|
لمحة في خصوصية المكان لدى الروائي فؤاد التكرلي
جمال كريم
الحوار المتمدن-العدد: 2178 - 2008 / 2 / 1 - 09:55
المحور:
الادب والفن
بدأ فن السرد القصصي والروائي في العراق منذ ثلاثينيات القرن الماضي ، تقليديا من حيث الشكل والمحتوى ، فقصص وروايات ، محمود احمد السيد وذنون ايوب وشاكر خصباك في بداية مسيرته الادبية وغريهم من مجايليهم ، لم تخرج من أطر التقليدية ، حيث عالجت أغلب تلك النتاجات موضوعات اجتماعية عراقية كانت سائدة سنينئذ وباساليب وتقنيات فنية بسيطة ، وربما يكون هذا السياق السردي قد ظل ساريا خلال سنوات العقد الرابع من القرن المذكور ، غير أن اغلب الباحثين والدارسين الذين تناولوا السردية العراقية الحديثة من حيث النشاة والتطور ،وبخاصة دراسات الراحل د.عبدالاله احمد ،يذهبون أو يؤرخون لنشاتها الفنية الحديثة ، الى مطلع العقد الخامس وما تلاه من اعوام ، مع ظهور كتاب بارزين في حداثة هذا الفن ، امثال عبد الملك نوري ومحمود عبد الوهاب ومحمود الظاهر ونزار سليم ، والتكرلي وعيسى مهدي الصكر وغيرهم ، وقد كان لكل كاتب موضوعاته ومعالجاته فضلا عن اسلوبه . ويذهب بعض النقاد والدارسين الى القول ان الحداثة في القصة العراقية ارتبطت بكاتبين هما عبد الملك نوري ، وفؤاد التكرلي الذي ويتفرد من بين مجايليه في فن السرد العراقي الحديث ،بنواح تقنية واسلوبية انعكست على معالجاته التي انصبت على الموضوعة العراقية ، مكانا وكيانات اجتماعية ، تنتمي اغلبها الى الطبقة البورجوزية الصغيرة والوسطى ، والفئات الاجتماعية الكادحة والمسحوقة ، ولاغرو في ذلك اذا ما عرفنا ، ان التكرلي نفسه ، عاش فترة طويلة من حياته في وسط حي شعبي من احياء بغداد- باب الشيخ - ، فكان قريبا من مخلوقاته الاجتماعية ، متفهما لمعاناتها ، بل منغمسا في همومها ، وعارفا بتطلعاتها مع أنه كان ينتمي اجتماعيا الى الطبقة البرجوازية الوسطى ، وهو في كل قصصه ورواياته ، يتقصى حركة شخوصه القصصية أو الروائية في فضاء مكاني عراقي فحسب ، اذ قلما تجد ، أوربما ينعدم وجود فضاء مكاني آخر ، غير الفضاء العراقي ، لكن قد تكون هناك اشارات الى امكنة أخرى وهي لم تتخط حدود الاشارة ، كما في شخصية "حسين " في رواية الرجع البعديد حيث تشير الرواية انه سافر في رحلة عمل الى الكويت ومن ثم يعود الى بغداد ، بل الى محلته الشعبية بالتحديد ، على اية حال ، لو تتبعنا بترو الامكنة والاحداث وحركة الشخصيات القصصية والروائية للتكرلي ، سنجدها أمكنة عراقية خالصة ، يحرص التكرلي على هندستها بتقنيته السردية المعروفة ،فالمرأة البغي في قصة "العيون الخضر" تتحرك ضمن مديات مكانية محددة ، فهي تنتقل من بغداد باتجاه مدينة كركوك ، متذكرة أحد زبائنها البريئين الذي يدعوها الى أن تاتيه الى بعقوبة اذا ضاقت بها سبل الحياة في بغداد ، وكذلك شخصية "منيرة "في رواية الرجع البعيد ، فهي تنتقل من بعقوبة الى بغداد ، او تتبعه لحركة توفيق لام ،وعائلة عبد المولي ومكونها الاجتماعي في خانقين وحتى انتقالها الى بغداد في رواية الاوجاع والمسرات ،وكذلك شخصية "محمد جعفر "في الوجه الاخر ،و"هاشم السليم " في خاتم الرمل ، وغيرها من الشخصيات الاخرى في مسرح احداث القصص والروايات ،كما أن الحورات باللهجة الشعبية التي ترد في أكثر نصوصه القصصية والروائية ، تلعب دورا مهما في الكشف عن هموم ومستويات الرؤى المختلفة لدى شخوص التكرلي ، فضلا عن الكشف عن أبعاد وتاثيرات المكان من الجانب النفسي والمعيشي على تلك الشخصيات ، بمعنى ان أمكنة أو مسرح – على سبيل المثال - رواية الرجع البعيد التي وثقت للمكان والاحداث في حقبة جد مهمة وشائكة من تاريخ العراق الحديث السياسي والاجتماعي من وجهة نظر روائي محايد ومتمكن من أدواته فنه السردي كالتكرلي ، الا وهي مرحلة ما بعد ثورة الرابع عشر من تموز وما خلفت من تداعيات على صعد حياة المجتمع العراقي أعوامئذ ، بل وما رافقها من صراعات سياسية على دفة الحكم وخزائن الثروة ، فالاحداث والشخصيات المحورية ، بمختلف انتماءاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية ، تتحرك على فضاءات مكانية عراقية ،وبخاصة في بغداد ، وضمن جغرافيا الاحياء الشعبية ، كباب الشيخ وما يتبعها من ازقة وحوار ، او شارع الكفاح وما يتماس أو يتقاطع معه من شوارع ومحلات شعبية ،ويحاول التكرلي تبعا لخصوصية هذه الامكنة ، من حيث المشكلات الاجتماعية ومستويات الفقر ، وعمق معانتاها ، وحدة صراعاتها ، أن يتعامل معها بمنتهى الواقعية ، فلذلك غالبا ما يوظف المحكيات الشعبية ، توظيفا فنيا جماليا ، قلما يجاريه في ذلك كاتب عراقي ، اذا ما استثنينا الروائي الراحل غائب طعمة فرمان الذي وظف هذا المحكي في اغلب رواياته وبخاصة "النخلة والجيران" ، هذه المحكيات ، سواء ما ورد منها على لسان الشخصيات في حوراتاها الخارجية أو الداخلية ، او أثناء قصدية السارد على توظيفها ، كانت بلا شك تعبر عن خصوصية المكان الذي تشكلت وتنوعت في محيطه . يصف التكرلي في احدى مقابلاته الكتابة بالقولك"الكتابة عملية غامضة وومتعة ومحاطة بالمعاناة ...والحرية الداخلية تطلق طاقة الابداع ". اختزال عميق ، يقدمه التكرلي في رؤيته الى عملية الخلق ةالاصالة في الكتابة ، وهو بلا يشك ، لن يستثني فضاءات المكان ، باعتبارها مسارح للاحداث والمعاناة ،وايضا ، فضاء لممارسة تلك الحرية الجوانية التي يشير اليها التكرلي . ان لمحة سريعة حول خصوصيات المكان في قصص وروايات التكرلي ، لم تف بكل تأكيد بالغرض ، فهي تحتاج الى دراسة عميقة وشاملة لتلك الخصوصية .
#جمال_كريم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خليل الاسدي في(ويظل عطرك في المكان) يروي ما كان ويرى ما كائن
...
-
فاديا سعد في روايتها (ما عدت .. انا) الانفتاح على الانا في م
...
-
سهيل ياسين في -خطاب عاثر-.. سرديات تبحث عن اليوتوبيا المستحي
...
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|