أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الكوخي - الإسرائيليات في الحديث النبوي: وقوف الشمس ليشوع















المزيد.....

الإسرائيليات في الحديث النبوي: وقوف الشمس ليشوع


محمد الكوخي

الحوار المتمدن-العدد: 2187 - 2008 / 2 / 10 - 09:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مقدمة :

يعد موضوع الإسرائيليات في الحديث النبوي واحدا من أخطر المواضيع وأكثرها حساسية في التراث الإسلامي، وقد أسال كثيرا من المداد قديما وحديثا وأثار جدلا حادا بين أصحاب الحديث أنفسهم، حيث اعترفوا بوجود أحاديث مكذوبة وإسرائيليات مندسة إلى كلام النبي الأكرم (ص) بدليل الأحاديث التي يروونها عنه من قوله (ص) : " ما من نبي إلا وقد كذب عليه. ألا وسيكذب علي من بعدي كما كذب على من كان قبلي, فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فهو عني وما خالفه فليس عني..." ، وتحذيره لمن يكذب عليه بأن مصيره جهنم : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" ( رواه البخاري ومسلم ). إلا أنهم يسكتون عن هذه الأحاديث الملفقة والمنسوبة زورا للرسول (ص) ولا يخبروننا بشيء عنها وعن إمكانية وجودها في كتبهم وعن الآليات التي استطاعوا بواسطتها منع هذه الإسرائيليات وغيرها من الأكاذيب من التسلل إلى الحديث النبوي واختلاطها به، وهل قاموا حقا بعرض تلك الروايات على القرآن ومقارنتها بمضامينه؟ قبل أن ينسبوها إلى النبي الأكرم (ص) ويصبغوا عليها قدسية ويرفعوها إلى مقام الوحي المنزه؟؟!!...

لكننا عندما ندقق في الأمر نكتشف جهلا مرعبا من أصحاب الحديث بالإسرائيليات بسبب جهلهم بالتوراة وبلغتها العبرية، بل والأدهى من ذلك نجد منهم من يشجع على رواية الإسرائيليات وينسب ذلك إلى النبي (ص) بقوله: " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " ( رواه البخاري وأحمد وأبو داوود )، لنجد عددا من اليهود وأحبارهم السابقين رواة للحديث من أمثال كعب الأحبار ووهب بن منبه... وليختلط كلام سيد المرسلين بخرافات اليهود وخزعبلاتهم، ويتم حشو كل ذلك في كتب الحديث وجعلها وحيا من الله.

هذا بالرغم من أن القرآن حذر منذ بدايات الدعوة الإسلامية، من تزوير اليهود و تلفيقهم للنصوص المقدسة وكشف أنواع التحريف والتزوير الذي يمارسونه، فهو تارة تزوير بالقول ( " وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون." سورة أل عمران الآية 78 ) وتارة تزوير بالكتابة ( " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون." سورة البقرة الآية 79 ) وتارة تحريف للكلمات عن مواضعها ( " ومن الذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخرين لم يأتوك يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولائك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم." سورة المائدة الآية 41 ) وتارة أخرى يكون بإخفاء الحقائق عن الناس ( " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين." سورة المائدة الآية 15 )... لكن تحذيراته هذه ذهبت أدراج الرياح ولم يعرها أصحاب الحديث أية أهمية وكأنها ليست وحيا من الله... ولله في خلقه شؤون!!

إننا نزعم أن كثيرا مما تحتويه كتب الحديث ليس إلا خرافات إسرائيلية وجدت طريقها إلى كلام الرسول (ص) زمن كتابة الحديث في القرن الثالث الهجري أو ما يسميه المؤرخون ب "عصر التدوين"، بسبب جهل أصحاب الحديث بها أو بتواطئهم معها, لا يهم، فهم في النهاية يتحملون المسؤولية سواء كانت نواياهم جيدة أو سيئة... ونحن هنا سنحاول عرض نموذج من هذه الروايات و نحاول دحضه و فضح التزوير فيه محاولين بذلك القيام بعمل مزدوج وضرب عصفورين بحجر واحد : تنقية الحديث النبوي من التزوير المندس إليه وكشف الخرافات والتزوير في الأصل التوراتي لهذه الرواية، ولعدد كبير من الروايات الأخرى.


