|
الحرب الاستباقية واحتكار العدالة: حالة غزة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2180 - 2008 / 2 / 3 - 11:38
المحور:
القضية الفلسطينية
ارتفع عدد شهداء غزة خلال ثلاثة أيام إلى 34 شهيداً في مجزرة جديدة ومستمرة ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق الشعب العربي الفلسطيني، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان المواقف المزدوجة والانتقائية للمجتمع الدولي، وبخاصة للقوى المتنفذة والمتسيّدة في العلاقات الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي ما برحت تتحدث ليل نهار عن «مكافحة الإرهاب الدولي»، لكنها تغض النظر عن المجازر الجماعية والعقوبات الشاملة التي تستخدمها إسرائيل ضد قطاع غزة وضد الشعب العربي الفلسطيني، الأمر الذي شجعها على القيام بعدوانها ضد لبنان في 12 يوليو 2006. وكانت الولايات المتحدة ترفض وقف القتال، وتضغط على الأمم المتحدة بهدف عدم إصدار قرار يدين إسرائيل ويطالبها بالكف عن تدمير البنية التحتية اللبنانية والانسحاب من الأراضي اللبنانية، ما لم تحقق إسرائيل أهدافها. ورغم الدمار والخراب، إلا أن إسرائيل لم تحرز نصراً عسكرياً، وإن حققت بعض المكاسب السياسية. وكانت كوندوليزا رايس، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، قد روجت لفكرة الشرق الأوسط الجديد بعد الشرق الأوسط الكبير، والذي ستكون ولادته بعد مخاض، حتى وإن كان الثمن باهظاً. إن مجزرة غزة أعادت طرح مسألة الحرب الاستباقية وإشكالية الإرهاب، وبالأخص غياب تعريف جامع مانع له يصدر عن جهة دولية معتمدة كالأمم المتحدة، الأمر الذي يزيد القضية إبهاماً والتباساً، إذ ظلت مناقشة مسألة الإرهاب الدولي مفتوحة منذ عام 1937 في مجلس عصبة الأمم وبعد قيام الأمم المتحدة عام 1945. وجرت مناقشات كثيرة في لجنة القانون الدولي وغيرها بهدف التوصل إلى تعريف يحدد ماهية الإرهاب الدولي، لكن للأسف الشديد كان الأمر شديد التعقيد. ورغم صدور أول اتفاقية دولية بخصوص الإرهاب عام 1963، فإن تعريفاً جامعاً مانعاً ظل عسير المنال، رغم صدور تعريف لماهية العدوان في عام 1974 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهكذا، فإن التوصل إلى اتفاق بشأن تحديد ماهية الإرهاب وتعريفه بقي مستعصياً، بسبب محاولة القوى المتنفذة، لاسيما الولايات المتحدة، وبشكل خاص بعد أحداث سبتمبر 2001، احتكار العدالة، وفرض مفهومها الخاص للإرهاب، ورفض كل «محاولة» للتفريق بين الإرهاب والمقاومة، علماً أن القواعد القانونية الدولية تجيز للشعوب المضطهدة أو المستعمرة (بالفتح) أو التي تتعرض للعدوان والاحتلال، الدفاع عن نفسها باستخدام جميع الوسائل، بما فيها العسكرية، لاستعادة سيادتها واستقلالها وحقها في تقرير مصيرها. ولكي لا تستخدم الولايات المتحدة غياب تعريف للإرهاب لتتفرد بادعاء احتكار العدالة، وتشن حروباً بحجة مكافحة الإرهاب وتحت باب «الحق في الحرب»، مثلما تفعل إسرائيل اليوم بخصوص قطاع غزة الذي فرضت عليه عقوبات اقتصادية ومعاشية وإنسانية في غاية السوء، إضافة إلى ارتكاب مجازر جماعية وانتهاكات سافرة لأبسط حقوق الإنسان، فإن العديد من الدول اشترطت للمشاركة في حملة مكافحة الإرهاب، أن يكون ذلك في إطار الأمم المتحدة وآلياتها، وفي إطار «الشرعية الدولية»، وبالانسجام مع ميثاق الأمم المتحدة بعيداً عن التوظيف السياسي أو الازدواجية في المعايير أو سياسة الكيل بمكيالين. وكان مجلس الأمن الدولي قد أكد في القرار رقم 1189، الصادر في 13 أغسطس 1998، وإثر أحداث أوكلاهوما الإرهابية في عام 1995، على واجب كل دولة عضو في أن تمتنع عن تنظيم أي أعمال إرهابية