|
حين تصل عبقرية الرئيس إلى هذا الحد!
محمد شادي كسكين
الحوار المتمدن-العدد: 2193 - 2008 / 2 / 16 - 09:01
المحور:
القضية الفلسطينية
كنا مصرين على توجيه أصابع الإتهام بالخيانة والتأمر إلى رئيس سلطة" رامستان" محمود عباس والسعي اللاهث وراء تدمير القضية الفلسطينية والمتاجرة بدماء شهداءها ومعاناة أهلها عبر عشرات السنين مستندين في ذلك الإتهام إلى عشرات المواقف والتصرفات والتصريحات سواء من ذات الرئيس أم من سلطة رام الله أو تاريخ ومواقف رجالاتها الأشداء على شعبنا الأذلاء امام أعداءنا وعبر مجالات مفتوحة غير منتهية لدعم إسرائيلي وأمريكي لرئيس لم يعد يمثل إلا نفسه وعصابته! غير أن رئيس سلطة " رامستان" بموقفه وتصريحاته الأخيرة في القاهرة في قضية معبر رفح أعاد لحظات من التفكير والتحليل حول هذا الرجل الذي يعجز محللو السياسة الدولية عن التنبؤ بأهداف تصريحاته وسياساته دون وضع إشارات إستفهامية وعقارب بوصلة تشير بوضوح إلى تل أبيب غالباً وواشنطن دائماً! كنا نظن أن التشدد في مطالب محمود عباس التعجيزية للحوار مع حركة حماس ينبع من غضب شخصي وحقد داخلي لم يستطع الرئيس تجاوزه لمصلحة شعبه وكنا نظن أن الرئيس الذي أدخل إلى قطاع غزة عشرات الألاف من صوره الشخصية وأعلامه المجددة لإنتصاراته الوهمية في الوقت الذي كان أبناء غزة يتساقطون شهيداً تلو الشهيد حصاراً ودماراً هو مجرد رئيس فاشل وحسب! لكن موقف الرئيس عباس الأخير أضاف إلى عجلة التفكير السليم والتحليل السياسي الصحيح نقاطاً محددة يمكن حصرها في نقطتين لا ثالث لهما: الأولى أن الرجل خائن من الطراز الأول لاهث وراء كرسي السلطة متشبث بأذيال حكم ولو كانت صلاحياته صلاحيات رئيس مخفر صغير في سلك الشرطة الصهيونية! ويدعم هذا التوجه عشرات التجاوزات القانونية والمراسيم الشكلية والمظاهر الباذخة والتذلل المقرف للعدو الصهيوني وإحتضانه لعصابة من المفسدين الذي لم توفر سرقاتهم وفسادهم حتى المساعدات الإنسانية ومد بعضهم للكيان الإسرائيلي بالإسمنت المستخدم في بناء الجدار العازل ومباركته للفلتان الأمني وتعطيله لمؤسسات الدولة ونظام القضاء , وغض النظر عن الجرائم الإسرائيلية اليومية المتكررة وقبوله وضع يده في كل يد ملطخة بالدم الفلسطيني حتى الثمالة..وتضييعه الفرصة تلو الفرصة للخروج بمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة إلى الضوء وتهديده للوحدة الشعبية في الداخل والخارج وعروضه المشبوهة في قضايا مصيرية كحق العودة وقضية القدس , وإصراره المشبوه على الترشح للرئاسة الفلسطينية في وجه المناضل الفلسطيني مروان البرغوثي المعتقل لدى سلطات الإحتلال ومن ثم الضغط عليه لسحب ترشحه حتى لو كان ثمن هذا الإصرار تفويت فرصة تاريخية لإجبار الكيان الإسرائيلي على إطلاق سراح المناضل البرغوثي حال إنتخابه رئيساً , وغياب اي تاريخ نضالي يذكرله عدا ترفه وترف عائلته في تونس, وقبوله لعب دور رئيس الوزراء المفروض إسرائيلياً وأمريكياً على الزعيم الراحل ياسر عرفات, وإقفاله ملف التحقيق في ملابسات إغتيال الرئيس ياسر عرفات, وإصراره على وضع العراقيل أمام حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية برئاسة حماس ومن ثم إفشالها حتى لو أدى هذا الإصرار إلى جر الشعب الفلسطيني لحرب أهلية قذرة تخدم مصالح إسرائيل وامريكا , وتجاهله لإختيار أغلبية شعبه لخيار المقاومة والثوابت عبر صناديق الإقتراع ولو أدى هذا التجاهل إلى بيع فلسطين في سوق النخاسة الدولية وبيع دماء الشهداء وملاحقة وإعتقال وإغتيال المقاومين , وتفضيله أن يكون ورقة ضغط أمريكية – إسرائيلية على فصائل المقاومة بدل أن يكون إنتصار ورقة المقاومة ورقة ضغط في يده ضد الكيان الإسرائيلي لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني ولو عبر المفاوضات, ناهيك عن عدم تردده في محاولة تشريع قانوني أممي في مجلس الأمن لتجريم المقاومة ونعتها عالمياً بالإرهاب , والرئيس عباس لا يتردد في تهديد مصر وشكواها إلى الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي لأن مصر فتحت المعابر أمام حجاج بيت الله الحرام حتى ولو كان إستمرار غلق المغبر سيؤدي بحياة الحجاج وقد أودى بحياة بعضهم فعلا! والرئيس عباس لا يكل ولا يمل من السفر والترحال وممارسة الضغوط هنا وهناك والتباكي تارة والسباب تارة من أجل إطلاق سراح الجندي الاسير جلعاد شاليط وهو في ذات الوقت لفرط إنسانيته وحبه للسلام يسخر قوات امنه الرئاسي لإرشاد الضباط والجنود الإسرايئلين إلى طريق العودة للكيان الإسرائيلي سالمين قبل أن يوسوس شيطان لعين لأحد بإعتقالهم أو خطفهم دون أن يكلف نفسه التفكير في الام اكثر من عشرة الاف اسير فلسطيني هم ابناءشعبه وبينهم من بينهم من النواب والشيوخ والنساء والأطفال !! والرئيس يفاخر ويباهي صوتاً وصورة مع شريكه في النضال الوهمي المستميت المدعو محمد دحلان بمنع 180 عملية فدائية داخل الكيان الإسرائيلي وهو تارة يصف الصواريخ الفلسطينية بالعبثية والشهداء بالحقارة حتى اصبحت هذه المصطلحات ملتصقة بتصريحاته دالة عليه ! والرئيس عباس لا يبخل على نفسه ومقربيه ووزرائه ومعاونيه ومستشاريه وما أكثرهم وأقل نفعهم بملايين الدولارات في شكل رحلات وزيارات وجولات ومكرمات وترفيعات وأوسمة وترقيات حتى وشعبه يتضور جوعاً وفقراً ومرضاً , والرئيس عباس المنتفخ حدةً وتحدياً وإحتداداً امام شعبه وديع وداعة الأرنب على نحو غريب أمام السيدة كونداليزا رايس وهي تلقي إشتراطاتها عليه إن لم نقل أوامرها! أما التواطؤ والتخابر والعمالة للإستخبارات الإسرائيلية والمغلف في شكل " التنسيق الأمني" وتبادل المعلومات حول رجال المقاومة وسعيه الدؤوب لتجفيف منابع دعمها حتى وصل الأمر إلى إغلاق لجان الزكاة ومؤسسات الرعاية الإجتماعية فحدث عنه ولا حرج! ورئيس رامستان محمود عباس مستعد أن يقطع الليل والنهار سفراً وترحالاً بين تل أبيب وواشنطن لكنه يعتبر قلعة العرب الصامدة دمشق محرمة عليه! والرئيس المثقل بهموم وألام شعبه ينسى في لقاءه رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي يهود أولمرت كل الأجندة االفلسطينية النازفة الملتهبة بدءاً من الحصار والإغتيالات والقصف اليومي وقطع الوقود والكهرباء وإستمرار الإجتياحات والإعتقالات وأعمال الإستيطان ويفشل في تحقيق شيء يذكرعلى كل هذه الأصعدة لكنه ينجح ولا ينسى أبداً التوسط لدى أولمرت للسماح لنجله طارق عباس بإنشاء شركة إتصالات جديدة وهو ما يلبيه أولمرت بأريحية الصديق وسرور الحليف! كل هذا وغيره وغيره الكثير كان يدفعنا إلى تبني إطلاق خيار الخيانة على رئيس رامستان , لكن وبما أن الخيانة أصبحت لفطأ مستهجناً تنفر منه الألسنة والأقلام العربية اليوم أو أنها أصبحت تدخل في الباب الفقهي الشهير بـ " ما عمت به البلوى" وهو باب تدخل فيه المستجدات التي نالت تعارف الناس على قبولها فقد رأينا أن نفكر في النقطة الثانية وهي أننا أمة من الأغبياء القصر العاجزين عن فهم مفردات السياسة الدولية وأساليب التحرر الوطني وطرق النضال الجماهيري وأن كل من حرروا الشعوب المضطهدة والمحتلة من نير الإحتلال عبرالمقاومة والنضال وعبركل هذا التاريخ الطويل كانوا مجرد سذج أو أغبياء أو إرهابيين أو إنقلابيين بدءاً من تحرر الدول العربية أوفيتنام وليس إنتهاءاً بجنوب لبنان وأن عجزنا عن فهم كل هذا قادنا إلى الشك بالرجل وإتهامه دون وجه حق بعد أن عجزت أذهاننا المريضة السقيمة عن ملامسة حدود عبقريته! لقد تبين لنا بعد طول دراسة وتمحيص أن الرجل حقيقة يملك من الحنكة السياسية والحس الوطني والدهاء التخطيطي ما عجز عن فهمه ألاف المحللين والسياسيين والناقدين والمفكرين وبعض الكوميديين! ولعل موقفه الأخير في القاهرة من قضيتي الحوار الفلسطيني الداخلي وقضية فتح معبر رفح ساهم في توضيح الصورة أكثر, فالرئيس عباس اضاف إلى شروطه التعجيزية في قضية الحوار