وقوف الشمس ليشوع بن نون :

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما لم يبن بها ولا أحد بنا بيوتا ولم يرفع سقوفها ولا آخر اشترى غنما أو خلفات وهو ينتظر ولادتها. فغزا فدنى من القرية حين صلاة العصر أو قريبا من ذلك. فقال للشمس إنك مأمورة وأنا مأمور. اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليهم..."
رواه البخاري كتاب الخمس الحديث 3124
رواه مسلم كتاب الجهاد الحديث 4653

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس..."
رواه أحمد المجلد الثاني الحديث 7964

الرواية التوراتية : " حينئذ كلم يشوع الرب يوم أسلم الرب الآموريين أمام بني إسرائيل، وقال أمام عيون إسرائيل: يا شمس دومي على جعبون ويا قمر على وادي أيلون. فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه... فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل. ولم يكن مثل ذلك اليوم قبله ولا بعده، سمع فيه الرب صوت إنسان. لأن الرب حارب عن إسرائيل..."
التوراة: سفر يشوع الإصحاح العاشر ( 12 – 14 )

تعد مسألة توقف الشمس واحدة من القضايا الإشكالية في الحديث النبوي والتي اختلف عليها المفسرون والشراح على امتداد العصور، وذلك بسبب العدد الكبير من المعضلات المنطقية والعلمية التي تترتب عنها... ومع ذلك فقد وجدت الرواية التي تحكي عن هذه الواقعة رواجا كبيرا لدى أصحاب الحديث، سواء الحكاية الأصلية التي تروي أن الشمس وقفت للنبي يشوع عندما كان في طريقه إلى بيت المقدس وهي الحكاية التي صارت منتشرة إلى درجة أن نسب قولها إلى النبي محمد (ص) كما وجدت طريقها إلى الأدب العربي في قول أبي تمام في إحدى قصائده : " فوالله لا أدري أأحلام نائم ألمت بنا أم في الركب يوشع " ( لاحظ هنا دهاء أبي تمام الذي قرن ما بين وقوف الشمس وأحلام اليقظة...).

ولأن الحكاية انتشرت كان لا بد من ظهور تقليد لها أو فلنقل النسخة الإسلامية منها على غرار النسخة الإسرائيلية للنبي يشوع, يقول ابن حجر العسقلاني وهو أكبر شراح البخاري: " وقع في" الأوسط" للطبراني من حديث جابر أن النبي (ص) أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار. وإسناده حسن... وحكا عياض أن الشمس ردت للنبي يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس فردها عليه حتى صلى العصر... وروى الطحاوي والطبراني في " الكبير" والحاكم والبيهقي في" الدلائل" عن أسماء بنت عميس أن الرسول (ص) دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى علي ثم غربت ( لا حظ التطابق العجيب بين الروايات المختلفة في توقيت صلاة العصر!!!). وهذا أبلغ في المعجزة وقد أخطأ ابن الجوزي بإيراده له في " الموضوعات" ( الأحاديث المزورة ) وكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه ( تزويره ) والله أعلم." ( فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج 6 ص 273 ).

لكن هذه الروايات المختلفة أوقعت أصحاب الحديث في تناقضات لا تنتهي، فالحديث الذي رواه الإمام أحمد ( وهو بالمناسبة نسخة طبق الأصل من النص التوراتي...) يكذب هذه الروايات لأنه يقول بأن بأنها لم تحبس لبشر إلا ليشوع بن نون، وقد حاول البعض ومن بينهم ابن حجر التحايل عليه والإدعاء بأن الحديث يتحدث عما قبل يشوع وليس عما بعده. ولكنه تحايل ساذج لا يحل من أصل المشكلة شيئا وهو مضمون الرواية نفسها ومدى صحته... هذا إضافة إلى أن هناك من يعتبر هذه الروايات موضوعة بمعنى أنها نسبت زورا إلى النبي محمد (ص) دون أن تكون هو صاحبها, ولا يخفى علينا مدى قيمة مثل هذا الاعتراف خصوصا إذا كان صادرا عن شخصيات مهمة لها وزنها عند أصحاب الحديث أنفسهم من أمثال ابن تيمية وابن الجوزي...

