أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد الفضلي - أوطان بلا مواطنين ...!














المزيد.....


أوطان بلا مواطنين ...!


وليد الفضلي

الحوار المتمدن-العدد: 2183 - 2008 / 2 / 6 - 11:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تعتبر مفردة المواطَنة من أكثر المفردات حضوراً في الخطاب السياسي والإعلامي والثقافي العربي، إلا أن مفهوم المواطنة يشوبه الكثير من الضبابية التي تحول دون تمثّله على أرض الواقع، وتجعل منه مجرد مفردة رنانة لاستهلاك السياسيين في المناسبات الوطنية، أو لتطويع الإعلاميين الآني، أو إلى فكرةٍ نظرية في خطاب المتثاقفين، ما جردها ويجردها من القيم الكامنة فيها، والتي جاءت كحصيلة تاريخية لمشروع الإنسان الذي يهدف إلى نيل حقوقه، وحمايتها، وتطويرها، بالإضافة إلى تنظيم علاقته مع شركائه في المجتمع والوطن، ومن جهة ثانية تنظيم العلاقة التبادلية بين المواطن والدولة ومؤسساتها.

وعلى الرغم من هذا الحضور القوي لتداول مصطلح المواطنة، إلا أن الغالب الأعم من الدول في العالم العربي عجز عن خلق مجتمع تسوده روح المواطنة وقيمها، فالكثير من الأزمات التي نعيشها ناتج عن غياب ثقافة المواطنة في المجتمع والدولة؛ فعلى صعيد المجتمع تَغلب سمة المواطنة العاطفية الساكنة والاتكالية على ممارسات مكوناته. صحيح أن فكرة الانتماء العاطفي للوطن، هي دافعة ومحركة لتفعيل جهد بناء وتحديث منظومة الدولة والمجتمع، والمشاركة في صناعة المستقبل، إلا أن الانتماء العاطفي -كما يرصده المتابع- يعجز عن تمثل الفاعلية الحقيقة على أرض الواقع، ويتحول إلى أداة لتفريغ شحنة طارئة، تاركاً حبال التغيير والتحديث ليتلقّفها الآخرون من داخل ومن خارج.

وكذلك عندما تسيطر الانتماءات الفرعية كالانتماءات الأسرية، أو القبلية، أو الدينية على وجدان المجتمع، وعلى حساب الوطن، ما يفضي إلى تفتيت الهوية الوطنية، وتحويل المجتمع إلى مجموعة من الكانتونات الحزبية، والطائفية، والمذهبية والعنصرية المغلقة، والتي يسودها الاحتقان، والتوتر، والريبة المتبادلة، وعلى نحو يعطل، ليس التنمية الاجتماعية فقط، وإنما الحياة برمتها.

ملامح المواطنة

أما على صعيد الدولة، فعندما تغيب قيم المواطنة فيها، وتستبعد مصلحة المواطن من أجندة عمل الحكومات، يتحول المواطنون الى مجرد أعداد وكتل محتشدة من الأفراد والرعايا تستنزف مواردهم على حساب مشروع الدولة والوطن.

وكذلك عندما تقسم الدولة المواطنين إلى فئات، ودرجات تراتبية في الانتماء والمواطنة، فإنها بذلك تعطي أفضلية وامتيازات لطبقة اجتماعية معينة، وتحجبها عن باقي مكونات المجتمع، ما يؤدي إلى خدش شعور الانتماء إلى الوطن، بالإضافة إلى أنه يولد إحساسا باللامبالاة لدى الفئات الدنيا والمهمشة تجاه قضايا المجتمع ومصيره، وتجاه مشروع بناء الدولة وتحديثها، وفي كثير من الأحيان تستبطن هذه الفئة المهمشة الكراهية للمجتمع ومؤسساته والدولة ونظامها، فتكون بذلك أشبه بقنبلة من الكراهية، تهدد استقرار المجتمع والدولة.

لكن يبقى السؤال ماثلا أمامنا: ما هي أهم ملامح فكرة المواطنة الغائبة؟ وهل فكرة المواطنة تعني إلغاء الخصوصيات الإنسانية في المجتمع؟ وما هو دورها في صنع الاستقرار السياسي والاجتماعي؟.

