أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس حميد حسن - مسامير بذاكرةِ الياسمين ؟



مسامير بذاكرةِ الياسمين ؟


بلقيس حميد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 2180 - 2008 / 2 / 3 - 12:05
المحور: الادب والفن
    


قد يكون العنوان غريبا , وقد يبتعد القاريء عن فهم ما أريد طرحه بحكم تلك الغرابة , لكن الموضوع لايحتمل إلا هذا التناقض بين المسامير وباقة الياسمين , وليسمح لي القاريء اثبات ضرورة الضدية في كلمات العنوان ..
فالمسامير كانت في ذاكرة امرأة شابة , تدق برأسها بالحاح وقسوة حتى طرحت كلمات تفوح منها رائحة الموت العراقي المرعب , والمرأة هي الشاعرة "رنا جعفر ياسين" صاحبة المجموعة الشعرية المعنونة ب"مسامير في ذاكرة" , الصادر في القاهرة عن مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات عام 2007..
كل شيء في الديوان يثير الغرابة والدهشة , وقد يتذكر عشاق الشعر بيت المتنبي القائل :
ووضع الندى في موضع السيف بالعـُلا مضرٌ ××× كوضع ِ السيف ِ في موضع ِ الندى
فالضرر العراقي لاينتظر شهادة او قولا او حكما ليعلن عن وحدانيته وتفرده بعذابات شتى , والسؤال لابد ان يكون هو كيف للمسامير ان تنبت وتدق في ذاكرة تلك الشابة التي تشبه باقات الياسمين المشرقة في حدائق وشرفات بيوتنا العربية رغما عن القهر والهزائم والفوضى ؟
أي زمن غادر ذاك الذي نهش باقتنا وأفسد بوحها الا من كلمات يصعب عليّ َ اكمالها في هدأة ليل اوروبي بارد ؟ تقول باقة الياسمين في احدى قصائد مجموعتها :
على أرصفة ..
يسيح الجنود
وتبقى خوذ ٌ مغروسة ٌ في الصميم
الملاعق المتحجرة في جماجم الموتى
تطعم الصغار طحين المقصلة
عقم ٌ فادح..
يتوالد في اخبار كاذبة
مخبئا كالزمهرير في نشرة انواء الحرب
اركض نحو الهاوية بوطن ملغوم
يوقفني ورد ٌ يحمل الرماح والبنادق , السيوف والقبل
وانا احتكر التراب
لاعتقال لعنة الذبح المكرر
المبرر دائما برغبة العبث
السماء ملبدة بالمشانق
تعلق الحبال على عظام الجحيم....
الى اخر قصيدة بعنوان " الحرب تنهض من موتها " , التي لم تكن وحدها القصيدة التي تحمل آلة تصوير بشرية غير مصنوعة في مصانع الدول المتطورة لتنقل لنا صورا لحروب ومعاناة استمرت على كل الجهات , وبأحقر وأقسى ماتكونه المآسي , فجميع قصائد المجموعة يرهقها فزع الدمار والفناء والفجائع ومفردات لايمكن ان تتصور انها صدرت من باقة ياسمين بهية..
كيف تسنى للدنيا ان تغرس في تلك الوريدات كل هذا الرعب والهول ؟
كيف تمكنت الاقدار وسمحت السماء للعذاب ان يغزو البياض الناصع مهددا كل العطور ؟
ها انا اضيع بدوامة الاسئلة التي تتراجع حين اتذكر ان الشاعرة ولدت وترعرعت زمن الحروب فأقر بأن العنوان يتناسب ودور شاهدة حيـّة على كل الأوزار ..
اقرأ في اشعارها مفردات لا توجد في دواوين كل شعراء العراق قبل الانفجار العراقي الكبير الذي ابتدأ بدكتاتور متجبر حتى اخر النزف , مفردات لاتخرج الا من قاموس واحد يجمعها ويحنطها بداخله لتتحرك في العراق فقط , وعلى مدى جغرافيته المتناقضة وتاريخه المرير , قاموس واحد قادر على دق ّ المسامير في ذاكرة باقتنا , انه الموت .. اليكم بعض كلماته حين يطل من ثقوب تلك الذاكرة , عابثا بالوان الورود , ففي قصيدة " بعيدا عن الموت ِ.. رقص ٌ ذبيح" تكتب رنا لتسجل تاريخ عمرها الغض بكل كوابيسه الحقيقية:
الاطفال عزّل
لكن كرات الرؤوس تهوي كالثقوب
تسترخي فوق الاسفلت
موغلة ,
في عناق شوارعَ
ملفوحة ٍ بالدمار
حفظوا عن ظهر موت ٍ خرائط الوداع
في لهاث ٍ
يبسط الغياب جواز مرور
وتحت شظايا براءة مدنسة
آفاق الخمول كشبهة قاتل
منزويا ,
يقايض الجبن بلون الحريق
يموت صغارٌ
يموت كبار ٌ
ويزهر خوف ٌ من اللا مجيء ...
كم هو مؤلم ان تستطيع باقة الورد تخزين كل هذا الكم الهائل من القبور في واحة عمرها الفتي ؟
وكم قاسية سنوات العمر حين يتبدل رقص الوريدات باهتزاز الموت واللامجيء؟
مؤلم وخز تلك المسامير التي تنادي الجنون في رأس باقتنا الجميلة زمن انسياب الموسيقى في مرافيء الإسترخاء والرفاه , جهة الشمال من الأرض..
انها تسمعهم يرقصون في مكان ما من العالم, ويشهقون في العراق كآخر حركة للحياة .. تراهم بملء عينيها الياسمينية وهم ينتظرون ولادة الفرح لا "نعاس يغفو كالكسوف " كما اطفال العراق ...
ان "رنا جعفر " حالة واحدة من آلاف الباقات المسحوقة اشعارها ومشاعرها تحت اقدام القهر والعنف والتخلف والتشرد, فأي نوع من البشر خذل باقات الياسمين العراقية ودق في ذاكرتهن كل ذاك الحديد الصديء؟
انه زمن قطع رؤوس العراقيات, الذي ابتدأه صدام , راسما للشرف خارطة لا انسانية ليغرس بذور الفناء بعد عزله العقول مغتصبا اياها بعيدا عن حركة العالم , وهاهو الان , باسم الدين, اوالسياسة أو اي اسم آخر, يولد الوحشية ويستجلبها من كل الجهات , , ليس ضد واهبات الحياة فقط انما ضد الانسان العراقي ونسله , ولتمتليء زوايا وشوارع العراق بجثث ورؤوس الأبرياء ..
فأي طغاة وقساة وجحافل عدوان , رموا ببياض وريداتنا الحزينة الى الهاوية وازعجوا مسرى الأرواح البيضاء صوب العشق ليمنعوا الطيور من التغريد والصعود لأغصان النخيل قرب ضفاف الرافدين العريقة؟
عذرا باقة الياسمين رنا
فانا لم استطع ان اكمل مجموعتك حتى النهاية دونما ارتجاف ورعب, عذرا إذ خذلتك , فوجيب قلبي قطع كلماتي , واشعارك فتحت لي ملفات قضايا لا تـُقرأ بالشعر وحده .
عذرا , فمساميرك ارهقتني واربكت تدفق افكاري بدمعة عاجزة عن الصراخ امام الكم الهائل من الجرائم والخطايا في وطن قد يكون سيدا وملاذا لخطايا الكون اجمع ...




#بلقيس_حميد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة العربية في -دنيا جات-
- الحوار المتمدن, الاجمل في الاعلام العربي
- تعالوا انظروا , الدم في الشوارع..
- صوت المسافات
- في هذه البقعة من الأرض
- العرب واشكالية الانتماء والاستقلالية
- ماذا سنكتشف بالعراق بعد؟
- جنازة الملائكة
- وجاء الهولُ
- أين البرلمان من الذبيحة ؟
- ألا مِن ذاب ٍ عن العقل في اعلامنا العربي؟
- قُتلت دعاء!
- مجموعة مسلحة مجهولة في الناصرية تهدد الطائفة المندائية
- جائزة اليونسكو وحقيقة الأمية في العراق
- الى وزارة حقوق الانسان في العراق جرائم مرعبة ومستترة
- مباديء حقوق الانسان بمواجهة الارهاب
- البراغماتية في الثقافة العربية
- قمة الأمية العربية
- مرض العودة للزمن الاسلامي
- إعلامنا الإرهابي ومكانة المرأة مع التحيات للمناضلة د. نوال ا ...


المزيد.....






- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بلقيس حميد حسن - مسامير بذاكرةِ الياسمين ؟