الإشكالية التاريخية :

تطرح هذه الروايات إشكالية ضخمة على المستوى التاريخي, فكيف يعقل أن تحدث ظاهرة كبيرة كوقوف الشمس لها تأثير على جميع الناس في الأرض من دون أن ينتبه أحد لها؟ فلم يرد عند أي شعب آخر غير القلائل الذين رووا الحكاية أنهم علموا بالأمر، خصوصا أن ظاهرة فلكية كبيرة كهذه لا يمكن أن تكون محلية وإنما هي ظاهرة كونية شاملة يجب أن يعلم بها كل من على الأرض جميعا... لكن كتب التاريخ عند جميع شعوب الأرض تخلوا من ذكر لهذه الظاهرة الفلكية الغريبة!! وحتى لو افرضنا أن هذه الحادثة وقعت في مكان محدد ورآها قوم بعينهم كآية ومعجزة من الله لهؤلاء لما أمكن ذلك. لأنه لا توجد لكل منطقة شمسها الخاصة بها وإنما هي شمس واحدة وهي نفس الشمس التي يراها كل سكان الأرض, فلو توقفت في مكان ما لكان لزاما أن يحي سكان المناطق الأخرى بذلك. وإذا ذهبنا مع الرواية وقلنا بأنها أمسكت عن الغروب في منطقة ما لفطن سكان المنطقة المقابلة من الأرض لذلك لأنها سوف تتأخر في الطلوع عندهم وسيدوم الليل أطول بكثير من زمنه الأصلي, وهناك مناطق أخرى سيدوم فيها الصباح أطول... وهكذا حسب اختلاف المناطق، وهو ما سيسجله الناس دون شك كحادثة غريبة وسيدونها المؤرخون كحالة فلكية شاذة....إلخ، خصوصا وأن الكتابة كانت قد اخترعت بزمن طويل قبل الفترة التي تحكي عنها الرواية ( القرن الثاني عشر قبل الميلاد ) وهناك عدد كبير من الشعوب التي دونت تاريخها قبل وبعد هذه الفترة كالسومريين والبابليين والآشوريين والفينيقيين وسكان وادي النيل وقدماء الصينيين والهندوس... لكن شيئا من ذلك لم يحدث وهو ما يطرح علامات استفهام عديدة حول واقعية هذه الحادثة وصدقها، أم أنها مجرد حكاية خرافية مختلقة نسجها أحبار اليهود لتبرير أمور أخرى سنناقشها في وقتها لاحقا...

الإشكالية العلمية :

أما الآن فسنهتم بكشف التناقضات العلمية في الحديث وأصله التوراتي: تتناول القصة حادثة توقف الشمس عن الغروب وبقائها في مكانها. وبمعنى آخر توقف الزمن عن مجراه الطبيعي، فالمراد من توقيف الشمس هو توقيف الزمن لأن جريانه المعتاد لا يصب في مصلحة بطل القصة ( تأخر يشوع عن الوصول إلى بيت المقدس وتأخر النبي أو علي عن أداء صلاة العصر ) وبمعنى آخر يتم خرق قوانين الفيزياء والطبيعة بدل أن يتحمل إنسان مسؤولية خطأه في التقدير... هذا من جهة ومن جهة أخرى فالقصة تعتمد على تصور قديم للزمان والمكان صار متجاوزا في الفيزياء الحديثة، فهي تفترض أن الزمان والمكان منفصلين عن بعضهما البعض وكل منهما له مساره المستقل عن الآخر بدليل أن الشمس توقفت ( بمعنى توقف الزمان ) لكن يشوع أكمل طريقه نحو بيت المقدس ( بمعنى أن قوانين المكان والمسافات لا تزال قائمة!!)، وهذا التصور لمفهوم الزمان والمكان هو الذي كان سائدا في العلم القديم وفي الفيزياء الكلاسيكية ( النيوتونية ) لفترة طويلة قبل أن يقوم الفيزيائي الألماني ألبيرت أينشتاين في بديات القرن العشرين بدحض هذا التصور والبرهان على أن الزمان والمكان مرتبطان ويخضعان لنفس القوانين الفيزيائية التي تحكم عالما رباعي الأبعاد : ثلاثة للمكان وواحد للزمان ( الزمان- المكان)، وبالتالي فهما متشابكان تشابكا لا انفصام فيه. فنحن لا نستطيع أن نحني المكان دون أن يشمل ذلك الزمان أيضا، ومن ثم فإن الزمان والمكان لا يوجدان على نحو مستقل عن الكون أو أحدهما عن الآخر. وبلغة بسيطة لا يمكن إيقاف الزمان دون أن يعني ذلك إيقاف الحركة التي هي انتقال في المكان...