مفهوم المواطنة، هو مسألة كانت ولاتزال في حالة تطور مستمر، وذلك منذ استخدامها للمرة الأولى في الحضارة اليونانية ثم الرومانية، مرورا بسائر الحقب والحضارات، وصولا إلى يومنا هذا، وهنالك الكثير من الأطروحات التي حاولت رسم الملامح الرئيسة لفكرة المواطنة، تبعاً لكل مرحلة تاريخية ونظام سياسي، ولكن يمكننا أن نوجز تلك الملامح بالقول: إنها استقرار الإنسان وانتماؤه لبقعة جغرافية ما، وتوافقه مع مجموعة أخرى على صيغة دستورية وقانونية يحتكمون إليها في تنظيم علاقاتهم بشكل متساو وعادل يضمن حرياتهم جميعاً، بالإضافة لارتضائهم لشكل من أشكال الحكم، ومساهمتهم بمشروع بناء الدولة والمجتمع، وصنع القرارات فيهما عبر نظام التمثيل النيابي ومؤسسات المجتمع المدني.

المواطنة والانتماءات الفرعية

ونستدرك هنا بالقول إن فكرة المواطنة لا تعني بأية حال من الأحوال استبداد أنموذج واحد عبر توحيد الآراء، أو الأديان، أو القوميات في المجتمع، أو إقصاء وتجاهل الخصوصيات الإنسانية المتنوعة، بل إنها تعمل على دمج كل هذه الانتماءات الفرعية الطبيعية في لوحة وطنية واحدة، معتبرة إياها مصدراً للإثراء التعددي الإيجابي، وعاملا لتوفير الإطار القانوني والاجتماعي والثقافي، لممارسة خصوصياتها بشكل لا يتعارض ومصلحة الوطن العليا، ويكون الحَكم في الاختلافات مواد الدستور المتوافق عليها سلفاً. فعملية تجاهل الخصوصيات، كما مارستها الأنظمة الاستبدادية والشمولية، هي السبب الرئيس في ظهور نماذج متطرفة، وأخرى متشددة وتكفيرية، تنحو في بعض الأحيان منحى العنف التدميري تجاه المجتمع والدولة.

إن جوهر مسألة المواطنة مبني على قيم التسامح وقبول الآخر بين مكونات المجتمع، واجتماع الفرقاء على مائدة الشراكة الوطنية الفاعلة.

المواطنة المسؤولية

إن فكرة المواطنة لا تقف عند نيل المكاسب الحقوقية، بل تمتد إلى المحافظة على المكتسبات الوطنية التي أنجزتها، ودفعت أثمانها الأجيال المتعاقبة من الآباء والأجداد من أجل مستقبل أفضل للوطن والمواطن. لذا يجب علينا كمواطنين، ألا نقف متفرجين على ما تتعرض له أوطاننا من مظاهر وممارسات ضالة وغير مسؤولة، فالإحساس بالمواطنة يتجسد في المحافظة على أمن واستقرار ووحدة دولنا ومجتمعاتنا من أية محاولات جديدة ومتجددة لتقسيم أوطاننا وتمزيقها على أسس عرقية ومذهبية.

ختاماً فإن مشروع المواطنة يعتبر عامل استقرار للمجتمع والدولة، ورافعا للتقدم والتحديث المنشود، ومستودعاً لقيم ومضامين التسامح المجتمعي والسياسي، كما أنه الركيزة الأساس في عملية بناء الدولة الوطنية، لذا لا بد من العمل جاهدين في سبيل توفير مناخ عام يكرس ثقافة المواطنة لتصبح سلوكاً متأصلا في حياتنا اليومية.

كاتب كويتي



#وليد_الفضلي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من سرق المصحف..؟!
- الفجوة بين صُناع القرار وصُناع الأفكار
- عاشوراء.. برسم كل المسلمين
- مَأسسة الفعل الثقافي في الكويت
- الدين.. وممانعة التحديث في المجتمع
- المشهد الثقافي في الكويت... شيخوخة المؤسسة
- خرائط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
- نحو شراكة مجتمعية


المزيد.....




- عائشة كاي ممثلة سعودية- كندية تلفت الأنظار في -شارع الأعشى- ...
- ترامب: أجرينا محادثات مع حركة -حماس- ونساعد إسرائيل
- -الخيار واضح-.. الدفاع السورية توجه رسالة لفلول النظام الساب ...
- بوتين: سنختار صيغة السلام الأنسب لنا
- ترامب يشكك في استعداد أعضاء -الناتو- للدفاع عن الولايات المت ...
- ترامب يرد على ماكرون بعد عرض الأخير توفير مظلة نووية فرنسية ...
- رمضان يفاقم معاناة سكان غزة
- الحكومة اللبنانية تقر موازنة 2025
- سوق الأسماك في طرابلس.. عراقة بروح العصر
- الجزائر تطلب توضيحات من فرنسا بشأن مناورات مغربية فرنسية


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد الفضلي - أوطان بلا مواطنين ...!