|
الطامة الكبرى للذهنية البليدة
رشيد قويدر
الحوار المتمدن-العدد: 2187 - 2008 / 2 / 10 - 10:59
المحور:
كتابات ساخرة
الشعب الفلسطيني حزين بفقدان القائد الكبير جورج حبش، وإبان مراسم توديعه في العاصمة الأردنية عمان، كتب ياسر الزعاترة الموالي لجماعة الإخوان المسلمين" مقالاً في صحيفة "الدستور" الأردنية يوم 29/1 الماضي، بعنوان "هموم: الثوري الملتزم جورج حبش" وردت به فقرات متنطعة مثل "وقد يفاجأ البعض بقولي إن كثيرين من أولئك الشبان (يقصد الجبهة الشعبية) قد أصبحوا من "المؤمنين المتدينين خلال التسعينات والألفية الجديدة"، وصولاً إلى "كانت الجبهة الديمقراطية مطية لخيارات فتح السياسية" معبراً عن جهله الصارخ بتطور وتطوير الثورة الفلسطينية المعاصرة في كل مرحلة من مراحلها، وبعد صراع فكري وسياسي في صفوفها وبين فصائلها تتطور الفصائل إلى برامج وائتلاف الوحدة الوطنية وفق قوانين حركات التحرر الوطني الظافرة من فيتنام إلى جنوب إفريقيا. لا تحذوني أية رغبة في السجال مع الأخ الزعاترة وأمثاله من المطايا المغرضين فما يكتبون لا يصلح "أوراق حمام" في مرحاض، فلا يُقنع أحداً، وما يقوله هو بالذات دسيسة حاقدة فاقدة للمصداقية بحق كل ما هو ثوري وتقدمي وديمقراطي، والعياذ بالله. ملتزمٌ بقوله تعالى: "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً" (المزمل ـ الآية 10)، ولكن كلي أمل بأن يصدق وبشجاعة، بالإجابة على سؤال واحد محدد وواضح: يا زعاترة هل تشعر بالخجل من ماضيك وحاضرك وانتماؤك؟ أين برنامج من تنتمي لهم وبرامج أحزابهم في أي بلد عربي وفي البلدان المسلمة ؟ لا يمنعني موقفي من القول بأن مناورات ومفاهيم "الإخوان" في العالم العربي، قد دمرت وعلى امتداد العقود، ما بعد الحرب العالمية الثانية عربياً، كل عناصر الاستقرار السياسي والحداثة السياسية والواقعية العصرية والثقافة الإنسانية العالمية، وسممت عقول أجيال متلاحقة من الشباب العربي، وعمت بلوتها على الحركة النسائية، وعلى الديمقراطية والتعددية الثقافية والدينية، ثم انتقلت إلى العنف واللجوء إلى القوة والانقلابات، وهي وإن حاولت الاحتماء مؤخراً بالوسطية والاعتدال، وبعد تقصير تاريخي في حق "الوطن المغتصب"، وموالاة أنظمة استبدادية رجعية، جمعت منها المال الذي لا طائل له، فإنها بالذات برز من منبتها ومياهها نجوم (سي. دي وكاسيت الوعظ الجهادي) وإشعال النار في الهشيم، وبرز أيضاً "نجوم الموالاة" وكلاهما بحسب جمع المال، ولا مجال للخوض في سماتها هنا تفصيلاً. للزعاترة وظيفة أخرى تتركز على ترويج كل ما هو شائن وإلصاقه بالقوى الثورية الوطنية والتقدمية العربية عموماً، كجزء من الصناعة الاستهلاكية الشمولية، على امتداد الحرب الباردة ستين عاماً تحت سقف الأجندة الأمريكية وحتى 2001، فهو الرجل الذي ولد طاهراً من رحمها، كطفح على جسد الثقافة العربية، بل كببغاوات ملقنة ببراعة، لدرجة أنه بزّ هذه الطيور الجميلة. وعلى