|
علينا ألا ننغلق ، علينا ألا نكرر خطأنا زمن الإمبراطورية الرومانية
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2181 - 2008 / 2 / 4 - 08:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
رحبت من قبل ، في مقال سابق بعنوان : إتحاد المتوسط حلم يمكن أن نبدأ فيه ، بالإشارة التي أطلقها الرئيس الفرنسي الحالي ، في خطاب إنتصاره الإنتخابي ، لإمكانية إنشاء إتحاد يضم دول البحر المتوسط ، و ذلك الترحيب مبني على قناعتي بمبدأ الإنتماء المصري المتعدد ، و الذي لا يقف على الإنتماء العربي فقط ، كما يتصور ، أو يصور ، البعض ، و إيماني كذلك بأن أي إنتماء لمصر ، لا يجب أن يلغي الإنتماءات الأخرى ، أو أن يطغى عليها ، و منها الإنتماء المتوسطي ، الذي أهمل كثيراً في العقود الأخيرة .
من قبل كان البحر المتوسط ، بحر الحضارة ، حلقة إتصال وثقت بين الشعوب القاطنة على ضفافه ، و منحت تلك الشعوب طابع معين ، لازال يلمس إلى اليوم . و لعل مدينة الأسكندرية ، بتاريخها العريق ، هي أفضل دليل على هذا الإنتماء ، من حيث الوجود و الأهمية و القدم ، فهي لم تبن إلا من أجل الإنتماء البحر متوسطي ، و لم تزدهر إلا به .
هذه الأيام عادت إمكانية تفعيل فكرة التعاون المتوسطي ، لتصل لأرض الواقع ، فالإشارات لم تعد تأت فقط من مفكرين و إعلاميين ، بل من رجال الحكم و السياسة ، أي من بيدهم الإمساك بالأفكار ، و تحويلها إلى واقع .
الإشارات لحلم التعاون العميق و الراسخ بين ضفتي المتوسط ، الشمالية و الجنوبية ، لم تعد تأت فقط من الإدارة الفرنسية الحالية ، فالخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية البريطاني الحالي مليباند ، في شهر نوفمبر 2007 ، في المدرسة الأوروبية ، في مدينة بروج البلجيكية ، يعد إشارة أكبر بكثير ، من فكرة إتحاد للمتوسط ، إنه إشارة لتحويل الإتحاد الأوروبي الحالي إلى شكل أكبر نطاق ، يضم كافة دول أوروبا ، بما فيها روسيا ، مع دول الشرق الأوسط ، و شمال أفريقيا .
الأفكار التي رددها مليباند أشبه ما تكون بفكرة إحياء الإمبراطورية الرومانية ، بشكل أكبر حجماً ، و أكثر حداثة ، و أكثر قبولاً لنا ، نحن من عانينا من ظلم تلك الإمبراطورية ، لأن الإتحاد الذي أشار إلية سيكون مبنياً على أسس العدالة ، من ديمقراطية و حرية و شفافية إقتصادية ، و هدفه الأول هو الرفاهية ، و لن يمثل بالتأكيد قوة إحتلال ، لأن كافة الدول الأعضاء ستكون على قدم المساواة .
و إن كنت أعيب على مليباند تشديده على فكرة عدم تحويل ذلك الإتحاد ، و الذي سيضم كل أوروبا ، مع الشرق الأوسط ، و شمال أفريقيا ، إلى قوة عظمى ، و تشديده على أن القوة العظمى الوحيدة في العالم اليوم هي الولايات المتحدة ، و ذلك لقناعتي بأن الإتحاد الأوروبي المتوسطي الشرق أوسطي ، يجب أن يتحول إلى قوة عظمى ، تستطيع أن توازن الميزان المختل حالياً ، و أن تحمي مصالحها الإقتصادية ، فلا يكون رهينة لإرادة الولايات المتحدة ، و التي تعمل من أجل مصالحها فقط ، و تضحي ، بضيق أفق ، بمصالح أقرب أصدقاءها ، إن كان في ذلك مصلحتها الآنية .
الحلم لا أعتقد بأن كافة الأحياء اليوم سوف يرونه يتحقق في حياتهم ، فحلم الإتحاد الأوروبي ، بدأ في خطواته العملية منذ أكثر من نصف قرن ، و لم يكتمل لليوم ، ليصل لما نادى به مفكرين و مؤرخين ، مثل إدوارد جيبون ، و الذي عاش في القرن الثامن عشر ، من قيام ولايات متحدة أوروبية .
فعلينا ، كمصريين ، أن نعترف بأن مصر اليوم ، لا تماثل ألمانيا أو فرنسا ، منذ نصف قرن ، فمصر تمر في هذا العهد بأسوء حال ، و وضعنا يماثل ما كان عليه حال مصر في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي ، بعد ثلاثة قرون من الحكم العثماني ، أو أسوء.
أمامنا معارك طاحنة ضد الطغيان الحالي ، و الفساد المستحكم ، و الفقر المدقع ، و الأمية المستفحلة ، و الإنغلاق الفكري ، فمن المستحيل أن نفكر ، أو حتى أن نشطح في الحلم ، لنعتقد بأن فكرة إتحاد أوروبي متوسطي شرق أوسطي ، قابلة للتحقيق في ظل ظروفنا المزرية الحالية .
و أول معاركنا هي معركة العقول ، علينا ترسيخ فكر التغيير ، و فكر الإنفتاح على الأخر ، و عدم الخوف من الإتصال و الإحتكاك .