من جهة أخرى فالقصة تعتمد الحكاية على مقولة مفادها أن الشمس هي التي توقفت لكي يتوقف الزمن للسماح ليشوع بالوصول في الوقت المحدد، وهو ما نفهمه أيضا من مقولات مفسري الحديث فابن حجر العسقلاني يقول : " وقد اختلف في حبس الشمس هنا. فقيل ردت على أدراجها وقيل وقفت وقيل بطئت حركتها وكل ذلك محتمل، والثالث أرجح عند ابن بطال وغيره. ووقع في ترجمة هارون بن يوسف الرمادي أن ذلك كان في رابع عشر حزيران وحينئذ يكون النهار في غاية الطول." ( فتح الباري ج 6 ص 274 ). ويظهر من قوله أن القدماء حاروا في تفسير هذه الحادثة المفترضة وعجزوا عن التوصل إلى تفسير واحد مقنع. لكنهم بالمقابل يجمعون على أن الشمس هي المسئولة عن هذه الواقعة. فالشمس هي التي توقفت وإجماعهم هذا مبني على وجهة نظر فلكية قديمة وخاطئة تفترض أن الشمس هي التي تدور حول الأرض وليس العكس. وهو فرض ظل سائدا فترة طويلة من الزمن قبل أن تظهر تناقضاته ويتم التخلي عنه نهائيا لمصلحة نظرية كوبرنيكوس القائلة بدوران الأرض حول الشمس, لتصير هذه الأخيرة حقيقة علمية مؤكدة لا يختلف عليها اثنان في العصر الحديث خصوصا بعد صعود الإنسان للفضاء وإمكانية تصوير الفضاء بالأقمار الاصطناعية والتلسكوبات الحديثة...

لكن واضعي الحديث ومن قبله أصله التوراتي تركوا بصماتهم فيه لكي تدل عليهم وعلى محدودية معارفهم الفيزيائية وجهلهم بطبيعة الظواهر الفلكية والقوانين التي تسيرها. ولو كان هذا من عند الله ( سواء الحديث أو النص التوراتي ) لكان الله قد فطن بعلمه الكامل للمشكلة ولما كان وقع في مثل هذا الخطأ الفادح، ولكان قال بأن الأرض هي التي توقفت وليس الشمس... ولكن الله يأبى إلا أن يفضح التزوير ولو كره الكارهون!!!

مغزى الحكاية : لماذا توقفت الشمس؟

نعود الآن إلى صلب الموضوع لنطرح عدة تساؤلات مشروعة حول المغزى الذي أراده الرواة من خلال قصتهم : لماذا حدث كل ذلك أصلا ؟ بمعنى لماذا توقفت الشمس ليشوع ومن معه من الإسرائيليين؟ ألم يكن بالإمكان أن ينتظر يشوع ومن معه إلى اليوم الموالي بدل أن يضطر الله ( عبر دعائه ) إلى كل تلك المجازفات وخرق القوانين الكونية لا لشيء سوى لسواد عيون بني إسرائيل؟ لماذا يتحمل الله مسؤولية خطأ بني إسرائيل في تقدير المسافة وتباطئهم في السير؟ أليست لهذه القصة دلالات أخرى أراد رواتها تمريرها عبر حكايتهم تلك؟؟؟

لقد أجاب بعض مفسري الحديث بقولهم أن المغزى من هذه القصة هو التذكير بمعجزات الله تعالى وما إيقاف الشمس ليشوع إلا واحدة من هذه المعجزات... ونحن نعترض عليهم وكما قلنا سابقا بأن المعجزات هي آيات من الله يؤازر بها رسله تأييدا لهم ودليلا على صدق رسالتهم بعد أن يكون قومهم قد كذبوهم فتكون المعجزة إثباتا لصحة رسالتهم. وهو ما لا يتوفر في هذه القصة، فلم يكن وقوف الشمس معجزة من الله لبني إسرائيل فهم لم يكذبوا نبوة يشوع ولم يجحدوا بها... هذا أولا وثانيا فكل المعجزات التي وردت في القرآن هي حوادث محلية بمعنى أنها خرق جزئي لقوانين الطبيعة في مكان وزمان محددين يراها أناس محددون بعينهم دون سواهم وهم المقصودين من الرسالة. أما أن تكون المعجزة خرقا لقوانين كلية للطبيعة تؤثر على من في الأرض جميعا ويرونها في آن واحد، فهذا ما لم يحدث أبدا وليس قابلا للحدوث لاستحالة تحقق شروطه.