الداخلي الفلسطيني شرطاً غريباً عجيباً حين إشترط إعتراف حركة حماس بالشرعية والإتفاقيات الدولية وهو شرط تعلم إسرائيل نفسها إستحالة إشتراطه على حركة كحركة حماس وهي – أي إسرائيل – إضطرت إلى تخفيض سقف مطالبها لفك الحصار إلى حد وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية! لكن الرئيس عباس مصر على أن يكون إسرائيلياً أكثر من أولمرت نفسه! واما على صعيد قضية المعبر الذي فضحت رسالة الوزير عمر سليمان مدير المخابرات العامة المصرية إلى رئيس سلطة رامستان تورط سلطة رامستان ورئيسها شخصياً في التنسيق والتحريض على حصار غزة أملاً في عودته إليها فإن الرئيس العتيد رفض الفرصة التاريخية لتحويل معبر رفح إلى معبر فلسطيني – مصري خالص وأصر على وجود الكاميرات الإسرائيلية والمراقبين الإوروبين الذين كانت مهتمهم تزويد إسرائيل ببيانات الداخلين والخارجين ومنع من تشاء إسرائيل منهم من الدخول والذين كان إنسحابهم من مراقبة المعبر بطلب إسرائيلي بداية لماساة إقفال المعبر وعلامة على انطلاق كارثة تجويع وتركيع غزة! وبمعنى ابسط واوضح فإن الرئيس المزعوم يريد أن يعيد لقبضة إسرائيل قوتها بعد أن اسقطها صمود الشعب الفلسطيني في غزة وهبة الجماهير الكبرى يوم هدموا الجدار وفتحوا المعبر! لقد دفعتني تصريحات رئيس رامستان ومواقفه وهو الذي نسي الذل الذي يلاقيه وفده المفاوض على الحواجز الإسرائيلية وهو في طريقه للتفاوض, الرئيس الشديد على شعبه الذي لا يجرؤ حتى على مجرد التلويح أو التهديد بوقف المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي رغم إستمرار الحصار والقتل والإستيطان, لقد دفعني كل ما ذكرت وهو غيض من فيض إلى تبني النقطة الثانية وهي أن رئيس رامستان محمود عباس يمتلك نظرية فريدة جديدة في كيفية تحرير فلسطين كل فلسطين وأننا نحن االذين لم نفهم بعد هذه النظرية التي قدر الله لي أن أحظى بمقاربة خطوطها العامة بحيث تتضمن أن يعطي رئيس رامستان الشعب الإسرائيلي وداً وعشقاً ودلالاً لا يفعله أحد من سياسي إسرائيل ولا وزراءها! وأن يسهر على أمن وسلامة ورفاهية وحرية الشعب الإسرائيلي حتى يكون أقرب إليه من حبل الوريد حتى ولو كان دم الوريد الفلسطيني قد أغرق الأرض والسماء ! حتى إذا ما فعل ذلك – وهو فاعل – نظرالشعب الإسرائيلي إلى رئيس وزراءه الملطخ بوحل غزة و المهزوم في طين لبنان ثم قارن ثم فكر وقدر بعد أن قارن ونظر ثم لم يجد له أفضل ولا أوفى ولا أخلص ولا أسبق ولا اشجع ولا أحرص من محمود عباس ليسهر على مصالحه فإذا ما إنتخبه الإسرائيلون رئيساً لهم بنسبة 99,99% نكون قد ضمنا السيطرة على كل فلسطين فلا القدس ضاعت ولا الأرض إجتزئت ولا الحقوق سقطت ولا المقاومة نسفت فما لكم أفلا تفهمون! * أديب سوري - السويد
#محمد_شادي_كسكين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة والخيانة واللغة وشجون أخرى
-
نحن لا ننسى والدم لم يجف بعد: ساركوزي لا مرحباً بك
-
إعلان تأسيس المركز الإفتراضي لإبداع الراحلين
-
المبادرة التأسيسية لإتحاد- المدونون لأجل التغيير والبناء-
المزيد.....
-
-معاد للإسلام-.. هكذا وصفت وزيرة داخلية ألمانيا المشتبه به ا
...
-
-القسام-: مقاتلونا أجهزوا على 3 جنود إسرائيليين طعنا بالسكاك
...
-
من -هيئة تحرير الشام- إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف
...
-
جزيرة مايوت المنسيّة في مواجهة إعصار شيدو.. أكثر من 21 قتيلا
...
-
فوائد صحية كبيرة للمشمش المجفف
-
براتيسلافا تعزز إجراءاتها الأمنية بعد الهجوم الإرهابي في ماغ
...
-
تغريدة إعلامية خليجية شهيرة عن -أفضل عمل قام به بشار الأسد
...
-
إعلام غربي: أوروبا فقدت تحمسها لدعم أوكرانيا
-
زعيم حزب هولندي متطرف يدعو لإنهاء سياسة الحدود المفتوحة بعد
...
-
أسعد الشيباني.. المكلف بحقيبة وزارة الخارجية في الحكومة السو
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|