طريق الطامة الكبرى الذي لا رجعة فيه، بعد أن انتقل من ذهنية تورا بورا إلى ذهنية وزيرستان ... الذهنية البليدة، حاملةً معها كل المواد غير القابلة للتشكل الثقافي، والتي تكفر الليبرالية ومسلة حقوق الإنسان والقانون الوضعي، فهذه جميعها غير منزّلة، وتصطدم مع مقتضيات "الشريعة" الإخوانية، مدرسة التعاسة في رفضها مزيج الخلاصات الإنسانية وتمازج الخبرات البشرية، مع مفاهيم الثقافة المتنوعة ومفاهيم العدالة الاجتماعية. واسترشد بالقول العربي المأثور "قلب المرء سلاحه، وحصنه العقل"، وقول جبران: "أنت أخي، وأنا أحبك، لكن المحبة هي العقل"، و "المحبة هي العدل". أتوقف هنا لأتهم: تباً لأثرياء الخراب، وأثرياء الحرب بكل صنوفها بما فيها أثرياء "الكفاح المسلح"، وأشباه الرجال مكتملي القيافة، أشباه الرجال في الحيز الداخلي للجنس. تباً لأحزاب الاصطبلات المغلقة المنغلقة ... أحزاب من بقر وماعز يجمعهم شعواط أظلافهم. للفقه الأسود؛ لِمنْ أفتى ومن ذبح نجيب محفوظ، للصوص في زيّ رجال دين، تأخذهم الدنيا بملذاتها، فيقنعون الفقراء بأن لهم الجنة في الآخرة؛ وباسم مؤسسة الرب. تباً لمدافع طالبان؛ وما فعلت بتماثيل بوذا، وللمثقف جورج بوش وما فعل بآثار العراق المنهوبة ... مجزرة التراث الآشوري والبابلي ... وحزبه "الإسلامي" في العراق شريك بوش في حكومة بريمر وحكومات الغزو الأمريكي. تباً لأحزاب ليس لديها نقطة إضاءة على امتلاكها برنامج برؤية واضحة، لتلك الثقافة التي لا تتضامن مع شعوبها، لمثقف ليس لديه رؤية وموقف إنساني وإبداعي خلاق، ومشاعر حضارية تدعوه إلى إسماع صوته للعالم. لمثقف أسقط يمينه في "منسف" الموجة العاتية للطفيليات، للعمائم بيضاء وسوداء، إذا ما قيّدت لحاها المآذن، ففصلت الكاظمية عن الأعظمية، والرصافة عن الكرخ، وغزة عن الضفة، وفصلت التنوع الثقافي التاريخي الجميل، الأكادي السومري الأشوري العربي الكردي الصابئي، التسلسل والمزيج التاريخي المرسوم بعناية فائقة للنوعيات الثقافية في نقاء الينبوع، باسم مؤسسة الرب، المؤسسة التي قال عنها جلال الدين الرومي "النور واحد وإن تعددت المصابيح". تباً لكل هذا ... نحو تصادم وولفوتيز ونظرية الفوضى، نقاط علام في "إعادة تشكيل الشرق الأدنى"، وتمريناً للمذاهب في الفوضى الهدامة، تحت تهديد الكراهيات ... نحو المنفى تحت تهديد الإرهاب. تباً لكل من يجرؤ على الصمت أمام الفساد والتلوث وحروب التدمير الذاتي فكراً وسياسة وبشراً وأوطاناً. في هذا التراكم الذي لم يعد يفضي إلى التحول النوعي الإيجابي، بل إلى التردي والانهيار ... تفاً لمن يكتب "لا عالبال ولا عالخاطر" لجعل المحبة كسيرة، للضّب الذي يحمل كتاباً من كزبرة جلد الحرذون، وقرقعة مصادفات مظلمة، لضفدع تنتفخ أوداجه خيلاء في بركة معقدة التركيب الآسن. تفاً بخليط من الحنق والتبغ والكحول، لتحويل المرأة إلى حريم وقطيع أسود، ومقاضاتها بجريمة الحب، وتعطيل الإنسانية وفعالية