كما أن الأصل التوراتي للحديث لا يتحدث عن أي معجزة ولا يتطرق للموضوع بالمرة. إننا نعتقد أن مغزى الحكاية متضمن في أصلها التوراتي فالذين اختلقوها فعلوا ذلك لسبب محدد ولإيصال رسالة بعينها. إن جواب السؤال موجود هناك فالكاتب المجهول الذي حكاها ( وهو بلا شك ليس موسى عليه السلام لأنه كان قد مات في الزمن الذي تحكي عنه الرواية، وهو أيضا ليس يشوع بن نون تلميذ موسى لأن الراوي يتحدث عنه بصيغة الغائب: "هو"... وبالتالي فهو غالبا أحد الأحبار اليهود الذين دونوا التوراة يعد وفاة موسى بأزيد من ألف سنة!!) قال شارحا أهداف قصته : " ولم يكن مثل ذلك اليوم قبله ولا بعده سمع فيه الرب صوت إنسان لأن الرب حارب عن إسرائيل..." . إذا فكل شيء واضح فقد أوقف الله الشمس وحارب نيابة عن بني إسرائيل وقام بكل شيء ذلك اليوم... إذا فالراوي يريد أن يحمل الله مسؤولية ما جرى ذلك اليوم وأن كل ما فعله الإسرائيليون بأعدائهم كان بمباركة من الله وبموافقة منه.

ويتوضح الأمر أكثر إذا ما علمنا أن هذا النص ورد في سفر يشوع الذي يلقبه الباحثون المعاصرون ب " سفر المجازر" ، فهو يمتلأ بأوصاف لفظاعات وأعمال قتل واغتصاب وإبادة جماعية وقتل على الهوية... قام بها بنو إسرائيل ضد أعدائهم من الكنعانيين والآموريين والموآبيين وأهل مدين وغيرهم من الشعوب التي هاجمها بنو إسرائيل وعتوا في أرضها فسادا وذبحا وحرقا. كل ذلك بمباركة الرب وتأييده، فسبحان الله عما يصفون!!! ولكن هذا ليس غريبا عليهم فقد نسبوا إلى الله وأنبيائه جرائم يأبى لها الجبين، ويكفي هنا أن نشير إلى نص آخر في التوراة يقول : " فقاتلوا مدين كما أمر الرب موسى وقتلوا كل ذكر وسبى بنو إسرائيل نساء مدين وأطفالهم وغنموا جميع بهائمهم ومواشيهم وأموالهم... وقال موسى لهم هل استبقيتم الإناث كلهن؟ الآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال واقتلوا كل امرأة عرفت مضاجعة رجل. أما إناث الأطفال اللواتي لم يعرفن مضاجعة الرجال فاستبقوهن لكم..." ( التوراة : سفر العدد 32 ). إنهم ينسبون إلى الله ورسوله موسى عليه السلام أوامر بقتل الأطفال واغتصاب النساء والأطفال... وبالتالي فلا عجب أن يقوم الله بما هو أهون من ذلك ويوقف الشمس حتى يتمكن " شعبه المختار " من ارتكاب جرائم القتل والاغتصاب تحت ضوئها الساطع!!!

صورة بشعة تنم عن ثقافة عدوانية وهمجية لبني إسرائيل لا تزال آثارها بادية عليهم إلى اليوم بما يرتكبونه يوميا من الجرائم في فلسطين المحتلة ويجدون تبريرات لها في الخرافات التي تمتلئ بها كتبهم المقدسة. لكن ما هو أكثر فداحة من ذلك هو أن نجد هذه الخرافات في كتب الحديث الإسلامية ونجدها منسوبة للرسول الأكرم (ص) وهو منها بريء براءته من الأصنام. وبذلك فقد ارتكب رواتها من أصحاب الحديث جريمة مزدوجة : الأولى كذبهم على أشرف المرسلين والثانية ترويجهم لخرافات اليهود وخزعبلاتهم وجعلها جزء من التراث الإسلامي وبالتالي تدنيس هذا التراث وتشويهه... والله المستعان على ما يصفون!!!



#محمد_الكوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأساة العقل في الإسلام : ابن حزم الأندلسي
- ضد الفيزياء الفلكية : فضح التزوير في الحديث النبوي
- فضح التزوير في الحديث النبوي ( ضد البيولوجيا )
- مأساة العقل في الإسلام :غيلان الدمشقي (مؤسس الفكر الديمقراطي ...
- مأساة العقل في الإسلام: عباس بن فرناس
- مأساة العقل في الإسلام : ابراهيم النظام
- العلمانية : وجهة نظر مغايرة
- بيان ضد أيديولوجيا التكفير
- الفتح الإسلامي أم الغزو العربي


المزيد.....




- ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف ...
- زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
- -خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
- الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
- ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات ...
- إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار ...
- قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
- دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح ...
- كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع ...
- -كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الكوخي - الإسرائيليات في الحديث النبوي: وقوف الشمس ليشوع