|
الفلسفة التي تقدم الأمل
نعيم حيماد
الحوار المتمدن-العدد: 2179 - 2008 / 2 / 2 - 01:25
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بذكرى وفاة الفيلسوف ريتشارد رورتي
السياسة مجال لحماية الضعيف من جشع القوي ، و حتى يتحقق هذا المعنى ، نحتاج لفلسفة تعترف بالمجال العام دون أن تخضعه للخصوصيات . اعتنى بهذه المسألة الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي ، ممثل الذرائعية الجديدة ، و الذي أعاد مراجعة مجمل تاريخ الفلسفة ، ليقف عند حقيقة مرة ، مفادها ، أن الفلسفة فشلت دوما في تجاوز الأزمات التي يعيشها الأفراد اجتماعيا بسبب اعترافهم بالمطلق على حساب المتغيرات الآنية الملحة . فقد اعتقد أفلاطون في إمكانية أن يصير الملك فيلسوفا و الفيلسوف ملكا ، و هو الذي يملك سبل الإمساك بالجوهر ، أي الصدق المثالي في أسمى تجلياته ، و المنفلت من سياقه التاريخي بجميع مستوياته . و كما نجد في السياسة المبادئ الموجهة للمجتمع دون أن تكون مشروطة على الطريقة الكانطية ، نجد في العلم ما يسمى بالقياسية المشتركة ، و تتجلى في الاتجاه الوضعي المنطقي ، خاصة مع رودولف كارناب ، استنادا للفلسفة التحليلية كخلفية داعمة تؤمن إمكانية القضاء على الآثار الميتافيزيقية التي تراكمت في اللغة بفعل تشكلها التاريخي .
أشرنا سابقا إلى أن الفيلسوف رورتي هاجم بأقصى ما يمكن جميع معاقل الميتافيزيقا ، لكنه بالوقت ذاته ، أبرز آثار الحس الذرائعي - على ألا نفهم الذرائعية بالمعنى السيئ الذي يفيد الوصولية أو الغاية تبرر الوسيلة - في محاولات الفلاسفة القاريين و التحليليين و أسلافه الذرائعيين . و النتيجة ، أن عمل على تحويل الفلسفة من صانعة للمبادئ إلى محاورة في طاولة مستديرة لجميع مجالات الثقافة ، دون الاعتراف بمركزية إحداها ، و دون ادعاء – في لحظة ما – الوصول إلى الحقيقة . فبلوغها أسوأ غاية تنسي الإنسان دوره في النقد و التشييد . إن ما نحتاج إليه ليس هو المعرفة بل الأمل ، بأن نعتقد في المستقبل دوما دون تحديد لمواصفاته النوعية بأنه أفضل من الحاضر ، و الأمل ليس هو الوعود الكاذبة ، بل ما يقتضي توفير جميع الشروط التي تساعد على النمو السوي لأفراد المجتمع . و من تجليات الأمل كذلك ، التخلص من القسوة التي تمارس في مؤسساتنا السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية . الفلسفة التحويلية التي أبدعها رورتي كفلسفة عابرة للقارات ، تساعد المجتمعات كمجتمعنا على تشخيص علته ، و تحديد مكامن القوة و الضعف فيه ، في تاريخه و حاضره ، بغاية تحويله إلى مجتمع يستبعد المعجم السياسي و الأخلاقي الذي يقطع الأمل ، و يدمج الناس في سيرورة تبعية قاتلة ، لا تحترم خصوصيات المجتمعات . و على المجتمع بدوره أن يتلقى تربية تنتبه للخطأ الشائع الذي لم يتسرب فقط إلى الحس المشترك ، و إنما كذلك إلى فلاسفة التربية ، و منهم روسو الذي يعتقد بوجود طبيعة إنسانية تتعامل معها التربية في الإنسان .
إننا نعيش لحظة ارتباك، يجعلنا غير قادرين على استعمال اللغة بالشكل الذي نظهر به كمجتمع تواق للتحرر من التبعية على جميع مستوياتها . و لقد انتبه رورتي لهذا الارتباك ، و أرجعه إلى المعجم الذي خضعنا من خلاله للسيرورة الأولى للتربية ، و التي يسميها التأنيس ، الشيء الذي يمنع خضوعنا للسيرورة التالية و هي إضفاء التفرد لتمكين الفرد من الإبداع الذاتي . و إن ركز هذا الفيلسوف على أهمية المفردات اللغوية في الدفع بالناس نحو مستقبل أفضل ، فالمفكر اللبناني مهدي عامل لم يغفل أهمية المعجم الطبقي ، إذ ينظر إلى رفض الوضع المتأزم من موقع الطبقة البورجوازية تأبيدا للأزمة ، أزمة عسر التقدم التاريخي الذي تعيشه حركة التحرر الوطني بالعالم العربي . يعترف مهدي بأن تجاوز الأزمة يستدعي التفكير فيها بمنطق تفسيري و ليس بمنطق وضعي ، فهذا الأخير ليس هدفه التغيير ، و إنما التضليل بخلق وهم عدم وجود فوارق طبقية ، و أن هذه الفوارق هي الحقيقة الجوهرية الخالدة . و كما ينفرد مجال مخصوص من الثقافة بالمركزية معرفيا و وجوديا فيكرس للطبقية ، فإن المجال الديني اعتقد بمركزيته عبر التاريخ و سيطر على الحس المشترك ، و حذت المجالات الأخرى حذوه في ذلك . و ما نحتاج إليه بالفعل في الراهن لدفع الارتباك ، هو التخلص من مفاهيم اليأس و الإحباط التي تسيطر على معجمنا السياسي ، و تقديم الأمل للجيل الطالع في مستقبل أفضل .
#نعيم_حيماد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شاهد ما كشفته صور حطام طائرة ركاب ومروحية في نهر شبه متجمد ب
...
-
حماس تعلن مقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف ونائبه مروان ع
...
-
ترامب: -لا ناجين- من حادث اصطدام طائرة ركاب بمروحية عسكرية ف
...
-
أبو عبيدة يُعلن مقتل محمد الضيف وعدد من القيادات العسكرية لـ
...
-
واشنطن.. لحظة اصطدام طائرة أمريكية بمروحية عسكرية ومقتل 64 ش
...
-
مقابلة الكلب -رامبو- بمصر
-
من قائد -تنظيم إرهابي- إلى رئيس انتقالي.. احتفالات في دمشق ب
...
-
خلال لقاء مع حماس.. إردوغان يأمل في نجاح المرحلتين الثانية و
...
-
-حياتي ليست أقل قيمة-.. غضب في الأرجنتين من خطط ميلي لإلغاء
...
-
مقتل 6 أشخاص بهجوم روسي بمسيرة على بناية سكنية في سومي شمال
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|