|
5 ملاحظات بعد فينوغراد
برهوم جرايسي
الحوار المتمدن-العدد: 2179 - 2008 / 2 / 2 - 11:00
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
كثيرة هي مؤشرات وانعكاسات تقرير "لجنة فينوغراد" الرسمية، المكلفة بفحص مجريات الحرب على لبنان، إن كان على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، أو الاقليمي العربي، ونحاول ايجازها، مرحليا، بخمس نقاط رئيسية: أولا: ولربما هي النقطة المركزية والأساسية التي يستوجب التوقف عندها قبل الاطلاع على هذا التقرير أو اصدار رأي ورد فعل بصدده، فهذا التقرير تمت صياغته وفق عقلية الإجماع الصهيوني الذي اصطف بأقطابه المختلفة من حول نار تلك الحرب الإجرامية على لبنان وشعبها، يدس وقودا لزيادة لهيبها. فكل المصطلحات التي فيه، من "فشل" و"نجاحات"، و"إنجازات رائعة على الأرض"، تمت صياغتها وفق القاموس الإسرائيلي العسكري، ووفق ضرورة إشباع رغبات العقلية العسكرية المتجذرة في الشارع الإسرائيلي منذ ظهوره في جغرافية المنطقة، وعلى الخارطة العالمية. فحين يقول التقرير إن الحرب لم تحقق أهدافها، فهذا يعني ان إسرائيل كانت تطمح لدم أكثر وتدمير اشد في لبنان، وحين يقول نفس التقرير، "لقد كانت انجازات رائعة على الأرض"، فإننا لم نر إنجازات إسرائيلية سوى المجازر اليومية وتسوية قرى بأكملها بمستوى الأرض. ولهذا فإن التقرير يوصي أساساً بأن تستعد إسرائيل للحرب القادمة بشكل "أفضل"، لأن على إسرائيل ان تبقى أقوى عسكريا، قبل أن تتوصل إلى حلول سياسية في المنطقة، كما يقول التقرير. ثانيا: التقرير ووفق المفاهيم الإسرائيلية، يلقي القسط الأكبر من المسؤولية على الجيش، ولهذا فإن ما ظهر من ملاحظات وانتقادات للمستوى السياسي، أي للحكومة، فقد جاءت أخف بكثير مما توقعه خصوم الحكومة القائمة، وهذا ما خفف من حدة الضغط على رئيس الحكومة، إيهود أولمرت. وعلى الرغم من ذلك فقد تمت صياغة التقرير بصورة "جهنمية" بالمنظور الإسرائيلي، إذ أعطى لكل طرف أن يقرأ التقرير بمنظوره الخاص ليبقي حالة النقاش الصاخب في الساحة الإسرائيلية الداخلية لأسابيع إضافية، وإن كان أولمرت استفاد أكثر من غيره من هذه الصياغة. خاصة وأنه حسب ردود الفعل القائمة، فإن كل معسكر بقي متشبثا بمواقفه المسبقة قبل صدور التقرير، وبقي أن ننتظر حجم التحرك الشعبي في الأيام القليلة القادمة، الذي يتوقع له المحللون أن يكون اقل حجما بكثير مما كان متوقعا قبل صدور التقرير. ثالثا: السؤال المركزي الذي كان مطروحا على الساحة الداخلية الإسرائيلية هو مصير الحكومة، فالعنوان الرئيسي، حتى الآن، هو أن هذه الحكومة باقية لأشهر طويلة، ولا حاجة للمغامرة والتكهن بأنه لن يكون من العجب ان تبقى الحكومة حتى انتهاء ولايتها القانونية في خريف العام 2010، لأنه قد تنشأ ظروف تدفع باتجاه انتخابات برلمانية حتى نهاية العام القادم 2009، أي بعد أكثر من ثلاث سنوات على ولايتها، وهذا هو معدل "أعمار" دورات الكنيست منذ ستين عاما. وفي هذه النقطة من الضروري الإشارة إلى أن ما كان يحكم مسألة بقاء الحكومة هي حسابات الربح والخسارة الحزبية في أي انتخابات برلمانية مبكرة، وبغض النظر عن استنتاجات التقرير، أما ترقب التقرير فقد كان بالأساس ترقبا لصياغته، بمعنى هل سيُثقل أم يخفف على هذه الحسابات، وما رأيناه حتى أمس، فإن الصيغة والتخفيف الجزئي عن مسؤولية أولمرت، جعلتا أحزاب الائتلاف الحاكم تجري حساباتها بعيدا عن أية ضغوط. وهذا لأن الأحزاب الأربعة التي تشكل الحكومة ليست معنية بانتخابات برلمانية رغم ظهور صوت هنا أو هناك في هذه الكتل يدعو لحل الحكومة، وهذا لأن استطلاعات الرأي تتنبأ للحزب الحاكم "كديما"، حديث العهد، بانهيار كبير قد يضعه في المرتبة الثالثة وحتى الرابعة من بين الكتل الفائزة، بمعنى إبعاده عن رأس الهرم الحكومي. وهذا يسري أيضا على حزب "العمل" الذي يتزعمه وزير الحرب إيهود باراك، فاستطلاعات الرأي تمنحه مرتبة الحزب الثاني، وبأن يحافظ على قوته، أو أن يزيد بمقعد أو مقعدين على الأكثر، ولهذا فإن زعيم الحزب، والحزب برمته يرى نفسه أقوى في حكومة