علينا ألا نكرر ، في مصر ، الخطأ الذي إرتكبناه أيام الأمبراطورية الرومانية ، حين إنغلقنا على أنفسنا ، فكرياً و مادياً ، بينما إنفتح الأخرون ، و الذين أدركوا تغير العالم من حولهم ، و إستفادوا من ذلك التغير .
في عصر الإمبراطورية الرومانية لم يصل أي مصري إلى منصب إمبراطور ، بينما وصل ليبيون ، و أسبان ، و عربي ، و أشخاص من أجناس شتى ، إلى سدة الحكم ، فكان أن دفعنا ثمن إنغلاقنا ، فقر و إضطهاد .
و هو خطأ تكرر ، بشكل يكاد يكون متطابق ، زمن الإمبراطورية العثمانية ، حين إنطلقت شعوب أخرى ، ضمتهم الإمبراطورية العثمانية ، تتاجر ، و تنطلق لتحتك بالأخرين ، وتراكم الثروات ، و تحتل المناصب الرفيعة ، بينما تقوقعنا نحن .
إنني أكرر ، بل و أشدد ، على إن دعوتي لمناصرة فكرة التعاون المتوسطي الأوروبي - و هي للعلم ليست بالافكار الجديدة ، تشهد على ذلك دورة الألعاب الرياضية البحر المتوسطية ، و الأفكار التي نادى بها مفكرون مصريون من قبل - لا تعني أبداً الحرب على أي إنتماء أخر لمصر ، إنما أشدد على إن مصر متعددة الإنتماءات ، عربية ، و متوسطية ، و أفريقية ، و غير ذلك ، و أن مصلحة شعب مصر ، هي التي تحدد خطوات تحركنا ، و عالم اليوم لم يعد يلغي مبدأ التعاون المتعدد . و إذا كان التعاون العربي اليوم مشلول ، في ظل حالة التشرذم التي لا تخفى على أحد ، و الإتحاد الأفريقي تراجعت سرعة وتيرته ، بعد الزخم الذي شهده منذ بضع سنوات ، فلا بأس من أن نعمل على إعادة فتح باب أخر للتعاون ، باب قديم ، ظل مغلقاً و محرماً علينا لفترة طويلة ، باب البحر المتوسط .
و في كل الأحوال ، فإن كل الخطوات التي سنسير فيها من أجل تحقيق التعاون الأوروبي المتوسطي ، ستصب في مصلحتنا ، فسواء تحقق حلم إتحاد المتوسط ، أو الإتحاد الأوروبي المتوسطي الشرق أوسطي ، أو لم يتحقق ، فإن الحرب ضد الطغيان و الفساد و الإحتكار و الفقر و الأمية و الإنغلاق الفكري ، لا تضر أبداً .
أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم حسنين الحسنية
بوخارست – رومانيا
حزب كل مصر
تراث – ضمير – حرية – رفاهية – تقدم – إستعيدوا مصر
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الركلات و الهروات للضعفاء ، و للأقوياء ما أرادوا
-
حان وقت إسقاط أسرة أبو جيمي ، و بدون ضوء أخضر من أمريكا
-
هل من المحظور على المسلمين الترشيح لرئاسة الولايات المتحدة ا
...
-
هل يعد ج. د. بوش الإيرانيين برئيس مثل أبو جيمي ؟
-
لقد حطموا الذكاء المصري ، إنهم يريدونا عبيد
-
لن نقف أمام تكايا آل مبارك
-
مخاوفنا مبررة ، فالحرية الإقتصادية ليست مطلقة
-
هكذا يجب التعامل مع آل مبارك
-
نصب تذكاري لضحايا مذبحة المهندسين
-
يعقوب صنوع أديب الحرية
-
الأغنياء و المساتير أيضاً يثورون
-
هم الذين كفروا و صدوكم عن المسجد الحرام
-
لا يا بلد شامبليون، الحضارة المصرية لم تبن بالسحر
-
يا راكب القارب، تعال نصنع أوروبا في مصر
-
حتى لا يساء للقرآن، إبحثوا عن بديل لكلمة إرهاب
-
مبارك و بوتين، الفارق بين من فرط و من إسترد
-
مبارك و بوتين، لا وجه في المقارنة بين من فرط و من إستعاد
-
الجمهورية المصرية الثانية، هكذا ستقوم
-
أحمدي نجاد، لا فارق بينك و بين آل سعود و آل مبارك
-
لماذا أقف مع الأفرو ضد الجنية؟
المزيد.....
-
مستشار ترامب المستقبلي للأمن القومي يستكشف مقترحات وقف إطلاق
...
-
الإمارات تعلن وفاة جندي متأثرا بإصابة حرجة تعرض لها قبل 9 سن
...
-
والتز: مبعوث ترامب إلى أوكرانيا متمسك بإنهاء الحرب
-
رئيس الاستخبارات البريطانية السابق: أوروبا في حالة حرب حقيقي
...
-
-وول ستريت جورنال-: إدارة بايدن لا تمتلك الوقت الكافي لإرسال
...
-
أمراض تشير لها التشنجات اللاإرادية في العين
-
عالمة روسية: الإنسان لايستطيع تحديد لحظة خروج الذكاء الاصطنا
...
-
ترامب يعتزم فرض رسوم جمركية على 3 دول
-
بوتين: كازاخستان شريك استراتيجي موثوق
-
ممثلو بريكس يجتمعون في يكاترينبورغ
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|