في دولة أخرى، أو التحريض عليها أو المساعدة أو المشاركة فيها، أو قبول أنشطة منظمة على أراضيها بهدف ارتكاب هذه الأعمال. وتحت ضغط أحداث 11 سبتمبر، صدرت ثلاثة قرارات دولية عن مجلس الأمن منحت الدولة المتنفذة «الحق في شن حرب استباقية» أو حرب وقائية ضد ما تسميه بالإرهاب الدولي. ولعل أخطر قرار هو القرار رقم 1373 الصادر في 28 سبتمبر 2001، بعد القرار رقم 1368 الصادر في 12 سبتمبر، خصوصاً وأن صدوره كان ضمن الفصل السابع الخاص بالعقوبات، وأن حجيته القانونية تفترض من جميع الدول الأعضاء الالتزام به، وإلا فإن مجلس الأمن بإمكانه تطبيق المادة 41 من هذا الفصل الخاص باتخاذ إجراءات كالحصار الاقتصادي وقطع العلاقات الدبلوماسية وغيرها. الشيء الجديد الذي تضمنه القرار رقم 1373، وفيما بعد القرار رقم 1390 الصادر في 16 يناير 2002، هو إعطاء الحق للدولة، وبخاصة المتنفذة وبالتطبيق الحالي (الولايات المتحدة)، في إعلان الحرب ساعة تشاء، وضد من تشاء، إذا «تأكدت» أو اشتبهت أن عدوها (دولة أو جماعة) يعتزم القيام بعمل إرهابي، وذلك من دون اعتماد مرجعية دولية كمجلس الأمن مثلاً. وبتعبير أدق، فإن ميثاق الأمم المتحدة الذي أعطى الحق للدولة في استعمال القوة العسكرية للدفاع عن النفس حسب المادة 51، قد قلّص هذا الحق بدعوة مجلس الأمن للاجتماع لاتخاذ التدابير اللازمة وإعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما، وهو ما تم التجاوز عليه بالقرار رقم 1373. لكن القرار 1373 أعطى للدولة حق «إعلان الحرب»، أو كما تعرف «الحرب الاستباقية « ضد من تعتقد أنه يمارس عملاً إرهابياً، من دون العودة إلى المرجعية الدولية التي يقررها ميثاق الأمم المتحدة، ومن دون الالتزام بالآليات التي حددها الميثاق، وهو ما حصل في أفغانستان والعراق، وما يحصل حالياً في غزة من جانب إسرائيل. وهو ما يمكن اعتباره عودة إلى القانون الدولي التقليدي الذي يحرم «حق الفتح» ويمنع «الحق» في التمتع بمكاسب سياسية جراء شن الحرب. إن التوجه الذي يسعى إلى احتكار العدالة والتصرف من موقع السيد المتنفذ، باعتباره القاضي الدولي المخول حتى من دون محكمة ومن دون محاكمة، وبالطبع من دون تفويض، إنما يتصرف وفقاً لمصالحه الأنانية الضيقة، بعيداً عن القواعد السائدة والمعترف بها في العلاقات الدولية وفي القانون الدولي المعاصر. فالانتقام، والثأر، والكيد هو الذي يحكم علاقة الولايات المتحدة وإسرائيل بغيرهما، وخصوصاًً بالعرب والإسلام والمسلمين، وهو الأساس الذي تعتمدانه في علاقتهما الدولية «الخاصة»، وحالة غزة الجريحة خير مثال!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أور أو -مدينة القمر- والشبكة العنكبوتية
-
جورج حبش: الاستثناء في التفاصيل أيضاً!!
-
صورة المجتمع المدني بين التصادم والتواؤم
-
دولة مواطنة أم مواطنة دولة ؟!
-
المجتمع المدني بين الاقرار والانكار !!
-
راية الليبرالية الجديدة!!
-
العقدة النفطية في المشكلة العراقية!!
-
العلاقات العراقية- الامريكية .. والعودة الى نقطة الصفر!!
-
اللاجئون العراقيون : مسؤولية من؟
-
سيناريوهات الاجتياح التركي للاراضي العراقية!!
-
سيناريوهات الوجود أو الانسحاب الامريكي من العراق!!
-
العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا!!
-
شط العرب.. وصاعق التفجير!!
-
هل الديمقراطية مثالية؟!!
-
المكتب البيضاوي: انه الاقتصاد يا غبي!!
-
التنوع الثقافي والنخب الفكرية والسياسية!
-
العرب والتنمية!!
-
العراق: من إرث الماضي الى تحديات المستقبل
-
العرب ومفارقات العولمة
-
القضية العراقية بين التدويل والتأويل
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|