العقل وآليات الإدراك. لكل من يشتم محمود درويش بسبب من ديوانه (سرير الغريبة)، وقصائده في الحرية والحب التي وجدت طريقها إلى أفئدة الملايين، لكل من احتج على تسمية شارع باسمه في رام الله رغم أنه جاء متأخراً. تفاً لكلب حراسة قبيلة متمدينة باللاقط الفضائي وال دي في دي، ينتظر عظمة بعد وليمتها، لكل ما بين ليلة وضحاها بلا ذاكرة عمداً، للغريم حين يتحول قاضياً، للوعود الممنوعة من الصرف في الأحزاب المذهبية الشعبوية التي لم تلقِ حجراً على العدو الصهيوني أربعين عاماً، فقد كانت غارقة في صراع الحرب الباردة مع "العدو البعيد" كما أطلقت عليه في أفغانستان وبالتقاطع مع الأمريكان. تفاً لفرط الالتباس القومي والديني والطبقي والإنساني. لكل من لا يمسك بمطرقة سندان الكلام ... للهزائم الحضارية المنتجة بلا قاع، ضريبة التخلف حتى قاع اللا وعي، للتكرار البليد للسلف ليفعل بمستقبلنا ما فعل
#رشيد_قويدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
...في نماذج «الديمقراطية» الأميركية
-
موسكو وطهران... ديناميات الجيوبولتيك والمصالح المشتركة
-
الإسلام السياسي والسلطة الدينية... وصنّاع التعاسة
-
روسيا والانتقال من الاعتراض إلى تأكيد الإرادة
-
مكة 2 ... جنيف 2 ... ومآل المصداقية السياسية
-
النيوليبرالية و((السلام الديمقراطي))... ومسارات الأوهام
-
الفهم المنكوس للعودة وإعادة تعريف القضية الفلسطينية
-
في تفاهات العقل المتخلف وثقافة القطيع
-
حواتمة وحتمية الحل الوطني الديمقراطي الفلسطيني
-
تناقضات سوء الإدراك السياسي
-
نفاقيات شعبوية ... الإسلامويون وثقافة التضليل السياسي
-
روسيا والدرع الصاروخي الأميركي والوضع العالمي
-
اليسار الفلسطيني والعربي ... عوامل التراجع والنهوض
-
التاريخ الفلسطيني وتأصيل الفكر السياسي المعاصر
-
صراع المحاصصة الدموي في قطاع غزة
-
-نايف حواتمة ومحطات الكفاح الفلسطيني بين الدولة والثورة-
-
الزعاترة والهروب على نحوٍ واعٍ أو غير واعٍ
-
الزعاترة وتسويق كوابيس-الثنائية الحدّية-
-
جريمة القنابل العنقودية الاسرائيلية والانتهاك الفاضح للقانون
...
-
روسيا قاطرة -شنغهاي-.. ورئاسة - الثماني الكبار-
المزيد.....
-
لماذا أصبح أفضل كازينو على الإنترنت جزءًا من ثقافة اليوم
-
لماذا يتراجع الاهتمام باللغة العربية؟
-
أفلام عربية مشاركة في الدورة الـ75 لمهرجان برلين السينمائي
-
اختيار فيلم فلسطيني بقائمة لترشيحات جوائز الأوسكار
-
شغف المسرح يعيد الأخوين ملص إلى دمشق: تحدينا نظام الأسد في ع
...
-
القائمة القصيرة لترشيحات جوائز الأوسكار 79
-
فيلم صيني بيلاروسي مشترك عن الحرب العالمية الثانية
-
-آثارها الجانبية الرقص-.. شركة تستخدم الموسيقى لعلاج الخرف
-
سوريا.. نقابة الفنانين تعيد 100 نجم فصلوا إبان حكم الأسد (صو
...
-
من برونر النازي معلم حافظ الأسد فنون القمع والتعذيب؟
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|