أولمرت، من أن يكون ضمن حكومة يتزعمها حزب الليكود، ورئيسها بنيامين نتنياهو، ويرى "العمل" أيضا ان بقاءه في الحكومة الحالية، أفضل له من أن يرتمي في مقاعد المعارضة غير المؤثرة في البرلمان الإسرائيلي بعد أي انتخابات مبكرة. أما حزب "شاس" الديني اليميني، فإن استطلاعات الرأي تبشره بالحفاظ على قوته الحالية، ولكنه يشعر نفسه دائما أقوى في حكومة ضعيفة، من حكومة قوية وثابتة. وأخيرا في هذه المسألة، فإن الحزب الرابع، وهو حزب المتقاعدين الذي يضم سبعة نواب، فإن استطلاعات الرأي تجمع على أنه سيتبخر كليا في أي انتخابات برلمانية قادمة، خاصة وأنه يدخل البرلمان لأول مرة في الانتخابات السابقة، ولهذا لن يسارع بالتخلي عن مقاعده. على ضوء ما تقدم، هناك ملاحظتان سريعتان على المستوى الاقليمي العربي. أولا: "أقترح" عدم الإسراع في البحث عن مكان لبناء "قوس نصر بيروتي"، دون التقليل من دور المقاومة العنيدة والجبارة التي تصدت بوسائلها المحدودة للقوة العسكرية الضخمة الإسرائيلية. وهذا لأن إسرائيل ارتكبت جريمة حرب، من أبشع الجرائم التي ترتكب في هذا "العدد القليل" من الأيام نسبيا، وسعت إسرائيل مستخدمة اختلال التوازن الدولي لصالحها، لتزعم أنها "ضحية"، وأنها كانت "مجبرة" لإزالة الخطر الذي يتهدد كيانها، حتى وإن ارتكبت مجازر جماعية ويومية في تلك الحرب. يضاف إلى هذا أن السطر الأخير في التقرير، يرى أن إسرائيل حققت إنجازا سياسيا "يستهان به" من خلال القرار الدولي 1701، الذي حققت فيه إسرائيل ما أرادات، وفق التقرير. من الخطورة أن تكون حسابات الربح والخسارة الحزبية في الساحة اللبنانية لا تلفت إلى حجم الدماء التي سفكت والدمار الذي تحقق، فإسرائيل دولة مجرمة معتدية، ويجب ان لا تتطوع أية جهة بإظهارها "ضحية العصر"، فالأوهام تضيع البوصلة، وحين تتكشف حقيقتها تولد الإحباط. ثانيا: "أقترح" أن لا تشعر أية جهة في الحلبة الفلسطينية ببحبوحة وانفراج، بزعم ان "عقبة فينوغراد" قد زالت، وأن أولمرت سيتفرغ الآن لدفع العملية التفاوضية، لأن تلك العقبة كانت مفتعلة، ومن افتعلها سيفتعل غيرها، مثل الحفاظ على الائتلاف الحكومي، لئلا يعود نتنياهو إلى الحكم. والهدف من هذا واضح وعالجناه مرارا، وهو المماطلة إلى حين إنجاز المشروع الاحتلالي الإسرائيلي الأكبر، في هذه المرحلة، وهو إنجاز بناء جدار الفصل العنصري الذي سيفرض حدودا من جانب واحد مع مناطق 1948، بما سيقضمه من الضفة الغربية، وما سيحققه من تحويل الضفة إلى مناطق منعزلة عن بعضها، ناهيك عن القدس المحتلة التي سيتم تقطيعها، ووضع مركزها التاريخي ضمن زنزانة جغرافية تسيطر عليها إسرائيل. وهذا مع التفهم للمعضلة السياسية القائمة، وفق المعايير السياسية الدولية المشوهة القائمة، بأن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لا تستطيع رفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فعملية كهذه تكشف أكثر طبيعة الموقف الإسرائيلي، ما يساعد على خيار المسار المطلوب لمواجهته في هذه المرحلة.
#برهوم_جرايسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-علام الضجة فهم مجرد 13 قتيلا؟-
-
الحلبة السياسية الإسرائيلية تبحث عن الزاوية في الغرفة الدائر
...
-
مجازر غزة: الدافع والذريعة
-
الإعلام الإسرائيلي بين تقريري فينوغراد
-
فلسطينيو 48 في مواجهة التهجين
-
تقرير مركز -أدفا- 2007-: الفقراء- وأولهم العرب- محرومون من ا
...
-
إسرائيل ليست عنصرية
-
شعور اليهود بالانتماء لإسرائيل يتراجع
-
تقلبات باراك وورطة حزب -العمل-
-
إسرائيل وإيران والعنزة
-
أولمرت بعد أنابوليس
-
تقييم مرحلي: انهيار ائتلاف حكومة أولمرت وارد ليس في حلبة أنا
...
-
التخبط في الشارع الإسرائيلي
-
نوايا أولمرت
-
إسرائيل بالأحرف الكبيرة والصغيرة
-
اليهود الإثيوبيين والورطة المزدوجة
-
ميزانية إسرائيل 2008: ضربات اقتصادية للشرائح الضعيفة
-
سيناريو إسرائيلي معروف
-
العبء الضريبي الإسرائيلي أعلى من معدل العبء في الدول المتطور
...
-
إسرائيل وبورما
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|