 2 / 12 - 07:00
المحور:
الادب والفن
كانوا يذهبون الى المعبدِ وكنتُ اذهب نحوكِ ، حيث الكهف الذي يسرج فيه وجهُكِ القنديلَ المخبوء في أعماقنا ، فنرى كل شيء ، حتى الظلام ، صافيا . كان ذلك قبل أن نكتشفَ الحبَ في
اغنية بدائية ، تكتبها إيماءاتُ أعضائنا على الريح ، ونتركها تسافر ، دون أن نفكرَ باللحاق بها ، لأنهم كانوا يذهبون الى الحربِ أيضا ، وكنتُ أفرُّ منها نحو سنابل شعركِ ، ملقيا الى الوديان بقوسي وسهامي ، كاشطا عن حنجرتي الصرخة المتوحشة .
هكذا كنتُ أعتقد ، غير أن ذلك كان مجرد وهم ، إذ تجلى البربري الذي في داخلي ، ذات يوم ،
حين شعّ في الكهفِ نتوءُ صخرة ، فتسائلتِ بعذوبة ، وقد فاض نسيمُ روحكِ ، في الهواء ، حتى
طارت في رحابته الوردةُ ، التي كنت اقطفها يوميا في الطريق اليكِ :
- ماذا يشبه هذا ؟
أجبتكِ فورا :
- إنه نسر ..
ورحتُ أدعم نظريتي بضرباتٍ قويةٍ على جناحية ، لكنكِ تدخلتِ في اللحظة الحاسمة :
- دعها تمرح ، إنها فراشة !
فخاصمتكِ . دستُ بقسوة على الوردة ، وخرجتُ غاضبا من الكهف جامعا ، في طريق العودة ،
أقواسي وسهامي التي رميتها من قبل .
قرون كثيرة مرّتْ مذ فارقتكِ ، صار العالم خلالها أكبر من الكهفِ ، وأبعد من المعبد : حضاراتٌ تنشأ واخرى تموت . اممٌ تتمزق ، وشعوبٌ تطحن بعضها : يذهبون الى الحرب وأذهبُ ، متنقلا من خندقٍ الى خندقٍ ، ومن كهفٍ الى آخر ، الى أن وصلتْ هذه الاغنيةُ الى نهايتها ، عندما الجأني البردُ ، صدفة ، الى كهفنا الأول القديم ، في عصر الجليد ، ثم رأيتُ الصخرة مكانها ، فركعتُ أمامها بخشوع لم يعرفه أي معبد ، حتى سال التاريخُ من الجروح التي زرعتها على بَشرة الارض ، وبكيتُ بمرارة ٍ، محاولا أن استعيد آدميتي التي أضعتها بين الأوسمة والمجازر ،
فقد كان النتوءُ على تلك الصخرة : النتوءُ الذي كان شاهد هيامي وخصامي ، يشبه الفراشة ، التي تشبهكِ ، تماما ..
#عبد_العظيم_فنجان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